أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الحركة العمالية والنقابية - ارا خاجادور - النقابات العمالية رافعة قوية في معركة التحرير















المزيد.....



النقابات العمالية رافعة قوية في معركة التحرير


ارا خاجادور

الحوار المتمدن-العدد: 1479 - 2006 / 3 / 4 - 10:04
المحور: الحركة العمالية والنقابية
    


بنظرة خاطفة الى واقع الحركة العمالية النقابية في العراق، يلاحظ المرء اول ما يلاحظ، تميز(اتحاد المجالس والنقابات العمالية في العراق) عن غيره من المنظمات العمالية الاخرى في الاندفاع باتجاه التعبير القوي عن مصالح العمال دون الانزلاق في اوهام الناشطين فيما يعرف بالعملية السياسية، طبعا ولا أقارنه مع تلك المنظمات المرتبطة بالاحتلال او أدواته او مع القوى الطائفية والعرقية حيث لا مجال للمقارنة .
تميز اتحاد المجالس والنقابات العمالية في العراق، بالاستقلال عن الاجهزة الحكومية والقوى الخفية التي تقود الدولة العراقية، وكذلك يلاحظ التبني الصادق للمصالح العمالية الحياتية، دون ادنى تجاهل لمصالح العمال الوطنية العامة في السيادة والاستقلال وكنس الاحتلال .وقد اكد الاتحاد سمته العراقية بقوله في مؤتمره التاسيسي: " شهد المؤتمر ظاهرة رائعة لفتت أنظار الحضور وضيوف المؤتمر هي وجود ممثلي العمال من محافظات أقصى الجنوب أي البصرة وحتى السليمانية. كذلك حضر ممثلو العمال من كركوك والناصرية والرمادي والحلة والكوت والسماوة بالإضافة إلى ممثلي العمال من بغداد".
وأشار الاتحاد بوضوح الى صفته الطبقية بقوله في مؤتمره التأسيسي في أواخر2003: " لقد كان مؤتمر ممثلي المجالس والنقابات برهاناً على أن العمال في العراق لا يعترفون بأي تقسيم مذهبي أو قومي أو ديني، وإنها (الطبقة العاملة) قادرة على توحيد صفوفها، رغم التناحر السياسي ومحاولة تقسيم المجتمع على أسس طائفية وقومية. وفي الوقت الذي تتنافس فيه القوى السياسية اليمينية والمعادية للعمال على المناصب وتعجز عن الانسجام والوحدة فيما بينها، نعلن متحدين عن تشكيل اتحاد يضم ويوحد الصفوف. عاشت وحدة الطبقة العاملة. عاشت إرادة العمال". وهذا النداء له اهمية استثنائية في مواجهة الجهود المبذولة لتمزيق العراق، والتي باتت سافرة اليوم، وقد تجلت بالاعتداءات على المقامات والعتبات والاماكن المقدسة عند مختلف مكونات المجتمع العراقي المذهبية والدينية سعيا وراء اهداف رعناء وحاقد على صمود الشعب العراقي الذي قاوم بارادة مثيرة للاعجاب الرياح الصفراء التي تعصف به.
وساند الاتحاد المشروع المقترح من قبل المركز الدولي للحقوق النقابية لانشاء مركز لمراقبة الحقوق النقابية في العراق في بغداد. وانتقد بشدة جميع مشاريع الحكومات المنصبة من قبل قوات الاحتلال بما فيها الحالية برئاسة الاشيقر- الجعفري حول الخصخصة، وطرد الالاف من العمال، ومحاولات الارشاء وشراء الذمم، ومن خلال القوانين التي لا تطبق على النطاق الوطني سواء في التعين او حساب الخدمة والرواتب وحتى التقاعد، والاهتمام بمزدوج الجنسية على حساب من أخذ الجوع بهم مآخذا، سيرا على القول المعلوم ( اطعم المتعلم وخلي المحروم).
ولو سجلنا فقط عنوانين بعض بيانات هذه المنظمة العمالية التي تلقيناها في الاشهر الاخيرة من قيادة الاتحاد نفسه، لتبين للقراء طبيعة واتجاه هذه المنظمة العمالية: ـ بيان لدعم نضال عمال نفط البصرة، بيان لتحرير محطة توليد الكهرباء في المسيب من الحضور العسكري الامريكي فيها، دعوة للتضامن مع مظاهرات العاطلين عن العمل في الناصرية والتي ضربت بالرصاص، وبيان للتضامن مع العمال الايرانيين الذين اعتقلتهم سلطات طهران في الفترة الاخيرة، ورسالة احتجاج الى الرئيس الامريكي جورج بوش للمطالبة بابعاد الجنود الامريكيين عن المعامل حيث يعيقون ادامة المصانع، ويستحوذون على الكهرباء على حساب الجماهير الشعبية.
