Dhafir Moussa
الحوار المتمدن-العدد: 5691 - 2017 / 11 / 7 - 05:46
المحور:
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
(تخاصموا عليها تخاصم اللصوص على نهب انتزعوه من اهله عنوة)
تعتبر قضية فدك المحور الأساسي لما يطلق عليه الشيعة بـ "مظلومية الزهراء" ، و مختصرها أن فدك كانت منحة منحها النبي محمد لابنته فاطمة في حياته واستولى عليها أبو بكر حينما تولى الزعامة السياسية للمسلمين، فثارت عليه فاطمة و طالبته بها فأبى عليها، فمشت إليه مع و صيفاتها و دخلت مجلسه تحاججه و هي تبكي. و تنتهي القصة بغضب فاطمة على أبي بكر حتى ماتت و ضم أبو بكر لفدك إلى بيت المال.
يقف المسلمون عند هذه الحادثة موقفا يثير الدهشة حيث التغاضي التام عن أصل هذه الأرض و كيف وصلت أصلا ليد فاطمة؟ كل التراث الإسلامي السني و الشيعي الذي كتب عن فدك تركز حول من له حق التصرف بفدك ، أبو بكر أم فاطمة؟ و هل الأنبياء يورثون أم لا يورثون؟ و هل الحق فيها لفاطمة باعتبارها الوريث لهذه المنحة أم أنها لبيت مال المسلمين، حيث الأثر السني يقول لا يورثون لحديث (إنا معاشر الأنبياء لا نورث، ما تركناه صدقة) و الأثر الشيعي ينقض هذا و يقول ( و ورث سليمان داوود) أي ورث الملك و ليس النبوة، و بين السنة و الشيعة ضاعت حقيقة فدك حيث أن الجميع تمالأ على إخفاء حقيقة فدك و أصلها و كأنهم تخيلوا أن تأريخها بدأ حينما توفي النبي محمد و بدأ الخلاف عليها بين أصحابه و أهل بيته.
فما هي فدك و ما هي قصتها؟
فدك هي أرض زراعية واسعة الأطراف تقع في واحة تبعد قرابة 180 كم إلى الشمال الشرقي من المدينة و قرابة 120 كم شرق خيبر. كانت فدك تستوطنها قبائل يهودية تمتهن الزراعة حيث كانت مشهورة بزراعة النخيل. تقول المصادر الإسلامية أن أهل فدك حينما وصلتهم أخبار هجوم المسلمين على خيبر و تدمير حصونها و قتل و تشريد أبنائها خافوا على أنفسهم (و قذف الله في قلوبهم الرعب!) من أن يكونوا الضحية التالية بعد تهجير بني قينقاع و نكبة بني النضير و مذبحة بني قريضة إلى أن وصلت جحافل المسلمين إلى خيبر و هي تبعد مسيرة يوم عن فدك، فبعثوا وفدا إلى النبي محمد يتنازلون به عن أموالهم و أرضهم مقابل أن يبقى عليهم و على عيالهم ، فقبل منهم و اصطفاها فدك لنفسه و لم يعط لأحد من المسلمين منها شيئاً، و عندما سئل عنها قال إنها مما أفاءه الله عليه خاصة لأنهم لم يوجفوا عليه بخيل و لا ركاب أي لم يقاتلوا أحداً عليها، و عزز ذلك بآية قرآنية تقول (مَا أَفَاءَ اللَّهُ عَلَىٰ رَسُولِهِ مِنْ أَهْلِ الْقُرَىٰ فَلِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ وَلِذِي الْقُرْبَىٰ وَالْيَتَامَىٰ وَالْمَسَاكِينِ وَابْنِ السَّبِيلِ كَيْ لَا يَكُونَ دُولَةً بَيْنَ الْأَغْنِيَاءِ مِنْكُمْ ۚ وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا ۚ وَاتَّقُوا اللَّهَ ۖ إِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ) و هو أمر واضح بالكف عن المطالبة بها ، و هي آية تشبه كثيرا آية الخمس من سورة الأنفال التي تقول (وَاعْلَمُوا أَنَّمَا غَنِمْتُم مِّن شَيْءٍ فَأَنَّ لِلَّهِ خُمُسَهُ وَلِلرَّسُولِ وَلِذِي الْقُرْبَىٰ وَالْيَتَامَىٰ وَالْمَسَاكِينِ وَابْنِ السَّبِيلِ إِن كُنتُمْ آمَنتُم بِاللَّهِ ) حيث نجد التطابق بين الآيتين واضحا، و كلما قرأت لله و للرسول و لذي القربى فاعلم أنها تعني النبي محمد فقط فهمو ممثل عن الله و ذي القربى هم قرابته، أما المساكين و ابن السبيل فهي لذر الرماد.
