أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - مقابلات و حوارات - فاطمة الفلاحي - نقد الفيلسوف آركون العقل الديني الإسلامي ومشكلته اللاهوتية ، برأيك ماسعة مفهوم الاستشراق عند محمد آركون ؟















المزيد.....

نقد الفيلسوف آركون العقل الديني الإسلامي ومشكلته اللاهوتية ، برأيك ماسعة مفهوم الاستشراق عند محمد آركون ؟


فاطمة الفلاحي
(Fatima Alfalahi)


الحوار المتمدن-العدد: 5694 - 2017 / 11 / 10 - 12:49
المحور: مقابلات و حوارات
    


لم أذعن للموضة العابرة ولم أعتمد مصطلح ما بعد الحداثة وإنّما اخترعت مكانه مصطلحا جديدا هو: العقل الجديد المنبثق الصاعد. وأعتقد أنّه الأفضل والأكثر تعبيرا عن حاجياتنا الفكريّة حاضرا ومستقبلا». محمد أركون
16.ب نقد الفيلسوف آركون العقل الديني الإسلامي ومشكلته اللاهوتية ، برأيك ماسعة مفهوم الاستشراق عند محمد آركون ؟ " من "دهشة فعل التفلسف كعقلنة " الحلقة السادسة عشر - الجزء الثاني من حوارنا مع البروفيسورة خديجة زتيلي في "بؤرة ضوء" 



https://i58.servimg.com/u/f58/19/60/38/08/5510.jpg


خديجة زتيلي:
نَشر أركون أطروحته للدكتوراه سنة 1970 بعنوان: النزعة الإنسانية والعقلانيّة العربيّة في القرن الرابع الهجري ، ويمكن القول أنّ مشروعه الفكري والفلسفي بدأ بالتبلور منذ سبعينيات القرن الماضي حيث حاول تشخيص المرض في العالم الإسلامي وحالة التخلّف التي يعاني منها، واضعاً نصب عينيه فكرة البحث عن حلول عمليّة لإخراجه من حالة الضياع تلك، وستستمرّ هذه الأطروحة في كتابه الهامّ ((نقد العقل الإسلامي))، بل إنّ الكتاب قد وضع لهذا الهدف. ويستخدم فيه أركون أساليب نقديّة جديدة تتفحّص بنيته الداخليّة لغربلته ودراسته دراسة تاريخيّة لا تكون فوق النقد أبداً، وهو يعترف فيه بمقاصده فيقول في ص 29: «أنا لا أفْصل التنظير عن التطبيق من هنا عنوان العلم الذي أحاول بلْورته لفهم التُراث العربي الإسلامي وتشخيص مشاكل المجتمعات العربيّة والإسلاميّة: إنّه علم الإسلاميات التطبيقية». ينتقد أركون الإسلاميّات الكلاسيكيّة / التقليديّة أو الاستشراق ويحاول جاهداً تجاوز المنهج الفيلولوجي إلى المنهج التاريخي في تحليلاته ودراساته النقديّة للتراث العربي والإسلامي، مُستفيداً في ذلك من الفتوحات العلميّة والمنهجيّة للقرن العشرين، مُقترحاً قراءات مُتعدّدة للتراث الديني تستند على العلوم الإنسانيّة كافة: علم التاريخ، علم النفس، علم الاجتماع، علم اللسانيات، علم الدلالات اللغويّة، الأنثروبولوجيا، وعلم الأديان المقارن وغيرها، ساعياً أنْ لا تنغلق القراءة النقديّة داخل المثال الغربي وتوجّهاته المنهجيّة، وكأنّه مصدر للكونيّة المطلقة كما صرح في كتابه ((تحرير الوعي الإسلامي: نحو الخروج من السياجات الدوغمائيّة المغلقة)).

