أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع - نياز ضيف الله - كينونة التطابق بين الفكر والوجود عند هيغل من فلسفة الذات وصولا إلى الدولة















المزيد.....

كينونة التطابق بين الفكر والوجود عند هيغل من فلسفة الذات وصولا إلى الدولة


نياز ضيف الله

الحوار المتمدن-العدد: 1489 - 2006 / 3 / 14 - 11:18
المحور: الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع
    


ولد جورج فردريك هيجل (1770-1831) في مدينة اشتوتغارت بألمانيا وتعلم فيها وتنقل بينها وبين جامعة توبنغن وبرلين التي أصبح مديرا لها. كانت عائلته متواضعة من الناحية المادية. وقد أصيب بعدة فواجع في طفولته، ففقد أمه التي كان يحبها كثيرا في الحادية عشرة. وقتل أخوه في الحرب، وجنت أخته التي كان متعلقا بها أيضا كثيرا. تضاف إلى ذلك مأساة طفله غير الشرعي الذي سبب له متاعب عديدة طيلة حياته كلها، وبالنسبة للفيلسوف، فقد تضافرت الصدفة والضرورة لكي تصنعا منه أكبر فيلسوف في ألمانيا، وربما في العصور الحديثة كلها، فقد بلغ سن 19 عاما عندما اندلعت الثورة الفرنسية عام 1789م وشكلت شمسا أشرقت لتاريخ حديث وأحرقت تاريخا قديم هو بالنسبة لهيجل تاريخ عبودية وقهر.

عائلة هيجل ببروتستانتية لوثرية، كانت تتميز بالتقي والورع، فهي عائلة قريبة من الدين، وهو ما حافظ عليه هيجل نفسه فقد تعلق بالمذهب اللوثري، وخاض عدة معارك ضد المذهب الكاثوليكي الذي كان يعتبره راضخا للحكام ومؤيدا للطغيان على عكس البروتستانتية ولكنه انتقد البروتستانتية عندما تحولت إلى عقيدة جامدة مؤيدة للحكام أيضا، تأثر هيجل الفيلسوف الشاب بالتيار الفكري المعروف باسم التنوير، وراح يطور فلسفة ذات لغة مزدوجة، أي دينية وفلسفية في آن معا، لأنه يرى في الأديان الثلاث (الإسلام، المسيحية، اليهودية) أديانا يمكنها أن تكون جميعها صحيحة، وقد تأثر بمفاهيم المسيحية وما جاءت به من تعاليم تحقق الحرية المعرّفة بالمشاركة في الكل ولكن عبر وعي الذات، فالتاريخ كما يراه هو تحقيق الحرية.

عاش هيجل بكل مرارة تمزق ألمانيا، وكان أمير المنطقة التي ولد فيها هيجل شخصية طاغية. كان متسلطا، مبذرا متلافا، وميالا للفسق والفجور على الرغم من أنه يحكم بلدا لوثريا (أو بروتستانتيا) مشهورا بصرامته الأخلاقية. كان يجبر موظفيه على جلب نسائهم وبناتهم الى حفلات رقص في قصره فيختار منهن ما شاء واشتهى. وكان يسجن المعارضين دون أي مناقشة او محاكمة. "باختصار عاش هيجل في مجتمع إقطاعي تسوده رجعية النبلاء". ولذلك سُر هيجل للثورة الفرنسية عندما اندلعت وبنى عليها أكبر الآمال، ولكن سروره هذا لم يكتمل عندما رآها تتوقف عند أبواب ألمانيا، بل عندما رأى الفاشية تأخذ مجدها هناك، لذا فإن تخلي هيجل عن النهج الثوري لم يكن وليد فراغ فما من أمل بعد أن وضع مؤتمر "راشتادت" عام 1799م حدا للحرب ضد فرنسا، وعظم تشاؤمه عندما اقتطع جزء من أرض بلده ألمانيا، ومن هنا أخذ هيجل يبحث عن منهج آخر يحقق الإنسان فيه فرديته واشتراطه الإنساني في مجتمع قانون تتحول فيه المسألة السياسية والاجتماعية مسألة فلسفية أخلاقية تأخذ بعين الاعتبار التغلب على تناقضات العالم بعقلية تامة للواقع.

