أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع - محمد إبن حسن مشكور - النوع الإجتماعي والفقر: نحو مقاربة سوسيولوجية للموضوع.















المزيد.....


النوع الإجتماعي والفقر: نحو مقاربة سوسيولوجية للموضوع.


محمد إبن حسن مشكور

الحوار المتمدن-العدد: 5890 - 2018 / 6 / 1 - 04:21
المحور: الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع
    


يستلزم البحث العلمي في موضوع من قبيل سوسيولوجيا النوع الإجتماعي والفقر التوسل بالإمكانات المعرفية والمنهجية التي تنتجها سوسيولوجيا المعرفة، والتي تقضي بالضرورة الوعي بالشروط التاريخية لإنتاج هذه المعرفة لأنها بمثابة لا شعور للمعرفة كما وصفها بيير بورديو.
سوف أستهل تقديمي بقولة PIKETTY THOMAS "الأغنياء يزدادون غنى والفقراء يزدادون فقرا" ( من كتاب رأسمال في القرن الواحد والعشرين ). إن استعمال النوع كأداة تحليلية لقضايا اجتماعية دات صلة بالسلطة، ومعطى التراتبية، وبناء الأدوار الإجتماعية، أسس توزيعها وتقسيم العمل وكذا الإستفادة المتساوية من الخيرات التنموية، وذلك من خلال تفكيك البنيات الإيديولوجية للهيمنة وأسس انبنائها، وهو ما يسائل هذا الإتجاه حول عدم تحوله واهتمامه بكتابة علاقة النوع الإجتماعي بمتغيرات أخرى كالشغل، البطالة والفقر...، عوض البحث في النوع. حيث أننا سنركز في هذا المقال على النوع الإجتماعي والفقر كإشكالية كبرى في البحث السوسيولوجي.
إن البحث في إشكال النوع الإجتماعي والفقر يفرض إجرائيا على الباحث إعتماد إطارات مفاهيمية تعين ليس فقط استجلاء تمظهراته الإجتماعية، بل وكشف منطق اشتغاله، كما يلزمه محاولة التحلي بالحياد عبر التحلل ما أمكن من الرواسب الأيديولوجية للتنشئة، ومن منطلق فهم وتقبل الإختلاف بين الجنسين خصوصا قدرة الباحث على التمييز بين ما هو بيولوجي وما هو ثقافي.
إن من أسس الثبات المنهجي في التحليل السوسيولوجي هو الوفاء للبعد المنهجي باعتباره الضامن الأساسي للموضوعية، وعليه سنحاول الانطلاق من الأساس المنهجي الذي نظّر له دوركايم في كتابه "قواعد المنهج السوسيولوجي، أي التحديد المفاهيمي.
إن المفاهيم تعتبر الخلفية النظرية المبدئِية للبحث، ننطلق منها لتحليل العلاقة بينها من جهة، والوقوف على رؤية شمولية للموضوع قيد الدراسة من جهة أخرى.
إن الحالة الجنسية ليست فقط غريزة بيولوجية مشبعة أو غير مشبعة كما أكّد ذلك ANTHONY GIDDNES في كتابه المسوم علم الإجتماع (ص 30)، "إنها تشييد إجتماعي يمارس في حقل السلطة"، مما يدفعنا لإماطة اللثام عن دور ما هو اجتماعي في تفسير العلاقة بين النوع والفقر، مما يجعل للموضوع جاذبية معرفية.
إن الحديث عن المفهوم لا يأتي من فراغ اجتماعي بقدر ما هو ضرورة منهجية في أي بحث كيفما كان نوعه، فبتحديد المفاهيم سوف نكون أمام بحث سوسيولوجي محض باعتبارهم الأساس في السوسيولوجيا، فالسوسيولوجيا هي علم مفهومي، فدونهم لا يستقيم أي بحث سوسيولوجي ولا يرتقي إلى مستوى العلمية. وفي هذا المقال سنتطرّق لمفاهيم كبرى سنحاول من خلالها طرح رؤية سوسيولوجية لموضوعنا.
