أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - مجدى يوسف - عندما تلتقى رؤى الشعر وهموم الشعوب : مجدى يوسف مترجما عن الألمانية ومعقبا على قصيدة -جونتر أيش- ( 1907 – 1972 ): حلقة نقاش لأهالى الراحلين















المزيد.....

عندما تلتقى رؤى الشعر وهموم الشعوب : مجدى يوسف مترجما عن الألمانية ومعقبا على قصيدة -جونتر أيش- ( 1907 – 1972 ): حلقة نقاش لأهالى الراحلين


مجدى يوسف
(Magdi Youssef)


الحوار المتمدن-العدد: 5970 - 2018 / 8 / 21 - 00:54
المحور: الادب والفن
    


بينما يهرول صقيع البرد
فى أجسام الراحلين
تميد رقصة الفالس
بوقعها المتراخى
من أجل عيون
الحزب الاجتماعى الألمانى.

كفانا الورود باقات
لمناسبة هنا ومناسبة هناك
وليكن حديثنا عن
مطبوعات
تعد لسلالة المهملات
عن حساء شعبى
يساقط نزقا فوق
سراويل مخططة

نحن بحاجة لآلة عزف
أوتارها مهمومة بالوطن
لأجل خمسة مقاعد
فى مخبأ للحكومة
يتاخم الحقيقة.

( 1967 )





لم أقدم اليوم لقرائنا هذه القصيدة بالذات ؟

لأنها على الرغم من اختلاف السياق الذى قيلت فيه ، والإحالات الخاصة بالمجتمع الجرمانى الذى يخاطب الشاعر أهله من خلالها ، فهى تلقى ظلالا كثيفة على الواقع الذى نحياه فى عالمنا العربى اليوم ابتداء بالعنوان الذى نكاد أن نحسبه حلقة نقاش بين أهالى شهداء ثوراتنا ، وما آلت إليه الآن من متاهات تهدد بطمر ما سكبت من أجله دماء شبابنا الزكية. أما "رقصه الفالس " - بتعطيش الفاء- التى تشير إليها القصيدة فتستدعى للذاكرة الجرمانية المؤتمر الذى عقده " مترنيخ " وزير خارجية النمسا فى عامى 1814 و1815 لحل النزاع المستعر حول إعادة ترسيم حدود الدول والدويلات الأوربية بعد هزيمة نابليون ، وفشله فى ضمها جميعا إلى امبراطوريته . وقد سعى المضيف ( مترنيخ ) لتلطيف جو المباحثات التى عمها الصراع والمشاحنات بدعوة الأطراف المتخاصمة لحفلات للرقص، لاسيما رقصة الفالس، التى اشتهرت بها العاصمة النمساوية ، حتى صار يطلق على ذلك الاجتماع " المؤتمر الراقص" ، وذلك فى الوقت الذى لم تكن قد جفت فيه بعد دماء المدافعين عن أوطانهم من شهداء الشعوب التى اجتاح نابليون دولها ودويلاتها الأوربية.
أما " باقات الورود " التى يتحدث عنها الشاعر فى إشارة ساخرة منه للأداء الرسمى المتراخى " للحزب الاجتماعى الألمانى "، فتستدعى للذاكرة تاريخ ذلك الحزب الذى بدأ ثوريا فى مطلع القرن العشرين إبان الحرب العالمية الأولى ، حيث كان يرمز لثوريته بالوردة الحمراء ، لكنه ما لبث أن تحول بعد الحرب العالمية الثانية إلى مجرد تنظيم رسمى متكيف مع آليات السوق "الحرة" التى قام عليها دستور ألمانيا الاتحادية ( الغربية ). فقد صار يتناوب الحكم والمعارضة البرلمانية مع حزب الاتحاد الديمقراطى المسيحى المحافظ، وأحيانا ما يشاركها الإدارة فى حكومة تآلفية . هكذا تحول على يديه شعار الوردة ، رمز الثورة الشعبية ، إلى محض" باقات ورد " للمناسبات الروتينية .. وأما الحساء الشعبى الذى يشير إليه الشاعر (من خلال مترجمه )، فهو " شوربة الجولاش " الحارة التى اعتاد عامة الشعب الألمانى على " اصطياد " قطع اللحم العائمة فيها. ولما كان زعماء ذلك الحزب يسعون لاستمالة عامة الشعب بتناول حسائهم فى المناسبات العامة التى تجمعهم بهم ، بينما انسلخوا عنهم باعتلائهم السلطة ، فإن الحساء لا يلبث أن يفضح نفاقهم بأن يتساقط على سراويلهم الرسمية المخططة من " فراك " و" ريدنجوت ".. ولعل الأبيات الأخيرة من هذه القصيدة الكاشفة تلخص همومها التى تكاد أن تطابق هموم شعوبنا العربية الراهنة:

نحن بحاجة لآلة عزف
أوتارها مهمومة بالوطن
لأجل خمسة مقاعد
فى مخبأ للحكومة
يتاخم الحقيقة.


