أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - Khaled Juma - نوح السحاب على المدن الخراب















المزيد.....

نوح السحاب على المدن الخراب


Khaled Juma

الحوار المتمدن-العدد: 5979 - 2018 / 8 / 30 - 15:14
المحور: الادب والفن
    


هذا ما باح به ابن عرندس، سائسُ خيلِ الملك ضرغام السبأي، وكان ذلك بعد انهيار المملكة ومقتل الملك عارياً تحت سنابك خيله التي رعاها وأطعمها ودرّبها، تآمر عليه جنودُه من كثرة الحروب التي أجبرهم على خوضها، لم يبق فيهم بعد ذلك ذرة من عز، ولم ينفعهم أنهم ندموا جميعاً، فرداً فرداً، على ما فعلوه، أما ابن عرندس هذا، والملقب بسائس المحجّلة، فهو أديب وشاعر كذلك، قيل توفي بعد مليكه بستين يوماً، وقيل بتسعين، وقيل قتل معه، لكن ما رواه ابن عرندس عن تفاصيل مقتل الملك، يدل على أن رواية مقتله مع الملك لا تزيد عن كونها إشاعة أطلقها من لا علم له بالتاريخ ولا بالأنساب.
[حِداد]
وأنت مسجىً فوق رمل المعركة الأخير، حملتُ غمدَ سيفِك لأقيه شائعات المدن المهزومة، يا سيّدي رأيتُ دمَك يحفرُ خرائطَ على الصحراء، احترتُ واحتار العرّافون، لم يروا دماً يسيلُ بهذا الانتظام من قبل، ولكن... لماذا كنت تبتسم كلما ضربتك حوافر الخيل؟ إلى هذا الحد كنت معجباً بصنعة الحداد في سنابكها؟ حتى في لحظة موتك لم تتغير دهشتك، لكنهم قتلوك مع ذلك، فهموا متأخرين أنك كنت عزّهم وعزتهم... كانت تلك خطيئتهم، وكان ذلك غفرانك، لكنك علّمتني ذات يوم أن بعض الخطايا لا تنفعها حقول من المغفرة.
]المحجّلة[
يومَ أن جاؤوا بهالة النور تلك، بابنة العتمة تلك، وتمسّحوا بصهيلها، بأنفاسها التي كبخور الهند، لم أبصر رغبةً في عيني بشر من قبل كما أبصرتها في عينيك حين احتويت بنظرتك قوائمها وظهرها، ابتسمتَ فيما الشهوة تنطُّ من تقاسيمك، احتضنتها كحبيبة غائبة، كانت أصغر من صهلةٍ ما تزال، أخذت تدور حولك ككلبٍ يشم صاحبه الغائب، لم تكن فرساً، قلتَ، بل نبوءةً حقّقت المعجزة التي لم يراهن عليها أحد، وحين كانت ترفع سنابكها وتريحُ سيقانها على كتفيك، كنت تصرخ: يا للخفةِ، وتلوّح بقدميك في الهواء وتطير إلى ظهرها، وتركض بك دون سرج إلى نهايات العالم، كم مرةً أنقذتك من سهمٍ لا يُردُّ؟ كم مرةً أتتك وأنت ملقى على ظهرك بين أشجار البرتقال في ظهيرة الصيف؟ تحكُّ أنفها في قدمك لتعتلي صهوتها، منها فهمتُ أن الفرس بحاجة إلى فارس على ظهرها، تماماً كما يحتاج فارسٌ إلى فرس تحته، كل من رآكما قال: يا للكمال، أصبحَتْ شعاراً مملاً تلك الكلمات: كأنهما واحد، لون عباءتك الحربية كان بلون جلدها، لم نميز أحدكما عن الآخر حتى حين تقتربان.