1. النوع الإجتماعي:
إن المفهوم في الأدبيات السوسيولوجية هو تجريد نظري لوقائع تجريبية يتّصف بصفة الملائمة والفعالية التحليلية والتأويلية ، ومفهوم النوع الإجتماعي ـ كغيره من المفاهيم ـ يستند إلى مرجعية نظرية معينة، فمن الصعوبة أن نحلّل أو نؤوّل ونستعير مفهوما من المفاهيم خارج ذاكرته النظرية والتاريخية. فالمفاهيم بدون ذاكرة هو التباس نظري.
إن إشكال النوع بدا مطروحا في المجتمعات أو في أغلب المجتمعات ويأخذ أشكالا مختلفة وبينما تحدد الطبيعة الإنتماء الجنسي فإن مفهوم النوع يتضمن جملة من الظواهر الإجتماعية، التاريخية، السياسية، الإقتصادية، والنفسية التي تحيل على انتماء الأفراد لجنس دون آخر.
فالنوع أداة تحليلية وليس مفهوما تداوليا يمكن استعماله دون الوعي بأبعاده المتعددة، أي أنه يعين على الكشف عن الإجتماعي فيما يبدو طبيعيا وبديهيا لذلك فهي تستعمل مداخل اجتماعية لتفسير بعض القضايا كالسلطة والمساواة والتنمية...، ولقد اجتاز استعمال مفهوم النوع مختلف السياقات والمراحل التاريخية ليشكل معناه اعتمادا على مرجعيات مختلفة في طبيعتها ومقاربتها نستحضر على سبيل المثال لا الحصر مقاربة سيمون دي بوفوار في 1949، حيث كتبت كتابها الإطار في مجال النوع حول "الجنس الثاني" والذي شكلت أفكاره ولمدة طويلة مرجعا لدراسة وبحث قضايا النوع الإجتماعي، فكانت مقولة "أن المرأة/ النساء لا تولدن نساء بل تصرن كذلك" لحظة وجودية واعية بالنسبة للمرأة أساسا والرجل بعد ذلك؛ ومدخلا للنفاد إلى تفاصيل البناء الإجتماعي للأدوار بين الجنسين وتشكيل الهويات الجنسيات...1.
وخلاصة لما سبق إذا أردنا أن نتحدث عن النوع فلا يمكن لنا الحديث عنه إلاّ داخل ثلاث مبادئ كبرى:
- النوع: مفهوم عام يصف انتقال المرأة من حد الطبيعة إلى حد الثقافة: الشيء الذي يعني أن حين نتحدث عن النوع النسائي نتحدث عن تشكيل اجتماعي أو صناعة اجتماعية لجسد المرأة، وعليه فالنوع بكامله يتحدث عن البناء الإجتماعي لجسد المؤنث.
إذن حينما نتحدث عن النوع معناه الإنتقال من المرأة بوصفها بيولوجية، بوصفها انتماء إلى الطبيعة، إلى كائن اجتماعي يتم بناؤه أحيانا على النقيض من بعده الطبيعي.
- الإقرار بأن حقوق المرأة يجب أن تكون حقوقا مرتبطة بها بوصفها نوعا اجتماعيا، وليس باعتبارها كائنا طبيعيا، أي أنه عندما نتحدث عن حقوق المرأة لا نتحدث عن الهوية الطبيعية كحقوق الإنجاب...، بل نتحدث عنها كنوع اجتماعي بمعنى ككائن باستحقاقات ثقافية، فكرية، واجتماعية معينة تشبه أو تتساوى مع النوع الآخر أي المذكر.
عندما نتحدث عن النوع الإجتماعي نتحدث عن كائن ثقافي له خصائص طبيعية وميزات فيزيولوجية شأنه شأن الميزات الفيزيولوجية التي لدى الذكر.
- الملكية الفردية في ما يتعلق بتدبير علاقة الأفراد بأجسادهم، ولذلك هناك مقولة شهيرة لدى النسوانيات في فرنسا "على المرأة أن تملك جسدها من أجل أن تقرّر متى تستعمله وكيف تستعمله ولماذا تستعمله؟
2: الفقر
في لسان العرب2، الفَقْر والفُقْر: ضد الغِنى، مثل الضَّعْفِ والضُّعْف. أما بالنسبة للبنك الدولي3 وبرنامج الأمم المتحدة الإنمائي، فإن الفقر ينجم عن "الافتقار إلى الأصول (الوصول إلى الأصول)، والنمو الاقتصادي غير الكافي أو غير الملائم، وسوء الإدارة". ولا يزال البنك الدولي وبرنامج الأمم المتحدة الإنمائي هما البرنامجان الرائدان في مكافحة الفقر. وتتفق المنظمتان على أسباب الفقر، ولكن لها اختلافات فيما يتعلق بتعريف الفقر وتقديره الكمي.
