أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - سامي قرّة - رواية الرقص الوثني وكتابة التاريخ















المزيد.....

رواية الرقص الوثني وكتابة التاريخ


سامي قرّة

الحوار المتمدن-العدد: 5767 - 2018 / 1 / 24 - 17:18
المحور: الادب والفن
    


أ. سامي قرّة
رواية الرقص الوثني وكتابة التاريخ
لا يمكن الحديث عن رواية الرقص الوثني أو دراستها دون البحث في السياق التاريخي والثقافي للمؤلف الأستاذ إياد شماسنة، وكذلك الأمر فيما يتعلق بالناقد الذي يحاول تحليل الرواية وأحداثها، إذ هو الآخر يكون شديد التأثر ببيئته واعتقادته وأيديولجيته. وسوف لا يجد القارئ أو الناقد الفلسطيني أية صعوبة أو عائق في التعاطف مع سليمان بن إبراهيم مثلا ذلك الشاب المحامي الذي يتمتع بأخلاق رفيعة وولاء لوطنه، والشعور بالحقد تجاه إدريس؛ لأنه سارق آثار وعميل. وعلى العكس من ذلك، قد يُبدي القارئ الإسرائيلي للرواية تعاطفًا مع تسيبي وبن أورون وبنيامين بن يهودا؛ لأنهم يعكسون فكر المجتمع الإسرائيلي العام ومعتقداته السياسية والثقافية.
من المواضيع الهامة التي تطرحها الرواية موضوع كتابة التاريخ أو إعادة كتابته من جديد. وعادة يتناول المؤرخون الأحداث التاريخية من وجهات نظر متعددة، وكما يقول البطل القومي الفلبيني خوسيه ريزال بأن "كل شخص يكتب التاريخ حسبما يناسبه" (ص 9). لذلك علينا أن نميّز بين تاريخين: التاريخ الموضوعي الذي يجيد سرد الوقائع التاريخية والتثبت منها من مختلف المصادر وتأويلها، والتاريخ الذاتي الذي يهدف إلى تحقيق مآرب قد تكون أيديولوجية استعمارية سلطوية. وإذا أخذنا بعين الاعتبار ما يقوله مسلم أسأر بأن "الدولة هي من تعيد كتابة التاريخ" (ص 50)، نستطيع القول أن الدولة تخيط لباس تاريخها ليناسب مقاس سياستها. أثناء الحديث عن ديمقراطية إسرائيل وأزمتها الأخلاقية تقدم تسيبي نصيحة هامة لزوجها البروفسور بن يهودا الذي يبغي كتابة رواية وتقول له: "لا تخدع نفسك، أنا وأنت نعرف أن هذا تسويق إعلامي، أريد أن يذكرك التاريخ بالموضوعية، والتسامي، وأن تناقش الأخطاء كما تناقش الفضائل وأمجاد الآباء" (ص 70). فالتاريخ إذن يجب أن يُكتب بموضوعية ويسلط الضوء على أخطاء الأجداد كما على فضائلهم. ويؤكد مسلم أسأر عند الحديث عن بناء الدولة أن للشعوب أخطاء وأن لها إنجازات أيضًا، لكنه يشدّد على أن "الدولة هي التي من يعيد كتابة التاريخ ... من يدفع لكتّاب التاريخ، وللمؤرخين، ويدفع لهم مقابل إثارة قضايا مختلفة تخدم المشاريع السياسية في المستقبل" (ص 50). تحتار تسيبي في زوجها بن يهودا الأكاديمي المعروف، وتتساءل ما إذا كانت أبحاثه تهدف إلى اكتشاف الحقيقة العلمية أم أنها تهدف إلى توظيف التاريخ لخدمة اقتصاد الدولة ومؤسساتها الأمنية؟
عندما أقرأ كتابًا فإني آخذه على محمل الجد، ولهذا كنت كلما مررت على حدث تاريخي يرويه مؤلف الرواية الأستاذ شماسنة أبحث عنه في كتبي أو عبر مواقع الشبكة الإلكترونية؛ كي أتحقق من صحة الأحداث التاريخية، ووجدت أن كافة الأحداث التاريخية صحيحة وقد وقعت بالفعل، أي أن في كتابة روايته يعتمد الكاتب على وثائق تاريخية؛ كي يخلق عملا أدبيا تماما كما توصي تسيبي زوجها حين تقول له: "أكتب حكايتك مع الوثائق، أكتب حكاية الوثائق" (ص 69). وقد صرّح الكاتب أثناء حفل توقيع الرواية في 13 ايلول 2017 "إن العمل على الرواية استغرق قرابة السنتين من البحث والمقابلات والكتابة والمراجعات حتى خرجت إلى النور". لكن تجدر الإشارة هنا إلى أنه من المجحف الإدعاء بأن الرواية عمل تاريخي محض؛ فهي تجمع ما بين التاريخ والخيال الأدبي اللذين ينعكسان في أسلوب السرد الذي يستخدمه المؤلف، وهو مزيج من الأسلوب الصحفي والأسلوب القصصي الروائي.
