علي خلف
الحوار المتمدن-العدد: 5789 - 2018 / 2 / 16 - 23:35
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
لعله ليس هناك حاجة لإثبات حجم الكارثة الطائفية التي حلت بالعراق وقسمت المجتمع الواحد الى طوائف ومكونات بدل تقسيمهم الى مواطنين متساويين في الحقوق والواجبات. الطائفية السياسية بدأت ملامحها بجنوح الطبقة السياسية الحاكمة في العراق الى تكوين تحالفات مذهبية وعرقية سياسية موغلة في كره الاخر تتخذ الطائفية والمذهبية هوية لها بدل الهوية الوطنية مخوفة جمهورها من الاخر الذي لا تعترف به مواطنا له تفضيلاته السياسية الخاصة بل عدوا او خائنا مواليا للآخرين الاعداء.
هذا المنزلق الخطير اثر في كل مفاصل الدولة وقسم المجتمع رأسيا الى مكونات مسحوقة يخشى بعضها بعضا ويحرض بعضها على بعض. راس الحربة في حرب الكراهية مثلها الاعلام الحزبي وحتى الحكومي الذي مهد لهذا الانحدار الخطير وصاغ مادته وأصبح وسيلته عبر تكريسه لخطاب المكونات والطوائف والأعراق وتدشين حملات اعلامية وبرامج تستضيف متحدثين غرماء محتقنين همهم تسقيط الاخر والتحريض عليه بكل الوسائل والأشكال. وهنا بدأ المواطن العراقي يشهد تحولا في رؤيته الى الاخر كما اسست له الطبقة السياسية وقدمه الاعلام الحزبي. فمثلا بدأت تظهر الى السطح مصطلحات مثل المناطق الغربية وأبناء الغربية وسني, ناصبي, وهابي, المواليين للتنظيمات الارهابية, وفي المقابل ظهرت مصطلحات مثل اهل الجنوب, الشروقية, شيعي ورافضي صفوي موال لإيران وهكذا.
قائمة المصطلحات المحرضة على الكراهية كانت تنقل على الهواء مباشرة في قنوات الفرق المتضادة بالإضافة الى نشرها عبر مواقع التواصل الاجتماعي وتتناقلها الصفحات لتنال نصيبا وجرعات فائقة الاساءة والكراهية من قبل حشود المعلقين المتضادين. فلو عدنا بالذاكرة الى ازمة خيم الاعتصام كانت الخطب التي يقدمها رجل الدين فيها جرعة لم يألفها العراقيين قبلا من التهجم والسب والشتم على المواطنين المخالفين في المذهب. بالمقابل شكلت المحطات الفضائية منصات رد وساحات معارك كلامية طاحنة للرد على هذه الخطب وعكس الخطاب الطائفي بخطاب اكثر طائفية منه.
في خضم هذه الاوضاع المسمومة تسللت الى الاعلام قائمة طويلة من المصطلحات الطائفية العنصرية التي تحرض وتألب على الاخر وتحط من قدره وتهينه. وهنا نورد بعضا من تلك المفردات القاسية الخادشة للروح الوطنية والانسانية وابسط مقومات احترام حقوق الانسان. من هذه العبارات ( العرب السنة, العرب الشيعة, الاكراد, الفرس المجوس, الصفويين, ايتام صدام, الخوارج, التكفيريين, النواصب وقائمة طويلة منمثل هذه المصلطحات.
غير انه ومن المؤسف القول ان الدراسات الاكاديمية في مجال الاعلام وعلم الاجتماع في العراق اغفلت خطر هذه المصطلحات وتأثيراتها التي قد تمتد الى امد بعيد غير معلوم من تحطيم الروح الوطنية والفطرة السليمة, على عكس بعض الدول المجاورة التي حاولت التركيز على هذه الظاهرة ووضع قوائم سوداء بهذه المصطلحات والمطالبة بشمولها بقوانين تجرم استخدامها. فمثلا في تونس قدم الدكتور رضوان بوجمعة قاموسا اسماه بقاموس الحقد والكراهية في الاعلام التونسي نشر فيه معظم المصطلحات المحرضة على الكراهية والطائفية في تونس. وفي دراسة اخرى في المغرب العربي قدم مجموعة من الشباب المغربي بالتعاون مع مرصد الإعلام في شمال افریقیا والشرق الاوسط تقریر رصد خطاب الحقد والكراھیة في عینة من الصحافة المغربیة المكتوبة فترة الرصد من 11 إلى 31 أكتوبر 2015. هذه الدراسة لم تحدد مصطلحات بعينها لكنها حددت حالات في الخطاب الاعلامي والصحفي تضمن سب أو شتم أو دعوة للقتل أو العنف بالإضافة الى التمییز والتحریض وتضمنت الدراسة بيانات كمية على شكل تكرارات ونسب مؤية لعدد المرات التي وردت مثل هكذا حالات في الصحف المبحوثة.
اما في لبنان فقد ناقشت دراسة اعدها الدكتور جورج صدقة واخزون موضوع التحريض الديني وخطاب الكراهية في الاعلام اللبناني شملت عددا من الصحف اليومية والتلفزيونات والإذاعات المحلية. الدراسة توصلت الى محتوى اخبار وتقارير يستخدم فيها مصطلحات وعبارات تحريضية تثير الكراهية. فالقنوات والصحف والإذاعات التي تتلقى دعما من المملكة العربية السعودية كانت تستهدف حزب الله في لبنان وكذلك الحوثيين في اليمن بينما وسائل الصحافة والإعلام الموالية لحزب الله وايران كانت تركز على السعودية وحربها في اليمن وسوريا.
خلاصة القول ان الدول الحية هي التي تراقب الظواهر الخطيرة وتحاول ان تضع الحلول لكبح جماحها. وفي بلد مثل العراق غارق في الطائفية من اخمص قديمه حتى شعر رأسه بحاجة الى قانون يجرم استخدام المصطلحات الطائفية في الوسائل الاعلامية بكافة تنويعاتها. ففي لعبة الطوائف تضييق المناطق الوسطى الرمادية وتصبح المواقف اكثر شراسة تجاه الاخر, اسود او ابيض, معي او ضدي. وهذا الامر متروك للحكومة والنخب ومنظمات المجتمع المدني في تفعيله وتبنيه.
ترجم الموضوع
إلى لغات أخرى - Translate the topic into other
languages
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي،
انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة
في دعم هذا المشروع.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