أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - محمد الورداشي - قراءة في مضامين كتاب: مفهوم النص دراسة في علوم القرآن، ل نصر حامد أبو زيد















المزيد.....



قراءة في مضامين كتاب: مفهوم النص دراسة في علوم القرآن، ل نصر حامد أبو زيد


محمد الورداشي
كاتب وباحث مغربي.

(Mohamed El Ouardachi)


الحوار المتمدن-العدد: 5730 - 2017 / 12 / 17 - 10:52
المحور: الادب والفن
    


-قراءة في مضامين كتاب: مفهوم النص دراسة في علوم القرآن، من تأليف نصر حامد أبو زيد، ط 2005، صادرة عن المركز الثقافي العربي.
من إعداد الطالب الباحث: محمد الورداشي.
ماستر السيميائيات وتحليل الخطاب، جامعة الحسن الثاني، كلية الآداب بنمسيك.

تمهيد عام:
لقد شكل عصر النهضة حملة علمية كان هدفها هو إعادة قراءة الكتب المقدسة، ذلك من وجهة نظر العلم الحديث، إلا أن المرحلة تميزت باستعمال المنهج الفليلولوجي للتعامل مع النصوص عامة والمقدسة على وجه الخصوص، مما أسفر عنه نتائج عديدة وعلى رأسها، فصل الدين عن الدولة ليغدو بعد ذلك مهتما بأموره دونما التدخل في أمور الدولة. لقد تأثر جملة من الباحثين العرب بالمنهج أولا، ونتائجه المجدية ثانيا. وتبعا لذلك فإن هؤلاء الباحثين العرب حتى وإن تأثروا في فترة متأخرة إلا أنهم سعوا إلى تطبيق المناهج الغربية الحديثة على التراث الديني العربي الإسلامي. فمنهم: محمد أركون، نصر حامد أبو زيد، ومحمد شحرور، وعبد المجيد الشرفي، وغيرهم من الباحثين، فالمشترك بين هؤلاء هو العودة إلى التراث وتطبيق المناهج الحديثة عليه، بيد أن المنطلقات والدوافع كانت مختلفة من باحث لآخر. لهذا فإننا سنركز في هذا الصدد على الكاتب والمفكر المصري نصر حامد أبو زيد.
إن الباحث الذي يحاول رصد أعمال الكاتب المصري أبو زيد عليه أن يعي مسألة أساس؛ وهي أنه لا يتعامل مع كاتب عادي بل مع رائد من رواد التاريخية النصية في العالم العربي، ولا أدل على ذلك أن الكاتب يدعو إلى إعادة قراءة التراث الديني قراءة جديدة معاصرة تختلف عن القراءة القديمة؛ لأن هذه الأخيرة- من منظوري مريدي المعاصرين- وقفت عند جوانب هامة في الخطاب الديني من حيث تفسيرُها للنص القرآني، إلا أنها ظلت متشبثة بنظرة أحادية للحقيقة في النص الإلهي. فمن منظور أبو زيد فإنه يؤكد على أن مصدر النص إلهي، وأنه ثابت وقار في منطوقه، إلا أن دلالته مختلفة ومتغيرة. تبعا لذلك يكون من البديهي أن نجد أبو زيد يسمي الحضارة العربية الإسلامية حضارةَ نص. بيد أن النص كيفما كان نوعه لا يمكن أن يؤسس حضارة دون الجدال بينه وبين الواقع والثقافة، فهذا الجدال كفيل ببناء الحضارة، وكل ذلك يبنى على أساس آلية التأويل من أجل فهم النص أولا، والحفاظ عليه ثانية كما نجد عند المعتزلة، الذين حاولوا تأويل الآيات التي لا تتلاءم مع تصورهم. حيث إنهم يؤولون عن طريق المجاز، وفي المقابل هناك الظاهرية التي تأخذ بالمعنى الحرفي الظاهر للنص، وبهذا تكون الظاهرية قد نفت المجاز من النص القرآني خاصة واللغة عامة.
إن إعادة قراءة الخطاب الديني من وجهة نظر تأويلية موضوعية تجعلنا أمام أسئلة جوهرية: ما آليات القراءة والـتأويل الموضوعيين؟ ما القراءة الواعية الموضوعية؟ وكيف تساعدنا المناهج الغربية الحديثة في فهم التراث في عصرنا الراهن؟(1).
وبعد هذه التأطير العام سنحاول أن نقدم قراءة في كتاب: مفهوم النص، دراسة في علوم القرآن، ل نصر حامد أبو زيد. ط1: 2005، صادرة عن المركز الثقافي العربي، عدد الصفحات 319.
يؤكد المؤلف في أغلب مؤلفاته أن فعلي القراءة والتأويل كآليتين متفاعلتين تجاه النصوص عامة، لهذا فإنهما لن تمسا بالجانب الإيماني العقائدي للكلام الإلهي، إنما يؤكد أن النص هو رسالة، وهذه الرسالة لا يمكن أن ندرس مرسلها ولكن يمكننا دراسة ظروف تلاقيها الاجتماعية والتاريخية في حيز المستقبل الأول. ومن ثمة فإن النص مجرد كيانات ثلاثة: لغوي، ثقافي، تاريخي هذا من جهة، ومن جهة أخرى فإن المؤلف يشير إلى أن علاقة المفسر بالنص ظلت مهملة لأوقات طويلة، إنما يتم –فقط- الاعتمادُ والتركيز على جانب على حساب الجوانب الأخرى. (2).
إضافة إلى ما قيل ينبغي أن نشير إلى أن المحور الأساس في هذه الدراسة يدور حول مفهوم النص، بما أن الحضارة العربية الإسلامية حضارة نص، فإن هذا الأخير لقي اهتماما لدى المفسرين. لكن هل قدمت الحضارة الإسلامية تعريفا للنص؟ هل هناك مبرر لماهية النص؟ وإن لم يوجد، فكيف سيتم تقديره؟ وما مصدر الوعي بطبيعة النص في الحضارة الإسلامية؟
أشار الباحث إلى أن البعد المفقود-النص- في الحضارة العربية الإسلامية كان حاضرا في نظرة المجددين اللبراليين غير أن صيحاتهم لا تكاد تخرج عن الستار الأيديولوجي الذي وضعته السلطات الدينية كمرصاد لأية محاولة تجديدية تنشد التغيير الإيجابي. فالبحث في مفهوم النص قد يتم تجاوزه ليشمل مجالات أكثر حساسية، حيث يقول المؤلف: إن البحث عن مفهوم النص ليس في حقيقته إلا بحثا عن ماهية "القرآن" وطبيعته بوصفه نصا لغويا". ومنه، إذا كان القرآن نصا لغويا فما الذي جعل المفسرين والـأصوليين يقولون بإعجازه؟ إن فكرة كون النص القرآني نصا لغويا يجعلنا نستشف أنه غير مقدس ولا معجز إلا من حيث لغته؟
تفاديا للأحكام المسبقة نتساءل عن مبررات فكرة الكاتب التي تقول بأن النص لغوي؟
إن القول بأن القرآن نصا لغويا يقودنا إلى الحديث عنه كنص أدبي فني؛ لأن العمل الأدبي في النهاية يغترف جل ألفاظه من القرآن باعتباره نقطة محورية داخل مجالات الحضارة العربية الإسلامية كلها، لهذا ارتأيت أن نبسط التساؤلات الآتية:
إذا كان النص القرآني خالدا وصالحا لكل زمان ومكان، وقادرا على الإحاطة بقضايا الكون، ماضيها وحاضرها، وصولا إلى استشراف مستقبلها الغيبي، فما الذي يجعل النص الأدبي غير صالح لكل زمان ومكان- باستثناء بعض النصوص الأدبية التي تحمل حكما وأقوالا، إلا أنها لا ترى الخلود طويلا- نظرا لكونه يوظف الألفاظ في القرآن؟ ولماذا حاول المؤلف مقارنة النص في إطار الدراسات الأدبية؟ وما الذي جعل النص الأدبي يرقى إلى مستوى المقارنة بالنص القرآني؟
يقول المؤلف: إن الدراسة الأدبية –ومحورها مفهوم النص- هي الكفيلة بتحقيق "وعي علمي" نتجاوز به موقف "التوجيه الأيديولوجي" السائد في ثقافتنا وفكرنا". ومنه إذا كان مفهوم النص في الدراسة الأدبية يخلصنا من الجانب الأيديولوجي السائد في ثقافتنا؛ فإنه من الضروري –حسب المؤلف- العودة إلى علوم القرآن وقراءتها قراءة واعية ذات منهج علمي مضبوط، ذلك انطلاقا من النصوص القديمة التي نرى في نفسها نقطة نهاية في باب الاجتهاد. بناء على ذلك فإن قراءة المحدثين ليست مبنية على الشهرة وادعاء التفوق على الأقدمين، إنما ينبغي أن يعي الباحث أنه يهدف إلى تيسير النص للفهم والاستيعاب في العصر الراهن. إذن ما المنهج الذي يوظفه المؤلف في قراءته هذه؟
في المنهج:
أشار المؤلف إلى أنه سيوظف منهجا علميا، إلا أن هذا المنهج العلمي لا يمكن تطبيقُه على المرسل في حالة القرآن، وإنما سيتخذ المؤلف الواقع والثقافة التي تشكلت منها لغة المخاطبين والمتلقي الأول بالنص. يقول المؤلف: فمن الطبيعي أن يكون المدخل العلمي لدرس النص مدخل الواقع والثقافة، الواقع الذي ينتظم حركة المخاطبين بالنص وينتظم المستقبل الأول للنص وهو الرسول، والثقافة التي تتجسد في اللغة" (ص24).
بناء عليه يظل النص صياغة ثقافية عبر وسيط لغوي، ومن ثمة فإن اللغة ستكون موضع بحث أمبريقي. فطبيعة منهج المؤلف ديالكتيكي صاعد حيث إنه يختلف كثيرا عن المناهج التي يركن إليها الخطاب الديني المعاصر عند مناقشة قضايا علوم القرآن. وتبعا لذلك، فإن مناهج الخطاب الديني المعاصر" تعطي الأولوية عند مناقشة النصوص الدينية للحديث عن "الله" عز وجل (قائل النص) ثم يلي ذلك الحديث عن النبي (المستقبل الأول للنص) ثم يلي ذلك الحديث عن الواقع تحت عناوين "أسباب النزول" و"المكي والمدني" و"الناسخ والمنسوخ". إن مثل هذا المنهج- إن اكتملت له أدوات البحث المنهجي من الدقة والاستقصاء- بمثابة ديالكتيك هابط في حين أن منهج هذه الدراسة بمثابة ديالكتيك صاعد" ص26.
عموما فإن منهج المؤلف ينطلق من البديهيات ليصل إلى المجهول، فهو بطبيعته منهج جدلي، لكن إلى أي حد يتوافق هذا المنهج مع الحقائق الدينية- المرتبطة بزمان معين- كما أشار المؤلف؟ هل تقبل النصوص الأدبية المنهج الجدلي الديالكتيكي التصاعد في ثقافتنا العربية؟
1- بين السلفية والتجديد.
في هذه النقطة تحدث المؤلف عن خصائص السلفية التقليدية والتي تقف حاجزا أمام الحركة التجديدية المعاصرة بكل تمظهراتها. إلا أن المؤلف يشير -في الحقيقة- أن الهدف من دراسة مفهوم النص هو الولوج إلى "القرآن" كنص لغوي، والهدف الثاني هو العودة إلى جذور بدايات الإسلام، ليتساءل بكل جرأة: ما الإسلام؟
إن المتأمل في الهدفين اللذين توخى المؤلف تحقيقها، يتساءل قائلا: ما الذي يصبو إليه المؤلف من خلال الحفر في التراث؟ إذا كان المؤلف يتساءل عن الإسلام على اعتبار أنه تساؤل عن هويتنا، فما الداعي إلى تجديد الهوية العربية الإسلامية؟ لم نزع القداسة عن النص القرآني؟ وإذا كان المؤلف قد انتقد الإسلام –عند ما أسماه بالسلفية- فهل يسعى إذا تأسيس إسلام حداثي مخالف للإسلام المعطى؟
لقد أشار المؤلف في أكثر من موضع أن القرآن نص لغوي أنشئ من قبل الثقافة والواقع آنذاك، إذن كيف نجعل النص يسير وتصوراتنا الراهنة؟ هل نعتمد على الفهم والتأويل، أم نؤمن بما خلفه السلف؟
اعتمد المؤلف على دراسة النص من نقطتين:
- انطلاقا من التصورات والمفاهيم التي صاغتها الثقافة العربية الإسلامية عن النص. وهنا يشير أنه إذا لم يوجد مفهوم للنص ينبغي صياغته وفق التصورات الراهنة. ومنه، فإنه من الطبيعي أن يقوم المؤلف بنقد كل التصورات القديمة السلفية، ليقدم لنا تصورا جديدا لمفهوم النص وليس بعيد عن النصوص الأخرى. من هنا نتساءل، إذا تم نزع القداسة عن النص، فما الذي سيميزه عن غيره من النصوص؟
- العودة إلى المفاهيم التي يطرحها النص نفسه.
