محمد البوزيدي المغرب
الحوار المتمدن-العدد: 1492 - 2006 / 3 / 17 - 11:22
المحور:
الادب والفن
أمل في المدرسة
محمد البوزيدي المغرب
بخطوات متئدة انسحب بعيدا عن البيت ،بدأ يتأمل الشمس القادمة من بعيد ،يحاورها بلغته الخاصة، وتداعبه بأشعتها الزاهية الألوان ،ينبسط وسط المروج الخضراء التي ألفها منذ قدم لهذا العالم ،يمسك فراشة سقطت بين يديه مباشرة ،ثم يفرج عنها ،يلمس الماء المنسكب من ساقية صغيرة تمر أمام بيته قادمة من أعلى الجبل المطل على قريته.
هكذا يكرر سعيد حياته اليومية كل صباح، يعيد الأيام التي تزعزع أمله في حياة أفضل كالتي التي يشاهدها في التلفاز الذي يشتغل ببطارية خاصة في فترة المساء.
هاهي سعاد كعادتها تأخذ طريقها اليومية لترعى غنم العائلة التي لاتتجاوز 7شياه وخروف يتكلف بالتلقيح، وضمان النسل المتواصل،وكما ألف دوما تبتسم له، تحرك عيناها ،وشفتاها إشارة منها لتحية الصباح المعتادة ،والتي تطورت قبل شهرين لتنسج علاقة حب خفية بين طفلين لم يتجاوزا الربيع الثامن.
سألته بضحك طفولي : سعيد ماذا تقول لك الفراشة التي كنت ممسكا بها قبل قليل
-تلاعبيني وأداعبها ،إني أحبها كثيرا حب الفقير للرغيف.
-حتى الفراشات تحبها .
تجاهل على غير ما توقعت سؤالها الملغوم بعد أن فهم معناه العميق الذي يحمل إشارة دالة،
كان صمته جوابا خاصا.
انتظرت جوابه الصريح لكن انحناءة رأسه وابتسامته الخجولة كانت أبلغ جواب من الجواب الذي لم يخرج من الشفاه الصغيرة التي أخفت أسنانا بدأت تعلوها صفرة قاتمة.
في لحظة، ساد الصمت ،همت بالانسحاب، رفع رأسه، التقت العينان، تبادل الطفلان الإشارات الصامتة، لكن وبطريقة عجيبة انقلب الموضوع بطريقة استغربت لها سعاد
-سعاد إلى متى نبقى نكرر هاته الحياة المملة ؟نتيه في المروج و... و...؟
-ماذا تقول ؟مازلنا صغارا هل تريد منا الشيخوخة قبل الأوان ..
-لم تفهميني جيدا اسمعي.
حينها أدركت أن الموضوع جدي وليس الموضوع الذي اعتقدت ،التفتت وجدت بعض الغنم قد ضل طريقه ،طلبت منه الانتظار حتى تعود لترد الغنم للطريق الصحيح
حين رجعت سألته في هلع : ماذا تقصد ؟
صمت للحظات ،كادت عيناه تغرورقان بالدموع لكن استجمع كل قواه ليصرح لها:
-هل رأيت الأطفال الذين ظهروا البارحة في التلفاز
-لا فنحن كما تعرف لانتوفر على تلفاز
-كانوا يدرسون، يكتبون وهم في سن أصغر منا.فما الفرق بيننا وبينهم ألسنا مثلهم من لحم ودم ...
-ولكن مابنا الآن ؟نعيش، نأكل، نلعب..
-ولكن في هذه الحالة مالفرق بيننا وبين هاته الأغنام ....؟
لم تتركه يتم كلامه فجديته أعادت لها جديتها وجعلتها تفهم مغزى كلامه.
-ياإلهي كيف لم أفهم هذا ولم أنتبه له؟أنا فعلا تجاوزت سبعة سنوات ولا أستطيع القراءة ولا الكتابة
-ولكن ياسعيد المدرسة غير متوفرة في قصرنا هذا ونحن بعيدون من المدينة.
