أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - المجتمع المدني - أبو ياسر - في المسألة الثقافية















المزيد.....

في المسألة الثقافية


أبو ياسر

الحوار المتمدن-العدد: 5682 - 2017 / 10 / 28 - 15:35
المحور: المجتمع المدني
    


تقديم :
إن تصاعد حساسية المسألة الثقافية في الأوساط الثقافية والفكرية والسياسية نابع من قناعة ، مفادها أن التنمية الإجتماعية رهينة بمراعات الخصوصيات الثقافية وبرفع الحيف والتصدي للطمس الممارس على الثقافة الشعبية . وبالتالي تحقيق الديموقراطية الثقافية.
وعليه جاءت هذه المحاولة لتقدم قراءة في قضايا المسألة كوجهة نظر ، ولتصب في اتجاه تعميق النقاش وتفعيله بخصوصها . فما معنى الثقافة ؟ وما مضمون الخطابات الرسمية حولها ؟ وماذا يقصد بالخصوصيات الثقافية ؟ وما هو البديل الثقافي المقترح من قبل فعاليات المجتمع السياسية والجمعوية والديمقراطية ؟ أي ، ماهي الرهانات الثقافية للقوى التقدمية ؟
معنى الثقافة :
ننطلق في البداية من طرح السؤال التالي : ماهي الثقافة ؟
الثقافة حسب المفهوم الكلاسيكي لتايلور هي : ذلك : " الكل المعقد الذي يتضمن المعرفة والمعتقدات والفن والأخلاق والقانون والعادات ، وغيرها من القابليات والتطبيقات التي يكتسبها الفرد بوصفه عضوا في جماعة بشرية معينة " (1)، والذي (أعني الكل المعقد) يشكل أساس تماسكها الداخلي (أي الجماعات البشرية) ، ومحدد هويتها بفضل الخصوصيات التي تتميز بها عناصره . أي أنها " تطلق ... على النظام الرمزي الذي يرثه الخلف عن السلف في جماعة متجانسة ، وكذا مجموع القيم التي تدعم تمثل هذه الجماعة لذاتها ، ولعلاقاتها مع الجماعات الأخرى من ناحية ، والمحيط من ناحية أخرى "(2) . فتشكل بذلك مجمل القيم والأنساق الرمزية والتمثلات والمعارف ومنظومة القيم الموجهة لسلوكات الفراد والجماعات .
" وهكذا تصبح ثقافة جماعة ما ، مجموع عاداتها ، ومعتقداتها ، ولغتها ، وأفكارها ، وقيمها الجمالية ، ومعارفها التقنية " (3) . الأمر الذي يجعلها تتمظهر حسب هذا المعنى العام في كل مكونات الإنتاج المادي والرمزي لجماعة أو مجتمع ما ، غير أن ذلك المادي والرمزي في كل ثقافة يتعالقان يشكل جدلي وعبر توسطات معقدة وعميقة الدلالة بحيث يصبح الفصل بينهما عملا مستحيلا، اللهم على مستوى الإجراء المنهجي الذي يتغيى فرز وتحديد ودراسة العناصر والمكونات الرئيسية لنسق ثقافي محدد (4) .
تأطير الموضوع / الإشكال :
إن المعنى المقترح سالفا لا يفيد أبدا الإنغلاق الكلي ، وإنما يبيح إمكانية التواصل الثقافي (التثاقف) بين مختلف الأمم والثقافات والجماعات والمجموعات البشرية ، على قاعدة الاخذ والعطاء ، وليس على قاعدة أحادية الجانب ، لأنه لا توجد ثقافة أو حضارة خالصة منعزلة نظرا للإندماج التاريخي بين مختلف البنيات الثقافية . أي لا يمكن إحداث قطيعة مع الآخر ، ولا السقوط في شوفينية ثقافية متطرفة ، ولا سيما في الشرطيات الراهنة للنظام الدولي الجديد الذي يفترض التحاور ، وفي التوجهات الحالية للنظام الإعلامي العالمي الذي يفرض الإنفتاح القسري . لكن ذلك انطلاقا من امتلاك الثقافة الوطنية المكانة المتميزة والإقتدار المستحق (5).