ويحدد برنامج الأمم المتحدة الإنمائي على وجه التحديد ثلاثة مفاهيم:
الفقر المدقع أو الفقر المدقع: شخص يعيش في ظروف من الفقر المدقع اذا لم يكن لديك الدخل اللازم لتلبية احتياجاتهم الغذائية الأساسية تعريفها على أساس الاحتياجات من السعرات الحرارية الدنيا {1800 سعرة حرارية في اليوم للشخص الواحد(WHO)}.
الفقر العام أو الفقر النسبي: يعيش الفرد في حالة من الفقر العام إذا لم يكن لديه دخل كاف لتلبية احتياجاته الأساسية غير الغذائية: الملابس والطاقة والإسكان، فضلا عن الغذاء.
الفقر البشري: هو الافتقار إلى القدرات البشرية الأساسية: الأمية، وسوء التغذية، وانخفاض طول العمر، وضعف صحة الأم، والأمراض التي يمكن الوقاية منها.
ولا يعرف برنامج الأمم المتحدة الإنمائي الفقر النقدي رسميا، ولكنه يستشهد به. والفقر البشري هو في صميم التحليل ويرتبط بفكرة التنمية البشرية المستوحاة من أعمال أمارتيا سين (جائزة نوبل للاقتصاد 1998): التنمية تمثل توسيع الفرص والخيارات للأفراد.
هكذا برنامج الأمم المتحدة الإنمائي تفضل نهجا متعدد الأبعاد حيث يتم تعريف الفقر البشري "الحرمان من الفرص وجهة نظر أساسية تقوم عليها جميع التنمية البشرية: تعيش فترة طويلة وصحية وبناءة، والتمتع بمستوى معيشي لائق، فضلا عن الحرية والكرامة واحترام الذات والآخرين4.
أما المنهج الذي يستخدمه البنك الدولي فهو نهج نقدي إزاء الفقر، ويتمثل منطقه في تحديد نوعين من الفقر: الفقر المدقع والفقر النسبي اللذين سبق تعريفهما.
ويعترف البنك الدولي بأوجه الفقر المختلف، وبالتالي فإن أبعاده المتعددة لا تهمل، وتوضح أن دراسة مجالات مثل الصحة، والتعليم، والضعف، ونقص السلطة، والافتقار إلى الكلام ضرورية بشكل خاص لفهم الفقر بكل تعقيداته.
و"إلى أن تستند المقاربة النقدية التابعة للبنك الدولي على معيار الدخل أو الاستهلاك، ثم الجمع بين مختلف المجالات التي تعزز أو تزداد سوءا لخفض أو زيادة مستوى الفقر للفقراء. "
أما سوسيولوجيا فالفقر يعتبر ظاهرة إجتماعية شأنه شأن الظواهر الأخرى كالجريمة والإنحراف العمل...
3. تحليل المحتوى:
إذا أردنا الحديث عن موضوع النوع والفقر في المغرب المعاصر لابد أولا أن نعرف نسبة الذكور والإناث من أجل أن نبين من الأكثر فقرا، لذا سنحاول أولا تقديم نسب النوع حسب المندوبية السامية للتخطيط انطلاقا من جملة من الإحصائيات ، حيث يتضح لنا جذريا أن عدد السكان بنوعيه حسب نفس المصدر، انخفض في الفئة الأقل من 15 سنة من 36,3% بالنسبة للإناث إلى 27,2 % سنة 2014، كذلك بالنسبة للذكور حيث انتقلوا من 37,8% سنة 1994 إلى 28,6% سنة 2014. في حين نجد أن الفئة ما بين 15-59، هي الأكثر حراكا حيث نجد في سنة 1994، 56,7% بالنسبة للإناث ، و 62,9% في 2014، في المقابل نجد أن الذكور، أقل بقليل من النساء حيث تصل نسبتهم في 1994، 55,1% و 2014، 61,9% من نفس الفئة. إضافة إلى الفئة الثانية نجد حراك آخر في الفئة أكثر من 59 سنة، بين 1994 و 2014، حيث انتقلت من 7,0% إلى 9,9 % بالنسبة للإناث، كذلك من 7,1% سنة 1994 إلى 9,5% بالنسبة للذكور5.
