شادي الشماوي
الحوار المتمدن-العدد: 5709 - 2017 / 11 / 25 - 02:25
المحور:
ابحاث يسارية واشتراكية وشيوعية
دحض الأكاذيب الكبرى المشوّهة للشيوعيّة (4)
الكذبة 4 : الشيوعيّة شكل من أشكال الكليانيّة . سعى آدولف هتلر و جوزاف ستالين إلى فرض الهيمنة الكلّية على المجتمع – من خلال القمع الذى إجتاح كلّ مظهر من مظاهر حياة المجتمع و الأفراد ، و الإيديولوجيات المتلاعبة بالعقول
جريدة " الثورة " عدد 517 ، 13 نوفمبر 2017
http://revcom.us/a/517/refuting-the-biggest-lies-against-communism-number-4-en.html
Revolution Newspaper | revcom.us
تسوّى " الكليانيّة " بين الشيوعيّة و الفاشيّة ... بين دكتاتوريّة البروليتاريا و الحكم الفاشي ... و بين ستالين و هتلر . وهذا تشويه فضّ للواقع. فقد كان الإتحاد السوفياتي لمّا كان إشتراكيّا ( من 1917 إلى أواسط خمسينات القرن العشرين) من ناحية و ألمانيا النازيّة ( 1932- 1945 ) من ناحية ثانية متعارضين تمام التعارض في كافة المظاهر المفاتيح : في السس الاقتصادية و الهياكل السياسيّة و الإجتماعيّة و أهداف القيادة و نظرتها و في الإيديولوجيا المرشدة و الطرق التي كان يُسيَّر بها المجتمعان فعليّا ... و في التجربة الحياتيّة للأفراد المشكّلين لهذين المجتمعين .
تختلق نظريّة الكليانيّة أكاذيبا و تشويهات كبرى للمناهج و الأهداف و التاريخ و التجربة الحقيقيين للثورة الشيوعيّة . فهي تفصل ألمانيا النازيّة عن أسسها الرأسماليّة . وتقدّس بصفة مثيرة للشفقة و تجثو أمام الإمبرياليّة الديمقراطية – الليبراليّة على أنّها أرقى و أبعد مجتمع إنساني يمكن و يجب بلوغه – مجمّلة جرائمها الفظيعة و لاإنسانيّتها و إستغلالها الوحشي لمئات الملايين القابعين في قاع هذا النظام . و العمل " الأكاديمي " الأكثر تأثيرا المقدّم لنظريّة " الكليانيّة " هو مؤَلّف هان آراندت ، " جذور الكليانيّة ". و يوفّر لنا النقد القويّ لآراندت الذى أنجزه بوب أفاكيان في كتابه " الديمقراطية : أليس بوسعنا إنجاز ما أفضل ؟ " فهما أساسيّا لعدم علميّة هذه النظريّة و للأجندا التي تخدمها .
و الهدف الأساسي لنظريّة " الكليانيّة " هو في مر الشيوعيّة و الدور الإيديولوجي لنظريّة " الكليانيّة " هو على وجه الضبط تشويه الثورة الشيوعيّة و شيطنتها و مصالحة الناس مع هذا العالم من الفظائع .
التحقّق من الواقع 1 : - جذور و أنظمة حكم طبقيّة مختلفة بين الإتحاد السوفياتي و ألمانيا النازيّة :
+++ لقد نشأ الإتحاد السوفياتي الإشتراكي عن ثورة جماهيريّة مرتبطة بالقتل و الدمار الرهيبين للحرب العالمية الأولى و بمجتمع إضطهادي و قمعي إلى درجة كبيرة كان الملايين متمرّدين ضدّه . و قد أطاحت ثورة أكتوبر 1917 ، بقيادة الحزب البلشفي ( الشيوعي ) ، بالحكم الطبقي/ النخبوي الإمبريالي – الرأسمالي القديم ؛ و فكّكت الحرب الأهليّة التي تبعتها بين 1918 و 1920 قوّتها السياسيّة – العسكريّة الباقية . و أوجدت الثورة هياكل حكم جديدة – دكتاتوريّة البروليتاريا – وضعت السلطة بين أيدى المضطهَدين و المستغَلّين سابقا ، في تحالف مع الغالبيّة العظمى من المجتمع ، ليمسكوا أكثر فأكثر أبدا بزمام مسؤوليّة تسيير المجتمع . و حثّا النظام الإشتراكي الجديد على تغييرات و صراعات إجتماعيّة – ثقافيّة راديكاليّة .
