أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - زياد بوزيان - قيم الإنسان بين الزمن الجميل و زمن الشّدة















المزيد.....



قيم الإنسان بين الزمن الجميل و زمن الشّدة


زياد بوزيان

الحوار المتمدن-العدد: 5986 - 2018 / 9 / 6 - 01:55
المحور: العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
    


كنت قد تعودت على بيع الحمّص في سوق الدَّلاَّلة[*] ، أجل وبعد مدة غير بعيدة وجدتني أبيعه في سوق الدِّلاَلة ، أي نعم ، وبين الدَّلاّلة والدِّلاَلة سمة الشّدة وقوة قلبها للمعنى والأشياء ، فذلك الحمّص الذي كانت تنتجه الكمونة الاشتراكية الفلاحية بعفوية سخائية والتي تدعى محليا ﺑ" coopérative" حتى نهاية الثمانينات في عديد القرى الفلاحية في الجزائر ، إذ كان الفلاح يرمي بذوره ويمرّر الماشط فتأتي الغلة والمحصول حتى الكل يشبع ، الفلاح ، الحكومة وحتى الناس الغَلابة تجني وتوفر، من دون أن يعترض سبيلها أحد وأطفال البايلك يجنون أيضا والطيور تجني هي الأخرى.

ومنذ ذلك الحين ما برحنا في حلّنا وترحالنا نجول ونصول ، تارة بين نص لغوي ونص آخر عددي (لوغاريتمي) و بين نص بيولوجي داخل صفوف المدرسة وطورا على أعتاب نص كودي قِراءاتي مُعد فقط لفك ألغازه خارج أسوار المدرسة بالضرورة ، حتى ولجنا معاقل الفكر وأغواره و وقفنا على خبايا العقل العربي الراهن بدروبه الوعرة واختبرنا بجد الأدب وقضاياه التراثية والمستجدة معاﹰ والمقال الإعلامي السطحي المستكنه لأغوار الكتابة ليس إلاّ ، كذالكم ، لنَعْرُج منهم جميعا على كل ما من شأنه أن يُجلي الغامض ويؤجج القريحة المفاهيمية ويشحذها إلى درجة من الدهشة والاستغراب ، والتي ريّما تقيم الدنيا ولا تقعدها بالنسبة لبعضهم ، مُستجلين ما استطعنا إليه سبيلا من أفقٍ للتقارب والتباعد بين التفكير العقلي والتجربة الشخصية الذاتية ؛ فالسؤال الذي ما انبرى يؤرقنا هو شتّان بين قواعد النظرية المجرّدة وظروفها الباعثة على الراحة والطمأنينة لدى الباحث ، أي باحث وليس الباحث العربي فقط ، و الواقع العملي وظروفه الباعثة على القلق والشك الدائمين في تاريخ الفكر الإنساني كله ، والذي تجلّى أكبر مع بروز التيارات المتطرفة الراهنة ، من هذا الجانب أو ذاك ، مستنيرين أفقه الحالك ليس ﺑ" لَمبَة " منهج الشك الديكارتي أحد المناهج الطهطوية الداعية إلى إعمال العقل والشك في كل شيء ، هذا المذهب الذي أكل عليه الدهر و شرب ؛ إذ لم يبقى من مستعمليه في وقتنا الحاضر إلاّ من يعيشون بذكرياتهم في ذلك الماضي الجميل ، أو قل الزمن الجميل ؛ ماضي وزمن طه حسين والعقاد وأحمد أمين ، ولكن بلَمْبة التجربة الشخصية الذاتية الاجتماعية تبَعي ؛ التي تخصني في أكثر من مكان وزمان عبر هذا الحل والترحال أيضاﹰ ، فإذا كان القذافي رحمة الله عليه كان في حلّه وترحاله عبر السّفانا الافريقية توّج نفسه ملكا على ملوكها ـــ وكان شخصية براغماتية اشتراكية و ذرائعية تتلون كالحرباء من أجل خدمة مصالح شعبه العربي الأمازيغي المور وحده ، كان شخصية براغماتية في عالم السياسة والاقتصاد ولم يكن شخصية جدلية إلا في مجال الفكر والثقافة ؛ لسوء حظه إستسهل هذا الميدان العميق وتوهم أنه يمكن أن يخوذ فيه بنجاح كما فعل مع السياسة والعسكرية ، حتى وإن كان جل المفكرين يشككون أن الكتاب الأخضر هو تأليف جماعي لمستشاريه في الشؤون الفكرية ذات الأبعاد السياسية وليس من تأـليفه المطلق ، وما أيّد هذا الطرح هو المحاضرات السطحية ( التي كان ألقاها في أكثر من جامعة ومنظمة بحثية في ليبيا وخارجها) : أسلوبه في الاقناع علميا ضعيف وحججه لا تستند على قواعد علمية ومنهجية صحيحة ، ناهيك عن ميله لتبني لِأفكار الحداثة الغربية من وجهة نظر مسيحية وليست إسلامية ولا حتى حيادية كالحوار مع الآخر( الذي تبنته الفاتيكان ) ومفهوم النبوة وسماوية الديانات وغيرها ، التي وسّعت الهوة بينه وبين شعبه المتعلق بتاريخه الحضاري الإسلامي ، على الأقل ، وعزلت مشروعه الأممي" الولايات المتحدة الافريقية"، حتى إذا جاءت فرصة الربيع العربي ، فخاطبهم محرّضا فلم يستجيبوا له ـــ

