|
هل تنازلت فلسطين عن - قيامتها-
جواد بولس
الحوار المتمدن-العدد: 5844 - 2018 / 4 / 13 - 02:59
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
هل تنازلت فلسطين عن "قيامتها" ؟ جواد بولس أثار القرار الفلسطيني بعدم اعتماد عيد الفصح عيدًا فلسطينًا وعطلة رسمية في هذا العام ردود فعل متواضعة وخالية من الغضب والدسم؛ وذلك ليس فقط بسبب تزامنه مع مشاهد وتداعيات مسيرات العودة في قطاع غزة وانشغال الفضاءات الاعلامية داخل إسرائيل بمجموعة قضايا محلية وخارجية، بل لعدم وجود طاقات بشرية ومؤسساتية بين العرب المسيحيين قادرة على الاحتجاج الجدي والمؤثر ، وتتحلى بالجرأة المطلوبة لمواجهة ما يواجهها من مس وتضيقات، مباشرة وغير مباشرة، والممارَسة بحقهم على عدة مستويات. كشفت وتكشف هذه الحوادث ومثيلاتها عن عمق الجهل المستحكم عميقًا في ذهنيات المجتمعات العربية حيال ضرورة الحفاظ على الوجود العربي المسيحي الأصيل في فلسطين التاريخية وعن سهولة التخلي عمن تبقى منهم في أرض أجدادهم، المسيحيين الأوائل، وذلك رغم الضرر الذي ستلحقه هذه الخاتمة بالقضية الوطنية العامة والخلل في النسيجين الحضاري والثقافي الضروريين للحفاظ على مركبات الهوية الفلسطينية التاريخية الجامعة الثابتة. لا يحرّكني في هذه المسألة الهاجس الديني العقائدي، أو الكنسي المؤسساتي، فهذان البعدان لا يؤرقاني شخصيًا؛ لكنني أستشعر، مثل كثيرين، دنو نهاية وجود مجموعة سكانية أصيلة واندثارها الوشيك بشكل حزين؛ وليس تقلص أعدادهم بتسارع ملحوظ هو شاهدي الوحيد على ذلك، فهذه هي النتيجة، بل رفع الغطاء الرسمي عبر العقود الخالية عن مصالح المواطنين العرب المسيحيين ودفع أكثريتهم نحو الشعور بخسارتهم للحاضنة الأم، الطبيعية والواقية، وهي كما عاشتها الأقليات في المجتمعات البشرية مكونة بالعادة من سلطة مركزية حامية بشكل فعّال وحقيقي، ومن أكثرية سكانية متقبلة ومؤازرة بتساو وليس من باب المداهنة أو الاستقواء، ومن مؤسسات مدنية متكافلة وأخيرا من وحدة الأقلية وثقتها بقوتها وتحصين أمانها الجمعي وأمن أفرادها. أعرف أن كلامي هذا سيستفز البعض ومنهم من سيدعي أن الواقع معاكس والحقيقة مغايرة، أو أن الحادثة بسيطة ولا تحتاج لكل هذه الكلمات، وقلة قد تحرض، باسم التعفف الفكري والتحسس الزائف من ولوجي إلى "المناطق الحمراء" الخطيرة؛ لكنني أقول لجميعهم إن الاستعماء عن الواقع لن يخفيه، وان الشعارات لا تكفي والبيانات لا تشفع، وان النوايا، مهما حسنت، ستكذبها مخاوف الناس وجراحهم الغائرة وكثرة الخيبات والهزائم. مواقف المسؤولين، خاصة في فلسطين، لن تقيّم فقط بعدم اقرار العيد كعطلة رسمية أو اقراره كما جرى في السنوات السابقة، ورغم أهمية ذلك وانعكاساته محليا وعالميا، ستبقى سياسات السلطات وممارسة القادة في القضايا الجوهرية هي المعالم التي رسمت في منطقتنا دروب الخسارة والضياع والتسليم. لقد حاول عرب فلسطين المسيحيون منذ أكثر من قرن الدفاع عن كرامتهم الانسانية وعن هويتهم العربية وعن كنيستهم المشرقية وعن عقاراتها، لكنهم فشلوا، لأسباب عديدة، وبقيت معظم الكنائس وممتلكاتها، الروحية والمادية، تحت حكم أغراب ومستعمرين جاؤوها في حقب تاريخية رمادية فخلعوا صليبها واستحوذوا على مسيحها، على مهده وعلى قبره، وهمّشوا رعاياها العرب. لا أعرف ماذا كانت المبررات والدواعي من وراء قرار السلطة الفلسطينية المذكور ، لكنه كان قرارًا