ناهض موسى
الحوار المتمدن-العدد: 5692 - 2017 / 11 / 8 - 13:55
المحور:
الصحة والسلامة الجسدية والنفسية
Mental Health& psychological Terrorism
الإرهاب مأخوذ من رهب بالكسر , يرهب , رهبة , رهباً وهو بـمعنى :
"خاف مع تحرز واضطراب " (ابن منظور , 1930, ص1234) .
أي أن العناصر المكونة للمفهوم لغوياً لا تتعدى الخوف والوعيد والفزع .
وأجمعت معظم القواميس العربية والأجنبية أن المعنى السيكولوجي للإرهاب بمعنى: ألقى الرهبة بين الناس ونشر الرهبة في جميع الأمكنة التي يمر بها ، وزرعها في كل مكان ونشر السلوك المشوب بالقسوة والعدوان، والقهر والإكراه..
فهو سلوك بعيد عن التحضر والتمدن، بل هو تطرف يهدف إلى إشاعة او فرض الرأي بالقوة والفساد من أجل التغير والتدمير.
ويؤكد علماء النفس وبعض الباحثون في العلوم المترابطة معه إن الارهاب يخلق الأزمات وانواع الاضطرابات النفسية ، وتدهور الصحة النفسية Mental Health..والتي تعني فيما تعنيه: "حالة من العافية الكاملة البدنية والنفسية والعقلية والاجتماعية وليست حال انتفاء المرض او العجز ، وإستغلال الفرد لقدراته الخاصة والتكيّف مع أنواع الإجهاد العادية والعمل بتفان وفعالية والإسهام في بناء مجتمعه .
فالإرهاب النفسي كما يرى (جوليان فرويند Gollin,Freund,2000 )
هو : " استعمال العنف دون تقدير او تمييز بهدف تحطيم كل مقاومة وذلك بإنزال الرعب في النفوس , والقضاء على الكائنات , وتدمير الممتلكات واستعمال العنف بشكل منسق لتخويف النفوس وإزهاقها , واستعمال جثث الضحايا لزرع اليأس في قلوب الأحياء ".وكما يرى ( دان فيرتونDan verton,2003) ان الارهاب النفسي هو :" شكل من أشكال العنف الذي يبذر الخوف في قلوب الناس وعقولهم عن طريق القوة المدمرة ومقدرتها على إشاعة الفوضى والدمار والمتاعب النفسية "
( Dane, 2003, p40 ) .
ومن المفيد أن نذكر ان آثار الحرب او الارهاب او القمع او الحصار او العقاب الجماعي (أي الافعال التي هي من صنع الانسان) يفوق تأثيرها المدمر آثار الأزمات الأخرى التي تنشأ من كوارث طبيعية على الأفراد والجماعات ، وتكون محصلة التعرض للضغوط النفسية هائلة جدا والمتمثلة بآثار شدة الفعل العنيف المفاجئ للصدمة النفسية وما يلحقها من عواقب او ما يعرف اضطرابات الضغوط الصدمية ( Post-traumatic stress Disorder) ، إذ تدل الإحصائيات أن 9% من سكان العالم يعانون من اضطرابات ما بعد الضغوط الصدمية , وقد كشفت الدراسات النفسية عن وجود نصف مليون محارب أمريكي يعانون من هذه الاضطرابات بعد مرور (15) سنة على انتهاء الحرب الأمريكية الفيتنامية وان أكثر من (25%) من سكان يوغسلافيا السابقة الذين شهدوا الحرب العرقية يعانون من الصدمات النفسية وأن (65%) من البوسنيين يعانون من الاضطرابات !..
كما ان الأبحاث العلمية الحديثة أثبتت أن الآثار النفسية التي تتمثل بآثار شدة الفعل تمثل (30%) بين الافراد ممن خبروا او شاهدو مآسي وأحداث الارهاب وظهرت عليهم اعراض نفسية تلازمهم طوال حياتهم تحول من دون العودة الى حياتهم الطبيعية قد تأخذ هذه المشكلة نمطين بارزين :
1- شكل أعراض ضغوط نفسية حادة (Acute stress Disorders)
2- او شكل أعراض ضغوط وصدمات نفسية متبقية آثارها من الماضي
Post-traumatic stress Disorder ) ) (هيلز,1999,ص75).
ولا يخفى ان الأجواء الإرهابية المفزعة وما يرافقها من قلق ورعب واضطراب التي يوجدها الارهاب لا تستثني احدا وبخاصة النساء والاطفال والمراهقين او من هم في بداية الشباب .وعندما يواجه الإنسان في حياته اليومية ضغوطاً نفسية (Stresses) متعددة . وأحداث خارجه عن إرادته ، أو متطلبات استثنائية ، أو مشاكل أو صعوبات تجعله في وضع غير اعتيادي تسبب له توتراً أو تشكل له تهديداً يفشل في السيطرة عليه ، ينجم عنه ضعف المناعة النفسية وإصابته بعاهات واضطرابات نفسية متعددة لعل أهونها: القلق والمخاوف المرضية (الفوبيا) والاكتئاب والهستيريا والأفكار التسلطية وعصاب الحرب، فضلا عن إصابة البعض بالكثير من الأمراض السايكوسوماتية Psychosomatic النفسية المنشأ (نفسية - جسمية) كارتفاع ضغط الدم الشرياني او انخفاضه والسكري وقرحة المعدة وامراض القلب والروماتيزم وتهيج القولون ...وغيرها.
