أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - رامي أبو شهاب - اللغة الحافز والمؤثر















المزيد.....

اللغة الحافز والمؤثر


رامي أبو شهاب

الحوار المتمدن-العدد: 1469 - 2006 / 2 / 22 - 10:01
المحور: الادب والفن
    


كثيرا ما تستثير اللغة أجهزتنا العصبية عند القراءة، وكثيرا ما نواجه نصا يعمل على كسر توقعنا الجمالي فيدفعنا إلى الكف عن فعل القراءة، ، فتموت الرغبة على مشارف الجسد اللغوي للنص ، فما السبب يا ترى ؟
الإجابة نجدها لدى الناقد الإنجليزي أ. أ. رتشاردز، في دراسته للغة الشعرية تكوينها وأنساقها إذ يحددها بنوعين من اللغة: الأولى اللغة الرمزية، والثانية اللغة الانفعالية، وقصد باللغة الرمزية اللغة المستخدمة للتواصل، وهي لغة إشارية تهدف إلى وظيفة واحدة الإيصال، وبالتالي فهي لغة أقرب إلى التكون المنطقي العقلي وقابلة للقبول أو الرفض من حيث الصحة أو عدمه ، بينما قصد باللغة الانفعالية: اللغة التي لا تهدف إلى إيصال معلومة، فهي لغة مشحونة متحركة تهويمية، لا يمكن للقارئ أن يصل من خلالها إلى حكم منطقي بالصحة أو الكذب فهي لغة تتسرب تخاطب الإحساس والمشاعر لذلك تستشعر تلك النشوة في أوصال جسدك تحديدا عندما تقرا نصا شعريا، يقوم في بنيانه على لغة مشحونة بالتوترات والانفعالات .
الشاعر القادر على إثارة حفيظة القارئ هو الشاعر الذي يجعل من لغته محملة بالكثير من المواقف والرؤى والاتجاهات ذات العلاقة المباشرة بالقارئ على عدة مستويات، فإما أن تبعث فيه فكرة مبتكرة أو إحساسا ما نتيجة رائحة شيء ما أو صورة مشهد ما، تدفعه إلى شيء غامض لا يمكن له أن يفهمه، لذلك يشعر بالفضول والتحفز الذهني وكل ذلك مرهون بالنص المتشكل عبر اللغة .
فاللغة عبارة عن رموز تحل محل المجرد، وربما تكون أكثر عمقا عندما توحي عن طريق التداعي إلى شيء ملموس أو مجرد، فغالبا ما يوحي منظر الغروب إلى التفكير في الضعف والسكينة والشيخوخة1 ، ونتيجة لذلك يتضح ما للغة من أثر نفسي على المتلقي، بدفعه إلى محاولة الدخول إلى ماهية النص إلى حد التماهي أحيانا .
اللغة هي كائن متحرك عبر الزمن والمكان والتاريخ، فالشاعر حينما يكتب نصا فهو يقوم باستدعاء فضاء شعوري يتكون من عدة معطيات وربما شفرات رمزية، ولكن هذه الشفرات لا يمكن أن تتحول إلى تلك المثيرات ما لم يقم المتلقي بفك رموزها، وهذه الرموز يمكن أن تكون رموزا ثقافية متشكلة في وعي القارئ أو حتى رموزا حياتية من خلال تجارب عاشها القارئ أو حتى أحاسيس ورغبات مكبوتة، لذلك فإن اللغة هي المكون الأول لماهية النص، ومن ثم تتأتى المعطيات الأخرى كالخلفيات النفسية، أو السيسولوجية، أو حتى التاريخية .
إن الترابط العضوي بين اللغة المكونة للنص والمحيط الثقافي ذو ارتباط وثيق، فاللغة هي القادرة على بيان الفضاء الثقافي للنص، كما بينت ذلك جوليا كرستيفا في كتابها علم النص وقد أطلقت عليه مصطلح الأيدلوجيم .2
إن الخلفيات الكامنة وراء الكلمة هي القادرة على جذب القارئ لأنها تستعديه نحو فضاءات معينة ذات تكوينات متنوعة، تمتاز بحساسية عالية لدى القارئ فمحمود درويش عندما يستدعي حنينه لأمه وخبزها وقهوتها، فإنه يمارس على القارئ هذه اللعبة التي تعمل على خرق العوالم النفسية للقارئ، ومن ثم توجيهه نحو نقطة معينة تعمل على تحفيز التوترات العصبية، وبالتالي تحقيق الإعجاب بالنص، معتمدا على معطيات عدة أهمها: اللغة المختارة بعناية ورمزية اللغة، ومن ثم ذاكرة هذه اللغة و قدرتها على تحقيق التداعي المطلوب .
و تعمل اللغة على خرق الحدود الفاصلة بين الشاعر والمتلقي، وهنا يعتمد الشاعر على لغة مشتركة ذات مستوى متوسط لكن ذات ذاكرة جمعية واحدة، فهي توترية متشابكة تعمل على بناء رمزية عاليه بنقل المحسوسات إلى حالة مجردة كما ذكرت سابقا وربما كان سعدي يوسف أفضل من نتخذه مثالا على هذا النموذج :
" لليوم الثالثِ
لم أتناولْ قهوةَ صُـبحٍ ؛
ليس لأني لا أعرفُ كيف أُعِــدُّ القهوةَ
أو أني لم أشــتَـرِ بُـنّـاً
لا سُــكّـر
قد تتساءلُ : " ما شأني؟
" حقاً … ما شأنُكَ أنتَ ؟
ســواءٌ ، كانت لي قهوةُ صُبحٍ أم لم تكنِ
… الغيمُ ، مُسِــفٌّ ، دانٍ ،
هذا اليومَ ولم تَــتَــراءَ الشمسُ تماماً ، كالقهوةِ ،
منذ ثلاثةِ أيّــامٍ وأَزِيدُكَ أن فتاتي لم تأتِ ، ولم تهتفْ ، منذ ثلاثةِ أيّــامٍ
وأزيدُكَ أكثرَ أنّ قوائمَ باهظةً للغاز أتتني منذ ثلاثةِ أيامٍ …
وأخيراً : أنباءُ جنودِ " الحرس الأســود
" The Black Watch في بابلَ
… أنتَ صديقي العالقُ ، مثلي ، بالإنترنت
أنت صديقي ؛ إنْ لم أشْــكُ لكَ البلوى ، فَـلِــمَــنْ أشــكو ؟
الشاعر هنا يقيم حوارا مع القارئ، ولكنه حوار لا يمكن أن يحقق وظيفته ما لم يلجأ الشاعر إلى لغة رمزية تتواطأ مع القارئ، وهنا كان لكلمات القهوة والغاز والفتيات والانترنت أثر كبير إذ عملت على هدم الحدود الفاصلة بين الشاعر والمتلقي، وقامت أيضا بصنع ذاك الفضاء الثقافي الخاص بالشاعر، ونقله إلى أفق الكاتب .
إن إدخال كلمة (الانترنت) ضمن قصيدة شعرية، وربطها بكلمة ( العالق ) هي محاولة بناء صورة كلية بمعطيات كاملة، فالقارئ هنا يتوتر عصبيا إذ لامس في ذلك إشكالية وجوده، وهنا يكون التطور اللغوي والبنائي عالي الجودة، فالشاعر استطاع أن يطوع اللغة ويدفعها إلى أن تكون لغة شعرية بامتياز، وهنا تظهر ميزة الشاعر المبدع، فالعالم لم يعد يتقبل عالم الشعر المغلق بمعطياته اللغوية وكلماته المكرورة التي لا تمس فضاء المتلقي العصبي كي يتمكن من التحليل، فالإنسان عالق معظم يومه وراء شاشة الحاسوب، أو أمام قناة التلفاز، ولا يمكن أن تقدم له قصيدة تتحدث له عن تهويمات غريبة عنه وعن أفقه وعن مناخه الخاص، وما كان لينجح ذلك، لو لم يعمل الشاعر على توتير اللغة وبنائها ضمن الدرس الانفعالي الشعوري .
إن الشعر هو تكوين أولى عصبي، دعامته الأساسية اللغة، ولكن اللغة ربما تضل الطريق وتضل وبالقارئ أحيانا ،ما لم يعمل المبدع على إيجاد الطريقة المثلى في شحنها بشحنات عصبية، وتحميلها أفقا ومناخا ثقافيا مشبعا بالصور والروائح والأحاسيس والانفعالات أو ما يمكن أن نطلق عليه الوجدان أو اللذة، والتي تتجاوز مفهوم الإدراك الناتج عن طبيعة المنبه إلى مفهوم المعرفة واتخاذ المواقف ، وهكذا تتطور حساسية القارئ اتجاه الكلمات القادرة على مخاطبة كيانه العصبي بكل ما مختزن فيه من مواقف وصور و روائح وانفعالات وردود أفعال.