من هو "جونتر أيش"
Guenter Eich
، وكيف تعرفت عليه ؟

يعد " جونتر أيش " من أشهر شعراء وكتاب ألمانيا بعد الحرب العالمية الثانية ، حيث كان أول من حاز على جائزة " جماعة 47 " الأدبية التى أنشئت فى أعقاب الحرب مباشرة . وقد لمع اسمه بعد ذلك على مدى الخمسينات والستينات حتى وفاته فى أوائل السبعينات ، وذلك من خلال أشعاره وتمثيلياته الإذاعية التى أثارت الكثير من الجدل آنذاك قبل ظهور التلفزيون.

كان " أيش" من أهم كتاب دار نشر " زوركامب " التى صارت طاغية أثناء ستينات وسبعينات القرن الماضى فى استقطابها لكبار الكتاب والتجارب الطليعية فى الأدب الألمانى الحديث والغربى بوجه عام حتى أن الراحل " ليديج روفولت"، صاحب دار نشر "روفولت " (بتعطيش الفاء) ، قد باح لى بشكواه فى عام 1963، حين ذهبت للقائه فى هامبورج بعد موافقته على إصدار ترجمتى لمسرحية " أمام الباب " ل" فولفجانج بورشرت" التى كانت صرخة مدوية أطلقها مؤلفها ضد الحرب العالمية الثانية، بينما صار هو ضحية لها فقد رحل متأثرا بمرض الكبد الذى أصيب به لفرط ما تعرض له من عذابات أثناء الحرب العالمية الثانية ، وهو ما عبر عنه فى قصيدته " العاصفة والوردة " ، اشتكى لى " ليديج روفولت " من أن دار " زوركامب " التى كان يديرها " غريمه " الناشر " أونزلت "، قد جذبت إليها الكتاب الطليعيين الذين صاروا كبارا فيها وبها.

إلتقيت " جونتر أيش " فى بون للمرة الأولى فى عام 1968 حيث كان قد دعى لإلقاء أشعاره فى مسرح "ألكونتراكرايس"، أحد المنتديات الأدبية والمسرحية فى عاصمة ألمانيا الاتحادية آنذاك، وهو على مقربة من جامعة بون، بل ملاصق لها. وتوطدت علاقتنا على إثر ذلك فقد سبق أن ترجمت عن الألمانية تمثيليته الإذاعية " النمر يوسف" (ت"مجدى يوسف" !) ، التى عرضت بعد ذلك بقرابة الخمسة والعشرين عاما على خشبة مسرح الهناجر بالقاهرة فى عام 1994 ، وكانت قد صدرت لى فى مجلة " فكر وفن " التى كنت أحررها بالعربية خلال الستينات مع " أنيمارى شيمل " ، تلك المستشرقة الألمانية التى طبقت شهرتها الآفاق فيما بعد (رحلت فى عام 2003) . وقد حكى " جونتر أيش " آنذاك فى جلسة جمعتنا به ومحبى أدبه فى إحدى الحانات فى بون عقب ندوة شعرية له، أنه درس اللغة الصينية فى شبابه الباكر على أستاذ عجوز فى السربون كان يستقبله وزملاءه الطلاب فى منزله بالروب "الديشامبر" ، لكن طلبته المردة كانوا يتندرون على أزرار روبه التى كانت تنقص واحدا فى كل عام ، إلى أن اختفت جميعها ، وصار رداؤه بلا أزرار .. وقد ترجم " أيش" عددا لا يستهان به من الأشعار الصينية إلى الألمانية ، نشرت فى مجلد مستقل بعد رحيله . إلا أنه كان مفتونا بعالم ألف ليلة وليلة ، وخاصىة بالقصة الإطار التى تتميز بها مع أنه لم يقرأ العربية، وهو ما عبر عنه فى مجموعة تمثيلياته الإذاعية التى اشتهرت عقب الحرب العالمية الثانية فى ألمانيا تحت عنوان: "لا تذهب إلى الكويد" ( مكان "شرقى" متخيل أسقط عليه المؤلف نفوره من أية أيديولوجية بعد سقوط النازى الذى احتبس الشعب الألمانى فى ريفية أيديولوجيته القومية المتزمتة) . إلا أنه على الرغم من صدوره فى تلك التمثيليات الإذاعية عن حاجة تحررية من عالم الأيدليولوجية المغلقة التى سأمها أغلب الألمان حتى نهاية الحرب العالمية الثانية ، فقد أفضىت تلك النزعة الخاصة بالمجتمع الألمانى فى أعقاب الحرب العالمية، كما تمثلت فى ترجمتى لتمثيلية "النمر يوسف"، إلى حالة من الإحباط لدى القارئ العربى نظرا لما تفتقر إليه من إطار مرجعى عمد المؤلف الألمانى على تنحيته. فقد استقبل القارئ والمشاهد العربى ذلك على أنه ينم عن "ضياع المغزى". وهو ما أشار إليه أول قارئ لترجمتى وهى تعد للنشر فى مجلة "فكر وفن" ، وهو عامل الطباعة العربى الذى كان يعد "بروفة" العدد الجديد من مجلة "فكر وفن" فى عام 1967 ، إذ دون على هامشها بالقلم الرصاص: ماذا تعنى هذه "القصة" ؟!