وفي دراسة اجراها الدكتور ناهض موسى عن الارهاب النفسي على عينة من الشباب العراقي بلغ قوامها (500) فرد من كلا الجنسين الساكنين في محافظة بغداد كونها اكثر المدن العراقية او العربية تعرضا لهجمات الارهاب بما يتصل بجرائم العنف والترهيب والتفجير وأعمال الخطف والاغتيال والقتل والتهجير والطائفية.. وجد الباحث ان أفراد العينة يعانون أيما معاناة من إرهاب نفسي ترافق : بالشعور بقلق نحو المستقبلanxiety Future اي عدم الثقة بالمستقبل وما يخفيه فيصبح الفرد متشائما من الحياة معتقداً قرب أجله، وأن الحياة أصبحت نهايتها وشيكة...
وفقدان الأمن النفسي psychological security وهو محور أساسي آخر من محاور الصحة النفسية يقترن بعدم الطمأنينة النفسية أو الأمن الشخصي، وعدم الاستقرار والتحرر من الخوف والقلق على النفس والممتلكات. فضلا عن الشعور بالتوتر Tension واضطرابات النوم.. فبات الشباب يفضلون المكوث في بيوتهم أياماً وأياماً عند توقع حدوث أعمال إرهاب ،مما يشكل إعاقة لتحقيق أهدافهم وطموحاتهم وأحلامهم ( إحباط Frustration) ناهيك عن خلو شوارع بعض المناطق المستهدفة من المارة لعدة أسابيع تجنباً من وجود حادث إرهابي آخر ، فالفرد يميل جاهدا لتفادي اي متغيرات مرتبطة بالحوادث الأليمة فنجده يتجنب ذكر هذه الحوادث أو زيارة الأماكن التي وقع فيه الانفجار لشعوره بالخوف والتهديد ، علاوة على انتفاض الفرد عند سماعه دوي الانفجار وتكون لديه أعراض نوبات من القلق والخوف الشديد المسيطر على تفكيره ، حيث لا يدري من هي الجماعة التي ستفتك به ومتى وأين و ما هو المصير. الامر الذي أدى الى عزم بعض الشباب للهجرة الى خارج حدود الوطن او الى المدن المجاورة سعيا للحصول على ملاذ آمن..
وهذه النتيجة اتفقت مع دراسة جورج غالوب ( 2003 : Georg Gallop ) التي أكدت أن ( 50% ) من السكان في الولايات المتحدة توجد لديهم أعراض توتر وريبة وقلق خصوصاً بعد أحداث ( 11/ ايلول/2001 Sheiton,2006,P88).
كما اتفقت هذه النتيجة مع دراسة ثابت 2004 : Thabetet التي اكدت ان اللاجئين الفلسطينيين بعد تهجيرهم من ديارهم وإرهابهم كانوا يعانون من : إحباط وقلق ، وصعوبات في التركيز والاندفاعية ، وعدم التحكم بالعواطف (Thabet,ea al2004,p433-542 ).
كذلك اتفقت مع دراسة بيرز اولمست وآخرون (Perez-Olmost et,al,2005) التي بينت ان الأفراد الذين يتعرضون للحرب والإرهاب يصابون بعاهات نفسية وعقلية تزيد بمعدل (15) مرة اكثر من أولئك الذين لايتعرضون( Perez-olmost et,al2005,p268 ). ، اذ ان الحرب وأعمال العنف والارهاب بحسب منظار ( اريكسون Erikson) تفكك بقذائفها- الاستمرارية السيكولوجية لطمأنة الانسان وسلامة حياته ( Erikson , 1963 , p23) وتصدع في رأسه امكانية التوافق والتحليل السليم لما يجري حوله من أحداث دامية ... في ظل بيئة مشحونة بقذائف الموت والتطرف وغياب الحوار الفكري وانقطاع حبال الأمن... فتجعله يفقد صوابه و إعتلال صحته النفسية .
وبقيت المعاناة كما هي، ومع ما شهده العراقيون من تعذيب وقصف كيماوي، وتفنن في قتل البشر، بما فيه التفخيخ وقطع الرؤوس.. يفوق ما أصاب أي شعب في العالم لم يحظ العراقيون المصدومون نفسيا بأية رعاية نفسية او تأهيل نفسي..
#ناهض_موسى (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
اليوتيوب
لينكدإن
تيلكرام
تمبلر
بلوكر
الموبايل