هيجل وصيرورة التاريخ
كان هيجل معجبا بدولة المدينة اليونانية الإغريقية وما تقدمه من مثال لتوظيف العقل في إيجاد إرادة عامة تتغلب على الإرادة الفردية، ومنحها المواطنين حرية تؤسس لحقوقهم وواجباتهم داخل دولتهم المدينة التي مثلت روح الشعب والحياة الجماعية وأنتجت الحرية، وقد بقي هذا النموذج يشغل بال "هيجل" فترة من الزمن بل وكان يحبذ لو يتم نشره في كل مكان، ولكن سرعان ما تفجرت الثورة الفرنسية لتشكل مفترقا جديدا في حياة هيجل وفلسفته -إضافة إلى تأثره بأحدث الإصلاح الديني الذي قاده مارتن لوثر، وظهور فلسفة الأنوار- لقد أثبتت له الثورة بأن الناس يريدون أكثر من دولة المدينة اليونانية بل وبإمكانهم توظيف العقل للخروج من عالم احتكم لادعاءات الحق الإلهي للحكام بالحكم، ومن هنا خرج "هيجل" بفلسفة جديدة تنظر للتاريخ على أنه تمظهر صيرورة تحقق روح العالم، بحيث تسير هذه الصيرورة نحو الحقيقة التي تتأتى بتوظيف العقل لتحقيق المطلق، ويعد تكون وتطور الدولة هو أحد أحداث الصيرورة، وقد بدأ هيجل بوضع مفهوم جديد للذات يتمثل في تحقيقها كمطلق وحرية وإرادة تجد نفسها في العقل لا في أي موضع آخر كالروح مثلا، والذات عند هيجل هي "الكينونة أي المطابقة بين الفكر والوجود" بل هي أساس وماهية الوجود، إنها توظيف الفلسفة للواقع، وهذا يعني تحرر التفكير والذات المفكرة لتؤسس لعصر الحداثة وتشكيل دولة الدستور والقانون والحداثة السياسية والدولة الهيجيلية العصرية، وما التاريخ عند هيجل إلا "تاريخ بلوغ العقلانية الإنسانية لتحقيق المطلق".



الحرية والعقل والدولة عند هيجل
يرى "هيجل" بأن الروح تحقق حريتها في الدولة وعبرها، والدولة عنده أحد منجزات العقل، ولا وجود للإرادة الفردية هنا لأن الدولة تعبر عن روح الجماعة والإرادة العامة وما الفرد إلا عضو في الإرادة العامة التي تعمل بذاتها ولذاتها كما الدولة أيضا فهي الإرادة الشاملة وبالتالي فإن العقل معيار تحليل لشكل الدولة، ويرى "هيجل" أن علينا أن نعترف بأن فكرة الحرية لا توجد بالفعل إلا في واقع الدولة، ولن تتحقق الحرية عملياً إلا عندما تعبر الدولة عن أهداف المجتمع، من خلال اختيارات الأفراد، فالدولة عنده هي: "كنه تطور التاريخ"، ويشكل حق الذات في الحرية نقطة التحول بين التاريخين: القديم والحديث، ويجب على الدولة أن تكون في خدمة المجتمع، الذي شيد لرعاية مصلحة الفرد في الرخاء والسعادة والأمن والحرية، ويعتبر هيجل أن النظر إلى الإنسان خارج الظروف الإنسانية وتصور الحرية خارج الدولة ضرباً من الوهم والخيال، إذن فالإنسان توصل إلى الوعي بحريته الفردية التي تحققت في شكل دولة، حيث أصبحت الحرية فيها نظاما شموليا مضبوط بدستور تقرره الأمة بحرية، وفي النهاية تصبح الدولة هي التعبير عن حاجة الكل الشمولية لأنها وجدت بذاتها ولذاتها، ولأنها تحقق للفرد حريته وتجسد العقل في العالم- العقل والحرية مفهومان لا فرق بينهما عند هيجل- فالذات ليست حرة طالما لم يكن الإنسان مواطنا لدولة عقلية يرى مواطنوها عن وعي بأن وحدة الكل هي هدف جامع، باختصار لقد جعل هيجل من الإنسان لأول مرة "ذاتا للنظام السياسي" ضمن فلسفة دولة تعبر عن مثال للصيرورة التاريخية نحو تحقيق الذات الشاملة لا فلسفة نظرية فحسب بل إثبات إلى أن الفلسفة مهمة لرسم الطريق لبناء دولة الواقع العقلانية وفقا لتطورات الزمان، فلا قيمة للفلسفة عند هيجل إذا ما كانت مرتبطة بالواقع، إن الدولة عند هيجل هي صيرورة لمثال واقعي وليس خيالي، وهو يرى بأن "مهمة الفلسفة معرفة الصيرورة الفعلية للمجتمعات بناء على أسس فلسفية معيارها ومصدرها العقل" لتفسير الواقع وبناء نظرية الدولة الحديثة التي هي حقيقة لفكرة أخلاقية، فالدولة كما يقول هيجل " هي الحقيقة الواقعية للفكرة الأخلاقية، هي الروح الأخلاقي من حيث هي إرادة جوهرية متجلية، وواضحة لذاتها".

