أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - عبد الحسين شعبان - أبو كَاطع يشرق في بغداد















المزيد.....

أبو كَاطع يشرق في بغداد


عبد الحسين شعبان

الحوار المتمدن-العدد: 5732 - 2017 / 12 / 19 - 14:50
المحور: الادب والفن
    


كلمة عبد الحسين شعبان عن أبو كَاطع في نادي العلوية
أبو كَاطع يشرق في بغداد
حين تكون قريباً من إنسان ما يصعب عليك رؤية جميع مزاياه، قد تحتاج إلى أن تبعد عنه أحياناً، لترى ما كنت قائلاً عنه، حتى لأن ما هو اعتيادي وربّما يتبين بنظرك يصبح فريداً ومتميّزاً.
ما إن افترقنا وتغيّرت الأماكن في نهاية السبعينات، هو في براغ وأنا في بغداد، بدأت أشعر بفرادة الرجل وقيمته، إبداعياً وإعلامياً وشخصياً، وكنت أتهيأ لزيارته في مدينة القباب الذهبية " براغ" العام 1981 على أمل أن يجتمع شملنا مجدداً جاءني الخبر صاعقاً: لقد رحل أبو كَاطع في حادث سير مؤسف. هكذا وبكل بساطة، غاب مثل شهاب... قلت مع نفسي لعلّه فعلها هذه المرّة واختفى وكأنه يمارس لعبته التي ظلّت ملازمة له طيلة عقد من الزمان، يختفي ويظهر، ثم يختفي، لكنه هذه المرّة قرّر الرحيل وكدتُ أن أطلق صرخة غوته على لسان فاوست لأردّد: قف أيها الزمن ما أجملك، لكن الزمن مضى سريعاً دون أن يلتفت، فقد كان متربصاً، مخادعاً ماكراً ولعيناً مثل الموت.
وكما يقول الشريف الرضي:
ما أخطأتك النائبات
إذا أصابت من تحبّ
أو كما قال الجواهري:
يظلّ المرء مهما أدركته
يد الأيام طوع يد المصيب
وقد كتب لي السيد حسين الصدر في إحدى المرّات معزّياً بقوله :
سيف المنايا مرهف الحدّ
يردي ولا تقوى على الردّ