يرفض أركون تطبيق المنهج الفيلولوجي على دراسة التراث العربي، والإسلامي منه بشكل حصري، ويوجّه نقده إلى الاستشراق الألماني في القرن 19 على وجه الخصوص، فمن مُقْتضيات هذا المنهج دراسة معاني الكلمات وتتبّع مَنْشأها وعلاقتها في الفضاء النصّي أو التناصي، وقد يلجأ أحياناَ إلى دراسة مقارنة بين النصوص أو بين اللُغات بحثاً عن أصل المعنى ومدى أصالة النصّ من حيث انتمائه إلى مُؤلفهِ. والدارس الفيلولوجي في سياق النصّ الأركوني ليس جزءا ممّا يدرس، فهو شيء والنصّ شيء آخر، فلا يشكّل موضوعهُ همّا حضاريّا ولا يعدو أنْ يكون همّا أكاديميّا على أكثر تقدير، وهو في هذا المسعى يُسقط من اهتمامه البُعد الاجْتماعي التاريخي المعيش وتَعْقيداته، إنّ المنهج الفيلولوجي بتقدير أركون نموذج إنساني للمعرفة والتقصّي وليس بوسعه أن يكون النموذج الإنساني الوحيد. في حين يحاول المنهج التاريخي أن يدرس النصوص في حركيّتها التاريخيّة من حيث تفاعل المتلقّي مع مُقتضيات النصّ، لذلك يكون هذا المنهج أكثر مُلاءمة لدراسة التُراث العربي الإسلامي وفهم حامل هذا التراث.

إنّ أركون يُنبّهنا، دوماً، إلى ضرورة مُراعاة مختلف الثقافات وقيّمها الفكريّة إذا أردنا أن نفهم الوضع الإنساني في أبعادهِ المختلفة، وينسحب هذا الطرح على دراسة ونقد تاريخ الفكر الإسلامي، الذي أحاطت به تفاصيل ثقافيّة وعقائديّة وديانات غير إسلاميّة في عصوره الأولى. ومن هنا تأتي ضرورة عدم الاعتماد على التاريخ الرسمي فحسب، بل يجب الالْتفات إلى مختلف الأحداث السياسيّة والاجتماعيّة والثقافيّة والدينيّة المواكبة لهذا التاريخ، ولفت الانتباه إلى الصراعات العديدة التي كانت تحصل بين المعارضين والأتباع في تلك الفترة التاريخيّة البعيدة. فالتُراث، بشكل عام، هو خُلاصة البشريّة وهو يخضع على الدوام لصيرورة تاريخيّة وثقافيّة واجتماعيّة تُساهم فيها مؤثّرات عديدة وهذا أيضا حال التُراث الإسلامي، ولعلّ هذا ما تجاهله الاستشراق عندما استخدم المنهج الفيلولوجي وركّز جُهوده على التُراث الرسمي والعقلي دون سواه. من هنا تأتي أهميّة استحضار التُراث بشكل علمي وموضوعي يُراعي المؤّثرات السياقيّة التي واكبته، لا استحضاره لأهداف إيديولوجية بغرض الافتخار به في المناسبات، أو لكي يكون وسيلة لتعبئة الجماهير الشعبيّة.