وقد تساعدنا اكثر على تفهم الاساس الفكري والسياسي لهذا الاتحاد المقابلة التي نشرتها صحيفة الشيوعية العمالية مع القائد النقابي فلاح علوان رئيس اتحاد المجالس والنقابات العمالية في العراق التي اجاب فيها على اسئلة رفيقه مؤيد احمد رئيس تحرير الصحيفة المذكورة .
في البدء، اقول: لا اريد ان أعطي اجوبة، او نصيحة، او تقويما نهائيا للنشاط الباسل لعمالنا العراقيين الذين يشكلون رأس رمح مقارعة الاحتلال، والدفاع عن خبز وكرامة الكادحين، الذين يدفعون الثمن الاول والغالي لكل وقائع وفصول المأساة العراقية التي جاءت بفعل " الديمقراطية الامريكية" ولا للقيادات العمالية ايضا، ولكن اشعر ان من واجبي ان انقل تجربة عشتها بحلوها ومرها، وبانتصاراتها وانكساراتها، بمدها وجزرها، بافراحها واحزانها الى من اشعر بالقرب منهم، بل وحتى الانتماء الموضوعي والروحي لهم واليهم، ولدفاعهم عن الشعب كل الشعب .اعني تحديدا المناضلين النقابيين.
رغم ان اتحادكم حديث التشكيل لكنه لم يأت من العدم، وهو كما ارى يحاول استلهام كل تجارب الآباء والاجداد الايجابية في ارض الرافدين المقهورة اليوم. نعم ان اتحادكم ناشىء وتكون في ظروف غاية في التعقيد: الاحتلال ومحاولة تقاسم البقرة الحلوب، بل البقرة المذبوحة، ارهابا وتقسيما وتقطيعا. وبعبارة اكثر سياسية: انهم يريدون للعراق ان يكون نهبا تتقاذفه المصالح الضيقة الطائفية والعرقية والمناطقية والعشائرية ووو. وليس من المهم لهم ان تكون الشعارات دينية او يسارية او يمينية، ارى ان اتحادكم يقاوم تشويه ارادة العمال، واذا كُتب له ان يواصل هذا المنهج فسوف يحقق ما يفوق حتى آمال قادته .
وفي ظل ظروف الفراغ الامني وغياب وحدة القوى الديمقراطية الحقيقية هبّت الجماهير لسد الفراغ ولانتزاع حقوقها ولحماية نفسها ولمقاومة الاحتلال بسبل مختلفة، وفي الوقت نفسه اطلق الاحتلال يد اللصوص ليس لاعاقة ارادة الشعب العراقي بل ولتشويه سمعته ايضا، ان غياب ما يمكن ان نسميه وحدة القوى اليسارية، والتحاق بعض الاطراف بالاحتلال في منطقته (الخضراء) قد زاد من تعقيد وخطورة الاوضاع. في ظروف كهذه نشأت تنظيمات لا شكل لها حسب المقايس الكلاسيكية، اي لا برنامج لها، ولا تمثل مصالح فئات اجتماعية بعينها. وقد تحولت اعداد غفيرة من الناس من اجل حماية الذات الى تشكيلات يمكن ان نسميها بالتشكيلات ما دون الوطنية العراقية: الطائفة، والعشيرة، وحتى العصابة. هذا طبعا دون العلم منها بان هذه الانتقالة سوف تكون اسوء من الظلم والاستبداد والديكتاتورية، لان جوهر هذه التشكيلات التي دفعت الجماهير اليها يهدف الى اخفاء حقيقة الصراع الاجتماعي الطبقي لصالح الاحتلال والرأسماليين الاحتكاريين والخدم الوافدين مع الاحتلال. وحتى الاندفاع الواسع الى الانتخابات من قبل المواطنين يمثل شكلا ارقى من الاشكال السابقة من اجل حماية الذات، ومن اجل كنس الاحتلال ايضا، وهذا الاندفاع الاخير لا علاقة له باهداف الغزاة من مسرحيات الانتخابات وعمليات النصب والتزوير التي تفبرك فيها ومن خلالها.