الإرادة العامة وتجسيد العقل
إن الإرادة العامة (الشاملة) عند هيجل وتكوين الدولة تعبر عن تجسيد الكوني أو بمعنى آخر تجسيد العقل، والدولة بقوانينها هي الوحيدة القادرة على تحقيق حرية الأفراد وتشكل منبع الحقوق، وفي هذا إشارة إلى أن الحق مقرون بالحرية التي تحددها الدولة، وهنا فإن ما يريده هيغل هو وضع الفلسفة في مهمة وظيفية "لترشد الناس وتمكنهم من فهم عام لمفهوم الدولة" التي يمكنهم العيش في ظلها ويمارسون حقوقهم وواجباتهم من أجل الإرادة العامة التي يعتبر كل مواطن عضو فيها طالما غلّب المصلحة العامة على مصلحته الخاصة.

الأسرة، المجتمع المدني، والدولة عند هيجل
الحياة الاجتماعية عند هيجل تضم ثلاثة مجالات: الأسرة، المجتمع المدني- الذي يعتبره أحد ثمرات الحداثة- والدولة (التي تسمو على المجتمع المدني)، والمجتمع المدني مكون من "تجمع الأسر وعلاقاتها ببعضها، والاتحاديات"، وفي العادة يعبر المجتمع المدني عن مجتمع برجوازي قائم على تناسب الغايات الشخصية للأفراد وتعاونهم في مجالات ذات فائدة لهم، فهم يجتمعون "لضرورة الإنتاج المادي" وفقا لقوانين الدولة، فهنا "لا مركزية للدولة في شؤون الاقتصاد"، وبما أن الأسرة لا يمكنها تحقيق الأهداف التي تحققها الدولة حيث تبقى صفة الوراثية وقرابة الدم تعمل على تأصيل العصبوية وتغليب المصلحة الشخصية، والأسرة تنحل عندما يخرج أبناؤها منه لتكوين أسر جديدة، وفي "لحظة" تفكك الأسرة يبرز المجتمع المدني كنفي لها، ويقوم المجتمع المدني على الاعتماد المتبادل بين الأشخاص المستقلين وهذا جوهر المجتمع المدني في نظر هيجل، ويرى هيجل كما يقول د. محمد الجابري بأن المجتمع المدني مكون من لحظات ثلاث "لحظة الحاجات ونظامها، لحظة العدل وتحقيقه، لحظة الشرطة والنقابة". كما أن المجتمع المدني يعبر عن اتحاد من مجموعة من الأشخاص تجمعهم الحاجات والرغبات الشخصية لأغراض الملكية الخاصة كما يرى هيجل فالاتحادات تلبي رغبات خاصة بأعضائها لا للمجتمع ككل، فإنهما أي الأسرة والمجتمع المدني بحاجة إلى قانون يسمو عليهما ويضبطهما وهذا يتمثل بوجود دولة قانونية عقلانية تجمع بين ما هو خاص وما هو عام، إن المجتمع المدني عند هيجل يمثل مساحة بين الأسرة والدولة، والدولة هي سابقة له بل وتؤسس لوجوده، فالمجتمع المدني عند هيجل ليس شرطا للحرية وإنما فضاء للحياة "الأخلاقية" الناتجة تاريخيا لتتموضع بين الأسرة والدولة، ويشكل هذا المجتمع في النهاية مساحة صراع لا تناغم إرادات ولذلك فهو عند هيجل مشروط بسمو الدولة عليه حتى تكون الوحيدة القادرة على حل إشكاليات الصراع داخله بين الأشخاص والمؤسسات والطبقات... بل والمحافظة على وجوده كأداة وظيفية اقتصادية واجتماعية.