-ولماذا ؟
-ولماذا ؟
طرح السؤال من الطرفين، تبددالجواب،وبين لحظة وأخرى كان الطفلان ينظران في بعضهما نظرة حزن سرعان ماانقلبتا إلى بكاء حار.
جلسا على الأرض ليبكي كلاهما مع الآخر في مناجاة خاصة تحت الأشجار خاصة حينما واصل سعيد بالقول --سنكبر ..ولن نعرف القراءة ولا الكتابة وأكيد سنكرر ما فعله آباءنا أطفالنا سيعيشون في جهل ...و...
في ذاك الوقت ضلت الغنم الطريق، ورجعت إلى البيت. فخرجت أم سعاد للبحث عن ابنتها فقد خشت من أن يصيبها مكروه فأسرعت وهي تصيح
سعاد أينك يابنتي ؟ أينك؟ وبعد قليل كانت تقف جانب الطفلان وهما يبكيان
ضمت بنتها والطفل الآخر كذلك وهي تصيح :
مابكما هل أصابكما مكروه ؟من ضربكما ؟ماذا؟..
ولم تشعر حتى واصلت البكاء معهما.
أصبح البكاء نصيب الثلاثة، ارتفع العويل والنحيب، حضر رجال القرية ليروا ما حدث
وصل من وصل من رجال القرية بينما ذهب البعض لينادي على الشيخ و الآخرين ليناقشوا الأمر،
بكى البعض لبكاء الطفلين شفقة وحنانا وإن لم يدري السبب.
أخذوا الطفلين لبيت قريب، كما شرع أب سعيد في البحث في أنحاء جسدهما لعل حيوان لسعهما أو..
فكر أحدهم طريقة لوقف البكاء قدم لهما الحلوى لكنهما رفضا....قبلت الأم سعيدا ثم توقف البكاء .
كان الجميع يسأل ؟ما بكما؟ ما حدث؟ في وقت حضر فيه من كان حاضرا من رجال القرية بينما مازالت أم سعاد تبكي لقد تأثرت من منظر ابنتها وهي تبكي بهذه الدرجة.
تأثر الطفلان لبكاء الكبار لكن لم تتوفر لهما الشجاعة للجواب عن سؤال ماذا حدث بل كان كل منهما يطلب من الآخر الجواب،
في لحظة قبل فيها سعيد من أبيه نطق الصغير : لم يصبنا سوء
لكن أحد كبار القوم نطق:لا لا يمكن بكاء لزمن غير يسير ولم يصبكم سوء
ردت عليه سعاد : بل نحن السوء
كيف ؟سألتها أمها
طفل محروم من الدراسة مامستقبله ؟
صمت الجميع لهذا الجواب وبصعوبة ابتلع الرجال ريقهم للتأمل في هذا الكلام فواصلت سعاد:
نبكي لأننا حرمنا من المدرسة ولانعرف القراءة وإلا الكتابة مثل الأطفال الآخرين الذين يظهرون في التلفاز .
واصل سعيد :إذن كيف لانبكي على مصيرنا الغامض منذ الآن...
نظر الرجال كل واحد للآخر نظرة معبرة والكل يشير برأسه دلالة على صحة موقف الطفلين
قال سعيد: ماذنبنا ؟ لماذا لانقرأ؟
وواصلت سعاد بتهكم استغرب له الجميع :هل ذنبنا أننا نسكن بالقرية ؟
تسمر الجميع في مكانه لقد كانت محاكمة للكبار من لدن الصغار
وفجأة وقف شيخ القبيلة الذي كان حاضرا
اسمعوا ياسادة من الغد سننظم مسيرة إلى الجماعة التي نؤدي لها الضرائب للمطالبة بمدرسة تقي أطفالنا من الجهل وتجعلهم فعلا رجالا للغد ....
خرج القوم يتأملون ماجرى،التقت عينا سعيد وسعاد ،تبادلا نظرات تأمل خاصة ولم يحس كل منهما حتى التقت شفتاه بشفة الآخر وسط اندهاش ماتبقى من القوم الذين خرجوا تاركين الصغيرين يصنعون ابتساماتهم الخاصة...