+++ و أتت نظرة هتلر و النازيّة لبعث ألمانيا إمبراطوريّة ثأريّة و " نقيّة عنصريّا " نتيجة هزيمة ألمانيا في الحرب العالميّة الولى في 1918 . فقد كوّن هتلر قاعدة إجتماعيّة جماهيريّة عنصريّة و رجعيّة طوال عشرينات القرن الماضى . و قد كسب برنامجه في النهاية تأييد قطاعات من الطبقة الحاكمة الرأسماليّة – الإمبريالية الألمانيّة التقليديّة . و جرى تشييد الحكم النازي على أساس تطوير ألمانيا رأسماليّة صناعيّة – ماليّة . و جمّع هتلر النخب المهيمنة عسكريّا – إقتصاديّا وراء مشروع تحويل ألأمانيا إلى القوّة الإمبرياليّة الإمبراطوريّة المهيمنة على العالم . و قد حرم الحكم الفاشي الناس من الحقوق الدنيا و أنشأ أصنافا من غير المرغوب فيهم و إضطهدهم و راقبهم بوحشيّة – موجّها سهامه أوّلا ضد الشيوعيين !
التحقّق من الواقع 2 : نظامان إقتصاديّان مختلفان تمام الإختلاف :
+++ أدّت الثرة في الإتّحاد السوفياتي إلى أوّل إقتصاد إشتراكي مخطّط في التاريخ . و على عكس الرأسماليّة ، كان يسير حسب مبدأ الإنتاج من أجل الحاجة الإجتماعيّة و ليس وضع الربح في مصاف القيادة – تلبية الحاجيات الماديّة و الثقافيّة للشعب و جعل العمّال و الفلاّحين في مواقع المسؤوليّة . و جرى توفير الموارد بطريقة واعية و مخطّطة لتطوير إقتصاد من كافة الجوانب فلم يكن إقتصاد الإتحاد السوفياتي مندفعا و ما كان يبحث عن التوسّع و الإستغلال عبر العلم أو عن إستعمار الشعوب و المناطق . و قد إعترف الإتّحاد السوفياتي بحقّ تقرير المصير و مدّ يد المساعدة و دعّم نضالات الشعوب المستعمَرة الوقاعة تحت هيمنة الإمبرياليّة .
+++ حافظ الاقتصاد الأماني في ظلّ هتلر و عزّز نظام الملكيّة الرأسماليّة و السيطرة على قوّة العمل و إستغلالها – و جرى تحويله إلى إقتصاد عسكريّ مفترس . و قد إرتأت الدولة افمبرياليّة الألمانيّة كسب السيطرة على الموارد و قوّة عمل قطاعات واسعة من أوروبا و أبعد منها و ذلك عبر الإلحاق و الحرب و النهب .
التحقّق من الواقع 3 – تحرير الإنسانيّة في مقابل تشديد قيود الإضطهاد :
أ- النساء في المجتمع السوفياتي و في المجتمع النازيّ :
+++ لقد كان البرنامج النازي بشأن النساء برنامج تبعيّة تامة للذكور . فقد دفع النازيّون النساء خارج قوّة العمل و سعوا إلى تحويلهنّ إلى مربّيات مذعنات و أمّهات خدمة للوطن . فكان شعارهم هو " المطبخ ، الأطفال ، الكنيسة " . و " الدور النموذجي " المذاع في وسائل دعاية الدولة ، في النظام التعليمي و الثقافة ، كان الذكر " الآري " : المحارب البطرياركي و العنصري .
+++ وقفت الثورة السوفياتيّة من أجل تحرير النساء . ففي عشرينات القرن الماضى و بدايات ثلاثيناته ، كان الإتّحاد السوفياتي يتحدّى الدوار و العادات الجندريّة التقليديّة المستعبِدة للنساء بما فيها قوانين الشريعة . و تمّ تقنين الإجهاض و توفيره على أوسع نطاق ممكن – و كذلك جرى تقنين حقّ الطلاق. لم يسبق أبدا أن جعل مجتمع من إجتثاث إضطهاد النساء بؤرة تركيزه مثلما حصل في أفتّحاد السوفياتي آنذاك . و بُذلت جهود كبرى قصد تحسين الرعاية ما بعد الولادة للأقليّات القوميّة .