ولا يتحقق ذلك في نظرنا الا اذا تم فرض الاعتراف بكون النسيج الثقافي الوطني يمثل انساقا ثقافية ولغوية جهوية ومحلية لجماعات مختلفة ، وان الثقافة السائدة تعمل على مسخ التراث الثقافي الشعبي وتدجينه وتكريس قيم استيلابية محافظة .
من هنا تطرح المسالة الثقافية ببلداننا رهانات قصوى ، خاصة اذا استحضرنا حجم الاستهدافات التي تروم النيل من ثقافتنا الاصيلة في افق اقصائها بتعويض مجمل الانساق الرمزية ومنظومة القيم بانساق وقيم اخرى استهلاكية فردانية ... اذن ، ما هو البديل الثقافي المقترح على اعتبار ان هذا الاخير واجهة للصراع ، ولكون الحقل الثقافي مرتعا للتصورات الايديولوجية المتصارعة ؟
في الواقع وللاجابة عن هذا السؤال يجب ان ناخذ بعين الاعتبار في البداية بعدين او مسارين . المسار الاول يبحث في المنظور الرسمي للثقافة ، اما المسار الثاني فيقتضي البحث حول الخصوصيات المحلية في البعد الثقافي . ثم نحدد في الاخير مبادىء واهداف ثم مهمات القوى التقدمية في المجال الثقافي .
المسار الاول :
امام غياب تصور واضح وواقعي عند الفعاليات السياسية الديمقراطية والحقوقية بخصوص المسالة الثقافية ، حيث لم تتجاوز الحوارات والنقاشات الاعتناق المبدئي للمسالة والخطابات المفعمة بالتمنيات الى مقاربة علمية للواقع الثقافي الملموس ، تنبني على تحديد تكاملي للهوية . يظل الخطاب الثقافي للانظمة سائدا ومهيمنا ، يعمل على اعادة انتاج الاستيلاب الثقافي الممارس على الفئات الشعبية . فما هو مضمون الخطاب السلطوي في الثقافة ؟ وما هو مفهوم الهوية في اطار نفس المضمون ؟
ان استثمار المسالة الثقافية من قبل السلطات كرهان سياسي وايديولوجي ، جعله يغفل خطورة التحولات السوسو-ثقافية على حساب انحسار الثراث الثقافي الشعبي ، وذلك انطلاقا من منظور معين للثقافة .
يمكن ان نقول عنه انه ضيقا ومقزما لها ، بربطها فقط بمناسبات ومواسم . فيتم تجسيده في الفن الفلكلوري وبعض الحرف التقليدية ، حيث يتم اقترانها بمسالة تنشيط السياحة ، فيغيب اذاك الحس الفني والابداعي المتسامي على جميع الحسابات والمراهنات . وايضا في بعض الملتقيات والندوات الاستعراضية فقط . من هنا يصبح مفهوم الثقافة يعني تلك الممارسات الطقوسية الاستهلاكية بشكل فرجوي .
بهذا المعنى تتحول الثقافة من شيء ضروري يملكته جميع الافراد الى امتياز تحتكره السلطات . فيتم تبعا لذلك رهن العمل الثقافي في اشكال وقوالب جامدة وجاهزة وحصره في الاطار المناسباتي الرسمي . ، اي ماسسته وتصريفه عبر اجهزة محددة مسبقا لذلك ، وهكذا يحصل طمس لجزء هام من المخزون الثقافي في الحياة اليومية المعاشة للافراد . وتحوير دور الممارسة الثقافية باعطائها وطيفة طبقية كضرورة للشرعنة السياسية للسلطات الحاكمة .
فعلى هذه القاعدة المفهومية يتاسس المنحى العام للسياسة الثقافية للحكام ، ويظهر الفهم اللاتاريخي للهوية عندها . لانه لا يطرحها في اطار وطني يرتكز على الدولة ككيان جيو- سياسي واجتماعي ذي ملامح ثقافية خاصة ، بل يعطيه معنا مؤدلجا يخدم اختياراتهم .