خاطئا، وهي لذلك المسؤولة عن نتائجه، لكنها ليست الوحيدة فالى جانبها تتحمل المسؤولية معظم المؤسسات المسيحية وفي مقدمتها اللجنة الرئاسية العليا لشؤون الكنائس ومعها النواب في المجلس التشريعي ووزراء الحكومة وجميع من يتبوأ منصبًا رفيعًا في تلك المساحات وعلى احتكاك مع الدوائر التي تتخذ مثل هذه القرارت. إنهم يتحملون المسؤولية بسبب إخفاقهم، طيلة السنين الفائتة، بتحويل قضية الوجود العربي المسيحي في فلسطين وما يتفرع عنها من مسائل حياتية وما رافقها من أزمات عاصفة، إلى مسألة وطنية تهم القيادة وكل الفلسطينيين، واكتفوا بالتعامل معها كقضايا رعوية وكنسية داخلية؛ ومرد هذا الخلل مغروس في فهمهم الخاطئ لطبيعة مسؤوليتهم الوطنية وقبولهم لعب دور الوسطاء التوفيقيين بين السلطة التي تأتمنهم، وبين رئاسات الكنائس التي تستغلهم، كما تجلى ذلك بصورة مقلقة في السنوات الأخيرة خاصة في تصرفات ومواقف اللجنة الرئاسية العليا لشؤون الكنائس وتعاملها مع قضية تسريب العقارات والأوقاف المسيحية في القدس وغيرها. كانت أمام الجهات الفلسطينية الرسمية فرصة للعدول عن قرارها، وقد وُجّهت اليها عدة نداءات طالبتها بالاعتراف بعيد الفصح وباعتماده عطلة رسمية، إلا انها لم تستجب لجميعها؛ ولربما شكّل نداء سيادة المطران عطالله حنا في هذه المناسبة أعلى صرخة وكان أوضح الأصوات التي ربطت الفصح والقيامة بالمصلحة الوطنية الفلسطينية وحذر من توابع التخلي عن كونها مناسبة فلسطينية رسمية، فعيد الفصح، عند المؤمنين، يعد أهم عيد مسيحيي شرقي، لا بل عيد الأعياد وموسم التهاليل والفرح العظيم، وإن كانت جميع معانيه التاريخية لا تكفي السياسيين ولا تدخل ضمن أجنداتهم، فسيبقى الفصح، بعيدًا عن مفاهيمه الايمانية، عيد القدس، بالبداية والنهاية، لأن القيامة، كما يؤمن بها المسيحيون ، حصلت في القدس، وليس في باريس أو لندن أو روما، وفيها قبر المسيح الذي يعتبر القبلة المشتهاة عند مسيحيي العالم المؤمنين، كما كانت ولادته في مهد بيت لحم وكنسيتها التي تعتبر القبلة الأخرى، ومثلهما البشارة للناصرة والعرس في قانا الجليل؛ انه مسيح هذه الأرض، وهذه الأمكنة وغيرها هي أجزاء من فلسطينكم التي مُجّدت في الأحلام والقصائد وحُفظت كالأماني في تراتيل الأجيال وفي الشعائر . فلماذا لا تلفونها بالعلم وتبسطونها أمام الامم وتطّيروا رسالتها، رسالة عاصمة فلسطين الأبدية، إلى جميع شعوب الأرض؟. لا يمكن اخفاء قلق كثيرين من المسيحيين وقناعتهم بأن بقاءهم في المنطقة أصبح مؤقتًا وعلى حساب "وقتهم الضائع"؛ فإسرائيل تعتبرهم "مجموعة سكانية مهزومة" وتعاملهم مؤسساتها ككتلة هامشية وبحسب وزنهم الكمي، بينما تحتسبهم رسميًا مللًا وتفترض أن مهمة محاصرتهم سهلة واحتواءهم ممكن، خاصة بعد التغيرات الجذرية، الاجتماعية والسياسية، التي تمر بها الدولة وتعيشها مجتمعات مدننا وقرانا. ومن جهة أخرى يواجهون، كأقلية صغيرة ومتداعية في فلسطين، أوضاعًا صعبة وضغوطًا كبيرة حتمت لجوء معظمهم إلى خيمة السلطة ومؤسساتها طمعًا بحمايتها وأمنها. وعلى الرغم من موقف السلطة الفلسطينية وقياداتها واعلانهم دعم مواطنيهم المسيحيين إلا أن مواقفهم الرسمية في الأزمات الاخيرة، وأبرزها قضية تسريب أراضي الكنيسة الاورثذكسية في القدس من جهة، وقصورها في متابعة بعض الاشكالات والاعتداءات العينية في بعض محافظات الوطن من جهة أخرى، اثبت أن الغلبة "للأجنبي" وللمصالح وللعصا