فأنا اليوم قد اعتراني ما اعترى القذافي دونما تقليده ــ تمنهجت بمنهجه البراغماتي العقلاني قبل أن أتعرف على شخصه ــ فكان إذا خاطبهم القذافي قائلاﹰ : « من أنتم أيها الملوك حتى تكونوا ملوكا على الناس؟ » قالوا : ومن تكون أنت؟ على لسان الملك عبد الله وصدام حسين معاﹰ ، فرد قائلا ﹰ:« (...) فأنا اليوم الحر الثوري سليل عمر المختار و تشي قيفارا ، سأكون ملكا على من يستعبد الناس بتملكي عليكم ، تحريرا للناس من استعبادكم لهم » ، فأنا اليوم كذالكم وجدتني أقول ما قاله القذافي لكن ليس للملوك ، لأني لست سياسيا ولا قائدا ، بل كناقد أُعمل الفكر ممنهجاﹰ وصولاﹰ إلى حقيقة ، لا تسقط في المعارضات والنواقض مع المنهج البراغماتي العقلاني للوهلة الأولى ، لِذا سأخاطب أساتذة الجامعات الإفريقية المتخلّفة من يحملون درجة الدكتوراه بخاصة الجزائريين في قسم اللغة العربية وآدابها الذين يحملونها زورا وبهتانا و يحملون البروفيسورية الشاحذة لأطنان من الأموال ( ما يعادل خمس أو ست مرتبات بناء أو فلاح بسيطين وهم يعرفون أنفسهم جيدا) دون أن ينعكس علمهم وفكرهم على مستوى هذا القسم وبعضا من حلقاته وطنياﹰ على الأقل ، ولا على مستوى حديث المجتمع المنقسم على نفسه بين فرانكفونيين ومستعربين ، مجتمع أساتذة اللغة العربية وآدابها ببن عكنون بلسان الضاد ، بل الأدهى والأمر هو تكريسٌ للطبقية وللأمر الواقع المتمثل في ظاهرة الجلاد والضحية : السّيد المتفحشش أو المستكبر بجاه أو شهادة علمية عليا على : الذات القصيرة الطرف والطالب الناوي والباحث الغاوي (بحث حقيقي) والمواطن الغلبان، الذين يرومون كلهم تقديم الأفضل لأنفسهم وبلدهم فيصطدمون بهذا البون الشاسع بين ما تقوله النظرية وما يقوله الواقع في بلدانهم. هو تعسف في توظيف المسئولية ، فما أدراك أنت إذا كنت أستاذا في أمر سقيفة بني ساعدة ولا في سر ترتيب سور القرآن حتى تفاجئ به طالب من المفروض أنه ذكي بما فيه الكفاية (الماجستير) لكي يهتدي إليه لوحده ، والذي يتحول إلى استبداد بل استعباد قهري ثم سلوك عادي و إلى سياسة فيفتي فيفتي أي إعترف بي ــ بضعفي ــ وتملّقني أعطيك شهادة وأزيد! لا يوجد استعبادا وظلما كونيا أشد فتكاﹰ من الاستعباد والظلم الفكريين ، أي التغليط والهروب من الواقع، بالدفع الراصد المُصر إما على الرفض وإما تبني الأطروحة الخاطئة بصخب العاطفة وحدها ، وهو ما من شأنه عزل النخبة عن فضائها المستعرب ، وعزل النخبة عن فضائها الفرانكفوني أيضا بالتالي تنحصر الثقافة عن الطبقة الوسطى التي هي أوسع طبقة في الجزائر، والسبب هو أن النقد والتقويم يصبح غائب وهو أساس أي نهضة وتقدم ، في عصرنا اليوم حتى الأنبياء لم يسلموا من النقد بيد أن هناك في جامعات الجزائر مازال منهم من يعيش سنوات السبعينات تلك السنوات التي سمحت لدويكتر في الأدب والنقد ليس بمقدوره التفوه بحملة عربية واحدة سليمة ، ولا يعرف من النقد إلاّ تلك التي تطريه وتجعله يغمط العين عن أي مستوى حقيقي مُحرج ؛ يصبح بين عشية وضحاها عصاميا في مصاف الأنبياء والمرسلين بل متألهاﹰ على أي تفكيكية وعدمية داخل الفضاء النصي لِزاماﹰ[†] ، لأن صاحب النص ضعيف وهو لا يرغب أن يصبح موضوعا للحقيقة ولوحده! إما عملا بالمذهب الفلسفي القائل إذا فتحتُ نافذة فأنا أفتحها تحت مسئولية الجميع! وإمّا عملا بالآية «لا تزر وازرة وزر أخرى » ويلعب التعالي النخبوي الأيديولوجي و البورجوازي المتضاد بين الفرانكفونيين والماركسيين والمستعربين دورا في إقصاء وتهميش الفكر العقلاني النّير الصادق مع نفسه وغيره ، فيؤثر أصحابه الهجرة على الإستعباد ، وتصبح الطبقة التي تحمل رصيد معرفي ، التي تعمل في ميدان الفكر( أساتذة الجامعات "دكاترة العلوم إنسانية كانت أو علمية") بما يُملى عليها دينيا وأيديولوجيا ، ممثلين سذّج للخطاب الديني والسياسي الأيديولوجي وجلهم من القسم المذكور أعلاه ليس لضعف مستوى القسم مقارنة بالأقسام الأخرى فحسب ، لكن كون أساتذته غرباء على التخصص نفسه ، إلاّ من رحم ربك! وإذا ما تجرأ وعلّم أحدهم النقد الحقيقي لطلبته حتماﹰ ستلغى علاقة الفيفتي فيفتي بينه وبين موكِلينه فيُطرد.