ما يُعاب على الاستشراق أنّ أهدافه كانت اسْتعماريّة وتوسّعية بحْتة، فالاستشراق الذي ذاع صيته في القرن التاسع عشر وسُخّرتْ له الجهود الكبيرة من طرف السياسيّين والعلماء ورجال الدين والعسكريّين وحتى المفكّرين، كان نزوعه عِرقيّا وعُنصريّا ولم تكن أهدافه هي معرفة الحقيقة. ولذلك ظلّتْ الإسلاميّات الكلاسيكيّة تحت وطأة النزعة الاستعماريّة التوسّعيّة والمفهوم السلبي للعقل الإسلامي وللمسلمين وللعرب بوجه عامٍ، إذ يُلاحَظ أنّ الاستشراق التقليدي لم يوفّق في النظر بعين نقدية وموضوعية إلى التاريخ العربي وإلى التُراث الديني الإسلامي. وانطلاقاً من مبادئه وأهدافه، ذات الأساس غير العلمي وغير الموضوعي وغير الإنساني، ظلّ فهْم الغرب للإسلام ناقصاً مشوّهاً وغير صحيح، ولم يتم التفاعل مع المضامين التراثيّة العربيّة بشكل موضوعي وإنساني، ولعلّ مسألة استخدام المنهج التاريخي في دراسة التراث الديني هو الذي لفت الأنظار إلى أركون وإلى اقْتداره وجُرأته. فقد تعامل مع المنهج التاريخي، الذي كانت مدرسة الحوليّات الفرنسيّة قد دشّنتهُ، لكي ينتقد منظومات الفقه القديم، وتحامل في الوقت نفسه على المنهج الفيلولوجي، ومن الأهميّة بمكان التذكير أنّ التمرّد على هذا الأخير لم يكن من السهولة بمكان في سبعينيات القرن الماضي، إذْ كان الفكر الغربي عموماً والفكر الفرنسي خصوصاً قد دَرَجا على هذا الدستور العلمي منذ عقود من الزمن.

كان الخوض في مثل هذه المسائل في نهاية الستينيات من القرن الماضي ضرباً من ضروب المجازفة، ويكشف نصّه ((نقد العقل الإسلامي)) في ص 25 منه عن القلق الذي كان يَنْتابه جرّاء اختياراته العلميّة والمنهجيّة في أكبر وأعرق مؤسّسة علميّة في أوروبا وفرنسا جامعة السوربون فيكتب قائلاً: «كان ينبغي عليّ أن أراعي وأجامل حتىّ أساتذتي في السُوربون لماذا؟ لأنّهم كانوا قد بَقوا تقليديّين من الناحيّة المنهجيّة. لقد ظلّوا بمنأى عن هذا الغليان الفِكري والتجديد المنهجي لمدرسة الحوليّات وطفرة العلوم الإنسانيّة التي ذكرتها للتوّ. لقد ظلّوا مُتشبّثين بالمنهجيّة الفيلولوجيّة القديمة للاستشراق الكلاسيكي». ففي نقد العقل الإسلامي يُغوص أركون عميقاً في السياق الفلسفي والعلمي للتاريخ الإسلامي، محاولاً في الوقت نفسه تناول عصر الإيديولوجيّات التي أطنبتْ في الحديث عن التراث دون أن تقوم بتحليله أو النفاذ إلى عمقه، إنّه يحاول قراءة التراث قراءة جديدة تحفر في الفكر حفراً إبستيميّاً كالذي قام به الفيلسوف الفرنسي المعاصر ميشيل فوكو في كتابه الشهير، ((الكلمات والأشياء)) عندما تناول تاريخ الحضارة الغربيّة بالتحليل والنقد. ومن المفيد التنبيه في هذه الفقرة إلى مصطلحين: الإبستيميائي و الإبستيمولوجي ، وهما لا يحملان نفس الدلالة عند أركون، ولكن لا ريب أنّهما يتكاملان لفكّ لغز الخطابات الاجتماعيّة القديمة، وتعني الإبستيميّة في ((نقد العقل الإسلامي)): «مجمل العلاقات التي وُجِدت في فترة ما من فترات التاريخ بين مختلف مجالات العلم والمعارف ومختلف الخطابات التي قيلت في القطاعات العلميّة المتنوّعة التي تشكّل النظام المعرفي لتلك الفترة. وبالتالي فالإبستيميه تعني نظام الفكر أو النظام التحتي العمقي الذي يتحكّم بفكر فترة كاملة من فترات التاريخ.«