ولمن يحملها، فالسلطة لن تستطيع حماية جميع المستضعفين في كل زمان ومكان. في ظل هذا الواقع تصبح زلات الكبار مصائب كبيرة وأخطاؤهم خطايا جسيمة، وقد يصير، في حالتنا، قرار عارض للسلطة الفلسطينية كتلك القشة الخفية التي قصمت ظهر البعير . جهات كثيرة معنية بتبخر العرب المسيحيين من الشرق ومن فلسطين تحديدًا واخشى انها قريبة من اتمام مهمتها، فكما كتبت في الماضي ما زلت على يقين بأننا " نواجه واقعًا وسيرورة تراها الأكثرية ولا تعيرها اهتمامًا صادقًا ومؤثراً فمصير المسيحيين العرب في فلسطين قد حسم عمليًا وهم في حالة تشبه ما يصطلح عليه في علوم الأحياء والانثربولوجيا "نوع في حالة انقراض". فهل ستسمح فلسطين الرسمية والشعبية بالتنازل نهائيًا عن "مسيحها"؟
#جواد_بولس (هاشتاغ)
ترجم الموضوع
إلى لغات أخرى - Translate the topic into other
languages
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي،
انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة
في دعم هذا المشروع.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
أحمد سعدات،صوت وصدى
-
القدس تبحث عن -مسيحها-
-
يعيشون في -جيروزاليم- ويحلمون في القدس
-
هل تبحث القدس عن رئيس عربي لبلديتها؟
-
-نتنياهوزم-
-
فلسطين في آذار عروس
-
هواجس نكبة- حين يكون - اللوز- مرًا
-
أسرى حماس وأمنية العدل المستحيلة
-
في فلسطين ،شباط اللبّاط ريحة الحرية فيه
-
القائمة المشتركة ليست بقرة مقدسة
-
من يوقف الاعتداءات على المدارس والمعلمين؟
-
بروفا حية في الكنيست
-
من رام الله خيط أفق شفيف
-
كأن رصاصهم كان زنابق!
-
نتنياهو: هلا بالخميس
-
رسالة إلى دانه
-
ميلاد مجيد و-عهد-بلا طفولة
-
مائة عام من الأمل
-
ترامب في القدس بدون قناع
-
لن تكون قاضيا عربيا في المحكمة العليا الاسرائيلية
المزيد.....
-
الأردن.. 36 حالة بين وفاة وإصابة في حادثة -التسمم الكحولي- و
...
-
إيلون ماسك يطرق أبواب لبنان: هل تشكّل -ستارلينك- حلاً رقمياً
...
-
القضاء البريطاني يرفض طلب منظمة غير حكومية وقف تصدير معدات ع
...
-
باريس تبدي -أسفها الشديد- بعد الحكم على صحفي فرنسي بالسجن سب
...
-
خامنئي وحقبة ما بعد الحرب.. كيف سيتعامل المرشد الإيراني مع ت
...
-
إسرائيليون يعتدون على قاعدة عسكرية ومركز لقوات الأمن في الضف
...
-
تحقيق استقصائي لرويترز.. كيف حصلت مجازر الساحل السوري وما دو
...
-
-نراقب بدقة- - قلق ألماني لسقوط قتلى يوميا أثناء توزيع المسا
...
-
إيران: الأضرار البيئية الناجمة عن الحرب لا تزال غير واضحة ال
...
-
بعد -الأسد الصاعد-.. إيران أمام مراجعة شاملة لعقيدتها العسكر
...
المزيد.....
-
الوعي والإرادة والثورة الثقافية عند غرامشي وماو
/ زهير الخويلدي
-
كذبة الناسخ والمنسوخ _حبر الامة وبداية التحريف
/ اكرم طربوش
-
كذبة الناسخ والمنسوخ
/ اكرم طربوش
-
الازدواجية والإغتراب الذاتي أزمة الهوية السياسية عند المهاجر
...
/ عبدو اللهبي
-
في فوضى العالم، ما اليقينيات، وما الشكوك
/ عبد الرحمان النوضة
-
الشباب في سوريا.. حين تنعدم الحلول
/ رسلان جادالله عامر
-
أرض النفاق الكتاب الثاني من ثلاثية ورقات من دفاتر ناظم العرب
...
/ بشير الحامدي
-
الحرب الأهليةحرب على الدولة
/ محمد علي مقلد
-
خشب الجميز :مؤامرة الإمبريالية لتدمير سورية
/ احمد صالح سلوم
-
دونالد ترامب - النص الكامل
/ جيلاني الهمامي
المزيد.....
|