هذه الأيديولوجية ، وهذه السياسة ، في معقل من المعاقل المعوّل عليها نهوضا بالأمة ، في ميدان حساس ومؤثر على كل القطاعات، لأنها كلها تستقبل كوادرها منه ، ألا وهو قطاع التعليم العالي والبحث العلمي ؛ يأتيك منها دكتورا مختصا في اللغة والأدب ولا يعرف كيف يصيغ جملة مفيدة بعربية سليمة ، أجل إنها الحقيقة التي لم تلدغ أحدا ، والنسبة نسبة مفزعة يا عالم ، والمروع أنه يتباهى أنه تعلمها أباﹰ عن جد أي عن الرواد ـــ والرواد في تاريخ الأدب العربي بالجزائر عاشوا في مرحلة تعتبر من أسوء المراحل في تاريخها العلمي والأدبي 1929-1949 واكب قحطا اقتصاديا وثقافيا وحتى سياسيا رهيبا ؛ سنوات مجاعة حقيقية مع ذلك كانوا روادا! لعلّ هاهنا تبدو نظرية القطيعة المعرفية الأدونيسية[‡] شاكية باكية مولولة عند أقدام علماء الجزائر ومفكريها المعاصرين متوسلة أياهم أن طبقوني على تراثكم المعرفي الذي أنجب روادكم طبقُوني أنا في حماكم طبقُوني.. آه كم أنا أتألم طبقوني ـــ وهذا الدكتور الذي نعني هو دكتور بل دويكتر تخصص علوم اللغة العربية وآدابها ، وليس غيرها ، سيصبح بروفيسور في مدة قياسية يطلب منك أن تحترمه وتلقي عليه السلام وتمجّده وتتملقه بالإطراء النقدي في شخصه وفي أعماله بين قوسين ، أما إلقاء السلام ؛ السلام في مضمونه الانساني الشامل ، ستجده كأنه لم يسمعه! إذا من أنت في ظلمك واستبدادك بحق السماء؟ ما أنت إلاّ دويكترٌ ولج التخصّص مستسهلاﹰ محتقرا[§] في نظر الدكتور الحقيقي ، كإحتقار ملوك إفريقيا لرؤسائها ، ولكل مخلوق لا تشع منه الأُبّهة الملكية ، فمن أنت حتى أتملّقك؟ بل أنظر نفسك في المرآة أولاﹰ لتتعرف على نفسك ، بربّك من تكون؟ أَوَلاَ تعلم من درس الأدب المقارن أن الآخر هو إنعكاس للذات؟ إني سأحقّر ذاتي وأهين إنسانيتها ، حتى و لو جاملتك مجاملة الطالب لأستاذه ، فضلاﹰ أني أقر بضعفي عندما أعترف بضعفك وضعف من تقاسموا معك الكعكة حينئذ.

إنّ هذا هو هدفي ؛ هو تحقير " هؤلاء وأولئك " كما فعل القذافي مع ملوك إفريقيا تماما ولن يكونا ـــ هؤلاء وأولائك ـــ غير الصنفين اللذين ذكرنا ، وقد صادفتهما عمليا في الواقع لا كما ذكرتهم الكتب ، فأثناء دراستي الجامعية في قسم الترجمة إلتقيت ليبراليين مُلحدين وفي قسم اللغة العربية إلتقيت بأصوليين متطرفين : تتويج نفسي دكتورا عليهم بل بروفيسورا عليهم أي دكتور الدكاترة و بروفيسور الأساتذة بإصرار و ترصد فمن سيمنعني؟ لِأني سأحسبني حينئذ ثائر حر مثل القذافي ، لكن على الجمود الفكري المُطبق ، وعلى الاستغلال والتهميش ، والمحسوبية والرشوة والحقرة والفساد ، وتوظيف المنصب لطموحات ومرام شخصية.. و لأننا بصدد الفكر العربي الذي نعمل به وإليه وليس منه وإليه ونروم تحريرا له كمن رام الشاق العسير من الطلب ، ولهؤلاء وأولئك في القسم المذكور معاﹰ نقول : من خوّل لكم تحجير الفكر و تبييئ النقد هكذا وفرض حصارا وطمسا للحقائق على شعوبكم ، بل من أعطاكم التفويض في التّدكتر على الناس وأنتم لم تقدموا له سوى الذل والإستعباد ثم الخمول ، الانحطاط والتقوقع؟ لم تعلّموا شيئا غير ثقافة التدجين والرّضى والمهادنة. ها !! ياريت لو أنكم قمتم مرة واحة على أرجلكم وقلتم لا، لكنكم لم تقوموا ساكنين جاثمين! لِتقولوا لا للتخلف ، لا لخضوع المفكر والمثقف للسياسي، أبدا . طفقتم تقاسمون طاغية السياسة وطاغية العقيدة استعبادهما وتسكتون كما تسكت المازوشية في ماخورها ، متمطّعين ، متملّقين ، متبجحين بمراكزكم أمام المستضعفين فقط ، أما الأقوياء فتنتكسون أمامهم ، تبيعون أنفسكم لهم وأنتم تعلمون أنه كان قد باعهم العالم العز ابن عبد السلام منذ عشر قرون خلت ، ليت شعري ، بل أنتم الأسفلون من سكرة جهلكم لا تبرحون جافلين أبدا ، بلى ، إنكم تشاطرون الطغيان طغيانا إذن، فهل ستنطلي حيلكم الخبيثة المُحكمة الحبك على صناديد أبرياء ، طامحين لكسب بشرف ما يأخذون من علوم. فمتى تدركون أنكم تشاطرون فقط وجدلياﹰ السبات والخمول والرجعية ؟