ينْتقد أركون بصرامته المعْهودة وبصراحتهْ المباشرة الأفكار الدوغْمائيّة والاتّجاهات المسيطرة في التاريخ الإسلامي من الشيعة والسنّة، تلك الاتّجاهات التي أغلقتْ باب الاجْتهاد وزجّتْ بالعقل الإسلامي في مَنظومات فكريّة مُغلقة، ولذلك نجده في كتابه ((تحرير الوعي الإسلامي)) يُفكّك الانْغِلاقات الدينيّة والسياجات العقائديّة من خلال نقده للعقل اللاهوتي والتعصّب الفكري والديني ولظاهرة الأصوليّة، وهذا بهدف إخراج العقل الإسلامي من النظرة الضيّقة ومن المذهبيّة والطائفيّة التي تدّعي كلّ واحدة منها امتلاك الحقيقة المطلقة، وهو الوضع الذي يعصف بالعقل الإسلامي في العقود الأخيرة. فقد بدأ الانْسداد التاريخي عندما انْتصر منطق الحنابلة على منطق المعتزلة قبل ألف عام، ولذلك نجده يركّز جهوده على إبراز الجانب الإنساني والعقلاني في التاريخ الإسلامي، ولم يخف بهذا الصدد تعجّبه من انهزام فكر المعتزلة، الفكر الأكثر عقلانية في تاريخ الفكر الإسلامي، أمام فكر الحنابلة الأرثوذكسي، الذي سيتمظهر في الفكر المعاصر في التيارات السلفيّة وفي الأصوليات الوليدة، فيعاني المسلمون اليوم من انقطاعهم عن ماضيهم المشرق وهو العصر الذهبي للفكر الإسلامي الذي تُمثّله المعتزلة من جهة، وانْقطاعهم عن مُسْتجدّات العصر والحداثة من جهة ثانية.

سعى الفكر الحداثي الغربي لمحاربة المنظومات المغلقة للعصور الوسطى وظاهرة التعصّب الديني والمذهبي، لكي يُعلي من مكانة الإنسان ومن شأن العقل، وقد تمكّن بالفعل من تجاوز انْغلاقاته العقائديّة وحرّر الدين من صبغة التزمّت فأعطى له أبعاداً إنسانيّة وروحيّة جديدة، وتخلّص شيئاً فشيئاً من سطوة الإيديولوجيّات التي كانت لا تؤمن بشرعيّة الاختلاف. أما المشكلة الأساسيّة المطروحة على المسلمين اليوم في نقد العقل الإسلامي فهي «في كيفيّة الانتقال من مرحلة العقل الديني إلى مرحلة العقل العلمي أو العلماني الفلسفي من دون التضحيّة بجوهر الدين أو مثله الأخلاقيّة العُليا وروحانيته. وهذا يعني أنّ نقد العقل الإسلامي لن يؤدي إلى الإلحاد أو العدميّة كما يخشى بعضهم وإنّما إلى إيمان جديد» كما يتصوّرها هاشم صالح في تقديمه وشرحه لكتاب أركون ((الهوامل والشوامل: حول الإسلام المعاصر)). فتفكيك الرواسب التراثيّة وكسر اليقينيّات المطلقة ومساءلة التاريخ الإسلامي بمناهج علميّة حديثة سيؤدي، لا محالة، إلى تديّن عقلاني مُستنير. وتَنْصبُّ الجهود العلميّة والفكرية لأركون في هذا الهدف، على مقاومة الظاهرة الأصوليّة لا الظاهرة الدينيّة، وهو الذي غاص في تحليل الدين عميقاً بمناهج علميّة حديثة وأفضتْ تحليلاته في هذا المجال إلى التفريق بين الظاهرة القرآنيّة والظاهرة الإسلاميّة، فالأولى تتعلّق بالنصّ المقدّس، أماّ الثانيّة فتتعلّق بالتراث الفقهي والتفسير وكتب الشروح المتعلّقة بالعقائد والمذاهب الدينيّة التي تشرح النصّ القرآني.