المسار الثاني :
ان البحث في الخصوصيات الثقافية وحتى اللغوية امر لا مندوحة عنه لفهم كل مكونات الثقافة والهوية ، لان اشكالية الهوية الثقافية لا يمكن طرحها في اطار تستلب فيه الخصوصيات المحلية ويمسخ فيه التعدد الثقافي لفائدة نزعة تمركز ايديولوجي قادمة من مجتمعات شرقية او غربية . فهو لا يراعي الواقع التاريخي بعيدا عن المعترك الايديولوجي ، اي يقفز على حقيقة الاندماج التاريخي لعناصر ومكونات ما انفكت تتفاعل وتتمازج لتهيكل في تكاملها البناء الحضاري المغربي (7) . لذلك يجب المراهنة على ابراز تلك المكونات ، واعطائها اهمية لازمة ولتاريخ تبلورها للكشف عن الغنى والتنوع الذي تتمتع به هويتنا المركزية ، لان التعدد في المكونات لهويتنا لا يؤدي حتما الى تفتيتها ، بل يعمل على تدعيمها وترسيخها ، وهو ما اثبتته سلسلة من المحطات التاريخية حيث عبرت مختلف المكونات الثقافية على تلازمها في اطار الهوية الثقافية الوطنية (8) .
على اساس هذه القناعة اثارت المسالة الثقافية في السنوات الاخيرة نقاشا في صفوف النخب الجادة ، الا انه لم يصل بعد الى بناء تصور متكامل وشامل يخرج بميثاق يكون ارضية للعمل ، نحو تحقيق ديموقراطية ثقافية ، ووقف استمرارية عملية الطمس والمسخ الذي تتعرض له الثقافة الوطنية .
وفي هذا السياق برز خطاب ثقافي ظل محدودا ، وان كان ينطلق من ضرورة تاصيل الممارسة الثقافية العقلانية في الحياة اليومية للقاعدة الشعبية . بغية تجاوز طرح المسالة الثقافية على اساس عصبى عرقي هدام يسيء للتنوع والغنى الثقافي .
امام هذا القصور او الطرح الشوفيني للمسالة الثقافية تظل بعض الخطابات الثقافية حول الهوية تروج ايديولوجيا في الساحة الوطنية ، بالرغم من كونها بعيدة كل البعد عن فهم الواقع المغربي ثقافيا والالمام بخيوط المسالة بشكل علمي . فهي تعتمد عناصر الطوبى والمتخيل الجماعي اكثر مما تستلهم الواقع التاريخي . وهكذا قامت الايديولوجية الدينية السلفية على ميتافيزيقا الوحدة ، وحدة العقيدة وطاقتها الروحية في توحيد الامة ، مثلما قامت الايديولوجيا اللقومية على ميتافيزيقا وحدة اللغة وقدرتها الفوق-تاريخية على توحيد العرب دون ان تلتفت هذه او تلك الى الاختلافات العقائدية او اللسانية التي تعمقت عبر العصور مشكلة الاساس التاريخي للكيانات السياسية القطرية ، واعتبرتها سطحية ومؤقتة . لعل هذا التعالي المثالي على الواقع والتاريخ جعل التيارات القومية والسلفية تنصرف الى استثمار قوة الخطاب الميتافيزيقي للهوية في المعترك الايديولوجي (9) .
اذن تطرح المسالة الثقافية تحديا يفرض على الفعاليات الديموقراطية تقديم بديل ثقافي عبر اطارات جمعوية وسياسية جماهيرية لتحقق مواجهة وفق استراتيجية كما حددها محمود امين العالم في كون " المعركة الثقافية الفعالة ليست مجرد معركة نخبة متعالية بل هي معركة كل الجماهير الشعبية ، ولن يتوفر لها النجاح الا بمقدار اشاعتها وتعمقها الجماهيريين ، ومشاركة كل الجماهير فيها ، مشاركة وعي واخذ وعطاء (10) . وان المعركة ضد الثقافة السائدة " ليست بالمعركة السهلة او المباشرة ، انها ليست مواجهة صدامية مع راي او فكرة او كتاب او فيلم او مسرحية ، انها معركة شاملة مع رؤية شاملة تتجسد نعم تتجسد في مختلف المفاهيم والعلاقات والممارسات السياسية والاقتصادية والاجتماعية ، فضلا عن الثقافة . بدون هذا الفهم الشامل ، لن نستطيع ان نواجه تلك الثقافة مواجهة موضوعية حقيقية ، لن نستطيع هزيمتها (11) .