لعلّه من دواعي هذا الإدراك الخطير فيض التجربة الخاصة المتكئة على التجلي وإمعان العقل معاﹰ، فأنا صادفت على أرض الواقع شيوعيين وملاحدة وإرهابيين أصوليين من ورثة فكر الخوارج[**] قبل أن أقرأ عنهم ، وكانت قد عجّت بهم بعض حواضر الجزائر ومازالت لخاصية يمتازون بها عن غيرهم وهي العُصاب الزائد والميل الفطري للأنانية ، وكادوا أن يرموا بي في غياهب الجب أكثر من مرة حتى قبل أن أعرفهم وأقرأ فكرهم المتطرف ، ولعلّ ما صقل هذه التجربة وسدّدها نحو هدفها هو المنهج الشّكي العقلي العلمي الحر، السليم الناجع ـــ و لا فرق عندي هنا بين مصطلحي العلمي الحر والعلماني الحر ـــ ولازالا كلا الفريقين يقولان : « لا وجود للعقلانية والحرية إلا عندنا!» فأي عقل وأي حرية تلك التي تتجاوز حرية الآخرين؟! لعلّها تتحول بذلك إلى نقيضها وتصبح تحقيرا للذات واستعباد لها جدليا ؛ فعقلية جادله فجدله التي أضحت جزئاﹰ من تراث الفكر العربي وراهنه هي أبعد ما تكون عن التصور الحداثي للحرية والعقلانية ، ذلك التصور الذي قاد العالم إلى ما هو عليه اليوم من تطور معرفي علمي وتقني هائل ، متحدر من مقولة الفقيه الفرنسي مونتسكيو في كتابه روح الشرائع : » تنتهي حريتك عندما تبدأ حرية الآخرين « بذلك لا يتصور بهكذا فكر أن تقارب الشيوعية و لا الإسلام المتطرف، كليهما بأي شكل من الأشكال، التطور الحضاري الحاصل في الغرب ؛ ولا نقصد بالجدلية ها هنا النظرية الجدلية المادية والتاريخية بل نقصد بالجدلية المحاجة العقيمة وشدة الخصومة وثباتها بطلانا بالباطل و اللغط لا أكثر، كتلك التي أجلتها مقولة أفلاطون « أيهما جاء أولا.. الدجاجة أم البيضة؟ » يندرج ضمن هذه البنية العقلية الجدلية التي هي سمة كونية ، إحتقار أحد المشايخ والأساتذة الدكاترة الكبار[††]! الذي درس في أمريكا ويدرّس في جامعة الخروبة في العاصمة الجزائر، للآخر في مقولته المضللة ، الذي إن كشف عن شيء ، كشف عن حملِه لفكر أصولي مقيت هو أن الوحي حرر الانسان من شهواته أما العقل الغربي فاستعبد الانسان، دنّسه بجعله أسير شهواته! وهذا في معرض إجابته عن سؤال ، ما مفهوم الحرية في الإسلام؟ ويضرب مثالا جدليا بامتياز قائلاﹰ : قول لا إله إلا الله هو قمة الحرية ، العبودية في الإسلام هي إرادة من الله لتحرير الانسان ( ثم يستشهد بمقولة عمر ابن الخطاب المعروفة) ثم يواصل قوله : انظروا إلى عدد البقر في الهند الوثنية التي تقدس البقر كم أصبح؟ أصبح 320 مليون بقرة تموت فتُحرق بينما نفس العدد من البشر يموتون جوعا!. لكن لماذا لا تنظر حظرتك إلى عدد الخنازير في مضارب الجزائر وفجاج أريافها ، كم أصبحت قطعانها المخيفة لا تفسد الزرع فقط بل تقتل البشر! من هو الأفيد لحماﹰ للجوعى عندئذ البقرة أم الخنازير؟ ها أنت دونهم في الحرية التي إدعيتها لنفسك ونفيتها عن الآخر غير المسلم ، وأين غابت حادثة استعباد عمر ابن الخطاب للناس وقد ولدتهم أمهاتهم أحرار عنك ، حين جاء يسقي للرسول فرمى إناء الرجل اليهودي و وضع إناء الرسول قائلا له : لا أحد يسقي قبل رسول الله! أم أنك دون مستوى طاقة التفكير البشري ومنهجه السوي نتيجة تحرير الوحي والدكتوراه لك! بل ستثير معشر الملاحدة الفنانين[‡‡] إثارة عصبية لا إثارة جدلية فحسب ، فيروحون فاتحين قنوات اليوتيوب كي يمارسوا ما تكرهون ويردّون الصاع صاعين : يظهرون الديوثية والتخنث في غمرة رد فعل عصبي يغيب عنهم احترام الناس الآخرين ـــ الذين من هم بحاجة للاحترام ، مسلمين معتدلين كانوا أونصارى ـــ مثلُهم كمثل المعلمة التي تتعرى لعشيقها المعلم أمام التلاميذ إلا كي تحرق قلب ابن طليقها السابق في الصف ، وتُشفي غليلها منه ، لكن ما ذنب التلاميذ الآخرين ، ففي سلوكها قسوة على البراءة ما بعدها قسوة!

وبالرجوع إلى من يعيشون على ذكريات الزمن الجميل ، سأجدني واحدا منهم بلا أدنى شك فأي عبق أطيب و أزكى للنفس وأريح لها من استعادة ذكرى سنوات الصبا الحالم؟ من خلال شم عبير دون غيره أو نبتة دون غيرها أو لمح لون أرجوان أو نمنات ونقوش ، كانت تسجى بها حلوى الترك الثمانينية ، وإذا ما اقترنت تلك الألوان والروائح بأصوات الأم أو الأب المميزة فإنها تكون أقوى تحفيزا وإيقاظا لتلك الذكريات التي قد علقت بها ، فجاءت بها مسترسلة عند كل مصادفة ؛ فهو عطر الذاكرة و لون و صوت الذاكرة وأي ذاكرة إنها ذاكرة الزمن الجميل ... أذكر مرّة وأنا في حدود العاشرة من العمر كيف أحضرتُ رزمة من الحُمّص الأخضر إلى البيت ، ففركته أمي رامية بالسيقان إلى المعزة ، وتناولت لأول مرة في حياتي من يديها شُربة الحمص الأخضر، والذي يقال عن الحمص الأخضر يقال عن الفول الذي لا تزرعه الكوباراتيف بكميات كبيرة كون زراعته متاحة للقاصي والداني ، بل تزرعه في شكل مربع داخل حقول القمح أو حقول لافيس/ البرسيم ، لأنه ببساطة كانت البلدة قروية وفي ذلك الوقت تعيش تحت رحمة أُلفة الزمن الجميل ، جميع الأهالي لهم بقعة قرب منازلهم يستغلونها برمي بذور الفول هكذا عفويا ثم تمرير الفأس الماشط هم أيضا وتأتي الغلة وفيرة ، وإذا ما مرّ غريب على الغلة فإن الأب يأمر الأطفال بجني الفول له كصدقة ، أما إذا كان شخصا معروفا في الحي فإنه يجني من دون مشورة صاحب الفول ، أنه ببساطة الزمن الجميل الذي نحِن بعد طول فراق إلى حياته الهنية وطيبة معيشته وبساطته أيّما حنين.