بات واضحاً أن فدك هي أرض مغتصببة عنوة من أهلها الذين كانوا بالأساس مزارعين و لم يكونوا محاربين و لم يكونوا يشكلون أي خطر يذكر على المسلمين بسبب بعد المسافة و انشغالهم بزراعتهم ، لكنهم خافوا أن يقع عليهم ما وقع على باقي القبائل اليهودية من جلاء و تشريد و تقتيل و تدمير لحصونهم ففدوا أنفسهم و ذويهم بأن تنازلوا للنبي عن أرضهم و زرعهم و أموالهم. و يسرد المسلمون هذه الأحداث و يذكرونها بنوع من الفخر و الخيلاء على أنها نصرٌ عظيم و مؤزر للإسلام و المسلمين أن يلجأ أصحاب قرية إلى أن يتنازلوا عن أموالهم خوفاً على أنفسهم و من يعولون بسبب الرعب بدون ذنب اقترفوه أو جريمة ارتكبوها. و يقبل منهم النبي محمد هذا التنازل. كنا نتوقع أن يطمأنهم النبي بإنه إنما جاء "رحمة للعالمين" و أن لهم عهد الذمة على أقل تقدير، و لكن هذا لم يحدث. ثم يهب هذه الأرض المغتصبة لابنته فاطمة ، و تقبلها "سيدة نساء العالمين" برحابة صدر متغاضية عن دموع و حسرات أهلها و بكاء أطفالهم و هم يرون حقهم غصب منهم عنوة.
لم يسأل أحد من أصحاب النبي و لا اهل بيته نفسه عن أهل هذا الأرض التي يتخاصمون عليها تخاصم اللصوص على نهب انتزعوه من أهله، فلا أعادها أبو بكر لهم و لا علي بن أبي طالب من بعد أن آل إليه الأمر ، بل أنه تحسر عليها في إحدى خطبه الموثوقة (بلى كانت في أيدينا فدك من كلّ ما أظلّته السماء ، فشحّت عنها نفوس قوم ، وسخت عنها نفوس قوم آخرين ، ونعم الحكم الله) ، و من يقرأ خطبة "سيدة نساء العالمين" و هي تحاجج و تشتم أبا بكر لخيل إلينا بأنها من أهل فدك الأصليين و هاي تنافح عن أرضها ، انظر إليها و هي تنهي كلامها مع أبي بكر (دونكها مخطومة مرحولة تلقاك يوم حشرك. فَنِعم الحَكَم الله ، والزعيم محمد، والموعد القيامة ، وعند الساعة يخسر المبطلون، ولا ينفعكم إذ تندمون، ولكل نبأ مستقر، فسوف تعلمون من يأتيه عذاب يُخزيه، ويحلّ عليه عذاب مقيم.). ثم رَمَتْ بِطَرفها نحو الأنصار فقالت: يا معشر النقيبة، وأعضاد الملَّة، وحَضَنَة الإسلام، ما هذه الغَميزة في حقي؟ والسِّنَة عن ظلامتي؟ أما كان رسول الله (صلى الله عليه وآله) أبي يقول: المرء يُحفظ في وُلده؟ سرعان ما أحدثتم! وعجلان ذا إهالة ! ولكم طاقة بما أُحاول !وقوة على ما أطلب وأُزاول!
هذا طرف من خطابها للأنصار و ترى فيه كيف أنها كانت تأمل أن ينهضوا معها لحرب أبي بكر (ولكم طاقة بما أُحاول !وقوة على ما أطلب وأُزاول!) ، تقول هذا للأنصار بعد كل ما بذلوه و عانوه و خسروه من أجل دعوة أبيها ، سرعان ما تناست كل هذا من أجل أرض لا حق لها و لا لأبيها و لا لأبي بكر فيها.
علينا أن لا نعجب إن رأينا بقايا هذه السلالة تنتحل نفس مهنة الإستيلاء على أموال و حقوق الآخرين و المطالبة به تحت غطاء "الشرع الحنيف" ما دامت البوصلة الأخلاقية تعتمد على من يحركها .. لا على أصل العمل إن كان أخلاقيا بحد ذاته!
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي،
انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة
في دعم هذا المشروع.