خاتمة :
ان الاداء الثقافي للقوى الديموقراطية في نظرنا لن يكتسب مصداقية وعمقا الا بمقدار ما يقترب من تطلعات وطموح الجماهير في ارساء ثقافة شعبية متنورة ، وما يبتعد لاعن ثقافة الاستهلاك والفردانية والذاتية فقط وانما عن ثقافة الغيبيات والميتافيزيقا .
الهوامش والاحالات :

1 – E.TAYLOR :( primitive culture) . johan . London
2 – الكتاب المدرسي للسنة الاولى ثانوية ، الشعبة الادبية ، اللغة العربية ، الطبعة الاولى ، 1994 ص70 .
3 – نفس المرجع والصفحة .
4 – د.جلال مدبولي ( الاجتماع الثقافي ) دار الثقافة للطباعة والنشر ، القاهرة ، طبعة اولى 1979.ص 45 .
5 – ذ.مصطفى محسن ( طروحات حول المساللة اللغوية واشكالية التنمية والحداثة . قضية التعريب في الوطن العربي نموذجا ) . الحلقة الثالثة . الاتحاد الاشتراكي . السبت 27 رمضان 1416 الموافق 17 فبراير 1996 . العدد 4573 .
6 – احمد العوام ( عناصر اولية لدراسة السياسة الثقافية واللغوية بالمغرب ) راجع الافق . عدد 12 . ص 18 .
7 – احمد عصيد (حول الطائفية الثقافية ) . راجع الاتحاد الاشتراكي . 6مارس 1994 ص3 .
8 – لاحظ كيف سخر التراث الثقافي المغربي الامازيغي والعربي الاسلامي لمواجهة المخطط الاستعماري الفرنسي بالمغرب .
9 – احمد عصيد . نفس المرجع .
10 – محمود امين العالم ( الوعي والوعي الزائف في الفكر العربي المعاصر) . ص 114 .
11 – نفس المرجع .



#أبو_ياسر (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295





- السعودية تأسف لفشل مجلس الأمن في اعتماد مشروع عضوية فلسطين ا ...
- فيتو أمريكي يمنع عضوية فلسطين في الأمم المتحدة وتنديد فلسطين ...
- الرياض -تأسف- لعدم قبول عضوية فلسطينية كاملة في الأمم المتحد ...
- السعودية تعلق على تداعيات الفيتو الأمريكي بشأن عضوية فلسطين ...
- فيتو أمريكي في مجلس الأمن يطيح بآمال فلسطين بالحصول على عضوي ...
- حماس تحذّر من مساع -خبيثة- لاستبدال الأونروا
- الجزائر تتعهد بإعادة طرح قضية العضوية الفلسطينية بالأمم المت ...
- إسرائيل تشكر الولايات المتحدة لاستخدامها -الفيتو- ضد عضوية ف ...
- بيان رسمي مصري عن توقيت حرج بعد الفيتو الأمريكي ضد عضوية فلس ...
- مندوب فلسطين الدائم لدى الأمم المتحدة: عدم تبني قرار عضوية ف ...


المزيد.....

- أية رسالة للتنشيط السوسيوثقافي في تكوين شخصية المرء -الأطفال ... / موافق محمد
- بيداغوجيا البُرْهانِ فِي فَضاءِ الثَوْرَةِ الرَقْمِيَّةِ / علي أسعد وطفة
- مأزق الحريات الأكاديمية في الجامعات العربية: مقاربة نقدية / علي أسعد وطفة
- العدوانية الإنسانية في سيكولوجيا فرويد / علي أسعد وطفة
- الاتصالات الخاصة بالراديو البحري باللغتين العربية والانكليزي ... / محمد عبد الكريم يوسف
- التونسيات واستفتاء 25 جويلية :2022 إلى المقاطعة لا مصلحة للن ... / حمه الهمامي
- تحليل الاستغلال بين العمل الشاق والتطفل الضار / زهير الخويلدي
- منظمات المجتمع المدني في سوريا بعد العام 2011 .. سياسة اللاس ... / رامي نصرالله
- من أجل السلام الدائم، عمونيال كانط / زهير الخويلدي
- فراعنة فى الدنمارك / محيى الدين غريب


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - المجتمع المدني - أبو ياسر - في المسألة الثقافية