أجل كنّا نمجد الله والوطن ونباركهما أيّما تمجيد وأيما تبريك بفيض وجداني غامر ملأه الأخوة والمودة ، كنّا هكذا ببساطة ننوي الخير للجميع ولا ننويه : النية تبقى في قرارة صاحبها ، حتى الدعاء يبقى مجهورا حتى لا يقال تشدُّق وتشهير [§§] برغم من أني كنت في سن الخامسة سنوات 81 ، 82 ، 83 السنوات الذهبية لذلك الزمن غير أنه مع مجيئ العام 1984 بدأ الحال في التغير، حقا ، تلك السنوات الطاهرة الشريفة ما كانت لتكون لولا ظروف اقتصادية وديمغرافية مساعدة مرّت بها الجزائر قاطبة منذ 1966 حتى العام 1984 لكن بدأت الأمور تتغير مع انخفاض مفاجئ في أسعار النفط والتحول من الاشتراكية إلى إقتصاد السوق رويدا رويدا بعد أكتوبر 1988 ، حتى ولم تختفي الكمونات باقتسام أدوات الإنتاج والأراضي الفلاحية بين أعضائها في القرى والبلدات النائية إلا مع بداية التسعينيات، في حين حدث ذلك في المدن والحواضر الكبرى مبكرا غير أنّ التحول إلى إقتصاد شبه ليبرالي بدت ملامحه تظهر باختفاء أسواق الفلاح والمونوبري نهائيا ، وانتفاء مظاهر الإحتفاء بالمحاصيل الكبرى ، كمحصول الحمّص الذي ذكرنا فتقلصت تْويزات ، وإنحصر التكافل الشعبي العفوي بين الناس في القرى و المداشر فحتى " الوعدات" وهي احتفاليات موسمية تكريساﹰ لوالي من الأولياء الصالحين بدأت تقام بين ذوات البين فقط .

أجل ، كان إذا دخل الربيع تجد كل الناس لديهم محاصيل ربيعية وفواكه ربيعية منها الفول الأخضر والفلفل الوفير و التين و الخرُّوب ، حتى لو لم تهطل الأمطار بشكل كافي ، أما إذا جاء الصيف الطويل حيث يفرغ التلاميذ من المدارس والناس من أشغالهم ، فالصيف عندنا لا بحر و لا رحلة ولاهم يحزنزن ، فالصّدة[***] هي إلى حوطات وأحواز البلدة من شمالها إلى جنوبها حيث موعد جني المحصول حمصاﹰ كان أو قمح أو ذرى ، أو بطاطس وبطيخ ، بيد أن أشد لحظات وطأة وأسرا للذاكرة إلى ذلك الزمن الجميل المختلج دوما لوجداني هو محصول الكوبارتيف من الحمّص ، أجل ، وكان الجني يمتد ليشمل شهر أوت كله ، ربّما لأنه واكب مرحلة شديدة التأمل من صبايا. أما عن "موضة" ذلك الزمن الجميل زمن رحابة النفوس و رفاهيتها عن الدنايا والأحقاد الملهم من شساعة الحقول والمساحات المفتوحة على البساتين و ممراتها الضيقة الساحرة المؤدية للغابات والبراري المجاورة ، فهو ضيق بيوت الإسمنت والخرسانة مقارنة ببيوت الطوب لقلة الخلق أنذاك ، حيث كانت الجزائر الاشتراكية أنذاك لا تُحصي أكثر من 16 مليون أغلبهم يقطنون المدن الكبرى. أما الموضة الثانية فهي تْويزة والبساطة ، تبادل "الصدقة" بين الجيران بمناسبة وغير مناسبة ، وهي إن لم تكن عشاءا أو غذاءا تقليديا كالبَغْرير أو المْسمّن بالسمن البلدي الحار، أو شخشوخة أو طبق " روينة" فإنها تكون عبارة عن طبق تقليدي يُملأ بقطع من خبز الدار المسونج و حلويات : القريوش والشّراك والمقروط ، بسكويت تجاري وحفنات من التمر الرطب والكرموس. أما شيوخ مركز البلدة الأمازيغ ، فما من صباح جمعة أو إثنين شهده صباي لم أرى فيه أحدهم يحمل إبريقين كبيرين من القهوة والحليب وصينية مملوءة بالفطير والبسبوسة ويضعها تحت شجرة في أطراف البلدة ليقف قبالتها موجهاﹰ كل من يمر بالمكان أليها.

وعلى ذكر الموضة[†††] ، هل مرّ علينا القرن العشرين بدون أن يكتب صفحة تاريخية من صفحات البشر والناس مع الموضة.. كانت الموضة التي طبعت الوجودين مع بداية الحرب العالمية الثانية هي العبث واللهو فغدت حياة الجزائريين المفرنسين أنذاك مسكونة بلبس المعطف الطويل والقبعة الهيتشكوكية ، ثم عندما أطلت البنيوية بعدها عمّت موضة ملابس التيرﭭال العريضة الجنبات و الشعر المنسدل الطويل الرومانسي ، ثم بعدها عمّت موضة سروال اللوبية والجينز ومع بداية القرن ال21 أتتنا موضة السراويل المقلفطة القصيرة مع الصاك الرجالي ، وبعدها بقليل وصلنا إلى موضة التفكيكيين الحقيقية وهي الجينز المقطّع وإطلاق اللّحا ، بدأها اللاّعب ميسي منذ العام 2014 وإنتشرت حتى عمّت جميع الشباب مسلمين وغير مسلمين ، رياضيين وموسيقيين و طلبة ، مع أنه لاعلاقة لهم بالإسلام إطلاقا ، لكن ربما هو الهاجس النفسي اتجاه الشواذ التي شكّلت مواقع التواصل الاجتماعي والأنترنت حماية وفضاءا ناشطا آمنا لهم ، لأن اللّحية علامة الذكورة ضد الديوثة قبل أن تكون علامة التدين والاستقامة الخلقية.