إلا أنه من اللافت أن مسحة من الحزن تخيم على نص تلك التمثيلية على الرغم من موقفها المتمرد بإزاء كل التوجهات الأيديولوجية. وهو ما يذكرنا بكتاب "الأنومى"، أى اللامعيارية، الذى كان قد وضعه "إميل دوركايم" ليصف من خلاله الإحباط الذى تعانيه الشعوب فى الفترات الانتقالية بين النظم القيمية المستقرة فى المجتمعات التقليدية، والنظام القيمى الذى لم يستقر بعد فى المجتمعات الجديدة. وقد ربط "دوركايم"هذه اللامعيارية بظاهرة الانتحار فى المجتمعات الغربية التى تحولت فى العصر الحديث لاقتصاد السوق "الحرة".

توطدت صداقتى ب"جونتر أيش" فى نهايات الستينات وتعددت لقاءاتنا ومراسلاتنا التى دار بعضها حول ما بعثت به إليه من ترجمات ألمانية لبعض النماذج من الأدب العربى الحديث، على سبيل المثال قصيدة "البنفسجات الثلاث" لمحمد الفيتورى فى ترجمة المستعرب الألمانى الراحل "هانس فير" (بتعطيش الفاء"، وهو ما كنت أحاضر عنه على أساس مقارن فى جامعة كولونيا، ومن بعدها بجامعة بوخوم، فى ألمانيا الاتحادية منذ منتصف الستينات حتى عام 1976 قبل أن أتحول هناك لتدريس علم الاجتماع الثقافى المقارن، وذلك بعد أن تمكنت من التغلب على المقاومة الشديدة من جانب المستشرقين الألمان الذين كانوا لا يعترفون حتى منتصف الستينات بأى من إنتاجنا الأدبى أو الفكرى الحديث، إذ كانت مقدمة ابن خلدون هى "أحدث" ما يعترفون به من الثقافة العربية.

ولا زال أرشيف الأدب الألمانى يسعى للحصول منى على مراسلاتى مع " جونتر أيش " حتى وفاته فى عام 1972.

كان الراحل " ليديج روفولت "، صاحب دار النشر التى تحمل اسمه، يحدثنى بمرارة شديدة عن "اختطاف" دار نشر " زوركامب " المنافسة له للكتاب الطليعيين فى ألمانيا ، بينما استدعى حديثه آنذاك فى ذهنى ما يعانيه مبدعونا المعاصرون فى عالمنا العربى من تطفيش أغلب دور النشر لهم - إلا فيما ندر- واعتدائها على حقوقهم ، وتكالبها وراء مصنفى "المذكرات" من صغار المدرسين فى رحاب جامعاتنا لا سيما فى كليات التجارة والحقوق حيث الأعداد الغفيرة من الطلاب ..ولعل إحساس صاحب دار "روفولت " بأهمية المبدعين من طلائع الكتاب لمشروعه كناشر هو الذى حدى به لتخصيص داره فى سويسرا بعد رحيله لاستضافة المبدعين من الكتاب من جميع أنحاء العالم، وأن يوقف مليون فرانك سويسرى للإنفاق من ريعها على استضافتهم فيها حيث ظلت تشرف على اختيار ضيوفها من الكتاب حتى سنوات مضت الكاتبة المصرية المقيمة فى جنيف: فوزية أسعد.



#مجدى_يوسف (هاشتاغ)       Magdi_Youssef#          



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- أزمة الاستشراق العربى واقتراح المخرج
- فى ضرورة الفلسفة لمجتمعاتنا العربية
- قاطرة البحث العلمى: إلى أين تتجه ؟
- خرافة مجتمع المعرفة
- أحمد الخميسي يكتب عن الوحدة الوطنية


المزيد.....




- “قبل أي حد الحق اعرفها” .. قائمة أفلام عيد الأضحى 2024 وفيلم ...
- روسيا تطلق مبادرة تعاون مع المغرب في مجال المسرح والموسيقا
- منح أرفع وسام جيبوتي للجزيرة الوثائقية عن فيلمها -الملا العا ...
- قيامة عثمان حلقة 157 مترجمة: تردد قناة الفجر الجزائرية الجدي ...
- رسميًا.. جدول امتحانات الدبلومات الفنية 2024 لجميع التخصصات ...
- بعد إصابتها بمرض عصبي نادر.. سيلين ديون: لا أعرف متى سأعود إ ...
- مصر.. الفنان أحمد عبد العزيز يفاجئ شابا بعد فيديو مثير للجدل ...
- الأطفال هتستمتع.. تردد قناة تنة ورنة 2024 على نايل سات وتابع ...
- ثبتها الآن تردد قناة تنة ورنة الفضائية للأطفال وشاهدوا أروع ...
- في شهر الاحتفاء بثقافة الضاد.. الكتاب العربي يزهر في كندا


المزيد.....

- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - مجدى يوسف - عندما تلتقى رؤى الشعر وهموم الشعوب : مجدى يوسف مترجما عن الألمانية ومعقبا على قصيدة -جونتر أيش- ( 1907 – 1972 ): حلقة نقاش لأهالى الراحلين