محمد البوزيدي المغرب
بخطوات متئدة انسحب بعيدا عن البيت ،بدأ يتأمل الشمس القادمة من بعيد ،يحاورها بلغته الخاصة، وتداعبه بأشعتها الزاهية الألوان ،ينبسط وسط المروج الخضراء التي ألفها منذ قدم لهذا العالم ،يمسك فراشة سقطت بين يديه مباشرة ،ثم يفرج عنها ،يلمس الماء المنسكب من ساقية صغيرة تمر أمام بيته قادمة من أعلى الجبل المطل على قريته.
هكذا يكرر سعيد حياته اليومية كل صباح، يعيد الأيام التي تزعزع أمله في حياة أفضل كالتي التي يشاهدها في التلفاز الذي يشتغل ببطارية خاصة في فترة المساء.
هاهي سعاد كعادتها تأخذ طريقها اليومية لترعى غنم العائلة التي لاتتجاوز 7شياه وخروف يتكلف بالتلقيح، وضمان النسل المتواصل،وكما ألف دوما تبتسم له، تحرك عيناها ،وشفتاها إشارة منها لتحية الصباح المعتادة ،والتي تطورت قبل شهرين لتنسج علاقة حب خفية بين طفلين لم يتجاوزا الربيع الثامن.
سألته بضحك طفولي : سعيد ماذا تقول لك الفراشة التي كنت ممسكا بها قبل قليل
-تلاعبيني وأداعبها ،إني أحبها كثيرا حب الفقير للرغيف.
-حتى الفراشات تحبها .
تجاهل على غير ما توقعت سؤالها الملغوم بعد أن فهم معناه العميق الذي يحمل إشارة دالة،
كان صمته جوابا خاصا.
انتظرت جوابه الصريح لكن انحناءة رأسه وابتسامته الخجولة كانت أبلغ جواب من الجواب الذي لم يخرج من الشفاه الصغيرة التي أخفت أسنانا بدأت تعلوها صفرة قاتمة.
في لحظة، ساد الصمت ،همت بالانسحاب، رفع رأسه، التقت العينان، تبادل الطفلان الإشارات الصامتة، لكن وبطريقة عجيبة انقلب الموضوع بطريقة استغربت لها سعاد
-سعاد إلى متى نبقى نكرر هاته الحياة المملة ؟نتيه في المروج و... و...؟
-ماذا تقول ؟مازلنا صغارا هل تريد منا الشيخوخة قبل الأوان ..
-لم تفهميني جيدا اسمعي.
حينها أدركت أن الموضوع جدي وليس الموضوع الذي اعتقدت ،التفتت وجدت بعض الغنم قد ضل طريقه ،طلبت منه الانتظار حتى تعود لترد الغنم للطريق الصحيح
حين رجعت سألته في هلع : ماذا تقصد ؟
صمت للحظات ،كادت عيناه تغرورقان بالدموع لكن استجمع كل قواه ليصرح لها:
-هل رأيت الأطفال الذين ظهروا البارحة في التلفاز
-لا فنحن كما تعرف لانتوفر على تلفاز
-كانوا يدرسون، يكتبون وهم في سن أصغر منا.فما الفرق بيننا وبينهم ألسنا مثلهم من لحم ودم ...
-ولكن مابنا الآن ؟نعيش، نأكل، نلعب..
-ولكن في هذه الحالة مالفرق بيننا وبين هاته الأغنام ....؟
لم تتركه يتم كلامه فجديته أعادت لها جديتها وجعلتها تفهم مغزى كلامه.
-ياإلهي كيف لم أفهم هذا ولم أنتبه له؟أنا فعلا تجاوزت سبعة سنوات ولا أستطيع القراءة ولا الكتابة
-ولكن ياسعيد المدرسة غير متوفرة في قصرنا هذا ونحن بعيدون من المدينة.
-ولماذا ؟
-ولماذا ؟
طرح السؤال من الطرفين، تبددالجواب،وبين لحظة وأخرى كان الطفلان ينظران في بعضهما نظرة حزن سرعان ماانقلبتا إلى بكاء حار.