الدستور والأمير والملكية عند هيجل
الدستور عند هيجل قانون يتوافق وثقافة الناس ولا يمنع أو يحد من استخدام العقل، ويرى هيجل في الأمير – من يتولى السلطة- شخصا يتمتع بجميع السلطات ولكنه في نفس الوقت يريده غير متعسف، فإذا تعسف فإنه بحسب هيجل طاغية وليس أمير، فالطغيان عنده هو "حالة غياب القوانين، حيث تحل الإرادة الجزئية سواء كانت إرادة العاهل أم إرادة الشعب محل القانون". إن الأمير الذي يريده هيجل منوط به تحقيق الحرية والوعي بالذات الشاملة، والمحافظة على الدولة العقلانية (دولة القانون)، إنه أمير يحتكم للقانون الذي وضع أصلا لتحقيق الحرية والحقوق والواجبات، وهذا هو مصدر السيادة، فالسيادة تعبر عما هو صادر عن الفكر المحتكم إلى العقل، وبالتالي فإن القرار الخاص الذي يصدره الأمير لا بد له أن يكون عادلا وإلا أصبح أمير متعسف خرج عن المفهوم الهيجيلي، إن هيجل يريد دولة قانونية عقلانية تصل في سموها إلى حد الألوهية والنرجسية في آن واحد، دولة بعيدة عن التعسف وتحب ذاتها لا لأنها لا تحب غيرها، بل لأنها كغيرها تحتكم إلى العقل لا للعاطفة، وهنا فأن إرادة الشعب تتجلى في إرادة الأمير في اتخاذه قرارات عادلة لا تفرق بين هذا وذاك فالشعب عنده كل لا جزء، والفرد جزء من كل، بمعنى أن مصلحة الكل هي الضرورية، "فالفرد يحقق ذاته في الأسرة والمجتمع المدني" ولكنه يحقق مفهوم الكل في الدولة، ولعله من المهم هنا الإشارة إلى أن هيجل لم يأخذ مبدأ المساواة بين الجميع على أتم وجه، فمنصب الأمير أو الملك عنده وراثي وليس خاضع للانتخاب، والبرلمان لا يشترط فيه الانتخاب، فقد حدد هيجل دولته بالدولة الملكية الدستورية التي تتعلق بمركزية في الشؤون الإدارية واللامركزية في الإقتصاد، وهي دولة لا تتخذ لها دينا أو تفضل دينا على آخر، تتمتع هذه الدولة بالسيادة المتمثلة بالملك أو الأمير.

تحقيق الحرية مهمة الدولة
إن الدولة عند هيغل توجد من أجل تحقيق الحرية بالدرجة الأولى وهنا "تصبح الحرية داخل الدولة هدف الفرد يحققه بنشاطه وآداء واجباته تجاه الدولة الشاملة" التي هي الأخلاق المتحققة بمقدار ما تعبر عن إرادة الشعب الذي يتوقع منها العدالة لكل فرد مواطن "يعترف بقداسة الإرادة العامة" ويعمل من أجلها بالدرجة الأولى، فالحرية تقوم على أن الفرد ومصالحه الخاصة كما يرى هيجل يجد تطوره الكامل ويكتشف حقوقه في نظام الأسرة والمجتمع المدني الذي تعلوه الدولة، لذا فإن الترابط بين الفرد والدولة عند هيجل يعد "واجبا قائم على حضور العقل في الدولة"، وبالتالي فإن الحرية الخارجة عن نطاق العقل والدولة والإرادة العامة يفترض من كلام هيجل أنها شيء خارج عن إطار الذات الشاملة، فالحرية معيار صالح للجميع في إطار الدولة التي يريد جميع الأفراد تحقيقه، فلا أهمية للإرادة الفردية إطلاقا إذا كانت خارج رأي الإرادة العامة.

