2003/02/28
معرض للفنان التشكيلي الكردي فهمي بالاي
في المانيا:
ستوكهولم ـ القدس العربي ـ من عصمان فارس:
الفنان انسان حر طليق يختار ما يشاء
للتعبير عنه وهي مسؤولية الفنان تجاه ارضه
وامته والناس الذين يعيش بينهم.
الواقع ان الفنان لا يملك سوي ان يكون
حرا في اختيار ما يريد التعبير عنه ودون ذلك
يعتبر اهدارا لحريته، فهذا الالتزام هو
الامر النابع من الشعور بالمسؤولية. فهذه
المقدمة عبارة عن مدخل للحديث عن معرض
الفنان فهمي بالاي القادم من كردستان
العراق محافظة دهوك والمقيم في برلين
المانيا.
ويضم المعرض اكثر من عشرين لوحة زيتية
تجمع ما بين الحداثة والتراث. والفنان فهمي
بالاي خريج معهد الفنون الجميلة في
الموصل سنة 1985 وشارك في كافة المعارض الفنية
في الموصل.
وشارك مع عدد من الفنانين الاكراد في
اقامة المعارض الفنية في كردستان العراق في
محافظة دهوك، اربيل، السليمانية ومعرض
الشباب في الموصل. بالاضافة لكونه فنانا
تشكيليا له مساهمات واسعة في كتابة
المقالات الادبية والفنية في بعض المجلات
والصحف الكردية في العراق، تركيا واوروبا،
عمل رئيسا لاتحاد فناني دهوك في كردستان
العراق وحاليا يعمل رئيسا للمركز الثقافي
والفني الكردي في برلين. اقام عدة معارض
شخصية في المانيا ـ وبلجيكا وله كتاب
جاهز للطبع بعنوان تأريخ الحضارة والفن
التشكيلي في كردستان. في معرض الفنان فهمي
بالاي تعيش الفضاء الرحب مع سمات العصر
الذي يعيش فيه، ان اعماله ولوحاته الفنية
تعكس صورة الحياة التي يعيشها من الناحية
الاجتماعية والسياسية والاقتصادية او اي
ناحية لها مساس واتصال مباشر او غير
مباشر بحياته الراهنة، اي ان لكل عصر سمة خاصة
تميزه عن العصور التي مضت والتي سوف ترسم
المستقبل. يقول الفنان فهمي بالاي ان
الانسان لا يستطيع العيش لوحده وانما يعيش
حياة اجتماعية يشترك فيها الانسان مع
غيره، اي ان الفرد ليس ملكا لنفسه بل ملكا
للآخرين، اي الانسان جزء من العصر الذي
يعيش فيه ومن الصعب ان يكون غير ذلك والا سمي
بانسان رجعي ومتخلف وعليه يجب ان تكون
نظرة الفنان لما يريد التعبير عنه نظرة
تتصف بالشمول، وان تكون خبرته بالشيء الذي
يريد التعبير عنه خبرة موضوعية والخبرة
الموضوعية لا تعرف حدا وقصورا مما يساعد
علي انتشار رقعة الفن بين الناس فينال كل
هذا الفن ما يريد وينال كل منه ما يرضاه
لنفسه ويهواه. والمستوي الرفيع من الاعمال
الفنية يأتيه الفنان نتيجة لنظرته
الموضوعية والشاملة تلك النظرة التي يتصف بها
كونه فنانا.
وعلي الفنان ان يعيش الحياة انه يري
الاشياء من وجهة نظر تقدمية بعيدة عن الرؤية
الرجعية، ويكتشف جوانب الاشياء دون حاجز
او حجاب فيري المرأة مثلا الي جانب ما
تمثله من جنس شريكة امينة للرجل في معركة
الحياة وعنصرا مهما من عناصر الابداع
والالهام والبناء. فمثلا اني اهوي الكتابة
ولكن اجد نفسي في الرسم اكثر وذلك لأن
اللوحة التشكيلية تحمل الكثير من الادوات
ولها القدرة علي الفعل والتأثير.
وفي معرضه الحالي في برلين في الفترة ما
بين 4 / 12 / 2002 ولغاية 9 / 1 / 2003 نجد تجربة
اخري. ان المعرض عبارة عن محاولة جادة لكسر
حالة الجمود لدي المشاهد ووعيه المباشر
للتعمق في اللوحة واكتشاف اسرارها
والغازها والاندماج والذوبان مع الالوان
والتكوينات ودلالاتها، اي انه يحاول في لوحاته
فتح عقل المشاهد وفتح بعض نوافذه
المغلقة، ويقف المشاهد متأملا المرأة بالملابس
الكردية وكذلك المرأة العصرية
والاستغراق للوصول الي الحالة الوجدانية في
اللوحة والتي هي عبارة عن قصيدة او اغنية
رومانسية والموجود هنا ليس لمحاصرة المشاهد
ودون السماح له للانطلاق مع توهج اللون
والحركة الداخلية للعلاقة ما بين ادوات
الفنان المهمة، وهذا كله جعل من معرض
الفنان فهمي بالاي ظاهرة مميزة وبشارة بولادة
جديدة علي بساط الفن التشكيلي الكردي
المعاصر.
وسبق لي سنة 2000 ان شاهدت معرضا مشتركا
للفنان فهمي بالاي مع مجموعة من الفنانين
الاكراد في برلين. استطيع التأكيد أن هناك
فاصلا زمنيا بين المعرضين وفي معرضه
الشخصي الحالي، كان حافلا بكل ما تختزنه روح
الفنان وذاكرته من مشاهدات واحداث
وانفعالات في برلين وكردستان العراق. وفي هذا
المعرض تعامل الفنان مع الخطوط والظلال
والالوان بكثير من الحذر فكانت لوحاته
اشبه ما تكون بالاستكشات من الصورة
الفوتوغرافية، يقف المشاهد متأملا في التفاصيل
الكثيرة واحيانا يغوص في أثارها وفي حدود
اللوحة والمقصود هو المضمون في اللوحة
من هموم الانسان والوطن والصراع الدائم.
والفنان في حالة صراع ومخاض في كل الازمنة
لخلق حالة الابداع في كل تجربة او معرض،
تدخل فيه المشاعر والقيم وتفاصيل الحياة
الصغيرة ومكونات الوجود.
هناك هم وطني وروحي ووجداني يخيم علي روح
الفنان، فيؤكد الفنان فهمي بالاي بان
المدينة لا تعني لي البناء التجريدي من
الحديد والحجر بقدر ما تعني لي الناس وحركة
الناس والمكان والزمان وروح تكوين اللوحة
فمدينة دهوك في كردستان العراق تعني
احلامي وعلاقاتي ووجودي وكياني ومتنفسي
وتمردي، وانا لا اعرف حالة السكون والجمود
فبرلين هي امتداد لاحتضان اشواقي ما بين
دهوك والموصل انه حلم انساني.