المحجلة يا مولاي كما أوصيتنا قبل موتك تماماً، في ذلك القبر جوار النهر، بنصبٍ رخاميٍّ بنّيٍّ جلبناه من بلاد الروم على عشرة أحصنة، وكتبنا عليه ما أمليتنا: هنا ترقد ملكة الأفراس التي لم يمت الملك إلا في المعركة التي غابت فيها، أما كيف ماتت، ففي المكان ذاته، قضت أياماً بلا طعام أو ماء، تشمشم خيط دمك وتدور حوله مثل حاج قديم، ثم ذوت فجأةً وأطلقت صهيلاً في حمرة شفق الأفق، وسقطت مثل أمٍّ ثكلى.
]الجنود[
بدأتَ مملكةً من لا شيء، أعددتهم، من وخم مخادعهم التي أكلها السوسُ والخرافةُ، نقّيتهم من الجبن واليأس والعدم، أفرغتهم من مخاوفهم وصنعت منهم محاربين من أبنوسٍ وأغانٍ شعبيةٍ ووصايا، صاروا يخوضون الحرب كمن يصنع شاياً في وقت راحته من الحصاد، يفتحون البلاد ويؤمّنون طيورها وسباعها قبل ساكنيها، غنموا من المجد والذهب ما لم تطقه خيولهم، مجّدوا اسمك وكتبوه على سروج الخيل، رددوه في الأهازيج، كتبوه في الأوشام على جلودهم، وطفحوا بالانتصارات حتى ملّوا الجغرافيا، لم يعد هناك مجد يمكن أن يعلو على ما نالوه، لذا رددوا ترنيمة الشبع، وانتهوا إلى أن الجندية عليها أن تتوقف هنا، ولم يكن ممكناً أن تتوقف الجندية دون أن تموت أنت، ولم يكن هناك أعداء كي يوقفوك لأنك أنسنتَهم جميعاً، فاتفقوا عليك في ليلة شتاءٍ عاصفة، وانشقوا عن ذواتهم ليوقفوا مسيرة خيلك قبل أن تصل إلى نهايتها، لم نعرف أيهم بدأ الخيانة، ولماذا، لكنهم اجتمعوا كيد واحدة، عشر جنودٍ هم من وقف معك حتى نهايتك، والبقية ولغوا في الدم حتى الحناجر، كانوا يعرفون جيداً أن المحجلة وسيلتك الوحيدة للنجاة، لذا اقترحوا عليك في رحلة الصيد تلك أن تأخذ فرساً أهداها إليك آخر الملوك الذين هزمتهم، لم تكن راضياً، لكنك لم ترد أن تغضبهم، فعقروا الفرس، وعرّوك من تاجك، وداست خيولهم جبينك وجروحك التي ما تزال طازجة من آخر المعارك، وذهبوا وجاؤوا، وذهبوا وجاؤوا، حتى لم تعد ملامحك أكثر من ورود تتناثر على الرمل والصخر في شكل ضحكات، ثم عادوا منتصرين إلى مخادعهم، ولم يعرفوا ما كان سوف يحدث في الصباح، ولو عرفوا لعبدوك.
]الندم[
في تجاعيد الفجر الصبي، أفاقوا جوار خيولهم، وأثر الانتصار المسروق ينزّ من أسرجتهم، لم يجدوا فضةً في الخروج، ولا ذهباً بين ثنايا ملابسهم، كلّ جنديٍّ كان يحلم بأن يكون ملكاً، لذا تفسّخت النظم التي حفرت الصخر كي تعلمهم إياها، تفتتت قواهم تحت عروش الرغبة التي لا قوة تحميها، وبدأ الأعداء في استعادة ما رسمته من حدود، وبدأ جنودك السابقون ينتحرون على رمل الهزيمة، وعضوا ألسنتهم ندماً، تفرقوا في البلاد التي ليست بلادهم، باعوا خيولهم للأعداء كي يأكلوا ويطعموا أولادهم، نادوك في أحلامهم كي ترجع منتصباً على ظهر فرسك، لم تنفعهم أنهار الدمع تلك، ولم يفهموا ما فعلوه إلى الآن، لا طبيب في الدنيا يمكن أن يشفي جنديّا