أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - فوزى سدره - (6) لماذا الإيذاء















المزيد.....

(6) لماذا الإيذاء


فوزى سدره

الحوار المتمدن-العدد: 5872 - 2018 / 5 / 14 - 20:41
المحور: الادب والفن
    


قال ميكو :لماذا الإيذاء ؟ لماذا يتسلط إنسان على إنسان بالإيذاء ؟؟
قلت: ماذا تقصد يا ميكو ؟
قال: الضرب و الإهانات بكل طرقها ، و أنا لا يمكن أن أنسى ، و لن يُمحَى من ذاكرتي الضرب الذي كنت أتلقاه فى البيت الذي تحررت منه.
قلت: و هل ما تلقيته من ضرب و إهانات سبب لك غصة من الكراهية تجعلك تميل للإنتقام ؟
قال: أنا لا أكرههم و لا أحبهم ، و لكني أعذرهم لجهلهم . تربوا عليه و لم يعرفوا ثقافة الاحترام .
قلت في نفسي .. حتي الحيوان يشعر بالإهانة و يحس بها و يتألم منها ، و تتربي في نفسه عقدة الذاكرة المؤلمة ، و إن كان يختلف عن الإنسان في أنه يعذر جهلهم و افتقارهم للمبادئ و الأخلاق ، و لكن هل الإنسان يعذر أم أن رد فعله يأتى مع الأيام .
فقضايا الطلاق و الضرب و القتل.. ما هي إلا ردود أفعال ، الزوج الذي يهين زوجته بالضرب و الزوجة التي تهين زوجها باللسان الردئ ، ما هي إلا نقص فى المبادئ و الأخلاق ، و جهل و سوء فهم و افتقار لثقافة الإحترام .
جلست أفكر.. ألا يمكن للدين أن يكون له دور في تهذيب المبادئ و الأخلاق و الوصول بالإنسان لاحترام نفسه واحترام غيره
نعم.. قلت في نفسي.. إن هذه هي غاية الدين أن يتعامل الناس مع بعضهم بالاحترام و الاحتمال و الحب.
إذا فما المشكلة .. هل الناس غير متدينون أم بعيدون عن الدين؟ وجدت أكثر قضايا الطلاق و الخراب و الإيذاء هي لأناس يبدون فى ظاهرهم أقرب إلى الدين من غيرهم .
إذا هل العيب في الدين؟ حاشا. إن العيب في الناس ..
ووجدت أن الدين ثابت علي مر الأجيال و لكن الناس هي التي يتغير فهمها للدين من جيل الي آخر. حتي جاء العصرالذي أصبحت ممارسته شكلية ، و بَعَد الناس عن جوهره و روحه، فالتدين لم يفتح صحوة أخلاقية ، و الناس قد تسمع العظات و الإنذارات و لا تعي و لا تفهم و بالتالي لا تتعظ .
فكيف للروح أن تنتعش و تصحو ؟
و أين دور الضمير في التأنيب و الفحص. طوبي لمن يؤنبه ضميره في الوقت المناسب قبل فوات الأوان.
و هنا خرجتإحدى شخصيات الكاتب أنطون تشيكوف وشخص قائلا : هل تتذكرني ؟
قلت: أنا أعرف الناس بالأسماء و ليس بالأشكال. هل تتفضل و تعرفني بنفسك
قال: أنا جريجوري يثروف.
قلت : إسمك ثقيل على مسمعى . هل تُبَسطْ لى اسمك حتى أستطيع ويستطيع الناس معى ترديده بسهولة .
قال : ليكن يثرو .. أو أى إسم تختاره ولكن المهم ما جئت من أجله .
قلت : ما الذى جئت من أجله يا يثرو ؟
قال : سمعتك تفكر فى قضية الإيذاء وتسلطْ إنسان على إنسان بالإهانات والضرب ، وتبحث عن أسباب إهانة الإنسان لأخيه الإنسان . الذى ربما يكون أقرب الناس إليه ، فأردت أن أحكى لك تجربتى فى حياتى الزوجية ربما تفيدك بشئ .