المراد من ذكر هذه الإحصائيات هو ضرورة تبني الدولة سياسة عمومية من أجل توفير الحاجيات الأساسية للساكنة وكذا محاربة كل أشكال الفقر والهشاشة، لذا منهجيا لابد من دكر هذه الإحصائيات، أما بالنسبة للمشاريع الحكومية فنجد أن الحكومة عملت على بناء برنامج محاربة الفقر بالوسط القروي استهدف في المرحلة الأولى 403 جماعة قروية، حيث معدل الفقر بها يساوي أو يفوق 30%. فيما استهدف في المرحلة الثانية 702 جماعة قروية، معدل الفقر بها يساوي أو يفوق 14%، مع مواكبة الجماعات القروية المستهدفة خلال المرحلة الأولى.6
ما نستنتجه هنا أن الحكومة تعتبر المجال القروي فقيرا أو في وضعية هشاشة إلا أن الإحصائيات العامة للسكان والسكنى تعتبر حتى المجال الحضري يعاني من هذه الظاهرة بحوالي 400 ألف نسمة، في حين المجال القري يعاني 2,4 مليون من الفقر المتعدد الأبعاد7.
كذلك نجد أن هناك برنامج للحكومة خاص بالنساء في وضعية هشاشة من خلال التقليص من حدة الفقر والهشاشة والإقصاء الإجتماعي، كذلك المساهمة في تحقيق العدالة الإجتماعية، وكذا تمكين المرأة ومحاربة التمييز والعنف ضدها، الإدماج الإجتماعي والإقتصادي للأشخاص في وضعية صعبة، وفي الأخير تقوية قدرات الفاعلين التنمويين من أجل نجاعة أفضل8.
لكن رغم كل هذه المجهودات إلا أنه المغرب يعاني أكثر من نصفه من الفقر المدقع، ويتجلى ذلك من خلال نسبة البطالة حيث عرفت ارتفاعا بنسبة 0,4%، ففي الشطر الثالث من 2016 نجد أن نسبة البطالة لدى الشباب 28,9% في المقابل نجد أن في الشطر الثالث من 2017 نسبة البطالة 29,4%. أما إذا أردنا أن نكون أكثر عمقا فإننا سنجد أن العالم الحضري يتصدر قائمة البطالة حيث أن 2016 نجد أن نسبة البطالة 44,5%، حيث سيرتفع في 2017 إلى 45,2%، لكن في المقابل نلاحظ أن العالم القروي ظل مستقرا في كلا الفصلين بنسبة 13,4%.9
من خلال هذه الإحصائيات التي ترتكز على 15 سنة فما فوق أي الفئة الأكثر حراكا والتي تطرقنا لها من قبل، فهذا يدل على أن الدولة وسياساتها العمومية لم تنجح، وهذا ما يمكن أن نسميه بسقوط شرعية الدولة. فالفقر في تزايد مهول كما صرحت به المندوبية السامية بشكل غير مباشر بأن الفقراء أو العديد من الساكنة يعانون من الفقر، إلا أن المندوبية السامية للتخطيط تقتصر على الفقر النقدي (النقود) فقط باعتبار الساكنة تقدّر الفقر بالقيمة المادية فقط في حين أن الفقر له أبعاد متعددة كما حدده البنك الدولي وكما تطرقنا إليه أعلاه، لهذا نجد أن 39,2% من الساكنة تعاني من 5% من الفقر فقط حسب المندوبية السامية للتخطيط، في حين أن 29,8% تعاني ما بين 5% إلى أقل من 10% من الفقر، كذلك نجد 23,8% والتي تتمحور بين 10% إلى أقل من 20% من الفقر...،
انطلاقا من ملاحظات أولية للإحصاءات أعلاه نجدها إحصاءات واصفة للحالة العامة لظاهرة الفقر في الأواسط المغربية انطلاقا ما أدلت به المندوبية السامية للتخطيط، وانطلاقا مما سبق يمكننا أن نقف على تحليل العلاقة بين متغيرين أساسيين : النوع الإجتماعي كمتغيّر مفسِّر مستقل، والفقر كمتغيّر مفسَّر تابع تفرض علينا التوسل بمتغير ثالث نفسر من خلاله هذه العلاقة. وهنا سنتوسّل بمفهوم الدور الإجتماعي، أي إلى أي حد تساهم الأدوار الإجتماعية بين الذكر والأنثى في تفسير ظاهرة الفقر على المستوى الجندري؟
إن الدور هو نموذج لسلوك الأفراد داخل المجتمع، هذه النماذج المرسومة مسبقا من أنماط السلوك هي ليست معطى بيولوجي بقدر ماهي مبنية سلفا على المستوى الإجتماعي وبالخصوص انطلاقا من التنشئة الإجتماعية ، فيبني المجتمع هذه التوقعات بناء على الجنس فيحدد ادوار خاصة بالذكور وأدوار خاصة بالنساء، بحيث يقيم المجتمع الرجال والنساء وفقا لنجاحهم/ لنجاحهن في تأدية الأدوار التي حددها لكل منهما .