إنّ الحدث الإسلامي متأخّر عن الحدث القرآني وهو مرتبط بعمليّة التدوين وفكر الفُقَهاء وكتّاب السيرة، ونقد العقل الإسلامي جعل أركون ينْخرط انخراطاً عميقاً واعيّاً في بنيته الداخليّة، فيحلّل بشكل عميق الظاهرة القرآنيّة والظاهرة الإسلاميّة، وهذا من أجل تتبّع المسارات التاريخيّة لهذا العقل وخاصّة خلال القرون الأولى منه، ويوضّح أركون في كتابه ((نقد العقل الإسلامي)) في ص 85 أنّه «لا ينبغي الخلط هنا بين العقل الإسلامي الكلاسيكي والعقل الكلاسيكي في السياقات الإسلاميّة. فالأول دينيّ محض أمّا الثاني فيشمل الديني وغير الديني. ينبغي العلم بأنّ العقل الكلاسيكي يشمل مجمل ما ندعوه بالعلوم العقليّة». وحسب تقدير أركون ثمّة مسائل كثيرة تحتاج إلى نقد تاريخي وإلى حفْر أركيولوجي عميق في طبقات العصور المتراكمة، ويتعلّق الأمر بالقرون الستة الأولى من الإسلام التي لا تزال لاهوتيّة وأسطوريّة وفوق النقد. فالدراسة العلميّة والموضوعيّة تقتضي تسليط النقد على تلك الفترة التاريخيّة، بُغية غربلتها والنظر إلى التراث الإسلامي نظرة تجديديّة من شأنها أن تُضيء على جوانبه العقليّة والإنسانيّة، وتكشف في الوقت نفسه على زواياه المعتّمة والأسْطوريّة، فبدون مواجهة الذات التاريخيّة مُواجهة حقيقيّة لا يمكن بأي حال من الأحوال التحرّر من سلطة الماضي وجبروته.

يهدف أركون إلى تقديم صورة صحيحة عن التراث الإسلامي، ويعمل على عدم انْتصار الأفكار الأرثوذكسية المغلقة من أجل تحرير الوعي الإسلامي، هذا الأخير، في رأيه، لن يتحرّر بدون النظر إلى الغرب والحداثة نظرة تاريخيّة لا تتعصّب للرأي ولا تُناصب الآخر العداء المجاني، إنّ ما يدعوه أركون بـــ العقل الجديد المنبثق الصاعد تنتظره مهّام كبيرة. ويلتمس أركون للحركات الأصوليّة والسلفيّة المسيطرة على الشارع العربي والإسلامي اليوم بعض العذر، قائلاً: «هذه الحركات تُعاني من فقر فكري مدقع لسببين: أولهما أنّها مَقْطوعة الصلة مع الفكر اللاهوتي الإسْلامي الكلاسيكي الجادّ، وثانيهما أنّها مقْطوعة الصلة أيضاً بالبحوث العلميّة والفلسفيّة الحديثة.. والواقع أنّ الجمود الفكري واللاهوتي يسيطر على عقليّة قادة هذه الحركات.. إنّها وريثة عصور الانحطاط الاجتراريّة التي لم تُبْدع شيئاً»، وجذير بالاهتمام التوسّع في هذه الفكرة في كتابه ((تحرير الوعي الإسلامي)) ص 46 وما يليها. فمعركة التنويريين العرب اليوم هي العمل على جبهتين، أولاً: العودة إلى التراث العقلي في الحضارة الإسلاميّة والتركيز عليه بشكل كبير، وتعليمه لطلاب المدارس والجامعات والتشجيع على الإقبال عليه في البحوث والدراسات الجامعيّة. ثانيا: تمكين الناشئة من اللُغات الأجنبيّة وثقافاتها من أجل المقارنة بين التجارب الإنسانيّة المختلفة فهذا من شأنه أن يخلق روح المنافسة عندهم، وكذا الاهتمام الكبير والجادّ بحركة الترجمة، ونقل التراث الإنساني العالمي إلى اللغة العربيّة، فلن نخرج من ورطة التخلّف إلاّ بسياسات تعليمية رشيدة تتبنّى قيم النهضة والحداثة والتنوير. كما وأنّ الإصلاح الديني يجب أن يكون مواكباً للإصلاح السياسي، ودون ذلك لن تتقدّم المجتمعات العربيّة في مشروع الاستنهاض المأمول.