في هذه النقطة يؤكد عن العودة إلى تصورات الثقافة التي أنشأت النص، والعودة إلى النص نفسه لنستشف أشكال الثقافة فيه، وكيف يعبر عنها، وذلك بناء على منهج علمي. كل هذا يجعلنا نساءل عن جذور هذا المنهج العلمي؟ وما آلياته ومنطلقاته الإجرائية؟ وهل يلاءم التراث أم أنه مجرد وسيلة تعسفية تقوم بطي عنق التراث عامة، والنص خاصة؟
يسعى المؤلف إلى تطبيق المنهج العلمي على ما خلفه السلف، حيث إنه سينكب على فكر أبي حامد الغزالي، يقول المؤلف: " إن قراءة الغزالي بالإضافة إلى أهميتها في الكشف عن التحول الذي طرأ على مفهوم النص في الفكر تكشف لنا عن صوت الماضي الذي يعاد تصديره لنا في الحاضر، وتكشف أكثر عن آليات الفكر الديني المعاصر في إضفاء صفة القداسة والإطلاق على ذاته بارتداء ثياب التراث في أشد اتجاهاته تخلف ورجعية. وفي هذا الكشف نأمل أن نساهم في تعرية الوجه الحقيقي لكثير من مفاهيم الخطاب الديني المعاصر باستخدام أساليب الدر العلمي.ص28.
بناء عليه، فإن الكتاب مكون من ثلاثة أبواب، الأول معنون ب: النص في الثقافة (التشكل والتشكيل). من الطبيعي يحاول المؤلف تقديم إجابات إذا نحن سألناه: كيف يتشكل النص من الثقافة ويشكلها أيضا؟
- الفصل الأول: في مفهوم الوحي.
يعد مفهوم الوحي البؤرة الأساس داخل الثقافة؛ إذ إنه يستطيع ضم كل الأسماء الأخرى للنص التي أحصاها السيوطي والزركشي. إن الوحي يدل على مجموع خطاب الله تعالى في الثقافة الإسلامية. وقد يفيد الإعلام بالإشارة والإيماء والكلام والكتابة.
1- الوحي عملية اتصال.
الوحي عملية اتصال تتضمن رسالة خفية (شفرة) تكون مشتركة بين المرسل والمستقبل. ويمكن كذلك أن نجد الوحي في الشعر: بيت لعلقمة الفحل يصف غرابا وأنثاه قائلا:
يوحي إليها بأنقاض ونقنقة كما تراطن في أفدانها الروم
الوحي= علاقة اتصال بين المرسل (الغراب) والمستقبل (أنثاه) عن طريق رسالة (شفرة مشتركة) وهي الانقاض والنقنقة.
2- اتصال البشر بالجن:
- الشعر والتكهن ظاهرتان مرتبطتان بنوعين من العوالم: عالم الجن وعالم البشر، وهذا كان مستساغا في العقل العربي من خلال ثقافته حتى قبل نزول الوحي. " إن العربي الذي يدرك أن الجن يخاطب الشاعر ويلهمه شعره، ويدرك أن العراف والكاهن يستمدان نبوءاتهما من الجن لا يستحيل عليه أن يصدق بملك ينزل بكلام على بشر. (ص34)، لذلك نجد سورة باسم الجن.
إن الفرق بين اتصال النبي واتصال الكاهن، يكمن في كون الأول يكون فطرة أي تم اصطفاؤه واختياره، فيما نجد الثاني يستعمل وسائل عدة للتخلص من الحس المادي ليتصل بالما وراء.
3- الوحي بالقرآن.
يختلف هذا النوع من الوحي عما قيل سلفا، وذلك لأن الله يوحي إلى رسله من خلال وسيط لغوي؛ ككلامه مع موسى.
إن الآيات التي تتوفر على الفعل "أوحى" "يوحي" دلالة على الاتصال غير اللغوي، يؤكد أن مضمون الوحي لم يكن يتضمن موقفا اتصاليا تبادليا بين المرسل والمستقبل كما هو الأمر مع موسى". إنما يقوم المستقبل بتنفيذ الأمر فقط.
- الطريقة الثالثة لوحي الله للبشر هي الوحي غير المباشر عن طريق الملك (جبريل عليه السلام).
إن طبيعة الأسئلة التي طرحها المفسرون وعلماء القرآن، خصوصا باب أسباب النزول ومعناه، توصلت إلى أن القرآن كان مكتوبا في اللوح المحفوظ الأزلي، هذا ما أدى إلى نتيجتين- من منظور المؤلف):
1- المبالغة في قداسة/ أو تقديس النص اللغوي.
2- الإيمان بعمق دلالته وتعدد مستوياتها والتي تعبر عن الأزلي الواحد.
تبعا لذلك يستنتج المؤلف أن هاتين النتيجتين ساهمتا في استحالة النفاذ إلى مستويات معاني النص الحقيقية.
- تضح علاقة الاتصال بين طرفي الوحي حين تحدث العلماء عن "كيفيات النزول"؟
"تعد الرؤيا إحدى طرائق الوحي وهي طريقة تكون لغتها الصور الرمزية الدالة على معان تحتاج للتعبير والتأويل. ص 51.
4- القرآن والكتاب.
كلمة "القرآن" لا وجود لها الثقافة العربية لذلك اختلف حولها، وهناك دراسات تقول إن أصل الكلمة سرياني. فالكتاب كلمة وردت لتميز أهل الكتاب عن الأميين، أما دلالتها في الثقافة فهي الكتابة. بمعنى التدوين، لهذا نجد المؤلف ملحا أن الكتاب يشمل مرحلة تحول في الثقافة التي أنتجته بين مرحلتي؛ الشفاهة والتدوين. ففي هذه النقطة- إلى جانب ما قيل- يدافع المؤلف عن رأيه القائل إن النص يتشكل من الثقافة ويعبر عنها في الآن نفسه. بالإضافة إلى ذلك فإن الكتابة تمثل مفهوما غامض الدلالة في ثقافة شفهية.
يخلص المؤلف إلى أن الكتابة تحبل بالسر والغموض ولكنها تختلف عن الوحي لأنها أكثر سرية وغموضا. لهذا ف" إن النص هنا لا يفعل وحده بل تتحقق فعاليته بالإنسان الذي كان النص بالنسبة إليه رسالة وبلاغا". ص55.
5- الرسالة والبلاغ.
إن الرسالة الموجهة إلى الرسول كان الهدف منها هو البلاغ والإبلاغ، وإذا كانت الرسالة لغوية كما في القرآن، فإنه لا ينبغي تحريفها أو إبدالها؛ لأنها تنزيل ينبغي تبليغه إلى الناس عامة، وذلك يمر عبر الوسيط الأول (الملك) والوسيط الثاني من البشر (محمد صلى الله عليه وسلم).
- الفصل الثاني: المتلقي الأول للنص.
تحدث المؤلف عن المتلقي الأول للنص، وذلك من خلال البحث عما هو ثقافي داخل العلاقة التي يشكلها النص ومتلقيه الأول وعلاقتهما بالواقع والثقافة، وحضورهما داخل النص؛ لأن هذا الأخير في النهاية وليد ثقافته وواقعه، ثم يتحول بفضل آلياته مقوماته إلى محرك أساس للثقافة والواقع العربيين الإسلاميين.
عاد المؤلف إلى حياة النبي (ص) في فترات بداية الوحي –إن لم نقل قبل الوحي- التي تُنبئُ عن ظروف مجيء النص النص كحل لتلك الأزمات والمخاطر التي تتربص فيها الجزيرة العربية آنذاك، بسبب مضايقات الفرس والروم. لقد كانت النقطة الأولى للتصدي للعدو هي الدعوة إلى الوحدة، لعل هذا ما أدى بنفر من الناس يبحثون عن مصدر، ألا وهو دين إبراهيم الحنيف، والذي سيأتي الإسلام ليحل محله وتلبية لاحتياجات الواقع والثقافة آنذاك؛ لأن حماية الثقافة هي حماية للهوية العربية، علاوة على ذلك فإن المؤلف حاول أن يقدم مظاهر حضور الثقافة داخل النص، مقدما حججا وأمثلة يؤكد أنها تتثبت ما دعا إليه في أن النص يتشكل من الثقافة ويشكلها بفضل آلياته، كما ركز بشكل كبير على مستقبل الرسالة الأول، والظروف التي كانت تحضر ساعة التلقي، وبعض الحيثيات التي تحيط بالعملية (تلقي الوحي).
خلص المؤلف في نهاية هذا الفصل إلى أن الجدل والتفاعل عن طريق الحوار، هو الذي يتشكل من خلاله النص أولا، وبفضل آلياته الخاصة يعيد بناء يعيد بناء الواقع والثقافة من خلال مفردات الثقافة الموجودة في النص.
- الفصل الثالث: المكي والمدني.
أشار المؤلف في الفصل الثاني أن الجدلية التي يقيمها النص والواقع ليدخلا في علاقة تشكل (النص)/ تشكيل (الثقافة)، ستتضح أكثر بالعودة إلى باب من أبواب علوم القرآن (المكي والمدني)، وهو عنوان هذا الفصل. فلنتساءل إذن: ما الذي ستضيفه العودة إلى آراء العلماء القدماء لتأكيد مصداقية رأي المؤلف؟ ما الإضافات التي يمكن أن يقدمها المؤلف من خلال محاولته باحثا عن المسكوت عنه في آراء القدماء؟
يشير المؤلف إلى أن العودة إلى المكي والمدني ستمكننا من معرفة مرحلتين بارزتين ساهمتا في تشكيل النص، وهذا ما أهمله الخطاب الديني المعاصر، بمعنى القفز عن الزمان والمكان والتاريخ داخل النص. وتبعا لذلك، فإن التفرقة بين المكي والمدني في علوم القرآن من حيث الزمان والمكان يمدان الباحث بحقيقة تشكل النص من الثقافة السائدة آنذاك، وهذا ما أهمله القدماء رغم مجهوداتهم لينتهي بهم المطاف إلى اضطرابات مفاهيمية. إن " الاعتماد على المدخل الفقهي وحده في مناقشة قضايا المكي والمدني وأسباب النزول قد جعل علماء القرآن يقعون في مجموعة من الاضطرابات المفهومية خاصة فيما يرتبط بالحدود الفاصلة بين ما هو مكي وما هو مدني سواء من حيث المضمونُ أم من حيث البناءُ والتركيبُ. ص 76.
1- معايير التمييز بين المكي والمدني.
لقد اعتمد علماء القرآن على معيار مكاني للتفرقة بين مكاني الوحي؛ مكة والمدينة، ما أدى ببعضهم إلى القول إن ما نزل في مكة فهو مكي، وما نزل في المدينة فهو مدني.
اهتموا كذلك بما نزل في غير مكة والمدينة: ما نزل على الجبال بين السماء والأرض، وما نزل في الغار، وبين الليلي والنهاري...إلخ. فمن خلال هذه التفريقات المختلفة يبدو جليا أن الوحي-النزول –كيفياته وأسبابه- قد شغل بال علماء القرآن. أيمكننا أن نعد هذا الاختلاف في المعايير دليلا على عجزهم عن تقديم معيار صائب يمكنهم من التمييز بين المكي والمدني؟ وإذا كان الأمر كذلك، فما الذي جعل المؤلف يناقش آراءهم؟ هل يود أن يخبرنا أن المعيار الأساس لتمييز علمي بين المكي والمدني، هو الثقافة والواقع؟
إن ما انتقده المؤلف في تلك الآراء هو اعتمادها على معيار المكان دون اعتبار لأثر ذلك في النص من حيث مضمُونه أو شكلُه. ولعل هذا المعيار الذي اقترحه المؤلف للتصنيف " يجب أن يستند إلى الواقع من جهة وإلى النص من جهة أخرى" على اعتبار أن النص والواقع يتفاعلان فيما بينهما، وأن هجرة الرسول صلى الله عليه وسلم من مكة إلى المدينة لم تكن مجرد انتقال عبر المكان، إنما هناك مضمون ثقافي نتج عن بناء النص اللغوي، ويمكننا تلخيص ذلك في الآتي:
- الدعوة في مكة: لم تتجاوز الإنذار، لأن هذا الأخير يصارع المفاهيم القديمة، ويدعو إلى المفاهيم الجديدة.
- الدعوة في المدينة: حولت الوحي إلى رسالة، وهذه الأخيرة هي بناء أيديولوجية المجتمع الجديد.
وفي غياب معيار حاسم داخل الوثائق والنصوص التاريخية للصحابة والتابعين، فإن الأمر سيفتح باب الاجتهاد أمام العلماء، فذهبوا إلى أن:
- كل سورة فيها "يا أيها الناس" وليس فيها " يا أيها الذين آمنوا" فهي مكية وفي سورة الحج اختلاف. ص78. بالإضافة إلى المعيار الزمني يرى المؤلف أننا في حاجة إلى معيار النص نفسه، ذلك من خلال أسلوبه وبنائه.
2- معيار الأسلوب.
أشار المؤلف أن التركيز على الأسلوب من خلال طريقتين اثنتين سيساعدنا على التمييز بين المكي والمدني. وهاتان الطريقتان هما:
- طول الآيات المدنية مقابل قصر الآيات المكية (ابن خلدون). وهذا ما عمل المؤلف على تدعيمه من خلال أن الإنذار في مكة يتطلب أسلوبا مركزا، في حين أن الرسالة تحتاج إلى أسلوب مطول من أجل الإقناع، ومن أجل نقل معلومات. من هذه الخاصية –قصر المكي وطول المدني- انتقد المؤلف السيوطي؛ إذ زعم "وجود نصوص في القرآن تأخر حكمها عن نزولها، أي نزلت النصوص أولا، ثم فرض ما فيها من أحكام شرعية وفقهية في مرحلة متأخرة غير مقارنة لنزول النص. ص80.
- قضية الفاصلة داخل النص القرآني التي تقودنا إلى مقارنتها بالسجع عند الكهان، هذا ما جعل القدماء حارسين على الفصل بين النص والنصوص الأخرى الثقافية، أو بين النص والواقع.
3- منهج التلفيق بين الروايات.
كثيرا ما اعتمد القدماء على رصد أخبار الروايات وحقيقة السند، وحتى الذين اهتموا بالخطاب الديني المعاصر بنوا افتراضاتهم على آراء القدماء، حيث أورد المؤلف أن السبب في هذا التقليد والتبعية وجود قوى محافظة تقف أمام الذين حاولوا مخالفة الروايات، فكثيرا ما يقولون عن نزول بعض الآيات مرتين- مرة في مكة ومرة في المدينة- متوخين التوفيق بين الروايات، ومفترضين أن الآيات المكررة كانت معرضة للنسيان، وهذا ما يخالفه المنهج العلمي في العصر الراهن.
في كل نقطة تطرق المؤلف إليها في هذه الدراسة، فمن الطبيعي أن تبدأ بالكائن (ما خلفه السلف) ليقدم حلا وتصورا يراهما مناسبين، لهذا فإن النظر إلى جدلية النص والواقع يكشف لنا السياق العام للنص أولا، والتمييز بين المكي والمدني دون اللجوء إلى التلفيق بين الروايات ثانيا. وفيما تبقى من هذه النقطة بين المؤلف أن السيرة النبوية تطلعنا عن جدلية النص والواقع، قائلا: "إن السيرة النبوية تقوم في كثير من مروياتها بالربط بين أحداث الواقع وبين النص، ولذلك نعجب من تجاهل علماء القرآن لمرويات السيرة سواء في مجال التفسير أم مجال "أسباب النزول" ص86. ونحن نتساءل عن السبب الذي جعل علماء القرآن يقفزون عن مرويات السيرة؟ هل هذا ناتج عن تعدد رواتها؟ أم أن الأمر –بصدق- ينتظر مجيء المجددين ليطلعوننا عما خفي عن القدماء؟
4- تكرر النزول.
إن قول القدماء بنزول الآية مرتين يضعهم في إحراج أمام إشكال الاختلاف في مضمون الآيتين المتكررتين. فالقول بالنزول المتكرر كان من نتاج العالم المتأخر-من منظور المؤلف- العاجز عن اتخاذ موقف نقدي فيما قاله القدماء، ومن ثم يلجأ إلى التلفيق.
5- الفصل بين النص والحكم.
- تتحقق عملية الفهم في حالة سريعة كلمح البصر –من منظور ابن خلدون- يصعب معها تقرير الدلالة بعد الوحي، إنما ينزل الوحي وفقا للمدركات البشرية في تلك اللحظة. ومن ثمة يمكن القول إن شفرة الوحي هي من ثقافة المتلقي وواقعه الراهن. بناء على ما سبق، هل يمكن القول –مع القدماء- إن النص قد يسبق حكمه، أو العكس؟
هذا ما انتقده المؤلف مبينا أن العلاقة بين النص وحكمه تزامنية، وبمفهوم سوسير فهي سنكرونية (آنية).
خلاصة القول إن المؤلف يعارض الرأي القائل بأنه قد ينزل النص في مكة وحكمه –بعد ذلك- في المدينة، إنما قد ينزل النص وحكمه في آن واحد، وقد قدم النص أمثلة عديدة من النص نفسه والسيرة النبوية، مشيرا إلى أن أصحاب الخطاب الديني المعاصر أغفلوا السنة بقصد أو بغير قصد. لكن تزامن النص وحكمه يجعلنا نتساءل عما قيل في النقطة السالفة منذ بداية هذا الفصل، ذلك أن "المكي والمدني" يمثلان مرحلتين بارزتين ساهمتا في تشكيل النص؟
إن السؤال الذي فرض نفسه هو: إذا كان المؤلف قد اقترح -فيما سلف ذكره- معايير للتفرقة بين المكي والمدني من خلال الواقع من جهة، وعلاقته بالنص من جهة أخرى، فضلا عن النظر في أسلوب النص، فما الداعي إلى بحث المسافة الزمنية بين النص وحكمه؟
أشار المؤلف في نهاية الفصل الثاني أن باب "المكي والمدني" سبيل قد يطلعنا عن العلاقة بين النص والواقع، بين التشكل والتشكيل، ولعل هذا ما أهمله القدماء بوعي أو بغير وعي، إلى جانب كونهم وقعوا في خطأ القول بإمكانية الفصل بين النص وحكمه من حيث الزمان والمكان، وتعود مصدر هذا الخلط إلى:
1- الخلط بين الدلالات اللغوية والدلالات الشرعية.
2- رد تفسير معين للنص في رواية لا يستطيع العالم أن يردها لأنها منسوبة إلى صحابي أو تابع من التابعين، وتكون دلالة هذا التأويل أن الآية "مدنية"، ومن ثم لا يجد العالم حلا لهذا التعارض سوى التوفيق بافتراض تأخر النص عن الحكم".ص94.
3- الخلط بين مناسبة النزول وسياق آخر يعاد فيه الاستشهاد بالنص مرة أخرى، ويأتي العالم للقول بإمكانية تقدم نزول النص على حكمه ومناسبته. ص94.
خلُص المؤلف في هذا الفصل إلى أن التفريق بين المكي والمدني ليس تفريقا حاسما، إنما نجد سورا مدنية تشبه خصائص الصور المكية. كما أنه أشار إلى أن تطور حركة الواقع يسهم في تطور دلالة النص، علاوة على جدل العقل الإنساني (المفسر) مع النص.
- الفصل الرابع: أسباب النزول.
يعد "علم أسباب النزول" من أهم العلوم التي تؤكد جدلية النص والواقع. لقد كان بإمكان المؤلف أن يتجاوز التنقيب في أسباب النزول، حتى يوفر عليه عناء البحث والتنقيب عما يثبت وجود الثقافة داخل النص؛ لأن علماء القرآن أنفسهم يؤكدون أن النص نزل منجما وليس مرة واحدة. وفي كل مرة يكون هناك سبب من الحياة الاجتماعية حيث يكون الرجل رفقة الذين يدعوهم إلى الإسلام، أو الاندماج في الواقع الجديد، فكثيرا ما يطرحون عليه أسئلة ليتأكدوا من نبوته، لذلك ينزل الله تعالى آيات في هذا السياق. إذن، إذا كان علماء القرآن أنفسهم –كما أشار المؤلف- أكدوا أن المفسر لكي يفهم الآيات أن يكون على معرفة بالوقائع التي سببت في نزول هذه الآيات، فلماذا أغفلوا دور الواقع في تشكيل النص؟ هل أدركوا أن النص نزل في بعد عن الزمان والمكان والواقع؟ أم أن التغاضي عن كون النص من إنتاج الواقع كان نتيجة للتصور الذي شكله النص نفسه داخل عقولهم؟ وإذا كانت أسباب النزول تشي بمصداقية أن الآيات تنزل كاستجابة لسبب ما، فما الذي سيضيفه المؤلف في هذه النقطة؟
1- علة التنجيم.
كان علماء القرآن متفقين أن النص نزل منجما، إلا أن المشركين كانوا في ريب من ذلك، وهذا طبيعي، حيث إنهم رأوا أن الكتب المنزلة على الأنبياء السابقين نزلة جملة كاملة. وتتجلى إضافة علماء الكلام في دأبهم على تقديم تعليلات لذلك، من بينها:
- كون الله يراعي شخصية المُستقبل الأول نظرا لكون النص طويلا ويصعب حفظه جملة واحدة، والسائد آنذاك هو الشفاهة.
أما من جهة المؤلف فإنه يشير إلى أن علماء القرآن أغفلوا مراعاة حال شخصية المخاطبين أيضا، حيث قال: إن مراعاة حال المتلقي ليست مجرد مراعاة لعوامل شخصية ذاتية بقدر ما هي مراعاة لحالة عامة يدخل فيها المتلقي الأول جنبا إلى جنب مع المخاطبين بالنص(ص98)، وبهذا يفسر المؤلف علة التنجيم مضيفا مراعاة الله لحال المخاطبين بالنص؛ لأنه –في النهاية- موجه إليهم.
أشار كذلك إلى أن النص –في نظر علماء القرآن- يستجيب لأحوال المتلقي الشخصية الذاتية، فإنه سيراعي أيضا أحوال المخاطبين بالنص، لأنه لا يمكن الفصل بين المتلقي الأول والمخاطبين. لكن، ومن جهتنا نتساءل: إذا كان علماء القرآن قد أدركوا أن النص يستجيب لأحوال المتلقي الأول الذاتية، فلماذا لم يدركوا أن النص قد يستجيب أيضا لأحوال واقعه وثقافته؟ ونضيف إلى سؤالنا هذا سؤالا مهما من جهة قول المؤلف: إن السؤال الذي يتبادر إلى الذهن من منظور ديني هو: لماذا كان التنجيم مراعاة للوقائع والأسباب، والله سبحانه وتعالى عالم بالوقائع كلها جملتها وتفاصيلها قبل أن تقع؟
يبدو جليا أن الدافع وراء طرح هذه المعضلة، هو أن المؤلف قد أشار إلى قضيته منذ البداية؛ وهي أن النص من الواقع وإلى الواقع، لذلك نجده يقدم حججا أحيانا تكون دينية، وأحيانا أخرى تكون منطقية عقلية يستنبطها من خلال تأويلاته المسلحة بمناهج علمية حديثة ومختلفة، ومنه، يمكن القول إن المؤلف يواجه التراث الذي خلفه علماء القرآن بالاعتماد على مقاربة تأويلية تجعل الباحث في محك عسير مع التراث والعصر الراهن، لكن يكفي أن نعود إلى المقدمة لنستشف ما أشار إليه المؤلف بخصوص مفهومي القرآن والإسلام. حيث وصلنا الفصل الرابع من هذه الدراسة، ولا زال المؤلف يدور في فلك النص تنقيبا واستقصاء لمفهوم النص داخل الخطاب الديني عامة، وكتابي الزركشي والسيوطي خاصة. ومما عهدناه عن المؤلف أنه يطرح أسئلة مصدرها إعادة قراءة ما أنتجه السلف، وأحيانا نعثر عنده على تسميات مثل؛ الاتجاهات الرجعية، لأن هذه الأخيرة –حسب المؤلف- نتجت عن قوى دينية مسيطرة على الواقع الاجتماعي، وهذا الوضع يرتد إلى أسباب عدة، حتى وإن اختلفت فإنها تؤدي إلى النتيجة نفسها، وهي فصل النص عن الواقع. أورد المؤلف: يستند الفصل بين النص والواقع إلى الاتجاهات الفكرية التي سيطرت على التراث معطيا لإيديولوجيته مشروعية تاريخية، ومضيفا عليها قداسة تحرم الآخرين من حق مناقشتها ومواجهتها" ص100. إذا كانت قداسة النص الدافع وراء تحريم السلطة الدينية من مناقشته من قبل آخرين، فإنه –من منظورنا- يمكن مناقشة النص دون أن نطعن في قداسته، أو نقول بنزعها لأنه في نهاية المطاف يبقى النص كلاما إلهيا.
خلاصة القول إن ما قدمه المؤلف في هذا السياق لا يعدو أن يكون تأويلات عبارة عن قراءة جديدة ونظرة مخالفة للمسلمات السائدة لدى القدماء، كما أنه تطرق لأمور نجدها في كتب علوم القرآن بشكل جلي، محاولا من خلالها بيان أوجه الصواب والخطأ فيها. ومن أمثلة ذلك قد قدم آيتين اُختلف حولهما في أسباب النزول وكيفياته؟ وهل تبين هاتان الآيتان أن النص نزل جملة؟ والآيتان هما:
"شهر رمضان الذي أُنزل فيه القرآن" (البقرة، الآية 185).
"إنا أنزلناه في ليلة القدر" (القدر، الآية 1).
إن ما فهم من الآيتين أعلاه هو بداية النزول، ومن منظور المؤلف فإن هذا ما يتلاءم مع الواقع، وأن ما سوى هذا الرأي يبقى افتراضا ذهنيا، وإن ما يدعوه علماء القرآن افتراضا فإنه الحقيقة، وما يرونه حقيقة هو افتراض يدعمونه بالروايات.