ان اتحادكم تكون في هذه الظروف المرعبة المعشقة بالبطالة، الحرمان، فقدان الامان، غياب كل انواع الخدمات الضرورية، الاغتيالات، التعذيب الوحشي الوطني منه والمستورد، شراء الذمم، واطلاق النوازع المريضة؛ الفردية منها والجماعية... الخ
ان الجهة التي بادرت الى تشكيل منظمة للعاطلين عن العمل- وهي مبادرة جيدة لكسب اوساط واسعة من الشغيلة والجماهير عامة وللدفاع عن مصالح الفقراء والكادحين- نقول لها ولكل المعنيين بالحياة العامة: سوف ترتفع ثقة الناس بهذه المنظمة ومثيلاتها يوما بعد آخر، وان عدم اعتراف المحتل بمطاليبها العادلة، سيكون الخطوة او النقلة المهمة الاولى على طريق اعتراف العمال بها وبممثليهم الشرعيين، وهذه هي نقطة البداية لانتزاع الحقوق من الاقوياء من المحتل وخدمه، ونيل التأييد من الحركة العمالية داخل الوطن، وفي البلاد العربية، وعلى النطاق العالمي .
في المقابلة لم اتبين الموقف من العمل في النقابات المفروضة على العمال سواء من الاحتلال او القوى الطائفية والعرقية المهيمنة كواقع قائم حاليا. ان هذا الامر يتطلب مهارة ومخاطرة، وليس نمط واحد من التعامل معه، دون ان يتحول الى (خطر اخفاء النضال الطبقي الاجتماعي).
أسوق مثالين عن ظرفين مختلفين حول اشكال التعامل مع اللجان والنقابات الصفراء، في عام 1945 كانت لدينا نقابة ثورية لعمال السكك في العراق، وحاول الجنرال "سميث" المدير العام البريطاني للسكك الحديدية العراقية فرض لجان نقابية على العمال، فكان رفضنا للجان "سميث" واضحا وقويا ومؤثرا، ادى الى افشال لجان "سميث" في مهدها، والسؤال الذي يطرح: لماذا رفضنا اللجان المزيفة ولم نعمل من خلالها؟. ان الجواب واضح: كان ذلك بسبب وجود تنظيم نقابي ثوري.
ان وضع اتحادكم مختلف حيث توجد نقابات معترف بها رسميا من الاحتلال والحكومة، ولكنها ليست منتخبة من العمال، وجاءت عن طريق الوراثة او من كونها منسجمة مع مصالح الفئات الحاكمة. وهنا نشأ تناقض اخلاقي بين الشرعية واللاشرعية. مما يدفع الى مركز الصدارة السؤال التالي: الا يمكن السعي الى فرض الديمقراطية النقابية وايضا دفع قيادات عمالية منتخبة في ذات النقابات الرسمية الى جانب اتحادكم؟.
خلال التجربة مع الفاشية الايطالية، تسلق العمال الواعون الى مراكز القرار في النقابات الفاشية الى درجة اتاحت لهم عرقلة حتى الجهد الحربي للفاشية الايطالية في مجالات نقل الجنود والسلاح وغير ذلك، وحاليا في العراق يوجد الاتحاد الذي استورثته الحكومة العراقية التابعة للاحتلال من حكومات ما قبل الاحتلال، الى جانب وجود نقابات صفراء اخرى، هذه النقطة تحتاج الى وضوح وبرنامج، لم استطع تلمسه من خلال المقابلة المهمة مع الرفيق رئيس اتحاد المجالس والنقابات العمالية العراقية، هنا في هذه النقطة بالذات سوف تبرز الصعوبات ان عاجلا او آجلا.
ان النقابات هي من اهم ثمرت نضال العمال في العالم اجمع، وعبر قرون طويلة، ولذلك أرى من الضروري دراسة امكانية فرض انتخابات حرة في كل النقابات القائمة، الى جانب حماية جهازكم النقابي الذي سوف يتعرض الى صنوف القمع والارهاب، وانتم ادرى بالتجارب حتى في ظل الديمقراطيات العريقة، عندما تشعر الطبقات المهيمنة بخطر نفوذ الحركات العمالية.
ان الوطنية الثابتة للنقابي العمالي تكمن في التأكيد على ان العدو الرئيسي للعمال هو المحتل الغازي، فاذا كان الرأسمالي المحلي يسرق جهد العمال، فان المحتل سرق الوطن وجهد العمال معا، وفي الواقع العراقي الملموس فان المحتل يسرق حتى فرص العمل نفسها حيث لم يترك في الغالب فرصا للعمل الا في الاجهزة القمعية.