في حقيقة الأمر أن ليسوا الشواذ في مواقع التواصل الاجتماعي (التعصب الهستيري الأعمى اتجاه الحريات الفردية ) بأفضل حال من المتشددين ، كونهم شكل مُقابل و وجودي للتعصب الأعمى اتجاه الحريات الجماعية مثل الحرص على إقامة المجتمع الإسلامي ، فكلا الفريقين هم في حيص بيص من أمرهم ، ولعلّ الذي شغلنا في مواقع التواصل الاجتماعي هو ليس أمر هؤلاء و أولئك ، بل أمر من اتخذ نفسه فجأة إله يعظمها ويجللها بل أكود أجزم أنه يكاد يعبدها عبدا ، سيرا وراء آراء مغلوطة ومتطرفة تنم عن تعطش هيستري للشهرة على حساب الحقيقة العلمية أو الفكرية أو الأدبية الجمالية ؛ والغالبية العظمى من فتحوا لهم مواقع ومدونات[‡‡‡] أنترنتية ــ تكاثرت في السنتين الأخيرتين مقلقة حتى أجهزة الأمن مستنفرة فيالق المخابرات في أكثر من دولة ـــ فمنهم من ولج في أول ولوج له قلاعا حصينة هندسة وعتادا و عدة ، أقصد التي يُعنى فيها أصحابها فيما يُعنون بشؤون الفكر ودروبه الوعرة ، فهم عن جهل وعدم دراية اقتحموها ، اقتحموها ليُفتوا كما يُفتي الجهلة من أصحاب الشيخ الفركوس و الشعراوي والقرضاوي ، يُفتوا في قضايا الدين والسياسة بتركيز غير مسبوق على الحداثة والإسلام كموقع أسمه موقع صحيفة المثقف ، وآخر أسمه موقع الحقيقة السوري و مدونات الجزيرة نت و جيرون وهلم جر .. ليخلصوا إلى القول بركاكة لغة القرآن وطرق موضوعات الاعجاز العلمي في القرآن العصية الطرق ، لعمري إن حال هؤلاء الطفيليين لمثير للشفقة حقا يشبه حال الرُّويبضة الذي تحدث عنه النبي محمد (ص) ، مع هذا اقتحموها "المساكين" كما يقتحم الهايكرز المُخدّر الحواس لموقع نجمه المفضل! و ذلك إن دل على شيء إنما يدل أولاﹰ : على إنتفاء الحرية وقيمها في مجتمعاتهم ، فحالهم يشبه حال الحمير التي تنعتق من الرباط ولشدة فرحها بحريتها تركض مباشرة إلى حقل القمح أو بستان الخُضار فما تفتئ أن يصيبها رجوعاﹰ إلى مكانها الأول أو رد فعل لا يحمد عقباه ، وثانياﹰ : على عدم الكفاءة والهوس إلى تقليد المفكّرين الرواد عن نقص معرفي بيّن ، ويكفينا دليلاﹰ على ذلك ، إستقاء حكمة من إعوجاج عنق وظهر السنبلة المثمرة لدرجة أنها تُطوى داسةً رأسها المثقل بالحب بين أخواتها فتحفظ حياتها وكرامتها. بينما السنبلة الخاوية ترفع رأسها عالية بين أخواتها حتى تجثها الرّيح أو يطوي بها الطير.

لعلّه سيقودنا راهن اليوم المكهرب بين هؤلاء وأولئك الذي زادته استقطابا حرية وآمان مواقع التواصل الاجتماعي إلى إقتراح حلولاﹰ ، من منطلق حِسِّنا النقدي والحاجة لشهادة شاهد من أهلها ، شهد ذلك الزمن الجميل المتسم بالصفاء والسماحة ، فلو أن نبي الإسلام محمد (ص) عاد إلى الحياة ثانية لخلّص العالم من هذا الاستقطاب ، الذي أصبح حادا بين الإسلام والعلم ولفرّج عن كربة الضعفاء كونهم هم أول من يتحمل مشاق الأزمة المزمنة تلك. لا شك في أن النبي سينزع حينها في الناس مُخاطبا : « ما أنا بينكم سوى بشر، يخطئ كما يخطئ البشر .. وطبقا لِما أعلمتنيه ملائكة الرحمن ، لا بد من أن تعلموا أن هناك زلل ترتب عن زيغ في تأويل قوله تعالى : "من يتّبع غير الإسلام دينا فلن يقبل منه وهو في الآخرة من الخاسرين" ودينا هنا نقلها إليَ جبرائيل خطئا بل هي لينا أي اتبع الإسلام باللين وللهو. وتأويل قوله تعالى: « وما أرسلناك إلاّ رحمة للعالمين » أيضا و الحقيقة أني ما بُعثت للعالمَين إلاّ بمعنى وصف لحدود بعثتي داخل شبه الجزيرة العربية ، المحصورة بعالمَين بحريين ؛ عالم الشرق الشمالي (الفرس والوثنيين ) وعالم الغرب الجنوبي (مسيحيين ويهود) أما قوله تعالى: «وما أرسلناك إلا كافة للناس بشيرا.. » فقد أولناه زللاﹰ أيضا فالمقصود بالناس هم أهل الجزيرة العربية فقط ، فلو كان جلّت قدرته يقصد الكون كله لجاز له أن يقول " إن أرسلناك للبشر كافة .." وقد أعلمني ربي عن طريق ملائكته الكرام ، أنه كل مسلم يكفّر أخاه في الإنسانية ويدنّسه يجرّم ويحبس ، أما الآيات الدالة على ذلك والتي سبق وأن أولناها خطئا فسنتناولها بالشرح هي وآية الكلالة وإياكم في موعيدنا اللاحقة ، والسلام على من اتّبع الهدى من على لسان رسوله مباشرة »

وهكذا تزول الشّدة بقراءة النبي الجديدة فلا يضل المؤمنون بعده أبدا ، برسمه حدود جديدة للإسلام وتأمينه للآخر يحدث انفراج في العلاقات الدولية ، تنتهي أزمة الشرق مع الغرب ، ويتوقف عنف السلفية والإرهاب المنسوب إلى الاسلام إلى غير رجعة ، ويُقبر الصراع العربي الإسرائيلي وصراع التراث مع الحداثة إلى الأبد ، وتضمحل الجنايات الأخلاقية في عالم ما كان يعرف باسم "العالم الإسلامي" حتى تنتهي.