وقد يعترض القائل على ما أورده العلماء من آراء حول آية "إن أنزلناه في ليلة القدر" بحجة أن القرآن نزل جملة. فأغلب الآراء تُرجح أن القرآن نزل من اللوح المحفوظ الأزلي جملة إلى السماء الدنيا، وبعده قام جبريل بإنزاله إلى الأرض منجما، لأسباب قمنا برصدها مع المؤلف فيما سلف. لهذا نرى –وخلافا لم ذهب إليه المؤلف من تأويلات- أن ما يبرر صيغة الأمر في الآية هو كون القرآن نزل جملة في الماضي إلى السماء الدنيا، وما نجده في النص من دلالة على المستقبل؛ فإننا يمكن تفسيره من حيث قوةُ النص، ذلك، أنه قادر على الجمع بين ما وقع في الأمم السابقة –الكتب السماوية السابقة- وما يحدث في ظروف نزوله منجما، وما سيحدث مستقبلا، ولعل هذا ما يجعلنا نخلص إلى نتيجتين قد تكونا بمثابة اختلاف لنا مع ما ذهب إليه المؤلف في هذا الصدد، وهما:
1- إن القرآن كنص يتميز عن غيره من النصوص، كونه قادرا على التعبير عن المستقبل، وذلك باستشراف الغيبيات، وهذا ما لا نجده في غيره من النصوص البشرية، حتى وإن اتفقنا –شيئا ما- مع المؤلف في كون النص لغويا، بشريا، شأنه شأن النصوص الأخرى؛ فإن حضور المصدر الإلهي ينزهه عن هذه المقارنة. أضف إلى ذلك أن كون النص نزل منجما، وكما أشار المؤلف أن سبب ذلك هو تعبيره عن الواقع، فإننا نتساءل قائلين: ما مضمون اللوح المحفوظ؟ وهل يخالف ما ورد في النص، أم أنه يطابقه؟ وإذا كان مطابقا له، فما علاقة اللوح المحفوظ بالثقافة والواقع؟ وهل ما قاله المؤلف عن النص –كونه يتشكل من الثقافة ويشكلها- فمن ماذا تشكل اللوح المحفوظ؟ هل من الثقافة أم لا علاقة له بالواقع؟
قد يبدو أننا بالغنا في أسئلتنا أعلاه بدعوى أنها تدخل في الغيبيات، إلا أننا نتساءل: لماذا لم يقارب المؤلف مثل هذه الأسئلة؟ لماذا لم يتساءل عن إمكانية وجود الثقافة في اللوح المحفوظ؟
عموما تظل الأسئلة مجرد ملاحظات تم استنباطها من خلال القضايا المهمة التي تطرق إليها المؤلف في دراسته هذه.
2- كون النص يعبر عن صيغة الماضي والحاضر والمستقبل، فإنه دلالة على كونه استمراريا وحركيا، وصالحا لكل زمان ومكان، وأن الثقافة أسهمت في تشكيله إذا قلنا بما ورج في "أسباب النزول"، وهذا يجعلنا نتفق مع المؤلف –أيضا- في كون النص يشكل علاقة جدلية مع واقعه.
لكن، لماذا لم يقم الباحث برصد حضور الثقافة في النص منذ نزوله –كما نجد في السيرة- إلى حدوث الوقت الذي كان المؤلف يتناول هذه القضايا؟ ألا يمكن أن يجد المؤلف سندا للفكرة القائلة بأن: النص يتحدى الزمان والمكان، ذلك من خلال البحث عن القضايا الراهنة داخله، سواء أكانت ثقافية أم دينية، أم اجتماعية؟ هل يمكننا القول إن الثقافة داخل النص حركية استمرارية مطاوعة إلى حركية النص ومرونته؟
يشير المؤلف إلى أن كل الآراء حول تنزيل النص مجملا لم يكن موجودا –كما زعم العلماء- حيث قال: والحقيقة أنه لم يكن ثمة نزول مجمل للنص من مكان إلى آخر وراء عالم الأرض عالم الوقائع والجزئيات، ذلك أن مثل هذا التصور لا تعارضه الآية محور النقاش فقط، بل يعارضه "النسخ" وإزالة حكم النص ومنطوقه. وصيغة الماضي الواردة في الآية محور النقاش صيغة دالة بحقيقتها من حيث ابتداء النزول أولا ومن حيث الموقف الاتصالي –حال الاتصال كما ورد في السابق- ثانيا.
لقد كان موقف الفقهاء والأصوليين من "أسباب النزول- هو الموقف الأكثر نضجا كما يتجلى ذلك من مناقشتهم للحكمة من وراء التنجيم وأهميته بالنسبة لاكتشاف دلالة النص". إذن؛ فإن الهدف من معرفة أسباب النزول هو فهم النص واستخراج دلالته، بناء على ذلك، يظل البحث عن الحقائق التاريخية المحيطة بتشكل النص مجرد وسيلة للوصول إلى دلالة وفهم موضوعيين للنص. ولعل هذا ما أكده المؤلف: إن معرفة أسباب النزول ليست مجرد ولع برصد الحقائق التاريخية التي بتشكل النص، بل تستهدف هذه المعرفة فهم النص واستخراج دلالته. (ص102).
- إذا كانت الوقائع غير منتهية، "والواقع في حركة مستمرة سيالة، والنصوص محدودة فإن اللغة قادرة على التجريد والتعميم. إن استيعاب النصوص للوقائع الجديدة لا بد أن يستند إلى "دوال" إما في بنية النص وإما في السياق الاجتماعي لخطابه أي في أسباب النزول" (ص103). نستنتج من هذا القول النتائج الآتية:
1- الواقع غير محدد مقابل محدودية النص.
2- كون النصوص تستوعب الوقائع الجديدة من خلال قدرة اللغة على التعميم والتجريد.
3- يستوعب النص الوقائع الجديدة باعتماد دوال في بنيته، وإما في السياق السياق الاجتماعي لاستيعاب الوقائع الجديدة، فإنه يجعلنا نتساءل؛ هل السياق الاجتماعي للنص هو نفسه سياق الوقائع الجديدة؟ وإذا كان الجواب بالإيجاب؛ فإننا نتساءل: هل الواقع حركي، أم أنه جامد لا يتحرك؟
- إن الحديث عن الدلالة بين عمومية اللفظ وخصوصية السبب، جعلت المؤلف يعود إلى نظرة العلماء والأصوليين في ذلك، حيث إنه أورد نصوصا لهذا الغرض، وأشار أيضا أنه لا يمكن أن نهتم بعمومية اللفظ وأن نهدر خصوصية السبب؛ لأنه هناك مجموعة من الآيات التي نزلت بلفظ عام، إلا أن دلالتها وسببها ليسا خاصين إنما تدل على جوانب عديدة من الدلالة، لذلك فإن اللغة هي نظام ثقافي خاص، ولهذا يمكن أن نجد اللفظ عاما، ودلالته خاصة، وهذا محط اختلاف علماء الفقه.
- بمجرد أن ننطلق من البنية اللغوية لنفهم دلالة النص، فإننا نجد " أن دلالة النص تتكشف من خلال تحليل بنائه اللغوي أولا ومن خلال العودة إلى سياق إنتاجه ثانيا، وأن إهدار أحد الجانبين يعوق المفسر عن اكتشاف الدلالة والمعنى. (ص108).
- تحديد سبب النزول.
لما كانت الوقائع متعددة يصعب معها تحديد "سبب نزول" نص بعينه، خاصة إذا تضاربت الروايات وتعدد فيها ذكر وقائع مختلفة ومتباعدة بوصفها سبب نزول نص بعينه.
تمكن معرفة أسباب نزول نصوص القرآن المفسر من فهم النص أولا، ثم الغوص في دلالته ثانيا، ولعل هذا ما جعل الحسم في تحديده أمرا عسيرا على علماء القرآن، لهذا يرى المؤلف أن من حق الباحث المعاصر أن يفتح باب الاجتهاد، وتبعا لذلك، فإن التغاضي عن علم أسباب النزول ينتج عنه القضاء على النص أولا، وإهدار بعده الثقافي ثانيا، لأنه في النهاية يظل سبب النزول هو السياق الاجتماعي للنص، وهذا ما شكل معضلة أمام علماء القرآن ليلجئوا إلى الروايات والسند عمن عاصروا نزول الوحي.
- الفصل الخامس: الناسخ والمنسوخ.
دائما نرصد أفكار المؤلف في البحث عن الواقع والثقافة داخل النص، ولعل اللجوء إلى الناسخ والمنسوخ يبرز الوجه الآخر مما أغفله القدماء الذين بذلوا جهدا كبيرا، لكنه –ومن منظور المؤلف- لا يخلو من أخطاء وإخفاقات لذلك فإن الإشكاليتين اللتين تحاشى الفكر الديني السائد مناقشتهما هما:
1- كيف يمكن التوفيق بين هذه الظاهرة في النص، وبين ما يترتب عليها من تعديل للنص بالنسخ والإلغاء وبين الإيمان الذي شاع واستقر بوجود أزلي للنص في اللوح المحفوظ؟
2- إشكالية جمع القرآن في عهد الخليفة أبي بكر الصديق؟
- انطلق المؤلف من تحديد مفهوم النسخ انطلاقا مما ورد عند علماء القرآن والنصين اللذين يستدل بهما، ليخلص إلى أن النسخ هو إبدال نص بنص مع إبقاء النصين، وهذا مبرر البحث في الوظيفة التي يمثلها النسخ.
إلا أن النسخ في اللغة له معان عديدة، والتي لم يذكرها المؤلف في إطار حديثه عن معنى النسخ. ومن معانيه:
"الرفع والإزالة نوعان إزالة إلى بدل: وهي عبارة عن إبطال شيء وإقامة آخر مكانه... وإزالة إلى غير بدل من غير تعويض عن المنسوخ وهي عبارة عن رفع الحكم وإبطاله (..). ب- بمعنى النقل والتحويل: وهو نقل مع بقاء الأول" (ابن شاهين: الناسخ والمنسوخ من الحديث، دار الكتب العلمية بيروت-لبنان، ط1، ص 6. تحقيق الشيخان: علي محمد معوض، وعادل أحمد عبد الموجود). ولعل هذا المعنى الثاني ما وقف عنده المؤلف حيث قال: ويكون عند ذلك معنى النسخ هو إبدال نص بنص مع بقاء النصين. (ص120)، إذن: كيف تساعدنا معرفة وظيفة النسخ في تحديد أنماطه؟
من المتفق عليه أن وظيفة النسخ هي التدرج والتيسير في التشريع، لأن الله تعالى يراعي متطلبات الواقع؛ إذ إن تحريم الخمر، مثلا، لم يأت حكما واحدا، إنما أتى على ثلاث مراحل، وذلك بالنظر إلى حالة المعنيين بالأمر الذين لم يستقر الإسلام في نفوسهم بعد لسماع حكم التحريم. وتبعا لذلك فإننا نشاطر المؤلف في كون النص تعبيرا عن الواقع ومتطلباته.
إلا أن الحديث عن وظيفة النسخ يقود إلى الحديث عن أنماطه.
إن القول بالإزالة التامة للنص المنسوخ قد لا تتعارض مع وظيفة التيسير والتدرج كما زعم المؤلف، إنما تكون الآية ذات حكم مفيد في زمانه وواقعه، ولأن الواقع كما يعرفه المؤلف "حركة مستمرة سيالة دافقة" فشيء طبيعي أن ننسى بعض النصوص التي لم تعد صالحة من منظوره جلا جلاه، استنادا لقوله تعالى: "ما ننسخ من آية أو ننسها نأتي بخير منها أو مثلها" (البقرة، الآية 106).
نحن في هذه النقطة التي سنبني عليها اختلافنا مع المؤلف في هذا الصدد، فإننا لن ننطلق من البحث عن دلالة الآية داخل سياقها، لأن المؤلف تحدث عن ذلك والمفسرين قبله، إلا أن الإزالة تكون لشيء لم يعد حكمه صالحا لمقتضيات الواقع، فالله تعالى يعلم كل كبيرة وصغيرة، لذلك فإنه بما هو نافع على حساب إزالة ما انتهى حكمه –هذا إذا كان المقصود من "ننسها" هو الحذف- مراعاة منه سبحانه لمتطلبات الواقع والخاطبين.
- أنماط النسخ.
استهل المؤلف هذه النقطة بسؤال حيث قال: هل يجوز أن ننسخ نصوص من القرآن بنصوص من السنة؟ وقد اختلف العلماء في هذا السؤال حتى انقسموا إلى مؤيدين ومعارضين وإلى الذين يحاولون التوفيق بين القرآن والسنة كما ذهب إلى ذلك الشافعي. هذا ما أيده المؤلف بقوله: إن السنة الصحيحة الموحى بها تفسر القرآن وتوضحه ولكنها لا تلغي أحكامه" (ص123). مع مراعاة الخطورة المترتبة عن التسوية بين القرآن والسنة؟
- إذا كانت السنة مصدرا تأتي بعد القرآن في الأهمية، فهل يمكن البحث عن الواقع والثقافة داخل السنة؟ ألا يمكن القول إن التسوية بين النص والسنة قد ينقص من قيمة النص؟ وكيف حدد علماء القرآن الناسخ والمنسوخ في السنة والقرآن؟ وكيف يتم التعرف إن كان القرآن منسوخا والسنة ناسخا، والعكس؟ هل وضع علماء القرآن معايير لقضية النسخ بين القرآن والسنة؟ وما الإسهامات التي قدمها المؤلف لحل هذه المعضلة؟
- من منظور التسوية بين القرآن والسنة يورد المؤلف التصنيفات التي حددها العلماء للآيات الناسخة والمنسوخة تدور حول الأنماط الآتية:
1- الآيات التي نُسخت تلاوتها وبقي حكمها.
2- الآيات التي نُسخ حكمها وبقيت تلاوتها.
3- الآيات التي نُسخ حكمها وتلاوتها معا.
