فريد العليبي
الحوار المتمدن-العدد: 5892 - 2018 / 6 / 3 - 17:07
المحور:
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
. هي ليست من لحم ودم وإنما من رخام ، فتاة جالسة فوق صخرة والماء يتدفق من بين تلافيف الجسد ، جدائل شعر موزعة على الكتفين ، وعينينن واسعتين ، تنظران الى الناس الغادين الرائحين ، منذ ما ينيف عن قرن ،،، كانوا هم أيضا ينظرون اليها جيلا بعد جيل حتى ألفوها وألفتهم ، وأضحوا يلتقطون الى جانبها الصور .
لم يثر حضورها رفضا ولا ضجرا ، بقدر ما أثار الود والأنس على مدار السنين ، الى أن استهدفتها قنبلة في سنوات الرعب الجزائري ، خلال التسعينات من القرن الماضي ، ثم كان يوم 18 ديسمبر 2017 عندما اقترب منها ملتح مرتديا جلباب الأسلاف ، وانهال عليها بمطرقة ليخرب بعضا من ملامحها ،قبل أن تلقي الشرطة عليه القبض وتصرح أنه مختل العقل ...
يومها تساءلت مدينة سطيف الجزائرية حيث تفيم تلك الفتاة ، من أين جاء ذاك الرجل ؟ فقد بحثت عنه بين " ساكنتها " ولم تجد له من أثر ، ربما جاء من مدينة أخرى !! ربما كان نائما بين ظهرانيها !!
وانتبه الناس الى ما لم يفكروا فيه قبل ذلك أبدا ، واستبدت بهم مشاعر وأحاسيس كانت تغط في سبات عميق ، ووجدت فجأة من أيقظها وأطلق لها العنان لتنتشر ، فتلك الفتاة خادشة للحياء، مستفزة للعواطف ،معتدية على الدين .
وانطلقت حملات الاستثمار السياسي للحدث ، وانقسم الناس فسطاطين ، بين داع الى بقاء فتاة عين الفوارة في مكانها الذى سكنته منذ ميلادها ، و داع الى اعدامها مثلما أعدم غيرها في تدمر السورية ، ونمرود العراقية ، والجبال الأفغانية ، أو على الأقل نفيها الى متحف المدينة .
ووجد وزير الثقافة نفسه في قلب معركة لم يخترها ، فقد تجاوزت الثقافة الى ما وراءها وأدرك أن غرض من أشعل نارها لا علاقة له لا بالأخلاق ولا باالدين، وإنما بالسياسة من حيث هي خساسة ، وقال إن تلك الفتاة ينبغي أن تظل في مكانها وأن " الافكار " الداعية الى وضعها في المتحف هى التى تستحق أن تكون هناك ، محذرا من سيف التفكير الذي إذا لم يكسر فإنه يهدد بعد تحطيم التماثيل بقطع الرقاب ولو بعد حين ، بما يذكر بكلمات الشاعر الألماني هاينرش هاينه ضمن سياق لا يختلف عن ذلك كثيرا :" إن من يبدأون بحرق الكتب ينتهون بحرق البشر " .
#فريد_العليبي (هاشتاغ)
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي،
انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة
في دعم هذا المشروع.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