أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - أشرف حسن منصور - كولريدج والجاسوس الفضولي














المزيد.....

كولريدج والجاسوس الفضولي


أشرف حسن منصور
أستاذ الفلسفة بكلية الآداب - جامعة الإسكندرية


الحوار المتمدن-العدد: 5679 - 2017 / 10 / 25 - 15:39
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
    


كولريدج والجاسوس الفضولي
أثناء الحروب النابليونية في أوائل القرن التاسع عشر، كانت الحكومة الإنجليزية متتبعة لأي حركات سياسية أو فكرية مؤيدة للثورة الفرنسية. فقد كان نابليون يقدم نفسه آنذاك على أنه ممثل الثورة الفرنسية الذي سينشر مبادئها في أوروبا كلها. وكلفت الحكومة الإنجليزية البوليس بتتبع المفكرين الذي يمكن أن يكونوا مؤيدين للثورة أو متبنين لأفكار ثورية، وكان من بين من تتبعهم البوليس الإنجليزي، الشاعر صمويل تيلور كولريدج (1772 – 1834)، وصديقه الشاعر وليم وردسورث (1770 – 1850)؛ فربما شعرت الحكومة الإنجليزية أن أفكارهما وتوجهاتهما ثورية ويمكن أن تشكل خطراً على المجتمع الإنجليزي أثناء حربها مع نابليون.
أرسل البوليس الإنجليزي عميلاً سرياً ليسترق السمع لأحاديثهما، إذ كانا يجلسان في المقاهي العامة في لندن، ويلتف حولهما رواد المقهى، وكان هذا العميل السري من بين الرواد. لاحظ هذا العميل أن كولريدج وصديقه وردسورث يتحدثان عن "جاسوس فضولي" Spy Nosy. زاد اهتمام هذا العميل بهما، فالأمر يتعلق يجواسيس فضوليين، وربما كانوا لنابليون. كتب العميل تقارير للبوليس الإنجليزي بهذا المعنى الذي فهمه من عبارة Spy Nosy. لكن الحقيقة أن الذي سمعه العميل لم يكن Spy Nosy، بل Spinoza !!!. سمع العميل السري ما أراد أن يسمعه، وترجم في ذهنه اسم الفيلسوف الهولندي الشهير إلى "الجاسوس الفضولي". روى كولريدج هذه القصة في مذكراته الأدبية، متندراً بها على سبيل الفكاهة، وقال إن هذا العميل قد فهم بعد ذلك أن الحديث لم يكن عن جواسيس بل عن شخص ألف كتاباً منذ زمن بعيد. لم يهتم البوليس الإنجليزي بعد ذلك بأحاديث كولريدج وصديقه وردسورث، فلم يكونا يشكلان أي خطر على أمن واستقرار بريطانيا العظمى، إذ كانا من الشعراء الرومانسيين الحالمين الذين ليست لهم أي علاقة بالسياسة، ويتكلمون عن فلاسفة ماتوا منذ زمن طويل ويتناولون أفكاراً غريبة لا يفهمها أحد.
لقد كانت فلسفة سبينوزا إذن من أهم الفلسفات التي عملت على تغذية التيار الرومانسي في الأدب برؤية فلسفية قوامها وحدة الوجود وفكرة الطبيعة باعتبارها تجلياً للإله نفسه. وبالطبع فقد كانت هذه الأفكار بعيدة عن الثورة الفرنسية ونابليون. كانت هذه الأفكار الرومانسية هي وحدها البعيدة عن الفكر الثوري الذي كانت الحكومة الإنجليزية تخشى منه، لكن لو كانت الحكومة الإنجليزية على دراية بأفكار سبينوزا الأخرى، السياسية والدينية، لكانت قد حظرت فكره ومنعت كتبه في هذه الأثناء.
لقد كان العميل السري للبوليس الإنجليزي على حق، فسبينوزا هو بالفعل "جاسوس فضولي" من وجهة نظر أمنية. ذلك لأن فكر سبينوزا علماني، يرفض أي تحالف بين الدين والدولة، ويرفض مناصرة الدولة لدين معين أو مذهب أو فرقة دينية معينة، فالدولة عنده محايدة تجاه الأديان، وهو يقف ضد كل النظم الملكية ويدعو إلى الجمهورية العلمانية؛ في حين أن النظام الإنجليزي ملكي، ويعلن صراحة تبنيه وحمايته للمذهب البروتستانتي، والملك الإنجليزي هو ممثل الكنيسة وحامي الدين المسيحي. لقد كانت أفكار سبينوزا الثورية هذه هي التي أعطت طاقة الدفع لعصر التنوير وفلاسفته الذين مهدوا فكرياً للثورة الفرنسية: فولتير، روسو، ديدرو، هولباخ، هلفشيوس، وبذلك كان بالفعل خطراً على النظم الملكية، وخاصة المتحالفة منها مع مذهب ديني معين، مثل النظام الإنجليزي. كما كان سبينوزا صاحب مذهب فلسفي شامل ومتكامل ومستوعب لكل شيء، يضم أراءه في الفلسفة والأخلاق والدين والسياسة، أي كان فضولياً، يدس أنفه فيما يعنيه (الفلسفة) وما لا يعنيه (الدين والسياسة)، وبذلك كان هو الجاسوس الفضولي الذي خشى منه عميل البوليس الإنجليزي في البداية.
Samuel Taylor Coleridge, Biographia Literaria, vol. I, pp. 126 – 127.