وهذه هي الأنماط التي أحصاها علماء القرآن، إلا أنهم قد أضافوا بعض الأمور لباب الناسخ والمنسوخ، كأن يقع في نصوص الأمر والنهي...إلخ، علاوة على أنهم لم يخرجوا قط عن حدوث المرويات دون محاولة نقدها، وقليلا ما يجتهدون. لعل هذا ما أدى بالمؤلف إلى الشك في مصداقية النص حين قال: "وما دام النسخ ممكنا بعد وفاة الرسول فإن ذلك يفتح الباب واسعا أمام الشك في مصداقية النص لا من الوجهة الدينية فحسب بل من الوجهة الثقافية أيضا" (ص128).
إذن ما خطورة النسخ على النص؟ وما العلاقة بين النسخ وأزلية النص؟
إن ما أشار إليه المؤلف في إطار حديثه عن خطورة النسخ –خصوصا نسخ التلاوة وحذف النص- على أزلية النص كما زعم العلماء، ذلك أن النص يوجد في كتاب محفوظ "لا يقربه إلا المطهرون". ومنه فإن هذه المعضلة لم ينتبه إليها السابقون، إلا أن المؤلف وضع إصبعه على الجرح، وهذا ما سبق لنا طرحه في أسئلة إزاء حديث المؤلف عن التنجيم في النص، ومن ثمة ألا يمكن القول إن النسخ في النص يؤدي به إلى الاختلاف مع ما يوجد في اللوح المحفوظ؟
يقول المؤلف: فإن نزول الآيات المثبتة في اللوح المحفوظ ثم نسخها وإزالتها من القرآن المتلو ينفي هذه الأبدية المفترضة الموهومة. (ص131). لكننا نتساءل عن الكيفية التي يتم بموجبها القضاء على فكرة أزلية النص في إطار النسخ؟
- نتج عن تعدد المرويات وتضارب آراء العلماء إلى التشكيك في تصورهم الأزلي للنص في اللوح المحفوظ وإلى القضاء على مفهوم النص ذاته، وهذه خلاصة المؤلف في هذه النقطة.
- الباب الثاني: آليات النص.
الفصل الأول: الإعجاز.
الغاية من بحث مفهوم الإعجاز هو بيان فيما يختلف فيه النص باقي النصوص في الثقافة العربية، لهذا يعد المؤلف: "السجع" نقطة اشتراك بين النص وغيره من النصوص، بهذا يكون المؤلف قد أزاح مفهوم القداسة عن النص، ويرد إعجازه إلى اللغة، لأنه يحتوي على دوال تنزهه عن النصوص الأخرى.
- أورد المؤلف عن ابن خلدون أن معجزة النص هي في "اتحاد الدال والمدلول" ليخلص المؤلف أن هذا يعني أن الوحي كدليل لا يحتاج إلى مدلول خارجي يبين صدقه. وهذا عكس باقي الرسالات التي يلجأ النبي إلى شيء خارق للعادة لإثباتها؛ كأي يبرئ المرضى ويحيي الموتى، أما الدعوة والرسالة في الإسلام فلم يكونا في حاجة إلى مثل هذا الدليل الخارجي. بناء عليه فإن حالات الوحي سواء في الإسلام أو في حالات الوحي السابقة لا ينبغي أن تفترق مع الواقع وحدود الثقافة التي ينزل فيها الوحي. لقد ضرب المؤلف أمثلة لإثبات العلاقة بين الوحي والثقافة المنزل فيها:
- معجزة عيسى: كانت موجهة لثقافة تتميز بالتفوق في علم الطب.
- معجزة موسى: موجهة لثقافة كانت متفوقة في السحر.
- معجزة محمد: موجهة إلى العرب الذي عرفوا بالتفوق في الشعر، لذلك كانت المعجزة نصا لغويا هو ذاته نص الوحي.
1- القرآن والشعر.
إن العلاقة بين القرآن والشعر ليست علاقة تعارض، إنما هي موقف أيديولوجي حيث إنه يقبل ما يتفق معه ويرفض ما يخالفه. وحتى يؤكد المؤلف رأيه، الذي يدل على أن النص يساوي باقي النصوص البشرية عامة، والأدبية خاصة. إذ أشار إلى: لقد كانت القضية أخطر من مجرد التحليل والتحريم، كانت محاولة النص فرض هيمنته وسلطانه على الواقع والثقافة... يرفض النصوص التي تعارضه ويهاجمها".(ص140).
قد يأتي قائل ويقول إن المفسرين يلجئون إلى الشعر لتفسير آي القرآن، هذا لكي يؤكدوا فكرة التساوي بين النص والنصوص الأخرى، فما دام المؤلف قد استشهد بطه حسين حول كون القرآن يبقى قرآنا، فإن قصد طه حسين –في الحقيقة- في كتابه "في الشعر الجاهلي" أنه ينبغي العودة إلى القرآن لفهم الشعر. من هنا نتساءل: عن أي شعر يتحدث المؤلف؟ وما مصدر هذا الشعر؟ ألا يمكن القول إن المقارنة بين النص والشعر –الذي شُكك في مصداقيته- يعد ضربا من العبث؟ لم لم يناقش المؤلف الدوافع التي جعلت طه حسين إلى القول بأن القرآن "ليس شعرا ولا نثرا، ولكن قرآن"؟ خاصة أن هدف المؤلف لا يختلف عن هدف طه حسين، فإذا كان المؤلف يهدف إلى بحت العلاقة بين النص والنصوص الأخرى –الشعر خاصة- فإن طه حسين يبحث في مصداقية هذه النصوص الأخرى.
2- القرآن والسجع.
لقد اتخذ الإسلام موقفا من السجع حيث إنه قام برفضه وقبوله في الآن نفسه. يُقبل إذا كان يؤكد صدق النبوة، ويرفض لأنه غير مماثل للنص.
"إن موقف الإسلام من الكهانة مماثل لموقف النص من السجع أو الفاصلة، موقف القبول أولا ثم الرفض بعد ذلك، وتلك هي جدلية القرآن مع الواقع وجدلية النص مع النصوص الأخرى في الثقافة. (ص145).
- إذا كان الإعجاز نابع من الجمع بين الدليل والمدلول من حيث البناءُ الداخلي للنص، فما الدواعي التي أدت بالعلماء إلى البحث عن الإعجاز خارج النص؟ وإذا كانت النصوص تشاطر النص من حيثُ اللغةُ، فأين يكمن إعجازه إذن؟
يبدو لنا من خلال ما تطرق إليه المؤلف في هذا الصدد أن الفصل بين النص والنصوص الأخرى بات ضروريا، لهذا فإن الإعجاز لم يأت من داخل النص في البداية، إنما عندما تحدى القرآن العرب، كانت المعجزة إلهية أي أن تدخل القدرة الإلهية منع العرب من الدخول في التحدي، وأشار إبراهيم النظام المعتزلي إلى أن العرب لولا تدخل القدرة الإلهية لأتوا بمثل القرآن، إذن، فإن الإعجاز يكمن في مضمون النص لا في شفرته اللغوية، لأنها –كما قال المؤلف- مشتركة بين النصوص.
- الفصل الثاني: المناسبة بين الآيات والسور.
يمثل علم المناسبات بين الآيات من جهة وبين الصور من جهة أخرى علما من علوم القرآن، شأنه في ذلك شأن أسباب النزول، فإذا كان هذا الأخير يبحث في بعد تاريخي، فإن علم المناسبة يبحث فيما هو أسلوبي، وبما أن النص القرآني يشكل كلا ووحدة فإن علم المناسبة يبحث في العلاقات بين الآية والآية الأخرى، وبين السورة والأخرى. وبهذا تكون" وحدة النص القرآني بوصفه بناء مترابط الأجزاء" –على حد تعبير القدماء- هي الغاية التي يبحث عنها علم المناسبة. (ص161).
إن أول ما انطلق منه البحث في المناسبة هو العلاقة بين السور والآيات، وكيف تنتظم الآيات داخل السورة، لأن فيذلك حطمة قد يصعب على الإنسان معرفة كل مضامين الآيات. فالفاتحة، مثلا، سميت بأي الكتاب لأنها تضم قضايا الإسلام الكبرى: التوحيد والتذكير والأحكام. "إنها بمثابة الافتتاحية".(ص162).
إذا كانت مناسبة سورة الفاتحة تفيد الحديث عن أم علوم القرآن سميت بأم الكتاب –انطلاقا من مناسبة معلومة- فإن السؤال المطروح هو: كيف تعامل علماء القرآن مع الآيات المختلفة قضاياها من حيث الزمان والمكانُ؟ إذا كانت أسباب النزول تطلعنا أن بعض الآيات نزلت في أماكن مختلفة، وأن أنواع الوحي متعددة، إذن كيف تم جمع هذه الآيات في سور؟ إذا كان الأمر توقيفا من الله، فكيف نتعامل مع الجدلية التي يقيمها النص مع الواقع؟ وماذا نقول عن السور التي تنزل كاملة؟
إن المناسبة بين السور من حيث المضمون، أشار المؤلف إلى أن العلاقة الخاصة بين سورة "الفاتحة" وسورة "البقرة" هي أقرب إلى أن تكون علاقة أسلوبية لغوية، في حين تكون العلاقات العامة علاقات في المضمون والمحتوى.
لقد أسهم المؤلف في نقطة خاصة –من دراسته علم المناسبة- أنه قام برصد آراء علماء القرآن حول ترتيب الصور داخل المصحف، فخلُص إلى أن السور يترابط بعضها ببعض، بحيث إن الثانية تكون جوابا عن الأولى (البقرة/الفاتحة)، والثالثة تضم الجواب على شبهات الخصوم...إلخ.
ومنه فإن الاتصال بين السور يكون على مستوى:
- اتصال لغوي دلالي (الفيل وقريش)
- اتصال من حيث المضمون والمحتوى (الفاتحة، البقرة)
- اتصال من حيث الإيقاع يعتمد على تناغم الفاصلة الأخيرة في سورة "المسد" مع فواصل سورة "الإخلاص". ص168.
علاقة التقابل بين سورتي الماعون والكوثر.
- الماعون/ الكوثر: البخل(إنا أعطيناك الكوثر)، ترك الصلاة(فصل)، الرياء(لربك)، منع الزكاة(وانحر).
بعدما انتهى المؤلف من المناسبة بين السور والتي تحقق للنص وحدته العامة، ينتقل إلى استقراء المناسبة بين الآيات، ذلك من خلال البحث عن العلاقات من النص ذاته، بمعنى أن "النص شاهد على نفسه" ولعل ما يشوب المناسبة بين الآيات من صعوبات كبيرة، هو ما جعل العلماء –حسب المؤلف- يعرضون عن مناقشته.
في سبيل الاختلاف بين علم المناسبة وعلم الأسباب، أشار المؤلف إلى:
"لذلك يحرص العلماء على الفصل بين علم المناسبة، وعلم الأسباب من حيث إن كل واحد منهما ينظر إلى النص من زاوية خاصة. ينظر علم الأسباب للنصوص من حيث دلالتُها على الوقائع وارتباطها بها، وينظر علم الأسباب(3) للنصوص من حيث علاقاتها اللغوية والأسلوبية أو العقلية أو الذهنية. ص 175.
- الفصل الثالث: الغموض والوضوح.
من خلال رصدنا لهذه الفصول منذ البداية تبين لنا أن المؤلف تحدث عن: المكي والمدني، والناسخ والمنسوخ، وأسباب النزول، حيث إن استنتج أن النص يقيم جدلا مع الواقع، وأنه يختلف عن النصوص الأخرى من حيث مضمونُه. ليأتي الحديث عن باب آخر أو كما يسميها المؤلف آلية من آليات النص، وهو "المحكم والمتشابه". وأشار كذلك إلى النص يختلف مع ذاته من خلال ثنائية الوضوح والغموض، فالمقصود بالأولى المحكم من النص، بمعنى أنه واضح لا يحتمل التأويل، أما الثانية فهي المتشابه، وهو ما ينعت بالغموض ويحتمل التأويل. وهذه سمة من سمات النص. أما علماء القرآن فإنهم حاولوا رد الغموض إلى الواضح، أي رد المتشابه إلى المحكم.
1- المنطوق والمفهوم (ندرة النصوص).
إن الحديث عن المنطوق والمفهوم هو حديث عن كلام منطوق وعن المعنى الذهني الذي يحدثه عند المتلقي، فأن نجد نصوصا يتفق منطوقها مع مفهومها شيء نادر. لهذا اتخذ علماء القرآن مشارب عدة للبحث عن الدلالة، ما يجعل المجال فسيحا أمام القارئ والنص.
يخلص المؤلف من الحديث عن المنطوق والمفهوم وندرة النصوص قائلا: إن هذا التعدد في طرائق الدلالة اللغوية يعكس إحساس القدماء أن طرائق الدلالة اللغوية تخالف طرائق الدلالة الأخرى مخالفة اللغة لغيرها من أنواع الدلالات. من هنا نفهم حصرهم مفهوم "النص" في التركيب اللغوي الدال بمنطوقه على مفهومه دلالة مباشرة واضحة ليس فيها احتمال. ص181.
2- المجمل.
" المجمل يقف في الطرف الآخر من النص وهو طرف الغموض كما سبقت الإشارة. فانطلاقا من حضور الإجمال على مستوى النص، يبدو جليا أنه نوع من الغموض الذي يجعل النص قابلا لتأويلين لا يتعارضان. ص182.