لنأخذ على سبيل المثال الدور الإنجابي وهو صورة من الأدوار التي يتم إعادة إنتاجها اجتماعيا، يمثل هذا الدور مسؤوليات إعادة انتاج القوى العاملة وصيانتها وهو لا ينتهي عند إنجاب الأولاد بل يمتد ليشمل على مسؤوليات متعددة أهمها: مسؤوليات حمل الطفل وولادته، رعاية الاطفال وتربيتهم ، العمل المنزلي ...
بالرغم من اهمية هذا الدور إلا انه عادة ما ينظر اليه على انه عمل غير حقيقي وانما جزء من الطبيعة والفطرة البشرية الخاصة بالنساء . في حين باقي الأدوار وخصوصا الدور الإنتاجي، أي الدور الخاص بإنتاج سلع وخدمات قابلة للاستهلاك والتجارة، أي بمعنى ان هناك قيمة تبادلية لذلك الدور مما يكسبه اهمية مجتمعية خاصة.
هذا الدور عادة ما يكون منوطا بالرجال، فرغم أن النساء ينتجون بشكل من الأشكال إلا أن الدور الإنتاجي غالبا ما يُعرف عادة مجتمعيا على انه دور للرجال و ما زال هناك تقسيم واضح لهذا الدور ما بين النساء والرجال حيث تعرف بعض الأدوار على أنها أدوار أُنثوية، في حين تعرف الأخرى على أنها أدوار ذكورية، علما أن هذه التقسيمات متغيرة وتتأثر بعوامل عديدة، خصوصا أن الدور يتغير وفقا للتغيرات الإجتماعية، الإقتصادية، الثقافية، الدينية، والسياسية التي يشتغل ضمنها الفرد ذكرا كان أو أنثى. إضافة لهذا فالمرأة في المندوبية السامية للتخطيط خاصة على مستوى العمل مازال ينظر إليها على أنها مساعدة فقط، في حين يمكن أن تكون تلك المرأة هي المنتجة وهي التي تتكلف بمصاريف الأسرة أو العائلة، نفس الشيء نجده حتى في الأبحاث في العلوم الإجتماعية مازال الباحثين يضعون "بدون" في الخانة الخاصة بعمل المرأة حيث يعتبر العمل المنزلي مجرد عمل ثانوي وطبيعي.
إن الفهم السليم لهذا الإشكال المرتبط بالفقر وعلاقته بالنوع الإجتماعي، وقبل الشروع في علاجه تحليلا أو تركيبا يعد أمرا ضروريا في التحليل السوسيولوجي. ولا شك بعد هذا، أن الفهم السليم لهذه الظاهرة سيقود إلى اكتشاف فضاءات دلالية ومعرفية واسعة وجديدة قد لا تكون معهودة من قبل، وهذا ما يستدعي منا معرفة تلك العلاقة الإشكالية بين الفقر والنوع الإجتماعي، وأقصد الفقر الإقتصادي بالخصوص.