ان اتحادكم فيه طابع سياسي، حزبي ونقابي، اقتصادي وسياسي، وافهم من اشارتكم الى اخلاصكم للمبدأ الراديكالي(الجذري) لمصالح الطبقة العاملة، تعني بالنسبة لهذا المفهوم الاشتراكية، وهنا تطرح قضايا مهمة مثل مراجعة التجربة الاشتراكية الفعلية، وبعد تجربة انهيار جدار برلين اي مع انهيار التجربة الاشتراكية الحاكمة وقبلها بعقود. كما ان ذكركم للمجالس العمالية في فرنسا وخلال الثورة الروسية، لم يجري ربطها مع التطورات الجديدة الحاصلة في بناء وعلاقات واهداف الطبقة العاملة حاليا، والشعارات الملائمة في الظروف الجديدة، وكذلك قد تتغير الاستقطابات الطبقية داخل الطبقة الواحدة نفسها، ان الامبريالية في المرحلة الراهنة لا تريد تفتت الطبقة العاملة والطبقات الوسطى فقط بل تفتت شعوبا باكملها، والوضع الراهن في العراق خير دليل على ذلك .كما ان الطبقة العاملة اليوم تختلف في بعض خصائصها عن ايام ماركس ولينين على الاقل في مجالات تأثير تقدم العلم والتقنية عليها.
نعم تحصل خلافات في الجوانب التكتيكية ولكن الوطنية تظل خطا احمرا، وان الاستمرارية في النضال هي التي تخلق الوسائل المناسبة والاشكال الملائمة في الظروف الملموسة، ومن الضروري حساب الحالات الطارئة ايضا، مثل الانتقال من العلنية الى السرية، وهل المجالس العمالية تتشكل في مواقع الانتاج ام في مواقع اخرى، اذا كان الهدف تحقيق اهداف استراتيجية، اي الانتقال الى السلطة السياسية.
ان المهم هوالثقة بالشعب خلال العملية النضالية اكثر من البحث عن نموذج ثوري، اسمحوا لي ان انقل لكم الاجواء التي كانت سائدة في المراحل الاولى من نضالنا. كنا في السجن- سجن نقرة السلمان- عام 1949وكان الرفاق يناقشون الهموم الرئيسية، المثقفون منهم يناقشون جميع القضايا بما فيها النظرية، وكان النقاش يدور حول سبل تحقيق الثورة. هل نتبع الطريق الصيني ام الطريق الروسي (ثورة اكتوبر)؟. كان قسم من الرفاق مع هذا الطريق والآخرون مع الطريق الآخر، تصوروا ان قسما منا كانوا محكومين بالمؤبد، ولم يمنع المؤبد حلم الثورة. ومن المساهمين في تلك المناقشات: سالم عبيد النعمان وهو المسؤول الاول، زكي خيري، محمد حسين ابو العيس، ابراهيم شاوؤل، جورج تلو، يوسف هارون زلخة، نافع يونس وعزيز الحاج وآخرون، ولا ينقطعون عن التفكير بنمط ونوع الثورة. والى جانب تلك المناظرات كان بعض الرفاق وأنا منهم يرون طريق الثورة القادمة هو في كيفية الهروب من سجن نقرة السلمان. وبعد اضرابات عن الطعام لمدة 27 يوما، وضغط العوائل نقل السجناء من سجن نقرة السلمان الى سجن الكوت وذلك في عام 1952، وما هي الا 6 اشهر حتى نظمنا عملية هروب من سجن الكوت عبر نفق طويل، ولكن القي القبض علينا قرب جسر ديالى لعدم تدبير الحزب مكانا جيدا للاختفاء خارج السجن.
ومرة اخرى رجعنا الى قواعدنا في سجن نقرة السلمان سالمين. وبعد سنتين من الهروب الاول، ومع تطور الوضع السياسي نسبيا، مرة اخرى اضربنا عن الطعام لمدة 25 يوما، ونقلونا على اثره الى سجن بعقوبة في 1954، ومرة اخرى قمنا بحفر نفقا من سجن بعقوبة، وهذه المرة هربنا ايضا، وانحصرنا في بساتين بعقوبة في قرية (شفته) ثلاثة ايام، رفيقي عمر علي الشيخ وانا بقينا اطول من المجموعة الاخرى التي قبض عليها في نفس اليوم، ولكن ايضا ولسوء تدبير التنظيم خارج السجن فشل الهروب مرة اخرى وعدنا الى الموطن العزيز- سجن نقرة السلمان- في الهروبين كنا سوية مع زكي خيري وعزيز الحاج، مع الاول صاحب طريق الصين والثاني صاحب طريق ثورة اكتوبر، ولكن الطريقين لم ينجحا في الهروب من السجن، ورغم هذا ظل الرفاق يناقشون بأمل.