هل نعيش اليوم المرحلة التي تسْبق التنوير؟ فنقول أنّ الحركات الأصولية التي تتكاثر اليوم بشكل ملفت للعيان تجعل من التنوير ضرورة ملحة؟! هل يمكن أن نستفيد من الدرس الفلسفي الغربي الذي يُعلّمنا أنّ بطش الأصوليّات الدينيّة في العصور الوسطى وهيْمنتها على رِقاب الناس زمناً طويلاً جعل من التنوير مآلا حتمياً؟ وهل التنوير قادم في بُلداننا العربيّة والإسلاميّة بالنظر إلى واقع الحال المزري؟ أيمكنُ استيعاب مشروع أركون الفلسفي في نقده للعقل الإسلامي على المدى المنظور، وأطروحاته لتحريره من السياجات الدوغمائيّة المغلقة نحو إسلام مُستنير يتحاور مع قيّم الحداثة الغربيّة بدون تشنّج ولا مزايدة؟ وهل يمكن استيعاب حُرقة الرجل الفكريّة والوجدانيّة وتحسّره على المآلات الراهنة للفكر الإسلامي والواقع العربي؟ قد نحتاج إلى بعض الوقت لاستيعاب هذه الأسئلة الحائرة الغائرة في الروح، ولكنّ المهمّ أنْ لا نضيّع حياتنا في مُراوحة المكان وإعادة طرح السؤال التنويري في كلّ مرّة.

إنّ مفكّرا بقامة أركون لا ينتهي الكلام حولهُ وحول نصوصه التي توزّعتْ على أكثر من أربعين عاما من عمره في التفكير والكتابة، طامحا من خلالها إلى حفر عميق من أجل تجديد العقل الإسلامي والنبش في بنيته الداخليّة وفي جوانبه المتَكلّسة والمتَحجّرة، فلا مندوحة للذات العربية والإسلاميّة عن التصالح مع ماضيها لكي تعْبر بسلام إلى المستقبل. لقد هزّ أركون اليقينيّات الكلاسيكيّة واعْتبر التديّن العقلي المستنير هو الحلّ الحضاري للعرب والمسلمين، وتتجلّى أهميّة المشروع الأركوني في كوْنه ينْحاز بوضوح إلى التمرّد على النظرة السلفيّة للتراث على الصعيد الأول، وعلى النظرة المتطرّفة للحداثة على الصعيد الثاني، ويدعو إلى خطاب معتدل يتمّ الانخراط من خلاله في التُراث من جهة وفي الحداثة من جهة أخرى، والدعوة الملحّة إلى تجاوز المركزيّة التُراثية كما المركزية الغربية المعاصرة ، إلى خطاب عقلاني رصين يُصالح بين الاثنين.

.
انتظروا الحلقة السابعة عشر من بؤرة ضوء وحوارنا مع استاذة الفلسفة خديجة زتيلي في "دهشة فعل التفلسف كعقلنة "