اسمى جريجورى ، قد يكون الإسم من الصعب قراءته فى بلادكم ولكن هذه أسماءنا فى روسيا ولكل بلد أسماء تميزها ، تعلمت صنعة الخراطة وتفوقت فيها ، وكانت السبب فى زواجى من أسرة غنية ، فقد زوجونى نجلتهم لتفوقى فى الخراطة ليس أكثر ، ولو عرفت زوجتى عن غباوتى وقلة حيلتى وإدمانى للخمر وعقدى الداخلية التى ترسبت فى أعماقى من تجارب قاسية فى المدرسة والبيت والمجتمع ، لما أقدمت على الإقتران بى .
باتريونا زوجتى فتاة ناصعة الطيبة والعفاف ذات وجه طفولى ملائكى برئ، ولا أعرف كيف أصف تقاطيعها وجمالها لعدم إلمامى بالألفاظ التى يستخدمها الأدباء ولكنى أقول فى كلمة واحدة .. لقد أحسن الخالق فى تكوينها ، وأعتقد أنه بعدما بث فيها الروح تنسم رائحة جماله فى الخلق وقال حسنا .
أنا نادم أشد الندم الذى ليس له شفاء الآن لأنى لم أكن جديرا ولا مستحقا لهذه الإنسانة رائعة البراءة ، ولكنى أقول الحق أننى لم أكن أهينها أو أضربها إلا بعد أن تنتابنى نوبة السُكْرْ التى تفقدنى وعيى وعقلى ، وعندما أعود لصوابى أقول لها ...
لا تبكى يا باتريونا زوجتى العزيزة وسامحينى .
إننى أُصاب بالجهل عندما أشرب ، والجاهل هو من فقد عقله ، فيفعل كل الأشياء الرديئة بدون وعى ، ولكن دعنى أسألك سؤالا .. هل فى بلادكم يضرب الزوج زوجته ؟
قلت : للأسف يا جريجورى ، نحن أصحاب البلاد التى يعدونها مهد الرسالات السماوية ولكننا لا نفهم رسالاتنا الفهم الصحيح لأن المنتفعين لكى يحافظوا على منافعهم طموسنا فى مفاهيم ليس لها علاقة بالأديان ، فوضعوا المرأة على أنها المرتبة الثانية فى الأسرة وجعلوا منها مرتبة ينام عليها الزوج ، وأعطوه الصلاحيات والسلطات فى أن يغطيها أو يعريها وأن تسمع أوامره بدون حوار أو نقاش وإلا فالعقاب .
إننا أصحاب مجتمع ذكورى فقط ، لغينا النصف الآخر من الحساب وأصبح الرجل هو الكل .
قال جريجورى : فهمت ، وهذا النوع هو أشد جهلا من السُكر ، أو قل هو إدمان الجهل بثقافة الاحترام وتهميش نصف المجتمع ، فكيف يعيش مجتمع بدون نصفه الآخر ؟ إلا أن يكون مجتمعا مُعوقاً؟
قلت : نعم يا صاحبى . هذا هو ما أرادوه لنا ، ولكن أكمل من فضلك حتى لا نتوه فى قضايا شائكة
قال : ذات ليلة كثرت همومى ولم أجد لها حلا ، وأنا دائما أبحث عن شئ ما فى داخلى لا أعرف كنهه ولا أعرف حتى كيف أُعبرْ عنه ، وعند العجز ألجأ إلى المخدر الوحيد الذى ينقذنى من الألم ، فأشرب وأشرب حتى أفقد كل شئ وأعيش فى سعادة وهمية بعيدة عن الواقع .
ذهبت إلى البيت وياليتنى ما ذهبت فى تلك الليلة التى كانت ليلة ما بعدها ليال
فتحت لى زوجتى المحبوبة وسألتها مترنحا ... أين الطعام يا إمرأة فأنا جوعان ، قالت لى : أنت لم تترك نقودا لكى نشترى بها طعاما ، ولكنى دبرت لك بعضا من طعام، وقدمته لى ، فثارت أعصابى وهاجت شرايين غضبى وأوسعتها ضربا مبرحا ، حتى انى لم أسمع لها بعد ذلك صراخا ولا حراكا ، فقد فقدت الوعى .
ألقيت بجثتى فوقها ومر وقت حتى أدركت قليلا قليلا ما الذى حدث ..
آه يا زوجتى العزيزة . ما الذى فَعلتَهُ بك ؟أنا إنسان شرير مريض ولا أجد أحدا يُتوبنى أو يشفينى ، أسرعت لجارى متوسلا إليه أن يعطينى حصانه العجوز لبضع ساعات حيث أن زوجتى فى طريقها للموت .
وضعتها على العربة وأشبعت الحصان ضربا حتى يسرع بنا إلى المستشفى لانقاذ زوجتى .