بعد عشر سنوات لم نستكمل المؤبد بفضل انتصار ثورة 14 تموز 1958 الوطنية، واطلق سراحنا بضغط الجماهير، وطبعا لا اعني انها كانت ثورة اشتراكية، ولكن الثورة حصلت بطابعها العراقي الصرف، لا بالطريق الصيني ولا بطريق ثورة اكتوبر، ثورة عراقية صرفة اي عن طريق الانقلابات العسكرية التي بدأت منذ 1936. لذلك اقول ان الاستفادة من خبرة الثورات التاريخية امر لابد منه مثل كومونة باريس وثورة اكتوبر، ولكن طريقة التحقيق او التنفيذ تأتي من التكتيكات والمناورات السياسية حسب الظرف الملموس الذي يفضي الى الهدف البعيد، الهدف الاستراتيجي، الاشتراكية العلمية، وحسب التطور الملموس للبلد المعني، وضمن الظروف الدولية والاقليمية ايضا. ان الحديث عن (الجذرية) من الصعب ان يحسم سلفا او ان يقرر الان.
وبصدد التعامل مع الاشقاء في الاتحادات العمالية في الدول العربية، وبصفة خاصة اتحاد العمال العرب، انقل تجربة معه، بالارتباط مع عدم دعوة اتحاد المجالس لاجتماع دمشق حيث وجهوا الدعوات الى الاتحادات المعترف بها حكوميا اما اتحادكم المعترف به من قبل جماهير العمال فلم تجري دعوته. لا ادري على وجه الدقة لماذا لم توجه الدعوة، ولكن اذا كان السبب هو انكم يساريون ضد الاحتلال منذ اللحظة الاولى، فهذا لايدعو الى الغضب، واذا كان بسبب البيروقراطية فهذا امر مألوف، وان ما حصل الان حصل قبل47 سنة اي بعد ثورة تموز 1958حيث حضرت مع الوفد الشرعي الحكومي سنة 1959 مؤتمر مكتب العمل الدولي في جنيف. وكان تركيب الوفد الحكومي العراقي على النحو التالي: من وزارة الخارجية المرحوم الاستاذ ناثر العمري، ومن وزارة الشؤون الاجتماعية الاستاذ تقي عبد الهادي نائب المدير العام، والاستاذ اديب الجادر من اتحاد الصناعات العراقية وانا مندوب عن العمال.
وحضرالمؤتمر ايضا مندوبون عن نقابات الدول العربية ووفود حكومية: رئيس الاتحاد الدولي لنقابات العمال العرب ايام الوحدة بين مصر وسوريا المرحوم اسعد راجح، المندوب السوري احمد فهيم وآخرون، المهم رحب بي عدد من رؤساء النقابات في بلدان المغرب العربي، وفي المقدمة محجوب بن صديق رئيس الاتحاد المغربي للشغل ومن تونس الاخ تليلي، وهم منضمون الى الاتحاد الدولي للنقابات الحرة، بالاضافة الى السودانيين واللبنانيين. عموما الجميع جاءوا للترحيب بي باستثناء اسعد راجح. وقد اقترحت على محجوب بن صديق والاخرين الذين جاءوا للترحيب بي ان يجتمع الجميع خاصة ونحن في مقر مكتب العمل الدولي ونتفق على اصدار بيان نقابي تضامني للدفاع عن حقوق العمال العرب، وقد استحسن الجميع هذا الاقتراح.
طبعا الوضع السياسي كان متوترا بين الجمهورية العربية المتحدة والعراق، وكانت اذاعة صوت العرب مستمرة في حملاتها على (قاسم العراق) كما يحلو لصوت العرب تسمية الزعيم عبد الكريم قاسم. وعندما اعلن عن تشكيل الوفد العراقي الى جنيف عن طريق الاذاعة، هاجمت صوت العرب (قاسم العراق) والوفد العمالي العراقي وقالت: لايوجد بالعراق واحد عامل اسمه محمد لكي يرسلوا واحدا ارمنيا وشيوعيا.