من هزيمة روحه، الوجع يتناثر ما زال من مكان سقوطك، يدور في دائرة، والدائرة تتسع، والأعداء ينتصرون، والقباب تنهار، ولم يعد جندي واحد من جنودك يذكر أوقات المجد تلك، لقد سرقوا ذاكرتهم بسهولة التنفس، من يفرط في لجام فرسه، لا حق له في ذاكرة، هكذا كتب آخر ملوك الأعداء الذي استعبد آخر جنديٍّ كان لك، كان ذلك حين وجده يتسوّلُ حكاية قديمة ليرويها لابنه الذي تبرّأ منه حين عرف الحقيقة.
]نصب تذكاري[
في متحفٍ للشائعات يرقد تاريخك الآن، لم يكفني حقل القصب ذاك لأكمل حكايتك يا مولاي، حاولت أن أحصي ما بنيت من الحدائق وفشلت، أن أعد ما ربّيت من اليتامى وفشلت، أن أكتب ما سترت من الثكالى والأرامل وفشلت، كنت منتشراً كخيط ضوء بعيد وما زلت.
ولد واحد التقى مصادفةً عجوزاً وحيداً نجا من كل تلك الحكايات، وروى له ما كان نقطة نقطة، حتى أنه أخذه إلى ميادين الحروب كلها، وأشار له بإصبعه إلى كل نقطة دم سالت منك أو من أحد جنودك الأوائل، نحت الولد بإمكاناته القليلة نصباً من رخام، لفرس يعتليها فارس بسيفين في يديه، وكتاب معلق في عنقه، لم يعد أحد يذكر الفارس، لكنهم يعرفون النصب تماماً، أأقول إني سعيد أنك صرت حكايةً بعد أن كادت الأوقات القاحلة تدوسك كما داستك الخيول؟ لا أعرف يا مولاي، لكن ما أعرفه جيداً، أنك سرتَ بسيرة الأنبياء إلى آخر لحظاتك، وأنا ما زلت أجلسُ تحت ذات الشجرة التي قلدتني وساماً في ظلها يوماً، وأردد اسمك في أغنية، لكن هناك من يتوهم عودتك من عالمك السفلي بدلاً من أن يخلق مثلك من جديد، قلت لهم إن الموتى لا يعودون لكنهم لم يصدقوا، ما زالوا يفتحون كتاب التاريخ كل يوم، وينتظرون أن تخرج شاهراً سيفك، مطلقاً حرابك، فيما المحجلة تصهل من تحتك كأنها أغنية الريح.



#Khaled_Juma (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295





- فادي جودة شاعر فلسطيني أمريكي يفوز بجائزة جاكسون الشعرية لهذ ...
- انتهى قبل أن يبدأ.. كوينتن تارانتينو يتخلى عن فيلم -الناقد ا ...
- صورة فلسطينية تحتضن جثمان قريبتها في غزة تفوز بجائزة -مؤسسة ...
- الجزيرة للدراسات يخصص تقريره السنوي لرصد وتحليل تداعيات -طوف ...
- حصريا.. قائمة أفلام عيد الأضحى 2024 المبارك وجميع القنوات ال ...
- الجامعة الأمريكية بالقاهرة تطلق مهرجانها الثقافي الأول
- الأسبوع المقبل.. الجامعة العربية تستضيف الجلسة الافتتاحية لم ...
- الأربعاء الأحمر -عودة الروح وبث الحياة
- أرقامًا قياسية.. فيلم شباب البومب يحقق أقوى إفتتاحية لـ فيلم ...
- -جوابي متوقع-.. -المنتدى- يسأل جمال سليمان رأيه في اللهجة ال ...


المزيد.....

- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - Khaled Juma - نوح السحاب على المدن الخراب