فإذا انطلقنا على سبيل المثال من بعض الأنشطة النسوية من قبيل صناعة زيت الأركان بمنطقة سوس، نجد أن المرأة تشتغل أكثر من 18 ساعة أحيانا، فتوفر بذلك رأسمالا اقتصاديا تقدّمه في آخر المطاف لزوجها، هذا النوع من الرجال انطلاقا من ملاحظات ميدانية أحيانا لا يشتغل في أي نشاط مهني. فالمرأة داخل هذا النشاط، وخصوصا في السياق السوسي هي وحدها من تتوفر على الرأسمال المعرفي من مرحلة جني الأركان إلى مرحلة المنتوج النهائي، ونجد حالات من الرجال لا يعرفون إلا استهلاك هذا المنتوج، فنلاحظ بعض الاستغلال الناتج عن الدور الإجتماعي القائم على التراتبية الجنسية، فإذا لاحظنا ما يقع بين ما تنتج المرأة وبين تسويق هذا المنتوج نجذ استغلالا ذكوريا واضحا، وهنا دائما أتحدث عن السياق السوسي نموذجا. وعليه، تتحول المرأة إلى مجرد وسيلة إنتاج تتعرض لاستغلال الرجل، هذا الأخير يكون في معظم الحالات زوجها.10
حقيقة لا ننفي وجود نماذج إيجابية، إلا أن الحالة العامة هنا هو الاستغلال المفرط الذي يطال المرأة من الرجل، مما يجعل الدور الإجتماعي عاملا مفسّرا للفقر، الشيء الذي دفع بعض الناشطات الحقوقيات إلى الدعوة لإعادة المرأة لمكانتها الإجتماعية القائمة على قدم المساواة بينها وبين الرّجل، وإعادة الرأسمال الرمزي والإجتماعي والإقتصادي للمرأة والذي حرمت منه في المجتمعات التقليدية الذي ظلّت فيه المرأة تابعة للرجل. ونذكر على سبيل المثال المسؤولة عن الجمعية الديمقراطية لنساء المغرب والتي دعت إلى إعادة النظر في الأسئلة المتعلقة بالنوع الإجتماعي والضمان الإجتماعي باعتباره مطلب مشروع بالنظر للدور الحاسم لهذا الأخير في الوقاية من الفقر والهشاشة والمساعدة على الإدماج وتعزيز التماسك الإجتماعي.
كما نظّمت الجمعية الديمقراطية لنساء المغرب، ندوة وطنية حول "النساء والحق في الضمان الاجتماعي" يوم 5 أبريل 2017 بالرباط"، والتي كانت تهدف إلى توضيح بعض مناطق العتمة والخفاء الذي يشمل هذه الإشكال، ويتعلق الموضوع بطرح مسألة الضمان الاجتماعي من زاوية النوع الاجتماعي على ضوء الحقائق والتغيرات المعيارية والديموغرافية والاجتماعية والاقتصادية المسجلة في السّياق المغربي، وذلك على ضوء جُملة من الإصلاحات القانونية والتنظيمية لأنظمة الضمان الاجتماعي بالمغرب استنادا على المقتضيات الدستورية المتعلقة بعدم التمييز والمساواة الفعلية.
إن سؤال النوع الإجتماعي الذي يتجلى في مركزية الدور الإجتماعي وعلاقته بالفقر لا يمكن أن تتحدد معالمه بصورة عامة إلا من خلال إدماج البعد القانوني وكيف يُهيكِل العلاقة بين الرجل والمرأة في ظل متغيرات متعددة أهمها الفقر. وإلى أي حد يتوافق هذا الإطار القانوني مع مقابله السوسيولوجي؟
لا ننكر أن للحراك الشعبي و الحقوقي الذي شهده المغرب في ظل "الحراك الديمقراطي" الذي شهدته أغلب البلدان، الفضل الكبير في إجراء تعديلات دستورية توجت بدستور جديد حاول رسم صورة إيجابية عن المسار الديمقراطي للبلاد سواء على مستوى الديمقراطية أو الحكامة أو الديمقراطية التشاركية أو التمكين ... ولم تنفلت وضعية المرأة أيضا من هذا التغيير التشريعي خصوصا على ضوء تنامي الوعي العالمي بقضايا هذه الأخيرة التي ما تزال تعاني في الهامش من أبشع أنواع الاستغلال...
إن تحقيق الديمقراطية المنشودة رهين بإعطاء الفرصة لكلا الجنسين على قدم المساواة في المشاركة في عملية التنمية من خلال توسيع الخيارات المتاحة أمام كل من الرجل والمرأة. فعندما يغيب التمييز و التهميش و يحضر هاجس الشراكة مع المرأة في الحياة السياسية و كذا في قلب المخططات التنموية، بحيث تكون مثقفة وقادرة على تحقيق استقلال اقتصادي، عندها نجد أنفسنا أمام نموذج مجتمعي قادر على قيادة التغيير و الانخراط في السباق نحو التنمية بجميع تجلياتها، بحيث ينتفي فيه جميع أنواع التمييز الجنسي أو الإجتماعي عموما...