جلسا على الأرض ليبكي كلاهما مع الآخر في مناجاة خاصة تحت الأشجار خاصة حينما واصل سعيد بالقول --سنكبر ..ولن نعرف القراءة ولا الكتابة وأكيد سنكرر ما فعله آباءنا أطفالنا سيعيشون في جهل ...و...
في ذاك الوقت ضلت الغنم الطريق، ورجعت إلى البيت. فخرجت أم سعاد للبحث عن ابنتها فقد خشت من أن يصيبها مكروه فأسرعت وهي تصيح
سعاد أينك يابنتي ؟ أينك؟ وبعد قليل كانت تقف جانب الطفلان وهما يبكيان
ضمت بنتها والطفل الآخر كذلك وهي تصيح :
مابكما هل أصابكما مكروه ؟من ضربكما ؟ماذا؟..
ولم تشعر حتى واصلت البكاء معهما.
أصبح البكاء نصيب الثلاثة، ارتفع العويل والنحيب، حضر رجال القرية ليروا ما حدث
وصل من وصل من رجال القرية بينما ذهب البعض لينادي على الشيخ و الآخرين ليناقشوا الأمر،
بكى البعض لبكاء الطفلين شفقة وحنانا وإن لم يدري السبب.
أخذوا الطفلين لبيت قريب، كما شرع أب سعيد في البحث في أنحاء جسدهما لعل حيوان لسعهما أو..
فكر أحدهم طريقة لوقف البكاء قدم لهما الحلوى لكنهما رفضا....قبلت الأم سعيدا ثم توقف البكاء .
كان الجميع يسأل ؟ما بكما؟ ما حدث؟ في وقت حضر فيه من كان حاضرا من رجال القرية بينما مازالت أم سعاد تبكي لقد تأثرت من منظر ابنتها وهي تبكي بهذه الدرجة.
تأثر الطفلان لبكاء الكبار لكن لم تتوفر لهما الشجاعة للجواب عن سؤال ماذا حدث بل كان كل منهما يطلب من الآخر الجواب،
في لحظة قبل فيها سعيد من أبيه نطق الصغير : لم يصبنا سوء
لكن أحد كبار القوم نطق:لا لا يمكن بكاء لزمن غير يسير ولم يصبكم سوء
ردت عليه سعاد : بل نحن السوء
كيف ؟سألتها أمها
طفل محروم من الدراسة مامستقبله ؟
صمت الجميع لهذا الجواب وبصعوبة ابتلع الرجال ريقهم للتأمل في هذا الكلام فواصلت سعاد:
نبكي لأننا حرمنا من المدرسة ولانعرف القراءة وإلا الكتابة مثل الأطفال الآخرين الذين يظهرون في التلفاز .
واصل سعيد :إذن كيف لانبكي على مصيرنا الغامض منذ الآن...
نظر الرجال كل واحد للآخر نظرة معبرة والكل يشير برأسه دلالة على صحة موقف الطفلين
قال سعيد: ماذنبنا ؟ لماذا لانقرأ؟
وواصلت سعاد بتهكم استغرب له الجميع :هل ذنبنا أننا نسكن بالقرية ؟
تسمر الجميع في مكانه لقد كانت محاكمة للكبار من لدن الصغار
وفجأة وقف شيخ القبيلة الذي كان حاضرا
اسمعوا ياسادة من الغد سننظم مسيرة إلى الجماعة التي نؤدي لها الضرائب للمطالبة بمدرسة تقي أطفالنا من الجهل وتجعلهم فعلا رجالا للغد ....
خرج القوم يتأملون ماجرى،التقت عينا سعيد وسعاد ،تبادلا نظرات تأمل خاصة ولم يحس كل منهما حتى التقت شفتاه بشفة الآخر وسط اندهاش ماتبقى من القوم الذين خرجوا تاركين الصغيرين يصنعون ابتساماتهم الخاصة...
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي،
انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة
في دعم هذا المشروع.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