و مع ذلك ، في أواسط ثلاثينات القرن العشرين ، شعرت الحكومة بالحاجة إلى الاستقرار الاجتماعي ، مع تنامى التهديد بالحرب في العالم . و جرى الإنقلاب على بعض الإجراءات الإجتماعيّة الراديكاليّة و مُنع الإجهاض . فمثّل ذلك تراجعا خطيرا على أنّ النساء واصلن لعب دور كبير في الحياة السياسيّة و الاقتصادية و الثقافيّة .
ب- النقاء العنصري مقابل المساواة المتعدّدة القوميّات / المتعدّدة الأثنيّات :
+++ كان هدف النازيين هو تركيز حكم ما يسمّى ب " العنصر الرئيسي " الألماني على أوروبا و الشرق . فقط الألمان " المنتقون عنصريّا " كانوا يعتبرون مناسبين للتكاثر . و إستهدفت السياسة أفجتماعيّة النازيّة القضاء على ألمان " الأدنى منزلة " ( أي المرضى ذهنيّا و ذوو افعاقات و المثليين الجنسيين و " اللاإجتماعيين " ) بواسطة التعقيم و حرمانهم من العناية الطبّية . و في النهاية ، طبّقت الدولة العنصريّة النازيّة برنامج إبادة جماعيّة لليهود في المانيا و أوروبا ، إلى جانب إثنيّات و مجموعات قوميّة أخرى. و روّج هتلر لمؤامرة وهميّة للبلشفيّة / الشيوعيّة و اليهود وإرتأى القضاء على الإثنين.
+++ كان الإتّحاد السوفياتي الإشتراكي أوّل دولة في العالم متعدّدة القوميّات و قائمة على المساواة بين القوميّات . و قد ثمّن و شجّع التنوّع الإثنيّ و نظّم حملات ضد " شوفينيّة الروسي الكبير " و أقام مناطق حكم ذاتي حيث كانت الأقلّيات القوميّة محرومة سابقا من إستعمال لغتها الخاصة في المدارس و المعاهد و صار بوسع الحياة السياسيّة أن تستخدم اللغة الخاصة – و جرى تشجيع القيادة المحلّية و من السكّان الأصليّين . و إزدهرت ثقافات الأقلّيات . و عمل العلماء و المربّون السوفيات على تفتيت أسطورة العنصر " المتخلّف " و العنصر " المتفوّق " . و ما كان يحدث في أي مكان آخر من العالم – و أقلّها في الولايات المتحدة أين كان الميز العنصري و تفوّق البيض قانونا ساريا في البلاد و كان سحل السود مستشريا و كان اليهود عرضة للميز العنصري.
و وضع الإتحاد السوفياتي نهاية لإضطهاد اليهود . و رجاء أيّها الكلياني / أيّتها الكليانيّة ، كان الإتّحاد السوفياتي البلد الوحيد أثناء الحرب العالميّة الثانية الذى سعى جهده لإنقاذ حياة أكبر عدد ممكن من اليهود . ففي أوروبا الشرقيّة أين يبلغ الجيش الأحمر ، كان اليهود يلقون الحماية و اين يوجد النازيّون ، كان اليهود ضحيّة للإبادة الجماعيّة . و واقع لا نقاش فيه هو أنّ 200 ألف يهودي بولوني أنقذوا من الهولوكست / المحرقة الألمانيّة لمّا باتت المنطقة تحت سيطرة الإتحاد السوفياتي سنة 1940.
التحقّق من الواقع 4 : لم توجد " معسكرات قتل " في الإتّحاد السوفياتي :
بين 1936-1938 ، مع تصاعد التهديد الكبير بهجوم إمبريالي على أفتّحاد السوفياتي ، شنّت الدولة أفشتراكيّة عمليّات شرطة للحيلولة دون الثورة المضادة . و أضحى هدف هذه الحملات واسعا جدّا بحيث تمّ دوس الحقوق و إيقاف و إعدام عديد الناس الأبرياء . ( لنا الكثير لنقوله عن الأسباب و الدروس في نصّ نفرده لستالين ) . لكن لم توجد " معسكرات قتل " أو " غبادة " في أفتّحاد السوفياتي . و إدّعاء أنّ " الملايين " جرى إعدامهم على يد ستالين مجرّد أسطورة . و لم تُستهدف أيّة مجموعة إثنيّة بالإبادة . و لم تتعرّض أيّة قوميّة إلى إستهداف خاص بالسجن الجماعي ( كما هو الحال اليوم بالنسبة للأفروأمريكيين في الولايات المتّحدة ).