عندما تستقل المرأة اقتصاديا من الرّجل، فإن هامش الفقر يختفي بشكل نسبي، فنكون أمام مجتمع المساواة والحرية, لكن سوسيولوجيا نجد الهيمنة الذكورية مترسّخة في جذور اللاوعي ومتفشّية في الجسد الإجتماعي السائد... فمن جهة تماهي المجتمع مع هذه الظاهرة حتى أصبحت ظاهرة عادية حتى في أواسط الطبقة المثقفة، ومن جهة أخرى قبول المرأة لهذه الهيمنة والبحث عنها باستمرار لأنها استدمجتها في لا وعيها حتى أصبحت هي الأصل التي تقوم عليها العلاقة بين الرجل والمرأة11، فرغم وجود نص قانوني يهيكل هذه العلاقة على قدم المساواة، إلا أن اللاوعي المجتمعي من الصعب جدا أن يتخلّص من معتقداته التي ترسّخت داخله... وبالتالي ففي ظل أدوار اجتماعية قائمة على التراتب الجنسي، وفي ظل تبعية المرأة للرجل أو ما أسمته الدكتورة نوال السعداوي بالعبودية الإرادية...12 من الطبيعي جدا أن تتفشى ظاهرة الفقر في أوساط النساء بالخصوص سواء المادي الذي يتجلى في التبعية للرجل، أو الثقافي الذي يتجلى في منع الفتاة والمرأة عموما من التمدرس ومتابعة مسارها العلمي لأن مكانها الطبيعي هو المنزل ...
هذا الفقر الذي يتفشى على مستوى النوع الإجتماعي لا يشرعنه المجتمع فقط بمنظوره الذكوري، بل وحتى الدور الذي يلعبه الدين في ذلك، والحديث يطول في هذا السياق، إلا أن المقتضى العلمي يفرض علينا الإشارة لمختلف المتغيرات التي من الممكن لها أن تكون عاملا مفسّرا لجدلية النوع والفقر .
خلاصة:
على سبيل الخلاصة، حاولنا في هذا المقال المتواضع قدر الإمكان تسييج سؤال النوع والفقر بالسؤال السوسيولوجي، حيث قمنا باقتراح مجموعة من المداخل العلمية لخلق فهم سوسيولوجي دو شرعية علمية للعلاقة بين النوع والفقر.
فبعد التقديم الإشكالي والعروج على مختلف المفاهيم المبلورة لهذا الحقل العلمي، قمنا بالتطرق للإشكالية الأساس المرتبطة بالعلاقة القائمة بين النوع الإجتماعي والفقر.
فإذا كان النوع هو متغير مستقل والفقر هو متغير تابع، فإننا سنكون بصدد اقتراح متغيرات أخرى لفهم العلاقة بينهما، فاقترحنا مفهوم الدور الإجتماعي كمدخل علمي للفهم، هذا الأخير لم يسلم بدوره من التراتب الجنسي وتقسيم الأدوار استنادا لما هو جنسي باعتبار المكان الأنسب للمرأة هو المنزل في حين الرجل كائن نشيط يعطى إليه دور الإنتاج والفاعلية، مما يكرس لنوع من العبودية الإرادية للمرأة وبالتالي التبعية للرجل على جميع المستويات بما فيها المستوى الإقتصادي، وقد اقترحنا مجموعة من الأمثلة بصدد تحليلنا هذا.
كما وظفنا مدخلا قانونيا للتحليل بالخصوص الوثيقة الدستورية 2011 والتي رسمت صورة قانونية حاولت من خلالها إعادة الإعتبار للمرأة بحيث تكون على قدم المساواة مع الرجل، لكن شتان بين الواقع السوسيولوجي والاعتبار القانوني، واقترحنا أيضا البعد الديني الذي يفسر لنا صورة الفقر وعلاقته بالنوع وبالخصوص مسألة الإرث ...
وعليه، إن إشكالية النوع الإجتماعي وعلاقتها بالفقر هي إشكالية جد واسعة من الصعب جدا أن نحصرها في بعد واحد ولهذا تبقى إشكالية مفتوحة للبحث والتحليل، الشيء الذي يجعل لهذا الموضوع جاذبية معرفية.