الدولة الدستورية عند هيجل لا تتعارض مع الدين وليست دولة فوضى
دولة الأخلاق والعقل والوعي بالذات التي أرادها هيجل ليست خارج حيز إمكانية التعارض مع الدين، فهذا بحسبه ممكن ولكن العقل يقف دائما إلى جانب الدولة كونها هي راعية الحرية والحق هذا من جهة، ومن جهة ثانية يرى هيجل بأن احتكار الدين للحقيقة الروحية يعني الرجوع إلى ما سبب الثورات ضد الكنيسة وهو الحق الإلهي في الحكم وتغييب العقل، لذا فإن السياسة فوق الدين حتى يتم التعامل مع جميع الطوائف الدينية على أساس واحد لا تفريق بينها، فالمواطن هو "الوعي بالذات الفردي المتعالي إلى كليته" وهو عضو في تنظيم عقلاني (الدولة) يعبر عن مجموع الإرادات الفردية، والعقل هو "مسألة يمليها الوعي بالذات لدى الإنسان"، والدولة تتسامى على الأفراد ومصالحهم الفردية، " وبكلمات أعم إن الفلسفة السياسية منعت الاستبداد الذي ستباركه الكنيسة كما باركته سابقا" باسم الرب، وهذا لا وجود له في ظل دولة واقعية للحياة المنظمة المحتكمة إلى العقل والتي تسعى في نفس الوقت لتحقيقه بمعنى آخر تحقيق الوعي عن طريق الحرية التي لا يمكن لها أن تتحقق دون توظيف واقعي للفلسفة –فما فائدة الفلسفة النظرية إذا ما وظفت للواقع؟_ وطالما أن العقل أساس الدولة الحديثة فهو صانع القانون وهنا تكون "الدولة حرة إذا تمكن المواطن العاقل أن يجد فيها مصالحه، إذا تمكنت بواسطة التفكير الذي تكرسه من الإعداد السليم لمبادئ الوجود "لشكل الجماعة التي يرضاها كل مواطن مفكر وكل إنسان مثقف ومتمدن.. إنها تمكنه من إشباع رغباته وإرضاء مصالحه المعقولة..ككائن مفكر" فالمتطلب للحرية هنا أن تكون القوانين منسجمة معها، إن الدولة التي يريدها هيجل دولة قانون لا دولة فوضى، وإن كان الكثير من الكتاب والمفكرين يرون في فكر هيجل تكريسا لواقع الدولة التسلطية لاسيما وانها هي التي تحدد الحرية والحقوق والواجبات، فإنهم لم يدركوا بأن هيجل أرادها دولة فضيلة قائمة على توظيف العقل للخير لا للشر، ويكون القانون هو روح الدولة، فإذا كانت دولة تسلطية بقوانينها فلا أعتقد أنها تلك التي أرادها هيجل، ولو كان يريدها تسلطية لما تحدث عن الذات بمفهومها الجديد ولما تحدث عن صهر الإرادة الفردية لتحيى الإرادة العامة، إن الدولة الهيجيلية يشكلها العقل وماهيتها هو القانون، فالدولة هي " الغاية الملازمة لدوائر القانون الفردي والعائلة والمجتمع"، والدولة هي المكان الذي تنمو فيه الذاتية لتصل حدود اكتمالها" بمفهومها الهيجيلي، وإن كانت حقوق الإنسان بمفهومها الحديث لم تكن قد تطورت في عهد هيجل إلا أنها بدأت ترسي قواعدها منذ ذلك الحين، فشكلت الثورة الفرنسية أساسا تاريخيا لتطور حق تقرير المصير مثلا.

الدولة تتطلب واجبات وتمنح حقوق
للدولة طابع أخلاقي ينبع من تحقيق فوائد أخلاقية للمواطنين بقدر ما يفرض عليهم من واجبات، فالحرية فائدة أخلاقية مثلا، وعلى الرغم من أن الأسرة أساسية لبنية الدولة إلا أنها كما يرى هيجل عاجزة عن منح الفرد الحرية، والإنسان ينتمي للأسرة لأنه لا يريد البقاء في عزلة فردية بمعنى أنه قبل بالتنازل عن فردانيته، وهنا فإن تكوينه لأسرة حق له يتطلب ذاك الواجب ليحقق الانتماء إليها، وهذا يعني أن الأسرة مؤسسة اجتماعية فيها الحق والواجب، ومع تعدد الأسر وتشكيل العلاقات فيما بينها ننتقل إلى المجتمع المدني الذي تعتبر الأسرة ضرورة لوجوده، ولكن الأسرة تبقى عاجزة عن تلبية متطلبات الفرد وحاجاته فيخرج إلى حيز المجتمع المدني ليمارس حريته بشكل أوسع ويحقق رغباته وفقا للقانون.