التحقّق من الواقع 5 : و من نهض بالفعل بدور حيوي في إلحاق الهزيمة بهتلر ؟
و من أبرز مشاكل نظريّة الكليانيّة و تسويتها بين هتلر و ستالين أنّها لا تستطيع حقّا الصمود أمام واقع أنّ الإتّحاد السوفياتي الإشتراكي و ألمانيا النازيّة الرأسماليّة – الإمبرياليّة متناقضين تناقضا عدائيّا . فقد غزت ألمانيا الإتّحاد السوفياتي سنة 1941 ، في حرب إحتلال إحتلال و تدمير على نطاق لم يشهد له مثيل في تاريخ الإنسانيّة قبلا – و قد أوضح هتلر لفياقله أنّه يجب عليهم إستبعاد أيّة مبادئ إنسانيّة في حرب الحرب المستهدفىة للسحق التام للاتحاد السوفياتي . و قد تحمّل الإتّحاد السوفياتي عبء مواجهة القسط الأعظم من آلة الحرب النازيّة : و في ظلّ قيادة ستالين ، لم يصدّ الجيش الأحمر السوفياتي و الشعب السوفياتي ببسالة هذا الهجوم فحسب بل إضطلعا بالدور الحيوي في إلحاق الهزيمة بهتلر في الحرب العالميّة الثانية – و دفعا ثمن ذلك حياة حوالي 26 مليون سوفياتي و سوفياتيّة منهم 11 مليون جندي و جنديّة .
التحقّق من الواقع 6 : نمطا تفكير مختلفان :
الشيوعيّة علم . إنّها أمميّة . و تتطلّب بحثا و فهما للواقع عقلانيّا – علميّا . و هدفها هو تغيير الواقع و بناء عالم خالى من الإستغلال و الإضطهاد – بالإعتماد على الإمكانيّة العالميّة – الحقيقيّة لتشكيل هكذا عالم و على النضال الواعي للإنسانيّة المضطهَدة و جميع الذين يطمحون إلى هكذا عالم . بينما ...
كانت النظرة النازيّة تنهض على مفاهيم " الدم والأرض " الألمانيّة و النقاء العنصري والتفوّق الذكوري و كره و إزدراء التفكير النقدي ، و اللاعقلانيّة المنفلتة من عقالها .
و ختاما ...
نظريّة الكليانيّة خاوية فكريّا و ضحلة تجريبيّا . إنّها هراء مؤثّر يحدث أضرارا كبرى . تهمة " الكليانيّة " الملصقة بالشيوعيّة " بإعتبارها " مثل أعلى طوباوي تحوّل إلى جنون " – عنصر حيويّ في الذخيرة افيديولوجيّة البرجوازيّة التي تعلن : إبقوا بعيدا عن الثورة الشيوعيّة ، لا تطمحوا إلى عالم مختلف راديكاليّا و أفضل ، لا تسعوا إلى تغيير قيم الناس و تفكيرهم إلى ما هو أفضل . فذلك لن يفعل سوى جعل الأمور أسوأ كابوسيّا . عاش الوضع السائد .
قراءات نوصى بها :
Recommended Readings
*Democracy: Can t’t We Do Better Than That? by Bob Avakian, 1986. Especially Chapter 6, section: “The Theory of Totalitarianism and Its Political Role.”
*Revolution: Why It’s Necessary, Why It’s Possible, and What It’s All About, Session 3 “Is Communism Totalitarianism?” A film of talk by Bob Avakian, 2003, http://www.revolutiontalk.net
*You Don’t Know What You Think You “Know” About… The Communist Revolution and the REAL Path to Emancipation: Its History and Our Future, an interview with Raymond Lotta, 2014, http://www.revcom.us and http://www.thisiscommunism.org
*Three Alternative Worlds, by Bob Avakian, December 3, 2006, http://www.revcom.us
----------------------------------------------------------------------------------------
#شادي_الشماوي (هاشتاغ)
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي،
انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة
في دعم هذا المشروع.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