في مثل تلك الظروف والاجواء بادرت الى الدعوة لعقد اجتماع والنظر في امكانية مشاركتي فيه، وقد استجاب المرحوم رئيس الاتحاد لعقد هذا الاجتماع ودراسة الموضوع. المهم تم الاجتماع في البداية بدوني لدراسة موضوع دعوتي ولتقرير حضوري الدعوة ام لا، المهم انتظرت في القاعة وهم مجتمعون في الغرفة، واخيرا أقروا مشاركتي وجلست في مكان المقرر وبعدها سئل المرحوم اسعد راجح هل هناك اي اعتراض على حضوري، لم يعترض احد، وسأل: هل احد يريد الكلام، ولما رأيت الصمت، طلبت الكلام وقلت: لنترك الصراع السياسي بين الرئيس جمال عبد الناصر وخطب صوت العرب وقاسم العراق ..الخ، واضفت نحن عمال نمثل كل العمال في الدول العربية، ونجلس الان في مقر مكتب العمل الدولي، وهناك قرارات وتوصيات واضحة لصالح العمال الا يمكن ان نصدر بيانا تضامنيا على ضوء هذه القرارات.
استحسن الجميع هذه الفكرة، وقرروا ان تقدم صيغة للبيان بما يتفق عليه بين اسعد راجح وبين آرا العراقي، مندوب عمال العراق. وفي صباح اليوم التالي كانت مسودة البيان قد جرت صياغتها من قبل اتحاد العمال العرب. جلسنا انا واسعد راجح وكان اعتراضي الاول على العنوان وهو بيان تضامني للعمال العرب. قلت النقابات ليست لها صفة قومية، لها صفة طبقية، مهنية، وان غير هذه الصفة تفتح في كل بلد الباب امام تأسيس نقابات قومية وغير قومية، وهذا لايخدم وحدة الحركة النقابية، ومن ثم نتحول مثل اوروبا: نقابات مسيحية، ديمقراطية، اشتراكية، وقومية، هذا وضع لا يخدم الوحدة. نحن في العراق لدينا نقابات مركزية من نفط الشمال في عين زالة الى الفاو. وعندنا اتحاد مركزي، وهناك مجلس للاتحاد في كردستان، ولكن هذا فقط لتسهيل مهمة عمل الاتحاد المركزية، ان الافضل ان يكون اسم الاتحاد – اتحاد نقابات العمال في الدول العربية- في هذا البيان، لان ذلك يعترف بحقيقة وجود المنظمات العمالية الوطنية في الدول العربية، وهي موجودة فعلا في لقائنا هذا. والنقطة الثانية اشرت فيها الى ان حق الاضراب غير موجود او مثبت في مسودة البيان، رغم انه اسمى حق مقر للعمال من قبل مكتب العمل الدولي.
كانت هذه نقاط اعتراضي على البيان. وفي المساء عقدنا اجتماعا ثانيا حضره القنصل المصري لشؤون العمال. وكان انسانا وديا، وافق بعد نقاش على حق الاضراب. ولكنه قال بصدد اسم الاتحاد ان هذا هواسم اتحاد العمال العرب، اما غايتي ومصدر اهتمامي بتثبيت حق الاضراب يعود لما سمعناه عن اعدام قائدي اضراب عمال النسيج في كفري الدوار مصطفى خميس وزميله. المهم صدر البيان وفيه حق الاضراب، ارسلت البيان من جنيف الى اتحاد الشعب ونشره الحزب في الصفحة الاولى وبمانشيت كبير تحت عنوان "ننشره بدون تعليق". كان هذا انتصارا لحركتنا النقابية وللحزب في تلك الظروف المتوترة. المهم التوجه نحو التجميع لا التفريط، نحو وحدة جميع الاتجاهات الفكرية القومية والسياسية... الخ.
دور الاتحاد يجب ان يكون عنصر جمع لا عنصر تفريق من اقصى اليمين الى اقصى اليسار وبدون استثناء اي حركة نقابية، وعلى اتحاد العمال العرب ان يقدم برنامجه ونظامه الداخلي لكي يجري الانضمام شرعيا اليه من قبل النقابات في الدول العربية، وان تجري الانتخابات في مؤتمرات عامة تحضرها الاتحادات المنضوية تحت اسم اتحاد العمال العرب، وان يشرف الاتحاد على قوانين العمل في الدول العربية، وان يدافع عن حقوق ومصالح جميع الشغيلة بدون استثناء خاصة ما يتعلق منها بمستوى الاجور والاسعار المناسبة وحق الاضراب، ووقف الطرد الكيفي من العمل، والحد من الاجراءات التعسفية، والبطالة، والسعي الى توفيرالسكن،والخدمات الصحية،ومكافحة الامية، وتوفير الضمانات الاجتماعية الشاملة وحماية الشيخوخة. هذه هي المطالب الاساسية التي توحد العمال، وترفع كرامتهم ودورهم في الحركة الوطنية. وفي سبيل ذلك ينبغي صب الجهود لا فقط على تكرار الاطنان من الشعارات الديمقراطية والوطنية، مع التأكيد على انه بدون الديمقراطية الاجتماعية والعدالة لا يرتجى خير. هذا هو دور كل حركة نقابية في كل البلدان.