المراجع المترجمة:
1-غارودي، روجيه.1983. فكر هيغل. ط2، بيروت: دار الحقيقة.
2-ماركيوز، هربرت.1984.نظرية الوجود عند هيغل: أساس الفلسفة التاريخية. بيروت: دار التنوير.
3- ولد القاسم، يعقوب.2003 الحداثة في فلسفة هيغل. القاهرة: مركز الكتاب للنشر.
هذا إضافة إلى مجموعة من المقالات المنشورة على شبكة الانترنت، وأيضا مقال The Organic State…”" من كتاب “Political Philosophy” لـ “Alan Gewirth”..

بعض المقالات المنشورة على شبكة الانترنت:
1- صالح، هاشم. 2004. هيجل في آخر سيرة ذاتية له.
http://www.nizwa.com/volume21/p17_22.html as retrieved on 28 Oct 2004 05:42:36 GMT.
2- الصوراني، غازي. 2002. حول فلسفة هيجل وفيورباخ.
http://www.rezgar.com/debat/show.art.asp?aid=12002 as retrieved on 27 May 2005 02:12:01 GMT.
3- الجابري، محمد. المجتمع المدني أم الدولة..؟
http://www.aljabriabed.com/reforme_societe2.htm as retrieved on 6 May 2005 17:11:02 GMT





#نياز_ضيف_الله (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- مفهوم المجتمع المدني : الاختلاف المفاهيمي والتأصيل النظري
- حتى لا نصدق أنفسنا... علينا معرفة متطلبات الدمقرطة؟
- الشرعية والخروج من المآزق


المزيد.....




- الرئيس الإيراني: -لن يتبقى شيء- من إسرائيل إذا تعرضت بلادنا ...
- الجيش الإسرائيلي: الصواريخ التي أطلقت نحو سديروت وعسقلان كان ...
- مركبة -فوياجر 1- تستأنف الاتصال بالأرض بعد 5 أشهر من -الفوضى ...
- الكشف عن أكبر قضية غسل أموال بمصر بعد القبض على 8 عناصر إجرا ...
- أبوعبيدة يتعهد بمواصلة القتال ضد إسرائيل والجيش الإسرائيلي ي ...
- شاهد: المئات يشاركون في تشييع فلسطيني قتل برصاص إسرائيلي خلا ...
- روسيا تتوعد بتكثيف هجماتها على مستودعات الأسلحة الغربية في أ ...
- بعد زيارة الصين.. بلينكن مجددا في السعودية للتمهيد لصفقة تطب ...
- ضجة واسعة في محافظة قنا المصرية بعد إعلان عن تعليم الرقص للر ...
- العراق.. اللجنة المكلفة بالتحقيق في حادثة انفجار معسكر -كالس ...


المزيد.....

- فيلسوف من الرعيل الأول للمذهب الإنساني لفظه تاريخ الفلسفة ال ... / إدريس ولد القابلة
- المجتمع الإنساني بين مفهومي الحضارة والمدنيّة عند موريس جنزب ... / حسام الدين فياض
- القهر الاجتماعي عند حسن حنفي؛ قراءة في الوضع الراهن للواقع ا ... / حسام الدين فياض
- فلسفة الدين والأسئلة الكبرى، روبرت نيفيل / محمد عبد الكريم يوسف
- يوميات على هامش الحلم / عماد زولي
- نقض هيجل / هيبت بافي حلبجة
- العدالة الجنائية للأحداث الجانحين؛ الخريطة البنيوية للأطفال ... / بلال عوض سلامة
- المسار الكرونولوجي لمشكلة المعرفة عبر مجرى تاريخ الفكر الفلس ... / حبطيش وعلي
- الإنسان في النظرية الماركسية. لوسيان سيف 1974 / فصل تمفصل عل ... / سعيد العليمى
- أهمية العلوم الاجتماعية في وقتنا الحاضر- البحث في علم الاجتم ... / سعيد زيوش


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع - نياز ضيف الله - كينونة التطابق بين الفكر والوجود عند هيغل من فلسفة الذات وصولا إلى الدولة