#فاطمة_الفلاحي (هاشتاغ)       Fatima_Alfalahi#          



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- - هل أوجد الفيلسوف محمد أركون البديل الناجع من المنهجيات الع ...
- - لم سيّد أفلاطون الرجل ومَنحه سمة الحبّ فقط وجعل مرتبة المر ...
- - الإدراك الفردي من خلال المفاهيم الكليّة في فلسفة كروتشه - ...
- - هل أسّس كروتشه لنفسه فلسفة جديدة كلغة تعبيريّة لكتابة فلسف ...
- - فن الشعر ضرب من ضروب المحاكاة - من -دهشة فعل التفلسف كعقلن ...
- - المحاكاة الغريزية في فن الشعر لأرسطو - من -دهشة فعل التفلس ...
- - هل أنتم محصنون ضد الحريم* - - من -دهشة فعل التفلسف كعقلنة ...
- - وجهة الوعي العقلاني الليبرالي في مرحلة ما بعد الحداثة - من ...
- - وجهة الوعي العقلاني الليبرالي في مرحلة ما بعد الحداثة - من ...
- - الانفتاح الكوني والثورة المعلوماتية - من -دهشة فعل التفلسف ...
- - الثقافة النسقيّة عند الناقد الأدبي عبد الله الغذامي - من - ...
- اشتهرت الخنساء بمرثيتها لأخيها صخر وأسبازيا اشتهرت بخطابها ا ...
- - هل اختلف وضع المرأة العربية بشكل عام عن وضع المرأة الأثنية ...
- -هل وجدت أن انزلاقات أفلاطون بالحديث عن المرأة بصورة متدنيّة ...
- -هل تجدين أن الشعوب العربية في الوضع الراهن بحاجة الى الوعي ...
- هل يجب على الفيلسوف أن يجدد من لغته الفلسفية ليجاري فكر القا ...
- - هل خانتك اللغة يوما ووجدت أن الفكرة أعقد وأكبر من أن تسعها ...
- - تعددت اللسانيات ، فبأي لغة تكتبين الفلسفة ؟- من -دهشة فعل ...
- ((إدغار موران والفكر المركّب/ الفكر المعقّد)). من -دهشة فعل ...
- ((إدغار موران وتعليم فنّ الحياة في الزمن الراهن)). من -دهشة ...


المزيد.....




- إنقاذ سلحفاة مائية ابتعدت عن البحر في السعودية (فيديو)
- القيادة الأمريكية الوسطى تعلن تدمير 7 صواريخ و3 طائرات مسيرة ...
- دراسة جدلية: لا وجود للمادة المظلمة في الكون
- المشاط مهنئا بوتين: فوزكم في الانتخابات الرئاسية يعتبر هزيمة ...
- ترامب: إن تم انتخابي -سأجمع الرئيسين الروسي الأوكراني وأخبر ...
- سيناتور أمريكي لنظام كييف: قريبا ستحصلون على سلاح فعال لتدمي ...
- 3 مشروبات شائعة تجعل بشرتك تبدو أكبر سنا
- آخر تطورات العملية العسكرية الروسية في أوكرانيا /19.03.2024/ ...
- إفطارات الشوارع في الخرطوم عادة رمضانية تتحدى الحرب
- أكوام القمامة تهدد نازحي الخيام في رفح بالأوبئة


المزيد.....

- قراءة في كتاب (ملاحظات حول المقاومة) لچومسكي / محمد الأزرقي
- حوار مع (بينيلوبي روزمونت)ريبيكا زوراش. / عبدالرؤوف بطيخ
- رزكار عقراوي في حوار مفتوح مع القارئات والقراء حول: أبرز الأ ... / رزكار عقراوي
- ملف لهفة مداد تورق بين جنباته شعرًا مع الشاعر مكي النزال - ث ... / فاطمة الفلاحي
- كيف نفهم الصّراع في العالم العربيّ؟.. الباحث مجدي عبد الهادي ... / مجدى عبد الهادى
- حوار مع ميشال سير / الحسن علاج
- حسقيل قوجمان في حوار مفتوح مع القارئات والقراء حول: يهود الع ... / حسقيل قوجمان
- المقدس متولي : مقامة أدبية / ماجد هاشم كيلاني
- «صفقة القرن» حل أميركي وإقليمي لتصفية القضية والحقوق الوطنية ... / نايف حواتمة
- الجماهير العربية تبحث عن بطل ديمقراطي / جلبير الأشقر


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - مقابلات و حوارات - فاطمة الفلاحي - نقد الفيلسوف آركون العقل الديني الإسلامي ومشكلته اللاهوتية ، برأيك ماسعة مفهوم الاستشراق عند محمد آركون ؟