ويمكن اعتبار البيان مشترك بين وفد من قيادات الحركة العمالية العراقية ومنظمة العمال المناهضين للحرب في الولايات المتحدة الامريكية الذي صدر من واشنطن في 26 حزيران عام 2005 م، تطورا هاما في حشد القوى العمالية بما فيها الامريكية ضد العدوان والاحتلال. والاهم الاتفاق بين اطراف الحركة العمالية العراقية على خطة للعمل المشترك، ويعد البرنامج الذي اتفقتم عليه اساسا صالحا لتحشيد القوى.
"وقد سبقت الحركة النقابية اطرافا عريقة في العمل الوطني من خلال تشخيصاتكم التالية مع الاتحاد العام لنقابات العمال في العراق، والنقابة العامة لعمال النفط في البصرة، ومنظمة العمال المعادين للحرب في الولايات المتحدة الاميريكية التي نصت على:
1. ان الاحتلال هو العقبة الرئيسية امام السلام والإستقرار وإعادة البناء في العراق. ولابد من استعادة سيادة واستقلال العراق. وإنهاء الاحتلال بكافة اشكاله، وبضمنها القواعد العسكرية والهيمنة الاقتصادية.
2. الاحتلال خرق القانون الدولي وميثاق الأمم المتحدة. وتم تبريره بالاكاذيب والاضاليل وبدون مشاركة واستشارة الشعب العراقي. وإن الإحتلال اثبت فشله، وأتى بنتائج كارثية على كلا الشعبين العراقي والامريكي.
3. دمر الاحتلال البيوت والمصانع والمؤسسات الوطنية والبنى التحتية وشبكات المياه والكهرباء والخدمات الصحية. وقتل الاحتلال الآلوف من أبناء الشعب العراقي وفرض التشرد والبطالة على الملايين. وسمم الاحتلال الناس واراضيهم ومياههم.
4. إن من مصلحة كلا البلدين (العراق وامريكا) أن تتوقف الحرب وينتهي الاحتلال. وإن العراقيين هم انفسهم من يقرر مستقبلهم ومدى ونوعية أي تعاون دولي وشكل التعاون الذي يناسبهم.
5. ادانة كل الهجمات الارهابية التي تستهدف المدنيين وقياديي النقابات وغيرها من المؤسسات الوطنيّة العراقية ومنظمات المجتمع المدني سواء بالاغتيال أوالتعذيب أوالخطف أوالتهديد. إن الإحتلال هو الحطب الذي يسعر النيران.
6. إن ثروات العراق تعود ملكيتها للشعب العراقي. وإن خصخصة الاقتصاد العراقي من قبل الاحتلال أوصندوق النقد والبنك الدوليين أو أية قوّة خارجية ليست في صالح الشعب.
7. الوقوف ضد أية قوة تحاول ان تنتقص من حق الشعب العراقي في تقرير مستقبل إقتصاده. ومناشدة كل شعوب وامم العالم ان تهب لمساندة الشعب العراقي في استعادة قدراته الإقتصاديه، والمطالبة بدفع تعويضات كاملة من قبل الولايات المتحدة الامريكية وبريطانيا عن الحرب والاحتلال وما جلبتاه من دمار على العراق. والمطالبة بالغاء كافة الديون الخارجية.
8. يشكل وجود حركة عمالية ديمقراطية حرة وقوية الأساس في وجود أية ديمقراطية.
9. النضال من اجل تحسين اجور العمال وظروف معيشتهم. وقيام نقابات حرة مستقلة وديمقراطية في العراق بحسب المعاهدات والمواثيق المتعارف عليها دوليا من قبل منظمة العمل الدولية بما فيها حق التنظيم بحرية من دون إي تدخل من الحكومة وبضمان حقوق متساوية للعاملات من النساء.
10. العمل على الالغاء الفوري للقرار رقم 150 لسنة 1987 الذي ألغيت بموجبه الحقوق النقابية للعمال في القطاع العام الواسع في الاقتصاد العراقي.
11. إعادة ممتلكات الشعب العراقي الموجودة في دول الجوار وغيرها إلى العراق وبضمنها ناقلات النفط والطائرات المدنية والعسكرية وكذلك إعادة ارصدة العراق المجمدة التي تمت السيطرة عليها بعد حرب 1991 والحروب الاخرى".