قلت له : يا جريجورى بك . نحن نفعل الشر بأيدينا ثم بعد ذلك يتملكنا الكِبر لإصلاحه وقد يتعذر الإصلاح .
قال : نعم وهذا ما حدث فعلا . فقد هبت عاصفة ثلجية هوجاء جعلتنى لا أرى شيئا ،لا المبانى ولا الشوارع ولا أعمدة الإنارة ولا أى شئ. كان الحصان يشق طريقه وسط الضباب ثم يتعثر ويقع ويقوم ، وأنا أناجى زوجتى من خلفى .. اطمأنى يا زوجتى المحبوبة سوف تكونين بخير. سيعطيك الطبيب بضع قطرات من الدواء وسأطلب منه أن يدهن جسدك بالكحول . أعتقد أنه سيبذل جهده دون شك وقد يشتمنى أو يثورعلىّ .. كيف تَرَكت زوجتك فى هذه الحالة ؟... لقد تأخرت . لماذا لم تأتى منذ الصباح وماذا فعلت بها ؟ ولكنى سوف أُقبلْ حذائه وأفعل كل ما يريده منى من أجلك يا عزيزتى . سوف أتحمل إهانات ذلك الطبيب العظيم من أجلك .
قلت لزوجتى هذا الكلام ولم أسمع منها حتى آهة ، فاستدرت ورفعت يديها وإذا بها تتساقط مثل خشبة . أتكون قد ماتت . وجدت الثلج قد تراكم على وجهها الذى تغير إلى البياض . آه يا عزيزتى . لقد مت . حقا انك لا تحتاجين الآن لمستشفى أو طبيب . أنت تحتاجين إلى مدفن يدفئك ويريحك من العذاب .
أنى أتلهف أن أعتذر لك وأتوسل أن تسامحينى . ياللوجع .. فى الوقت الذى أريد أن أبوح لك بأسفى واعتذارى تموتين فيه . لقد رحلتِ واسترحتِ من ظلمى ومن ظلم العالم ، ولكن تركتينى وعلى قلبى صخرة من نار تُلهب أحشائى وتُقطع أنفاسى ، صخرة الندم يا صديقى ، الندم بعد فوات الأوان لا يحتمل.
أَفَقت من نوم عميق وحولى مجموعة من الأطباء وأدركت أننى فى المستشفى .
أين يداى وساقاى .. لقد بُتِروا بعد تجمد الدم فيهم ، سمعت الطبيب يقول .. لقد انتهى كل شئ .
*****
ثم اتجه جريجورى إلىّ قائلا .. وها أنا قدجئت بعد أن سمعتك تحاور أفكارك عن تسلط الإنسان بالضرب والايذاء .
قلت : فهمت يا جريجورى . لقد حصدت بأفعالك الندم الذى يُعذبك ولا تعرف كيف تتخلص منه لأنك حملته معك للعالم الآخر الذى لا يعرف أعذار .
قال : ولكنى جئت إليك لأقول .. طوبى لمن يتوب ويعتذر قبل فوات الأوان ، وأيضا لأقول أن من يهين زوجته يهين نفسه .
قلت : نعم . بل طوبى لمن يسمع ويفهم لأنه لا أحد يتعظ .
*****



#فوزى_سدره (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- (5) عودة ميكو وفضائحه
- (4) الإحساس الضائع
- (3) هل للإنسان أن يختار طريقه
- بالقراءة تُقاس حضارة الشعوب
- البحث عن الوفاء


المزيد.....




- وفاة الفنان المصري المعروف صلاح السعدني عن عمر ناهز 81 عاما ...
- تعدد الروايات حول ما حدث في أصفهان
- انطلاق الدورة الـ38 لمعرض تونس الدولي للكتاب
- الثقافة الفلسطينية: 32 مؤسسة ثقافية تضررت جزئيا أو كليا في ح ...
- في وداع صلاح السعدني.. فنانون ينعون عمدة الدراما المصرية
- وفاة -عمدة الدراما المصرية- الممثل صلاح السعدني عن عمر ناهز ...
- موسكو.. افتتاح معرض عن العملية العسكرية الخاصة في أوكرانيا
- فنان مصري يكشف سبب وفاة صلاح السعدني ولحظاته الأخيرة
- بنتُ السراب
- مصر.. دفن صلاح السعدني بجانب فنان مشهور عاهده بالبقاء في جوا ...


المزيد.....

- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - فوزى سدره - (6) لماذا الإيذاء