علي فايزالحج
الحوار المتمدن-العدد: 5794 - 2018 / 2 / 21 - 01:21
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
في محاولة للبحث عن حل لجدلية الهوية في المجتمعات العربية لابد من التوقف عند أسباب الفشل الذريع الذي لاحق جميع المحاولات تلك , ومن أحدثها المحاولة التي قام بها الاسلاميين , فقد فشل التيار الاسلامي في الحكم وفي بلورة هوية حقيقية للمجتمع العربي عند وصولهم للحكم في كلٍ من مصر وتونس _ تلك الدولتان التي تعدان تاريخياً من حواضر الامبراطورية الاسلامية _فقد رفضت الشعوب العربية في تلك الدولتين حكم التيار الاسلامي وتوجهوا نحو الغرب وإن كان بشكل صوري محض أو تقليد أعمى لقيم اجتماعية بدأ الغرب نفسه ببحث جدواها وأهمية بقائها علامة مميزة له .
لابد وفي معرض حديثنا عن تجربة التيار الاسلامي في الحكم أن نفند الاسباب التي جعلتهم البديل الوحيد للاستبداد أولاً ومن ثم تم لفظهم من ذات الشعوب ثانياً وكيف أدى هذا التحول الى اتساع رقعة الضياع والفوضى في بنية مجتمعاتنا ؟.
لقد كان الربيع العربي أول انتفاضة تحوي في عمقها بحثا حثيثاً نحو هوية جامعة للمجتمع العربي المتعدد الطوائف والقوميات , ولو دققنا النظر في تلك الحقبة الزمنية التي صاحبت مظاهرات الربيع العربي لوجدنا أن جميع المكونات تلك قد شاركت في تلك المظاهرات وهي بحقيقتها المحضة رفضاً واضح المعالم لهوية حاول اليمين القومي عبر عقود فرضها على المجتمعات العربية بالقوة العسكرية . أما السؤال الذي يطرح نفسه: لماذا نجح الاسلاميون في الوصول الى السلطة حال سقوط الديكتاتوريات؟ لقد كان من المرجح وحتى دون الرجوع الى نتائج الاستطلاعات الى أن التيار الاسلامي سيفوز في الانتخابات التي كانت ستجري في تلك الدول نظراً لعدة أسباب لانريد الخوض في تفصيلها ولكن أهمها رغبة عميقة متجذرة لدى الشعوب العربية في اشباع حاجة الانتماء لبلد, لإمة, لوطن, فالاستبداد لم يعمل على إشباع تلك الحاجة بل على العكس عمل على إلغائها ونزع من المواطن العربي انتمائه لها وأبعاده عن كل مايربطه بوطنه فكان انتصار التيار الاسلامي عائد من جملة أسباب انتصاره الى رغبة طوباوية من المجتمع العربي نفسه بالعودة الى لحظة تاريخية تجعل من الانسان العربي يشبع حاجة الانتماء تلك, بالانتماء الى دولة تحترم حقوقه وتصون كرامته , لكن لماذا خرج الاسلاميين من السلطة بطريقة تشبه الى حد ما خروج اليمين القومي , هل فشلوا؟ أم أُفشلوا؟ أم أن الشعوب حقيقةً لفظتهم خارجاً ؟
عندما وصل الاسلاميون الى السلطة في كل من مصر وتونس وجد البعض من المحللين السياسيين ولهم بعض الحق في ذلك الى أن ذلك الوصول لم يكن سوى عملية نكوص ردت المجتمع العربي الى مرحلة سابقة لفظتها بعض الامم في حين وجب على المجتمعات العربي القفز الى مرحلة الدولة الوطنية والانسان المواطن ولكن وإن كان لابد لنا من الانصاف فعلينا القول من أن الاسلاميين لم يقوموا بأي شيء يبرر تلك النظرة السوداوية ولكن الطرح الذي بدأ الاسلاميون بتداوله واستخدامه أسلوباً للتخاطب بينهم كحزب حاكم وبين بقية المكونات السياسية والعرقية في المجتمعات العربية التي انتصروا فيها يشبه الاسلوب الذي استخدمه القوميون من حيث الشمولية وتغليب مصالح الآخرين واسترجاع قصص من الماضي لتعرية الخصوم وتبرير التقصير وهذا بالضبط ما أفقد الاسلاميين الزخم الشعبي الذي صاحب وصولهم الى السلطة .
هذا الرفض الذي واجه الاسلاميين لم يكن في العمق سوى رفضاً للهوية الشمولية ذاتها التي بشر بها القوميون والتي استغلوها بطريقة جدٌ مبتذلة , ويتبين لنا في تدقيق عميق بتجربة الاسلاميين تلك, الى أن الهوية الشمولية كالقومية والدينية لم تعد ذلك الحلم الطوباوي ولم تعد فردوساً مفقودا يستخدمه الطغاة كمخدر لشعوبهم بل إن الشعوب تلك وبشكل جدي تريد هوية وطنية لها لا يشترك فيها معها أحد فبرغم من المعرفة الفطرية بكون العرب أمة واحدة لكن هذا الامر لم يعد ينطبق على مجتمعات القرن العشرين فأي دولة عربية هي بحقيقتها متعددة الطوائف والقوميات بحيث تصبح معها الهوية الشمولية كالإسلامية والقومية عبئاً يهدد تماسك تلك المجتمعات بينما الهوية الوطنية والتي تراعي ذلك التنوع الداخلي سيمكن تلك المجتمعات من التفاهم الداخلي وتحقيق التناغم المطلوب لتأسيس دولة الانسان المواطن .
ترجم الموضوع
إلى لغات أخرى - Translate the topic into other
languages
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي،
انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة
في دعم هذا المشروع.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