ان خطتكم السابقة الذكر تشكل اساسا صالحا للتعاون النقابي، ولكن في كل الاحوال تظل الثقة بالمستقبل، واحترام المعتقدات العامة للعمال، بل وحتى نمط حياتهم، والاقتراب من ظروفهم، الى جانب اليقظة من دسائس رأس المال وخدمه، شروط ضرورية لانتزاع الحقوق العادلة للعمال وعلى ايدي العمال انفسهم.
ان ثقة العمال لا تمنح بسهولة ولكن عند نيلها نتلمس هشاشة اعداء الوطن واعداء الفقراء. وعلى العمال تقع مسؤولية كبيرة بصدد التصدي للعبة الامبريالية في اثارة الحروب الدينية والطائفية، حيث حولوا بلادنا الى مختبركبير لتجاربهم المسعورة والرهيبة في مجال اثارة النعرات البدائية من مختلف الانواع. انهم في ظل بحثهم عن عدو جديد، طرحوا الاسلام عدوا جديدا بديلا عن المنظومة الاشتراكية الدولية. ان الانتباه الى هذه المكيدة هو بداية الانتصار، ان هدف الامبريالية توجيه زخم القدرة النضالية للشعوب بمسارات تقع خارج الطريق المفضي الى الحلول العادلة لمختلف انواع الازمات والهموم، ان واشنطن تحاول بكل السبل اخفاء طابع النضال العراقي الوطني والاجتماعي ضد الاحتلال. من المناسب هنا السؤال عن سر تجاهل كل وسائل الاعلام لنضالات العمال العراقيين ومنظماتهم.



#ارا_خاجادور (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- قراءة في صفحة من سفر كفاحنا المسلح
- نراجع الماضي بثقة من اجل المستقبل
- مزامير الانتخابات الامريكية في العراق
- هل النقابات العراقية الاساسية تدعم الاحتلال ؟
- من عوامل الجزر في التنظيم الثوري
- لماذا الان يجري الاحتكام للشعب؟
- نقطة واحدة للمفاوضات: انسحبوا ايها الغزاة من بلادنا
- نعي المناضل هادي أحمد علي


المزيد.....




- بزيادة 100 ألف دينار فورية الان.. “وزارة المالية” تُعلن خبر ...
- زيادة مليون ونصف دينار.. “وزارة المالية” تُعلن تعديل سلم روا ...
- FIR commemorates 50 years “Carnation Revolution” in Portugal ...
- كيف ينظر صندوق النقد والبنك الدوليان للاقتصاد العالمي؟- أحمد ...
- كتّاب ينسحبون من جوائز القلم الأميركي احتجاجا على -الفشل في ...
- مؤيدون للفلسطينيين يعتصمون في مزيد من الجامعات الأميركية
- “كيفاش نجددها” شروط وخطوات تجديد منحة البطالة الجزائر عبر ww ...
- تحذير من إلغاء ما بين 65 و75% من الرحلات.. المطارات الفرنسية ...
- إلغاء ما بين 65 و75% من الرحلات.. المطارات الفرنسية تستعد غد ...
- مطالب بالحفاظ على صفة موظف عمومي و بالزيادة العامة في الأجور ...


المزيد.....

- تاريخ الحركة النّقابيّة التّونسيّة تاريخ أزمات / جيلاني الهمامي
- دليل العمل النقابي / مارية شرف
- الحركة النقابيّة التونسيّة وثورة 14 جانفي 2011 تجربة «اللّقا ... / خميس بن محمد عرفاوي
- مجلة التحالف - العدد الثالث- عدد تذكاري بمناسبة عيد العمال / حزب التحالف الشعبي الاشتراكي
- نقابات تحمي عمالها ونقابات تحتمي بحكوماتها / جهاد عقل
- نظرية الطبقة في عصرنا / دلير زنكنة
- ماذا يختار العمال وباقي الأجراء وسائر الكادحين؟ / محمد الحنفي
- نضالات مناجم جبل عوام في أواخر القرن العشرين / عذري مازغ
- نهاية الطبقة العاملة؟ / دلير زنكنة
- الكلمة الافتتاحية للأمين العام للاتحاد الدولي للنقابات جورج ... / جورج مافريكوس


المزيد.....


الصفحة الرئيسية - الحركة العمالية والنقابية - ارا خاجادور - النقابات العمالية رافعة قوية في معركة التحرير