#أشرف_حسن_منصور (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- هل يستطيع الإله التواصل مع البشر بطرق أخرى غير النبوة؟
- لمحات من فكر المعتزلة - 1) هل القرآن دليل على وجود الله؟
- حول إعادة النظر في تصنيفات الإسلام السياسي
- عصر التنوير ونقد الفكر الديني. هولباخ نموذجاً
- وهم تعظيم الربح
- الليبرالية بين تراثها التقليدي ودلالاتها المعاصرة
- نظرية أُميِّة الشريعة لدى الإمام الشاطبي
- موقف هيجل وهوسرل من العلاقة بين المذهب الفلسفي وتاريخ الفلسف ...
- فلسفة التأويل عند ريكور وأصولها الهيجلية
- فلسفة سارتر ومسلماتها الهيجلية
- المنهج الفينومينولوجي عند هوسرل
- أنطولوجيا الوجود الإنساني بين هيجل وهايدجر
- دلالات إضراب موظفي جامعات مصر
- مهام المرحلة المقبلة من الثورة المصرية
- إضراب عام حتى تسليم المجلس العسكري السلطة لمجلس رئاسي مدني
- هيلاري كلينتون المتحدثة الرسمية باسم المجلس العسكري المصري
- الحرب الطبقية في مصر
- انتقال الثورة المصرية إلى الجامعات
- الإسلاميون يحصدون زرع غيرهم
- علم الاجتماع والليبرالية: دوركايم نموذجاً


المزيد.....




- قصر باكنغهام: الملك تشارلز الثالث يستأنف واجباته العامة الأس ...
- جُرفت وتحولت إلى حطام.. شاهد ما حدث للبيوت في كينيا بسبب فيض ...
- في اليوم العالمي لحقوق الملكية الفكرية: كيف ننتهكها في حياتن ...
- فضّ الاحتجاجات الطلابية المنتقدة لإسرائيل في الجامعات الأمري ...
- حريق يأتي على رصيف أوشنسايد في سان دييغو
- التسلُّح في أوروبا.. ألمانيا وفرنسا توقِّعان لأجل تصنيع دباب ...
- إصابة بن غفير بحادث سير بعد اجتيازه الإشارة الحمراء في الرمل ...
- انقلبت سيارته - إصابة الوزير الإسرائيلي بن غفير في حادث سير ...
- بلجيكا: سنزود أوكرانيا بطائرات -إف-16- وأنظمة الدفاع الجوي ب ...
- بايدن يبدى استعدادا لمناظرة ترامب


المزيد.....

- في يوم العمَّال العالمي! / ادم عربي
- الفصل الثالث: في باطن الأرض من كتاب “الذاكرة المصادرة، محنة ... / ماري سيغارا
- الموجود والمفقود من عوامل الثورة في الربيع العربي / رسلان جادالله عامر
- 7 تشرين الأول وحرب الإبادة الصهيونية على مستعمًرة قطاع غزة / زهير الصباغ
- العراق وإيران: من العصر الإخميني إلى العصر الخميني / حميد الكفائي
- جريدة طريق الثورة، العدد 72، سبتمبر-أكتوبر 2022 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 73، أفريل-ماي 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 74، جوان-جويلية 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 75، أوت-سبتمبر 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 76، أكتوبر-نوفمبر 2023 / حزب الكادحين


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - أشرف حسن منصور - كولريدج والجاسوس الفضولي