أعود لفرادة أبو كاطع ومغايرته:
" إنه فك رموز الحرف بفضل والدته التي كانت تعرف قراءة القرآن، واستطاع أن يعلّم نفسه بنفسه، فلم تسنح له ظروف الحياة للدراسة النظامية والأكاديمية". وهكذا كان عصامياً بامتياز واعتمد على قراءاته الذاتية.
* أصبح لذلك الفتى الفلّاحي - القروي المنشأ، علاقة بعالم الحرف وعقد صداقات عديدة بينه وبين القلم، لم يفرّقه عنها سوى الموت اللئيم.
* جمع بين العمل الإذاعي والصحافي والروائي. فقد كان برنامجه الشهير " احجيه بصراحة يبو كاطع " من إذاعة بغداد 1959 وما بعده، جامعاً، مثلما كان عموده في صحيفة " طريق الشعب" التي كان القرّاء، يقرؤونها بالمقلوب، أي من عمود أبو كاطع بالصفحة الأخيرة، ليقيسون بها درجة حرارة الجو السياسي.
* وكانت رباعيته " الزناد، بلا بوش دنيا، غنم الشيوخ، فلوس حميّد مدخلاً جديداً وساخراً في فن القص، وفي الوقت نفسه في تدوين جزء مهم من تاريخ الدولة العراقية في الريف.
* كانت الرواية قبل أبو كَاطع، هي رواية المدينة، حتى وإن تناولت الريف، لأنها ستتحدث عن رؤية المدينة الريف. أما بعد أبو كَاطع فقد كان الريف حاضراً. وإذا كان غائب طعمه فرمان وفؤاد التكريتي ومحمد خضير وعبد الرحمن مجيد الربيعي وقبلهم عبد الملك نوري وذو النون أيوب وغيرهم روائيو المدينة، فإن أبو كَاطع كان روائي الريف بكل تناقضاته، ناقلاً حديث الدواوين والمضايف والمجالس، ليحصل منه مادة للرواية والأقصوصة والحكاية والعمود الصحافي، أي حياة الفلاحين والشيوخ والإقطاع والسراكيل والنساء والعشق المحرّم والحب واللوعة والظلم والقسوة، إضافة إلى العادات والتقاليد الاجتماعية، مسلّطاً الضوء على الريف والخداع والاستغلال.
* اتهم من محكمة الثورة بالمتاجرة بالسلاح، وكانت تلك التهمة تعني أغلظ العقوبات، وحسب تندّراته كانت عقوبتها " أقلن .. أقلن الإعدام".
* كان أبو كاطع رؤيوياً- حسب غوركي عن أحد ثوريّ عصره " إن نصف عقله يعيش في المستقبل " والتاريخ لا يرويه المؤرخون فحسب، بل الفنانون هم من يقومون بذلك.
* كان ساخراً وسخريته حزينة - ووجد في السخرية وسيلة يستثمر فيها ما اختزن في ذاكرته من حياة الريف أو ما استحضره من خيال وما كان يحلم به من رؤى. وقد نقل حياة الريف من داخل الريف وليس عنه إلى المدينة . لم يكن طارئاً أو متطفّلاً على الريف، بل كان من صلبه ولم يكن متفرّجاً.
* في كتابه الأيام قدّم طه حسين الشاب الريفي القادم من قرية المينا، المتشبّع بالثقافة الأزهرية كنقيض للحضارة الغربية التي تخيفه. أما الطيّب صالح ففي روايته " موسم الهجرة إلى الشمال" جسّد علاقة الريفي بالمدنية الأوروبية، حين وضعه بين سيقان فتاة شقراء، مضيفاً تناقضاً وازدواجية جديدة على أصوله الفلاحية ذات المسحة السوداء وحاضره الانكليزي.
* رواية أبو كاطع كسرت احتكار الرواية لصالح الريف على حساب المدينة، حين رسم صورة ضاحكة جديدة لابن المدينة وأوهامه وأكاذيبه وألاعيبه.
* اعتمد أبو كَاطع الاسلوب المباشر والخطاب ذو التوجه الآيديولوجي، خصوصاً في رباعيته : الزناد، بلا بوش دنيا، غنم الشيوخ، فلوس حميّد، لكن مثل هذا التوجه خفّ في روايته "قضية الحمزة خلف" وقصة "موت الكلبة مرزوكة"، وحكاية "الضبع الأكبر" التي نشرتها لأول مرّة، وقد يكون تأثر بـ جورج أرويل وروايته " مزرعة الحيوان" .
* استخدم أبو كَاطع اللهجة الشعبية أو المحكية بأسلوب باذخ دون أن يلتفت إلى ما قيل بشأنها من انتقاص للغة العربية أو الفصحى، لأنه كان يريد إحداث التأثير المطلوب . وكان يجدها أكثر تعبيراً، وإن حافظ على اللغة العربية، لكنه كان يلجأ إلى العامية لتطعيمها وحاول في حكاية " يوم القيامة أو يوم الحساب أو شيء قريب من هذا " أن يستخدم اللهجة السورية، لاسيّما حين يتمازح مع صديقه السوري عصام، فأكثرَ من كلمات " تقبرني" أو "العمى" أو "لكان" وهذه بمثابة لازمات يرددها بمتعة.
* ظل محلياً وصميمياً عراقياً إلى أبعد الحدود وهنا ندرك الأفق اللغوي، خصوصاً حين يسعى المبدع لتخطي حدود المكان إلى عالم أكثر شساعة.
* سخريته لم تكن للفكاهة فحسب، بل كانت سخرية جادة . وحسب كارل ماركس، فالموقف من السخرية يعني اتخاذ موقف جاد من الحياة، وهي سلاح من الوزن الثقيل لا يخشاه الحكام والمستبدون، بل البيروقراطيون، وقد استخدمها أبو كَاطع بشكل راقي مصحوبة بحِكَم وأشعار وأمثال شعبية.
* لعلّ قلمه وشخصيته المملّحة " خلف الدواح - كعود الفرحان" كان مثل ريشة ناجي العلي وشخصية" حنظلة" الأثيرة، وكان ناجي العلي قد استشهد في لندن العام 1987.
* حين تقول حنظلة فإنك تعني خلف الدواح، وعندما نستذكر أبو كاطع فأنت في ناجي العلي أيضاً، ولا يمكن تصوّر حنظلة دون فلسطين ، مثلما لا يمكن الحديث عن خلف الدواح دون الريف العراقي والعراق كلّه.
هي السخرية في الحالتين:
وجوه ومؤخرات
زهور وتوابيت
حمامات وبنادق
طاغون ومظلومون
هي السخرية المشتركة والهوّية المشتركة للظالمين والطغاة والفاسدين ، مثلما هي هوّية المضطهدين والمهمّشين والضحايا، وإن اختلفت الألوان والأشكال والاجتهادات.
لقد كان أبو كَاطع مدرسة حقيقية في فن النقد والتحريض والتعبئة، فيها الكثير من عناصر الجذب والإقناع والجد بقدر ما فيها من دعابة وسخرية وضحك.
ولا أدري إلى أي حد يمكن أن نستذكر الروائي تشارلز ديكنز صاحب رواية " قصة مدينتي" A take of two cities ، فقد امتاز هو الآخر بالدعابة البارعة والسخرية اللاذعة، وصوّر جانباً من حياة البؤساء والفقراء وحظي بشعبية لم ينلها مجايلوه.