#رامي_أبو_شهاب (هاشتاغ)      



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- نشيد نانا
- ألف ليلة وليلة / السرد الخائف
- إغواء النسق وأيدلوجيا الخطاب / قراءة في رواية إبراهيم نصر ال ...


المزيد.....




- كيف ألهمت ثقافة السكن الفريدة في كوريا الجنوبية معرضًا فنيا ...
- شاهد: نظارة تعرض ترجمة فورية أبهرت ضيوف دوليين في حدث هانغتش ...
- -الملفوظات-.. وثيقة دعوية وتاريخية تستكشف منهجية جماعة التبل ...
- -أقوى من أي هجوم أو كفاح مسلح-.. ساويرس يعلق على فيلم -لا أر ...
- -مندوب الليل-... فيلم سعودي يكشف الوجه الخفي للرياض
- الموت يفجع الفنانة اللبنانية كارول سماحة بوفاة زوجها
- وفاة المنتج المصري وليد مصطفى زوج الفنانة اللبنانية كارول سم ...
- الشاعرة ومغنية السوبرانوالرائعة :دسهيرادريس ضيفة صالون النجو ...
- في عيد التلفزيون العراقي... ذاكرة وطن تُبَثّ بالصوت والصورة
- شارك في -ربيع قرطبة وملوك الطوائف-، ماذا نعرف عن الفنان المغ ...


المزيد.....

- طرائق السرد وتداخل الأجناس الأدبية في روايات السيد حافظ - 11 ... / ريم يحيى عبد العظيم حسانين
- فرحات افتخار الدين: سياسة الجسد: الديناميكيات الأنثوية في مج ... / محمد نجيب السعد
- أوراق عائلة عراقية / عقيل الخضري
- إعدام عبد الله عاشور / عقيل الخضري
- عشاء حمص الأخير / د. خالد زغريت
- أحلام تانيا / ترجمة إحسان الملائكة
- تحت الركام / الشهبي أحمد
- رواية: -النباتية-. لهان كانغ - الفصل الأول - ت: من اليابانية ... / أكد الجبوري
- نحبّكِ يا نعيمة: (شهادات إنسانيّة وإبداعيّة بأقلام مَنْ عاصر ... / د. سناء الشعلان
- أدركها النسيان / سناء شعلان


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - رامي أبو شهاب - اللغة الحافز والمؤثر