يقدّم الكاتب على لسان الراوي التاريخ المعاصر للصراع الفلسطيني-الإٍسرائيلي من وجهة نظرة خاصة به، فهو في نهاية الأمر كاتب فلسطيني يتحدث عن الظلم التاريخي، الذي حلّ بشعبه، وكيف أن شعبا آخر استولى على أرضه بمساعدة بعض الدول الأجنبية والعربية كي يبني دولته. تتضمن الجملة الأخيرة من الكتاب دلالة على أن العمل الروائي هو من صنع الكاتب نفسه إذ يقول: "فالرواية جملة وتفصيلا هي لروائي من القدس، هو الذي خلق الشخصيات، وابتكر المؤامرة الإبداعية" (ص 314). وعن طريق سرد العديد من الأحداث التاريخية ونتائجها وأثرها على الشخصيات الفلسطينية والشخصيات الإسرائيلية، نستطيع اكتشاف العلاقة بين الفلسطينيين والإسرائيليين التي يحكمها الشعور بالعداء والكراهية. فنجد على سبيل المثال ما يميز العلاقة بين بن يهودا وإدريس هو الشك وانعدام الثقة والشبهة على الرغم من تعاملهما مع بعضهما البعض في مجال التهريب. يقول أمنون شامير بعد أن استفزه سليمان بن إبراهيم عندما قال أن الجدار في الرملة له وجها عنصريا: "العرب يشكلون الخطر، يرغب اليهود في أن يعيشوا بعيدا عن العرب المليئين بالجرائم والمخدرات" ص91.
لكن مقابل علاقة الكراهية والعداء هذه نجد علاقة حب جميلة تحاول أن تتخطى الحواجز السياسية، وتخلق مستقبلا أفضل، وتمهّد الطريق لتأسيس تاريخ جديد. تجمع هذه العلاقة بين المحامي الفلسطيني من اللد سليمان بن إبراهيم والشابة الإسرائيلية استير ابنة بن يهودا المتعصب لهويته اليهودية وتسيبي التي تبدي استعدادا للتخلي عن مبادئها للحصول على مقعد في البرلمان. كلا الحبيبين يحاولان تحدّي التاريخ وخلق تاريخ جديد يتسم بالتعايش وقبول الآخر. وهذا ما تعكسه رواية المؤلفة الإسرائيلية دوريت رابينيان التي تحمل عنوان حياة الحدود الوارد ذكرها في الرواية (ص 40). تثير رواية حياة الحدود العديد من التساؤلات بشأن الهوية الوطنية والاندماج بين العرب واليهود. تحكى الرواية قصة امرأة يهودية من تل أبيب تدعى يات تسافر إلى نيويورك فى أواخر الثلاثينات من عمرها، بسبب منحة دراسية، كما أنها تلتقى ببطل الرواية حلمي الشاب الفلسطينى الذى يعمل فنانا تشكيليا، يعيش فى رام الله ثم يتجه إلى نيويورك أيضا حيث تبدأ بينهما علاقة حب. ترمز علاقة الحب بين استير وسليمان وبين يات وحلمي إلى الدولة التي يعيش فيها شعبان بسلام وعدالة للجميع. تقول استير لأبيها: "أنا أحب سليمان وهو كذلك، نحن الإثنان مقتنعان أن الوطن يجب أن يكون للجميع بعدالة: لكي نعيش بسلام في هذه الدولة ... دولة وشعبان كما يقول إيلان بابيه" (ص 46).
إيلان بابيه هو أحد المؤرخين الإسرائيليين الجدد، ويرد في الرواية عدة أسماء هامة تنتمي إلى مجموعة من علماء التاريخ الإسرائيليين يُعرفون باسم المؤرخين الجدد ومن ضمنهم إضافة إلى إيلان بابيه، بيني موريس، آفي شلايم، شلومو ساند ويتسحاق شاحاك. وباختصار هؤلاء المؤرخون يحاولون إعادة كتابة التاريخ الإسرائيلي لدحض الفكر الصهيوني الذي يلخصه بن يهودا بقوله إلى ابنته إستير: "هذه الأرض لنا. كم مرة أخبرتك أن الرب أعطاها لنا قبل ثلاثة آلاف سنة، وستبقى لنا. لقد تركها السكان استجابة لعبد الناصر، لو كانوا يحبونها أو ينتمون إليها ما تركوها" (ص 46). ويحمّل المؤرخون الجدد إسرائيل المسؤولية بشأن المأساة الفلسطينية. على سبيل المثال، يُخبرنا موريس في لحظة اعتراف منه بالحقيقة في كتابه ضحايا على حق أن الهدف الرئيسي من وراء الصهيونية هو تشريد السكان الأصليين الفلسطينيين وترحيلهم عن أرضهم؛ لأنه لا يمكن للصهيونية أن تقيم دولة يهودية خالصة دون التخلص من السكان العرب، الذين كانوا يشكلون الأغلبية الساحقة. ومن وجهة نظر إستير، تشكل مثل هذه الأقوال اعترافًا "من أجل الغفران، الاعتراف جزء من راحة الضمير" (ص 68).
تبيّن رواية الرقص الوثني على أن هنالك روايتين تاريخيتين ترتبطان بالصراع الفلسطيني-الإسرائيلي واحدة فلسطينية وأخرى إسرائيلية، ويبدو أنهما روايتان متناقضتان تحاول كل منهما تفنيد الأخرى. غير أنه ينشأ عن هذا التناقض رواية تاريخية ثالثة هي رواية قبول الآخر والاعتراف بتاريخه وشرعيته. يقبل في نهاية الرواية بن يهودا بالرواية التاريخية الفلسطينية ويعترف "في وصيته ورسالة من محاميه إلى دار مساءات ... وتطلب نسب الرواية ]رقص الكولونيل] إلى محمد خالد وفاء لذكرى البطل خالد عبد الحق، ووالده سعيد" (ص 314).







الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- قراءة في كتاب -شهرزاد لا زالت تروي-


المزيد.....




- رحيل الفنان أديب قدورة.. رائد الأداء الهادئ وصوت الدراما الس ...
- معرض الدوحة الدولي للكتاب يناقش إشكاليات كتابة التاريخ الفلس ...
- الروائي الفيتنامي الأميركي فييت ثانه نغوين: هذه تكاليف الجهر ...
- وفاة الشاعر العراقي موفق محمد
- دور النشر القطرية.. منصات ثقافية تضيء أروقة معرض الدوحة الدو ...
- على -أرجوحة بالي-.. تواجه الممثلة تاراجي بيندا هينسون أكبر م ...
- قريبا.. صدور -تاريخ الدولة الروسية في قصائد- للشاعر الروسي إ ...
- فنانون يجسدون شعار -من النقش إلى الكتابة- في معرض الدوحة الد ...
- صدمة لفنان مصري بعد إيقاف معاشه الحكومي اعتقادا بأنه توفي
- حظي بالإشادة.. توم كروز يُضفي إثارة جديدة على مهرجان كان في ...


المزيد.....

- البنية الديناميكية والتمثّلات الوجودية في ديوان ( الموت أنيق ... / عبير خالد يحيي
- منتصر السعيد المنسي / بشير الحامدي
- دفاتر خضراء / بشير الحامدي
- طرائق السرد وتداخل الأجناس الأدبية في روايات السيد حافظ - 11 ... / ريم يحيى عبد العظيم حسانين
- فرحات افتخار الدين: سياسة الجسد: الديناميكيات الأنثوية في مج ... / محمد نجيب السعد
- أوراق عائلة عراقية / عقيل الخضري
- إعدام عبد الله عاشور / عقيل الخضري
- عشاء حمص الأخير / د. خالد زغريت
- أحلام تانيا / ترجمة إحسان الملائكة
- تحت الركام / الشهبي أحمد


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - سامي قرّة - رواية الرقص الوثني وكتابة التاريخ