يقول تعالى: "ولا يضار كاتب ولا شهيد"
- القراءة الأولى: ولا يُضاررْ على البناء للمعلوم.
- القراءة الثانية: ولا يُضارَرْ على البناء للمجهول.
كلتا القراءتين تحتملهما الآية.
3- الاختلاف الذي يوهم التناقض.
إن مصدر الاختلاف داخل النص ناتج عن التكرار، حيث إننا نجد آيات تتكرر خصوصا إذا تعلق الأمر بالقصص القرآني، فكثيرا ما نجد قصص بعض الأنبياء تتكرر داخل النص، كقصة موسى عليه السلام، وإبراهيم وغيرهم. إلا أن تكرار بعض الآيات رغم الاختلاف فإنه يضيف دلالة للنص، ومنه فإننا نتساءل عن: الإضافات التي يقدمها التكرار للنص من حيث الدلالةُ؟ هل يفيد التأكيد؟ وكيف يتعامل المفسر مع تكرار الآيات؟ ألا يؤدي التكرار إلى صعوبة في الفهم؟ وكيف يتم ترتيب الآيات المتكررة داخل النص؟
يجيبنا المؤلف بأن الاختلاف –إن وجد- يوهم بالتناقض، وأن النص –بالأحرى- ليس فيه اختلاف إنما تأويلات المفسرين هي التي تختلف.
4- الحروف المقطعة في أوائل السور.
اهتم علماء القرآن بالحروف المقطعة الافتتاحية في أوائل السور، وقدموا تأويلات عدة أوردها المؤلف في دراسته، فمنهم من انطلق مما روي عن اليهود إذ إنهم علموا أن هذه الحروف تحسب مدة الملة والدين، ومنهم –علماء القرآن- من قال بأنها أسماء لكل سورة وجدت في بدايتها، ومنهم من ردها إلى الجانب الصوتي الذي بنيت عليه العربية، ومنهم من قال بأنها حروف غير دالة إنما هي منطوقة لا غير. أما آخرون فقالوا إنها تحمل دلالة، إذ إن الله قصد بها إعجاز العرب الجاحدين، أي أن النص ألف بالحروف نفسها التي تعرفونها. وأخيرا رد علماء القرآن ذلك إلى باب "المتشابه"، وأن تأويله لا يعلم به إلا الله، ومن ثمة قارنوا هذه الحروف المقطعة بما يدخل في علم الغيب.
ومن جهة المؤلف فإن رد غموض دلالة هذه الحروف إلى خاصية النص ذاته، بمعنى أن يميز نفسه عن باقي النصوص الأخرى. "وهكذا يكون النص قد خالف بين ذاته وبين غيره من النصوص من جهة، وخالف بين أجزائه من جهة أخرى. ص194.
- الفصل الرابع: العام والخاص.
إن الحديث عن علم "العام والخاص" حديث ظهر مع الأحكام والتشريعات الفقهية، حيث اُختلف حول كون اللفظ عاما والسبب خاصا، والعكس، ليخلصوا أن اللفظ –من خصوصيته- يفيد العموم، بل من خصوصيات اللغة التجريد والتعميم من خلال أشكال رمزية. بهذا فإن اللفظ إذا وقع في الآية فإنه يكون عاما، وإنما يلجأ المفسرون إلى سبب النزول لفهم دلالة الآية في سياقها العام، لهذا نجد النص يمتلك دوالا قابلة لتجاوز الخاص إلى ما هو عام.
1- آليات العموم.
لجأ الفقهاء المسلمون إلى مجموعة من الآليات اللغوية التي تفيد العموم، من بينها الآيات التي تضم "كل" و"أي" و"ما" و"من"، وكذا الآيات التي تضم أسماء معرفة ب"ال" وغيرها من الأمثلة كثير. لينتقل المؤلف بعد ذلك إلى استحضار آراء عبد القاهر الجرجاني، حيث إنه انطلاق مما هو متداول في أحاديث الفقهاء إلى ما هو أدبي، فأورد ظاهرة حذف المفعول على اعتبار أنها تنقل الكلام من الخصوص إلى العموم. تبعا لذلك، تكون الآليات اللغوية داخل النص هي المتحكمة والتي تنتج آلية العموم، غير أن فهم الدلالة يرتبط –إلى حد ما- بأسباب النزول.
2- آليات الخصوص.
إذا كانت آلية العموم تركز على عناصر لغوية فإن آلية الخصوص –هي الأخرى- تحصل من خلال عناصر لغوية أخرى. لهذا نجد الفقهاء قسموا الخصوص إلى نوعين:
1- أن يكون اللفظ عاما لكن دلالته لا تنسحب على جميع الأفراد إنما تخص فردا بعينه أو فئة بعينها، وهذا يسمى ب" العام المراد به الخصوص".
2- أن يكون اللفظ عاما من حيث صيغتُه ولالتُه، لكن حكمَه يكون خاصا، إذ إنه لا ينطبق على عموم الألفاظ ويسمى ب"العام المخصوص". إذن ما العناصر اللغوية التي تنقل اللفظ من العموم إلى الخصوص؟ وإذا كان الفقهاء في آلية العموم يتندون إلى المناسبة لفهم دلالة العموم، فكيف يتعارفون دلالة الخصوص دون الاستناد إلى المناسبة؟ كيف يتم تحويل العموم إلى الخصوص؟ هل يوظف الفقهاء الحذف لجعل العام خاصا؟
- لقد حصر القدماء القرائن اللفظية في خمس ظواهر لغوية، هي: الاستثناء، والوصف، والشرط، والغاية، وبدل البعض من الكل.(ص207). وقد ورد هذا الحصر في سياق فصلهم بين "العام المراد به الخصوص" و"العام المخصوص".
كما جارت العادة يعود المؤلف إلى قضية الفصل والوصل عند الجرجاني نظرا لأهميتها داخل نظرية الجرجاني، ليكون بعد ذلك الفصل والوصل في سياق الآيات، لا خارج التفاعل الدلالي بين الجمل في الشعر، والآيات في القرآن.
3- المطلق والمقيد.
يتحدث المؤلف في المطلق والمقيد وحضورهما داخل أجزاء النص، حيث ورد في الكتاب أن: بعض أجزاء النص قد تكون ذات دلالة عامة فإن البعض الآخر قد يخصص هذه الدلالة العامة، أو بعبارة أخرى أن ما ورد في النصوص مطلقا قد يأتي في نص آخر ما يقيد هذا الإطلاق. ص214.
بيد أننا نتساءل: ما الآليات التي تضبط المطلق والمقيد في النص؟ وكيف يتم التعرف على المطلق داخل الآية، والمقيد في آية أخرى؟ ألا يمكن أن يرد قضية انتقال الأحكام بين المقيدة والمطلقة إلى قضية "الناسخ والمنسوخ"؟
الفصل الخامس: التفسير والتأويل.
كثيرا ما يتم الخلط بين التأويل والتفسير، وهما –في حقيقة الأمر- دالان يدلان على المدلول نفسه. لقد كان التأويل في البداية مستعملا في الخطاب الديني، ليأتي بعده مفهوم التفسير ومن ثم تختلف الآراء حول المفهومين. إنهم يعتبرون التفسير من أعمال أهل السنة، إنهم أولئك الذين يسيرون على ديدان الصحابة والتابعين، فيما نجد أن التأويل من عمل أهل الرأي الذين يصدق عليهم قول الله تعالى: "فأما الذين في قلوبهم زيغ فيتبعون ما تشابه منه ابتغاء الفتنة وابتغاء تأويله". أما أهل السنة فإنهم هم من يوظف التفسير. إلا أن الأمر لم يأت عبثا إنما هناك قوى دينية التي تزعم أنها محافظة، لهذا فإن أهل الرأي مضطهدون، علاوة أن التأويل يحضر عند الأشاعرة من خلال التركيز على المعنى على حساب اللفظ، وعند المعتزلة من خلال الاعتماد على اللفظ أولا.
أشار المؤلف إلى أن أهل التفسير بالمأثور لم يسلموا من وصمة الخطأ والتعسف فيما يحصلونه من دلالات، حيث قال: إن التفسير الصحيح- عند من يطلقون على أنفسهم "أهل السنة"- قديما وحديثا هو التسفير الذي يعتمد على سلطة القدماء. (ص224). وبهذا يظل التأويل عند أهل السنة مجالا شاسعا لجعل معاني النص تسير وسلطتهم تأكيدا وتعزيزا.
لقد أشار المؤلف نقطة مهمة وخطيرة، إذ إن النص يتحدى الزمان والمكان، ولئن نحن أخذنا بتفاسير الجيل الأول من المسلمين على أنها الحقيقة الوحيدة فإن النص لم يعد مسايرا لكل مكان وزمان، وهذا ما نتج عن فعل القدماء أن يكونوا على دراية بذلك، لكن لا يمكن أن نسلم بصحة المناهج الحديثة، لهذا لنتساءل عن دور المفسر في العصر الراهن؟ وكيف يحقق ذاته ويعبر عن رأيه ما دام الأمر بيد القوى الدينية المحافظة؟ وما حدود الفصل بين الدين والعلم في إطار ما يدخل تحت لواء العلمانية؟ ولئن كان الدين وسيلة من وسائل تنظيم الحياة الإنسانية –كما أشار عبد المجيد الشرفي في كتابه: الإسلام بين الرسالة والتاريخ- فإنه من المرتقب أن تنتج نتائج من حيث فصل الدين عن الحياة الإنسانية؟ كيف يحقق الدين صموده أمام حقائق العلم الحديث؟
كثيرا ما يجد المفسر الحديث نفسه في اصطدام مع حقائق العلم الحديث فيلجأ إلى التأويل، وتكون نتيجة هذا التأويل أن لا تعارض بين الدين والعقلانية المعاصرة.
1- بين التفسير والتأويل (الدلالة اللغوية).
إن الحديث عن التفسير والتأويل جعل المؤلف يعود إلى دلالة الكلمتين اللغوية، فالتفسير مشتق من مصدرين: السَّفرة والتفسرة لكونها يدلان عن الوضوح والكشف عن شيء مختبئ.
- أما كلمة تأويل فإنها لقيت إقبالا داخل النص حيث إنها وردت" سبعة عشرة مرة في حين أن كلمة "تفسير" لم ترد سوى مرة واحدة (ص226).
في سياق حديث المؤلف عن كلمة "تأويل" حيث أشار إلى أنها كشف عن الدلالة الخفية للألفاظ والأفعال، ولقد أورد الآيات: 78-79-80-81-82 من سورة الكهف(4) . بيد أن التأويل يفيد معان كثيرة ذكره المؤلف في هذا الصدد.
من الناحية الاصطلاحية يخلص المؤلف إلى أن التأويل عام والتفسير خاص، وإذا كان علم التفسير يهتم بالناسخ والمنسوخ وأسباب النزول، والمكي والمدني...إلخ، من علوم القرآن، أضف إلى ذلك: النهي والأمر والعبر والأمثال، فإنه يكون بهذا الجمع ممهدا للتأويل الذي يتخذ فيه المؤول مهمة "صرف الآية إلى ما تحتمله من المعاني" ص233.
- النقل: المفسر= الرواية.
- الاجتهاد: المفسر= الدراية
3- آليات التأويل.
إن التأويل عملية تأتي بعد فعل القراءة، والقارئ لا يرقى إلى مستوى التأويل حتى يتسلح بالأسئلة الواعية، التي يكون مصدرها فعل القراءة، تبعا لذلك، فإن عملية التأويل تتطلب جهدا كبيرا، بحيث إنها تنبع من المعارف المسبقة التي يمتلكها المؤول، والتي تسعفه حتى يمارس التأويل من حيث هو قراءة موضوعية من جهة، وفعل يبحث عن المعاني المتضمنة في النصوص من جهة ثانية. ولعل هذا ما يمكننا من القول إن المؤلف تأثر ب" جادامر" من خلال الدائرة الهرمنيوطيقية.
قبل أن نباشر في تأويل خطاب ما أو نص ما، ينبغي أن نكون متسلحين بآليات التأويل، ذلك من أجل الغوص في المعاني الخفية للنصوص. إذن، ما الآليات التي يعتمدها المؤول لممارسة فعل التأويل؟ وإلى أي حد تكون هذه الآليات ملائمة للنصوص؟
بما أننا في النقطة الثالثة من هذه الدراسة، فإننا سنبحث عن الآليات التي يقدمها المؤلف.
لقد وضع علماء القرآن قديما شرطا ضروريا ينبغي على المفسر أن يكون على دراية به، وهو أنه على المفسر أن يكون عالما عارفا بعلوم القرآن- بمعنى الرواية- ثم علوم اللغة بنحوها وإعرابها وصرفها، ودلالة ألفاظها وبلاغتها، هذا ما يسمى بالدراية، وهذا الشرط ينسحب على كل من المفسر –الذي يحتاج إلى وسيط "التفسرة"- وعلى المؤول الذي ينطلق من الوسائل الشرعية –علوم القرآن- والعلوم اللغوية، وكلما استنفد هاتين الآليتين ولم يبلغ الدلالة في النص، عليه أن يلجأ إلى الاجتهاد أي التأويل الذي لا يوظف وسيطا، إنما ينطلق من العقل.