لائحة المراجع:
1. Simone de Beauvoir, le deuxième sexe, paris, Gallimard, tome 2, L’expérience vécue, 1949, pp 13.
2 . ابن منظور، جمال الدين محمد بن مكرم. لسان العرب، ج9، ص 8.
3. BSI, Economie. Définition et approches de la pauvreté, 23/09.2014.
http://www.bsi-economics.org/416-definitions-approches-pauvrete
4. تقرير برنامج الأمم المتحدة الإنمائي، للتنمية البشرية لعام، الجزائر 2006، ص 17.
5. المندوبية السامية للتخطيط.
6. وزارة التضامن والمرأة والأسرة والتنمية الإجتماعية. "الخطة الحكومية للمساواة، الحصيلة الإجتماعية 2012-2016، AZ-Editions، 2016، ص 181.
7. أحمد، حلمي. "عرض خريطة الفقر متعدد الأبعاد لسنة 2014، المندوبية السامية للتخطيط، الرباط، 04 أكتوبر 2017.
8. وزارة التضامن والمرأة والأسرة والتنمية الإجتماعية، نفس المرجع، ص 181.
9. مدكرة إخبارية للمندوبية السامية للتخطيط، "وضعية سوق الشغل خلال الفصل الأول من 2017"، ص5.
10. رشيد، أوترحوت. "المرأة العاملة وإنتاج زيت الأركان"، دراسة ميدانية بسوس، غير منشورة، جامعة ابن زهر أكادير، 2016.
11. Bourdieu pierre. Le paradoxe du sociologue, Arras, octobre 1977, pp 87.
12. نوال السعداوي، المرأة والجنس. الطبعة الرابعة ، الفصل الثالث، 1990، ص 118ـ119.

محمد مشكور
طالب باحث في السوسيولوجيا



#محمد_إبن_حسن_مشكور (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295





- فيديو يُظهر ومضات في سماء أصفهان بالقرب من الموقع الذي ضربت ...
- شاهد كيف علق وزير خارجية أمريكا على الهجوم الإسرائيلي داخل إ ...
- شرطة باريس: رجل يحمل قنبلة يدوية أو سترة ناسفة يدخل القنصلية ...
- وزراء خارجية G7 يزعمون بعدم تورط أوكرانيا في هجوم كروكوس الإ ...
- بركان إندونيسيا يتسبب بحمم ملتهبة وصواعق برد وإجلاء السكان
- تاركًا خلفه القصور الملكية .. الأمير هاري أصبح الآن رسميًا م ...
- دراسة حديثة: لون العينين يكشف خفايا من شخصية الإنسان!
- مجموعة السبع تعارض-عملية عسكرية واسعة النطاق- في رفح
- روسيا.. ابتكار طلاء مقاوم للكائنات البحرية على جسم السفينة
- الولايات المتحدة.. استنساخ حيوانين مهددين بالانقراض باستخدام ...


المزيد.....

- فيلسوف من الرعيل الأول للمذهب الإنساني لفظه تاريخ الفلسفة ال ... / إدريس ولد القابلة
- المجتمع الإنساني بين مفهومي الحضارة والمدنيّة عند موريس جنزب ... / حسام الدين فياض
- القهر الاجتماعي عند حسن حنفي؛ قراءة في الوضع الراهن للواقع ا ... / حسام الدين فياض
- فلسفة الدين والأسئلة الكبرى، روبرت نيفيل / محمد عبد الكريم يوسف
- يوميات على هامش الحلم / عماد زولي
- نقض هيجل / هيبت بافي حلبجة
- العدالة الجنائية للأحداث الجانحين؛ الخريطة البنيوية للأطفال ... / بلال عوض سلامة
- المسار الكرونولوجي لمشكلة المعرفة عبر مجرى تاريخ الفكر الفلس ... / حبطيش وعلي
- الإنسان في النظرية الماركسية. لوسيان سيف 1974 / فصل تمفصل عل ... / سعيد العليمى
- أهمية العلوم الاجتماعية في وقتنا الحاضر- البحث في علم الاجتم ... / سعيد زيوش


المزيد.....

الصفحة الرئيسية - الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع - محمد إبن حسن مشكور - النوع الإجتماعي والفقر: نحو مقاربة سوسيولوجية للموضوع.