لعلّنا في ختام مقالنا نكون قد وصلنا إلى فكرتين رئيسيتين وجليلتين ، ولعلّ فهمهما يجلي بعض الحقيقة التي نصبو إليها جميعا ، الفكرة الأولى هو أنه لا بد من إقصاء الفكر المتطرف وتهميشه سواء كان مصدره الشرق أو الغرب ؛ أي كان مصدره الدين الإسلامي أو المذهب الفلسفي الذي ترعرع في أحضان الروس ـــ وشكّل لحقبة من زمن صراعا عقديا خالقا أزمات جدلية لم تفضي إلى شيء ، بل أفضى إلى نوع من التراجع كالذي حدث مع الحرب العالمية الثانية والحرب الباردة ـــ وروسيا اليوم ليست كروسيا الأمس صحيح هي بلاد شرقية لكن من ينظر لخريطتها يجد القسم الأهم الذي يحوي عاصمتها يندرج ضمن نطاق أروبا ، أي الغرب . أما الفكرة الثانية فهي أنه بعدما أصبح الشرق والغرب خاليان من مظاهر التطرف دينيا كان أو مذهبيا ، جاز النظر حينئذ للدين الإسلامي وللحداثة الغربية في جوهرهما وليس إلى قشورهما التي علقت بهما فنحن ها هنا قد عزلناها فرضا وعزلناها واقعا أيضا : بالاحتكام إلى دين إسلامي جديد لا دخل لنا في صحة سماويته من عدمها في شيء ، المهم فيه هو كيف يُنظر إلى الانسان المنتمي إليه والانسان الذي لا ينتمي إليه ، أي كيف ينظر إلى الآخر، وهذا كي نقارنه بالحداثة الغربية التي نزعت القداسة عن الانسان وأعطتها لعقل الانسان ، منذ القرن الرابع عشر فكان الانعتاق ، بينما ظل الإسلام يقدس الانسان من جانبه الروحي ، الانسان أكمل التجليات كما يقول ابن عربي أجتمعت فيه النفخة الإلهية والطين ؛ الانسان الذي يُعمل قوى التجربة الروحية لا قوى العقل فراوح زمانه ومكانه ورواده التخلف من كل حدب وصوب. ليت شعري ، أخشى أن الزعيم الليبي الراحل لم يتملّك على ملوك إفريقيا إلاّ لهذا السبب ولم ﻳتدكتر زياد بوزيان على دكاترة إفريقيا[§§§] إلاّ للشأن ذاته أيضا.