إن التأويل –من منظور المؤلف- ينبغي أن يكون موضوعيا ذا مصلحة عامة، إنها المصلحة التي تهم الأمة وتكون الغاية الأسمى، وأن يكون المؤول بعيدا عن كل سلطة دينية تمثل مصلحة الأقلية، بكلمة أخرى، ينبغي على المؤول أن يحاور سبر أغوار النص في ظل الزمان والمكان والواقع، على اعتبار أن النص حركيٌ ويتطور مع الواقع، لهذا فإن المؤلف ينوه بالدور الفعال الذي يمثله المؤول الموضوعي، إنه الفقيه العالم بما يقوم به، والذي يؤول من أجل ما تم الإجماع عليه.
- أما الآليات التي يقترحها المؤلف، فيمكننا تلخيصها في النقاط الآتية:
- في القراءة الأولى يبدأ المؤول بمقاربة النص واكتشاف أسراره.
- تأتي بعد القراءة الأولى القراءةُ التحليلية، والتي يتم من خلالها اكتشاف مفاتيح النص ومرتكزاته الدلالية.
- القراءة التأويلية التي يستغرق المؤلف –بموجبها- استغراقا تاما في عالم النص.
- السعي إلى تحقيق الموضوعية المرتبطة بالزمان والمكان والواقع، لا الموضوعية المطلقة التي يدعيها الخطاب الديني المعاصر.
- تقديم قراءة جديدة في انتظار أن تتطور أدوات التحليل وطرائقه في عصر تال، وتكتشف ما لم يتم اكتشافه في النص.
- الباب الثالث: تحويل النص ووظيفته.
يعد هذا الباب الأخير في هذه الدراسة حيث إن المؤلف أشار في مقدمة الكتاب أو بالأحرى في إطار حديثه عن القوى السلفية والحركة التجديدية أو عن الليبراليين التجديديين ، حيث أشار أنه سيتطرق في الباب الأخير إلى فكر أبي حامد الغزالي باعتبار مساهما في تقديس مفهوم النص. لقد كان النص بمثابة المحرك للواقع ومتطلبات والمنظم لهموم الحياة الإنسانية، لكنه تحول مع المتصوفة إلى التعبير عن الهموم الفردية وتحقيق الصلة الوطيدة مع الله عن طريق النص، إلا أن المعتزلة رأوا أن النص موجه إلى الإنسان لذلك ينبغي أن يفهمه الإنسان وفق تصوراته العقلية.
لقد قام أبو حامد الغزالي بالجمع بين التصوف وبين الاتجاه الكلامي الأشعري، وذلك لكون الأول غايته هي الوجود الإنساني في الأرض بغية تحقيق الفوز بالآخرة. أما الثاني فكان يهدف إلى الحفاظ على النصوص التراثية –سواء أكانت دينية أم تاريخية- وهم الأشاعرة الذين يعتمدون التفسير بالمأثور.
يعد كتاب "إحياء علوم الدين" الذي تم إحراقه، بمثابة حملة شعواء على الحاضر من خلال العودة إلى الماضي، ولذلك قسم مشروعه إلى: علوم الدين، وعلوم الدنيا. إذن؛ كيف عمل الغزالي على تقديس النص؟ وما تصور الغزالي للنص؟ وهل كان يتكلم داخل خلفيات ما؟ ولماذا تم حرق كتابه؟ وما الذي جعل علوم الدين ميتة حتى يأتي الغزالي لإحيائها؟ ألا يمكن القول إن الغزالي يغلب عليه الطابع الصوفي على حساب الطابع الكلامي؟
انطلق الغزالي مما انتهى إليه الاتجاه الكلامي الأشعري، إذ إنهم أكدوا أن صفة الكلام قديمة في الله؛ كعلمه وأفعاله، وارتكن –كذلك- إلى الفكر الصوفي من حيث تقسيم النص إلى ظاهر وباطن. فالباطن هو الجوهر والروح الموجود في المضمون، والظاهر هو القشور والصدف، وبهذا فإن اللغة تمثل وظيفة الكشف عن القشور السطحية في النص. ومنه، فإننا نتساءل: إذا كانت اللغة هي الوسيط الذي يهتدي به المفسر ليقتحم أعماق النص قشوراً- كما تصورها الغزالي- فكيف يصل المؤول إلى الجوهر واللب في النص؟
يبدو من كلام أبي حامد الغزالي أن المعتزلة تمسكوا بالقشور والصدف فقط، وحتى علوم اللغة وعلم التفسير الظاهر لم يتجاوزا هذه المرتبة عند الغزالي، لذلك فإنه يخبرنا أن أهل الطريق السالكين إلى الله، هم وحدهم القادرون على الغوص في النص واستخراج الجوهر والدرر التي تبلغهم إلى الذات الإلهية.
- إن ما أتى به المتصوفة لا يختلف عن فكر أبي حامد الغزالي؛ حيث إنهم زعموا أن الدلالة الباطنية في النص لا يبلغها إلا المتصوف بوساطة معراجه وقلبه. أما الآخرون، كالمعتزلة، فإنهم لا يتعدون قشور النص وحسب.
2- علوم اللباب (الطبقة العليا)
من غايات علوم اللباب معرفة الله من خلال الآيات التي يتضمنها القرآن، بل إن تلك الآيات هي جوهر القرآن ولبابه، علاوة على أنه قسم القرآن إلى: عليا- وهي التي تمثل معرفة الله- وسفلى.
إذا كان الغزالي قد اتخذ موقفا من المفسر باعتباره كاشفا عن القشور، فما نظرته إلى المفسر والمؤول؟
لقد أضحى النص عند أبي حامد الغزالي" بحر من الأسرار والعلوم لا يكاد العقل الإنساني يلتقط منها سوى بعض السوانح السطحية(...). إن المماثلة بين النص والعلم الإلهي بالإضافة إلى ذلك الفصل التام بين الذات الإلهية والعالم قد أديا إلى عزل النص عن آفاق الإنسان المعرفية، وإلى جعل "النص" المنبعَ الوحيد للمعرفة (ص255).
صارت الغاية من النص إلهية، وهي فك شفرته للوصول إلى الغاية المطلقة، لا تأسيس مجتمع والهداية بالنص لصلاحه.
إن معرفة الله كعلم للجواهر واللباب لا تأتي بالسهولة، لذلك ينبغي على السالكين أن يسلكوا الطريق إلى الله، وهذا لا يتم إلا بالانغماس في الأمور الأخروية والإغفال عن الأمور الدنيوية التي تعد مرحلة عبور فقط. ومنه ثم نجد الغزالي يصنف علوم الفقه والمتكلمين والفقهاء والوعاظ القصاصين في الطبقة السفلى من علم اللباب.
إن التأويل عند الغزالي يتم من خلال معرفة الطريق الصحيح إلى الله، فالكلمات التي تمثل الجانب اللغوي هي القشر، أما اللب وهو دلالة النص فإنه يتوصل إليهما الصوفي بمعراجه، حيث يسافر إلى الله عن طريق قلبه، بمعنى أنه –من خلال التأويل- يعبر عن عالم الحس والصور والشهادة إلى عالم الملكوت والغيب باعتباره غاية أقصى وأسمى وهذه حقيقة" يدركها من يدرك الموازنة والمناسبة بين عالم الملك عالم الشهادة وبين عالم الغيب والملكوت (جواهر القرآن، ص28).
والخيط الذي يجمع بين العالمين هو الخيال، بمعنى الأحلام والرؤى في حالة النوم.
"إن كل ما يحتمله فهمك فإن القرآن يلقيه إليك على الوجه الذي لو كنت في النوم مطالعا بروحك اللوح المحفوظ لتمثل ذلك لك بمثل مناسب يحتاج إلى التعبير".
استنتاجا لذلك، يبدو أن المتصوف هو الذي يبلغ أعماق النص ومعانيه، وأن التأويل يسبح في حال التعبير. فمن اللازم أن نتساءل: هل المعاني رؤى يراها الصوفي في الحلم؟ وما المكانة التي يمثلها النص من منظور الصوفي؟
"إن كل ألفاظ القرآن تصبح مثل السور التي يراها النائم في نومه، تصبح صورا مادية في حاجة إلى اكتشاف المعنى المستكن داخلها (ص271).
من هنا نستخلص أن وظيفة اللغة لم تعد تحمل دلالة من منظور الصوفي، إنما هي مجموعة من الصور الرمزية التي تحمل خلفها مجموعة من الحقائق التي يسعى المتصوف من خلال قلبه ومعراجه السفر روحيا إلهيا، سالكا طريق الدنيا ومركب الجسد قصد بلوغها. والحال هذه فإن نظرة الغزالي للنص القرآني تبدو مغايرة لما دأب عليه علماء القرآن والمفسرون من كونه أنزل للبشرية كافة لتنظيم أمورها الدينية والدنيوية واستعدادهم للحياة الأخروية. "فالقرآن هو البحر المحيط الذي تكمن في أعماقه الجواهر والدرر، ومن ثمة لا يعثر عليها إلا الغواصون وهم السالكون" (ص277).
وفيما تبقى من الكتاب فهو حديث منفصل عن نظرة الغزالي للناس من حيث العامةُ والعامةُ. والدرجات التي تحظى بها كل طائفة من الطائفتين، كما أن المؤلف قدم خلاصات لأفكار الغزالي على شكل خطاطات وجداول ومنحى، وكل ذلك من أجل إظهار فكرة الخلاص-من منظور الغزالي- الذي يمزج بين النهج الأشعري التلفيقي والنهج الصوفي الحدسي. عموما "فإن كتاب إحياء علوم الدين" يحمل ما يحمله من قضايا مهمة حتى وإن لم يتفق معه المؤلف في أمور كثيرة، كتحويل الغزالي للنص من مُعبر عن الحياة البشرية إلى طريق للخلاص الفردي بغية الوصول إلى معرفة الذات والصفات والأفعال الإلهية. علاوة عن المكانة التي تحتلها علوم اللباب على حساب علوم القرآن وعلوم اللغة. وإذا كانت اللغة من منظور المؤلف وحدات لغوية تحمل دلالة، فإنها –عند الغزالي- صورا رمزية ينبغي فكها للوصول إلى الدلالة الحقيقة وهذا ما يدرك بالقلب لا الجسد، في الحلم لا الواقع، في النوم لا اليقظة.
- خاتمة:
يعد كتاب "مفهوم النص دراسة في علوم القرآن" من أهم الدراسات التي حاولت بحث مفهوم النص داخل الحضارة العربية الإسلامية، قديمها وحديثها، فضلا عن علاقته- النص- بالواقع والثقافة. ومنه نخلص إلى الآتي:
- إن المؤلف يوظف منهجا تأويليا تدخل في غطائه جملة من المناهج الغربية الحديثة؛ كاللسانيات والسيميائيات وعلم النفس...إلخ.
- إن النص يتشكل من الثقافة وبعده يسهم في تشكيل الثقافة ويؤثر فيها، ومن ثم فإن قداسته نتجت عن فعل القوى الدينية المحافظة للنص.
- توظيف منهج ديالكتيكي تصاعدي لا منهجا ديالكتيكي هابط كما عند الخطاب الديني المعاصر.
- تناول المؤلف أبواب علوم القرآن: المكي والمدني، أسباب النزول، المحكم والمتشابه، وعلم المناسبة بين الآيات والسور، الخاص والعام، المطلق والمقيد، وكل هذا بغية رصد حركتي الواقع والثقافة داخل النص.
- قام المؤلف بدراسة نقدية لأفكار أبي حامد الغزالي من خلال كتابه" إحياء علوم الدين"، ليبين نظرة الغزالي إلى علوم القرآن، والمتكلمين والفقهاء، وإلى فعل التأويل، كل ذلك نجم عنه تقديس لمفهوم النص، وجعله مجرد طريق للخلاص الفردي في معرفة الله.
خلاصة القول إن الكتاب غني بكثير من الأفكار والقضايا الدينية، والتي تعد بمثابة مجال شاسع، أسهم المؤلف بأفكاره وتصوراته بغية تقديم نظرة حداثة للنص.
والجدير بالذكر أننا رصدنا قضايا الكتاب- من بدايته إلى نهايته، بيد أنه لم يُعط مفهوم الإسلام كامل العناية كما أشار إلى ذلك المقدمة، ورغم ذلك فإن الكتاب غني بأفكاره وقضاياه وآراء مؤلفه التي تعد بمثابة قراءة تجديدية أحدث قطيعة مع المسلمات القديمة، حتى وإن كنا نختلف مع المؤلف في بعض النقط –والتي عبرنا عليها في الأسئلة العديدة التي نبسُطها- فإن هذا لا يقلل من شأنه.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1- ينظر كتاب إشكاليات القراءة وآليات التأويل (المقدمة)، تأليف: نصر أبو زيد.
2- نفسه.
3- - في هذا الصدد ورد خطأ في الكتاب فعوض أن يكتب المؤلف "علم المناسبة" كتب علم الأسباب، وقمنا بتصحيحه إلى علم المناسبة.
4- - في هذا الصدد ورد خطأ في الكتاب فعوض أن يكتب المؤلف "علم المناسبة" كتب علم الأسباب، وقمنا بتصحيحه إلى علم المناسبة.