نادي العلوية - بغداد 10/9/2017



#عبد_الحسين_شعبان (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)

الكاتب-ة لايسمح بالتعليق على هذا الموضوع


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- الحق في التعليم
- رسالة مفتوحة إلى الراحل آرا خاجادور
- صفقة العصر وثقافة الاعتذار
- الطفولة الملغومة
- تحديات ما بعد داعش!
- حافة الحرب
- هل تستمر دبلوماسية -القوة الناعمة-؟
- الإمام الحسني البغدادي.. مقاربات في سسيولوجيا الدين والتديّن ...
- «ذاكرة مياه المحيط».. التنوّع والتسامح
- الإمام الحسني البغدادي.. مقاربات في سسيولوجيا الدين والتديّن ...
- لإمام الحسني البغدادي.. مقاربات في سسيولوجيا الدين والتديّن- ...
- الإمام الحسني البغدادي.. مقاربات في سسيولوجيا الدين والتديّن ...
- في الجدل حول الدولة المدنية
- العراق وتوازن القوى بين الاضطرار والاختيار !!
- الإمام الحسني البغدادي.. مقاربات في سسيولوجيا الدين والتديّن ...
- الإمام الحسني البغدادي.. مقاربات في سسيولوجيا الدين والتديّن ...
- الإمام الحسني البغدادي.. مقاربات في سسيولوجيا الدين والتديّن ...
- في النقاش حول الدولة المدنية
- الإمام الحسني البغدادي.. مقاربات في سسيولوجيا الدين والتديّن ...
- الإمام الحسني البغدادي مقاربات في سسيولوجيا الدين والتديّن ا ...


المزيد.....




- سيطرة أبناء الفنانين على مسلسلات رمضان.. -شللية- أم فرص مستح ...
- منارة العلم العالمية.. افتتاح جامع قصبة بجاية -الأعظم- بالجز ...
- فنانون روس يسجلون ألبوما من أغاني مسلم موغامايف تخليدا لضحاي ...
- سمية الخشاب تقاضي رامز جلال (فيديو)
- وزير الثقافة الإيراني: نشر أعمال لمفكرين مسيحيين عن أهل البي ...
- -كائناتٌ مسكينة-: فيلم نسوي أم عمل خاضع لـ-النظرة الذكورية-؟ ...
- ألف ليلة وليلة: الجذور التاريخية للكتاب الأكثر سحرا في الشرق ...
- رواية -سيرة الرماد- لخديجة مروازي ضمن القائمة القصيرة لجائزة ...
- الغاوون .قصيدة (إرسم صورتك)الشاعرة روض صدقى.مصر
- صورة الممثل الأميركي ويل سميث في المغرب.. ما حقيقتها؟


المزيد.....

- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو
- الهجرة إلى الجحيم. رواية / محمود شاهين


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - عبد الحسين شعبان - أبو كَاطع يشرق في بغداد