[*] - سوق الدَّلاَّلة هي سوق خاصة بالنساء اللواتي يبعن الذهب والحلي
[†] - قبل الحديث عن رعاية أغلب هؤلاء الأساتذة للأبحاث والدراسات ومذكرات التخرج التي توظف المنهج البنيوي دون سواه لأنه يعزل التحليل الواقعي ولأن التفكيكية والمنهج التاريخي والنفسي يضع الأستاذ نفسه في موقع محرج أمام طلبته! لابد من الحديث عن اللغة التي يتكلمهما هؤلاء الجزائريين والذين يكتبون بها شيئا اسمه أدب ، أهي لغة عربية حقا كلغة أهل المشرق العربي؟ ولا بد إذن من المنهج المعياري في نقد هذه اللغة قبل نقد الأدب.
[‡] - نظرية إحداث القطيعة المعرفية مع التراث المغالي في تقديس الجوانب الروحية في سبيل إحداث الوثبة المعرفية الحداثية.
[§] - إما لأنه يعيش وسط طبقة فرانكفونية التي تمقت كل شيء له صلة بالعربية ، وهذا حال المدن الكبرى بالجزائر فيعمد حينئذ على معايشة التخصص والتكيف معه. وإما أن يجده صاحبه التخصص الملائم مقارن بعلم الاجتماع أو الفلسفة أو علم النفس ظانا أنه ميدان الشعر والرواية السهل لبلوغ نهاية المطاف ، أي الدكتوراه ، وإذا حصل وأن صادف عكس ما توقع فانه ينقلب عليه بالجيلة والتماس السبل غير الأخلاقية كالغش والمحاصصة واقتسام المنفعة وغيرها من الطرق الملتوية التي تخرجه باحثا دكتورا يالاسم فقط.
[**] - الخوارج إسم أطلقه مخالفوا فرقة قديمة محسوبة على الإسلام كانوا يسمون أنفسهم بـ"اهل الأيمان"، ظهرت في السنوات الأخيرة من خلافة الصحابي عثمان بن عفان، واشتهرت بالخروج على علي بن أبي طالب بعد معركة صفين سنة 37هـ؛ لرفضهم التحكيم بعد أن عرضوه عليه. وقد ارتبط الخوارج على مدى تاريخهم بالمغالاة في معتقداتها الدينية وبالتكفير والتطرف. وأهم عقائدهم : تكفير أصحاب الكبائر، ويقولون بتخليدهم في النار، ويكفرون عثمان وعلي وطلحة والزبير وعائشة ، ويقولون بالخروج على الحكام الظالمين والفاسقين، وهم فرق شتى ، وقد وصفهم نبي الإسلام بأنهم كلاب أهل النار. ينظر محمد بن علي الشوكاني : الفتح الرباني من فتاوى الإمام الشوكاني الجزء1 ، ص 856.
[††] - هو الأستاذ الباحث في التراث الإسلامي محمد بلغيث أدلى بحديثه في معرض حصة إذاعية " حديث في الفكر والثقافة " من اعداد الإذاعة الجزائرية القناة الأولى ، بثت يوم 29/1/2017 ، الساعةh 21 .
[‡‡] - ذكرنا الملاحدة الفنانين ولم نذكر الملاحدة العلماء لأن مجال عملهم يجعلهم الأجرأ على إظهار تخنثهم ، حتى منهم من ينشر صوره التخنثية والديوثية اليوتيوبية تحت قناع ، ليس لشيء إلا كي يغيض المسلمين ويفقدهم صوابهم...من هم في شاكلة المشايخ القائلين بأن لا حرية خارج حرية الاعتقاد .
[§§] - بعض مناطق سكان الجزائر الداخلية البعيدة عن الإحتكاك بالمدن الكبيرة والتأثيرات التي تأتيها من الخارج ، كانت بمعزل عن الحركات الإسلامية المستجدة أنذاك في أفغانستان ومصر والسودان بحيث كان الأهالي ينظرون إليها بازدراء وغرابة ويساوون بينها والمستعمر الفرنسي بل بينها وبين حالات الجنون التي تعتري الانسان فتجعله يطلق لحيته ويرتدي ثيابا خشنة وكثيرة ، لذلك فإن نفوس هذه المناطق في السبعينات والثمانينات كان يغمرها الإسلام الصوفي السمح دون أن يعلموا بان أخلاقهم صوفية! يميزهم هدوء وطيبة وحمد وقناعة واقبال على العمل لأجل العمل ، أخوة واحسان وأخلاق مستمدة من الإسلام لكنها معتدلة لا إكراه ولا ترهيب واحنا مْسَلمين ومكتفين دون أن يمقت الأب ابنه أو الجار جاره إن هو إرتكب فاحشة أو جريمة ، بل كل ما في الأمر هو أن يأخذه عند الحراز ويكتب له حرزا ويلقى شفاءا وتعود الحياة الى سابق عهدها.. هكذا كانت الحياة في ربوع الجزائر القصية. كنا نعي ما نقول عندما قلنا أننا إشتقنا إليها كثيرا..
[***] - الصّدة : الوجهة
[†††] - أكدت الدراسات السيميائية للموضة مع المفكرين البنيويين رولان بارث وكلود ليفي شتراوس أنه لا وجود لمعنى ثابت ، فالعالم الكوني سائر إلى لا ثبات وتشظي دائم في بنيته الانتربولوجية الثقافية ، وهو ما أدى بجاك دريدا الجزائري المولد إلى التبشير بالتفكيكية كمذهب ومنهج فكري بديل للبنيوية في بداية ستينيات الفرن الماضي..
[‡‡‡] - المطّلع عل هذه المدونات الإلكترونية سيجد أن جلها أغلقت وهجرها أصحابها بعد مدة ليس لأعباء مالية فقط ، بل أيضا أن أصحابها يشتغلون في وظائف مختلفة تماما عن تخصصهم فينسون بالتقادم ما تعلموه ، حتى يصبح حامل شهادة الماجستير غير قادر على تحرير فقرة بسيطة.
[§§§] - نقصد بعض دكاترة الجزائر وإنما إلتمسنا إفريقيا لتطابق مقولة القذافي ملك مولوك إفريقيا فقط.



#زياد_بوزيان (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- العقل والإيمان رؤية نقدية من منظور بنيوي
- بين الإيمان والإدراك ، رؤية نقدية من منظور بنيوي
- التنظير النقدي الأدبي في الجزائر وإشكالية غموضه - نماذج مختا ...
- مآلات راعي الحُضنة
- إشكالية المنهج النقدي أم إيديولوجية النخب؟
- أدونيس وأرباب الآلهة ، إطلالة على منظومة الفكر العربي الراهن


المزيد.....




- قناة أمريكية: إسرائيل لن توجه ضربتها الانتقامية لإيران قبل ع ...
- وفاة السوري مُطعم زوار المسجد النبوي بالمجان لـ40 عاما
- نزلها على جهازك.. استقبل الآن تردد قناة طيور الجنة الجديد 20 ...
- سلي أولادك وعلمهم دينهم.. تردد قناة طيور الجنة على نايل سات ...
- قصة السوري إسماعيل الزعيم -أبو السباع-.. مطعم زوار المسجد ال ...
- نزلها الآن بنقرة واحدة من الريموت “تردد قناة طيور الجنة 2024 ...
- قصة السوري إسماعيل الزعيم -أبو السباع-.. مطعم زوار المسجد ال ...
- كاتب يهودي: المجتمع اليهودي بأمريكا منقسم بسبب حرب الإبادة ا ...
- بايدن: ايران تريد تدمير إسرائيل ولن نسمح بمحو الدولة اليهودي ...
- أستراليا: الشرطة تعتبر عملية طعن أسقف الكنيسة الأشورية -عملا ...


المزيد.....

- الكراس كتاب ما بعد القرآن / محمد علي صاحبُ الكراس
- المسيحية بين الرومان والعرب / عيسى بن ضيف الله حداد
- ( ماهية الدولة الاسلامية ) الكتاب كاملا / أحمد صبحى منصور
- كتاب الحداثة و القرآن للباحث سعيد ناشيد / جدو دبريل
- الأبحاث الحديثة تحرج السردية والموروث الإسلاميين كراس 5 / جدو جبريل
- جمل أم حبل وثقب إبرة أم باب / جدو جبريل
- سورة الكهف كلب أم ملاك / جدو دبريل
- تقاطعات بين الأديان 26 إشكاليات الرسل والأنبياء 11 موسى الحل ... / عبد المجيد حمدان
- جيوسياسة الانقسامات الدينية / مرزوق الحلالي
- خطة الله / ضو ابو السعود


المزيد.....


الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - زياد بوزيان - قيم الإنسان بين الزمن الجميل و زمن الشّدة