#محمد_الورداشي (هاشتاغ)       Mohamed_El_Ouardachi#          



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)

الكاتب-ة لايسمح بالتعليق على هذا الموضوع


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- قراءة في المباحث الأولى من كتاب السيميائية وفلسفة اللغة ل أم ...
- قراءة في مضامين كتاب إشكاليات القراءة وآليات التأويل، ل نصر ...
- مقدمة في نحو النص
- بعض المفاهيم الكبرى في التداولية
- مناهج النقد الأدبي الحديثة: المنهج البنيوي- أنموذجا.
- نظرية الحقول الدلالية وآثرها في التراث العربي
- بقلم أحمر، يمكننا تصويب الخطأ.
- قراءة في الفصل الأول من كتاب: المصطلح اللساني و تأسيس المفهو ...
- دراسة موجزة حول: تاريخ اللسانيات الغربية الحديثة
- إشارات في علم اللغة


المزيد.....




- في شهر الاحتفاء بثقافة الضاد.. الكتاب العربي يزهر في كندا
- -يوم أعطاني غابرييل غارسيا ماركيز قائمة بخط يده لكلاسيكيات ا ...
- “أفلام العرض الأول” عبر تردد قناة Osm cinema 2024 القمر الصن ...
- “أقوى أفلام هوليوود” استقبل الآن تردد قناة mbc2 المجاني على ...
- افتتاح أنشطة عام -ستراسبورغ عاصمة عالمية للكتاب-
- بايدن: العالم سيفقد قائده إذا غادرت الولايات المتحدة المسرح ...
- سامسونج تقدّم معرض -التوازن المستحدث- ضمن فعاليات أسبوع ميلا ...
- جعجع يتحدث عن اللاجئين السوريين و-مسرحية وحدة الساحات-
- “العيال هتطير من الفرحة” .. تردد قناة سبونج بوب الجديد 2024 ...
- مسابقة جديدة للسينما التجريبية بمهرجان كان في دورته الـ77


المزيد.....

- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو


المزيد.....


الصفحة الرئيسية - الادب والفن - محمد الورداشي - قراءة في مضامين كتاب: مفهوم النص دراسة في علوم القرآن، ل نصر حامد أبو زيد