|
حديقة الأزبكية: دفتر أحوال مصر
محفوظ ابوكيلة
الحوار المتمدن-العدد: 5661 - 2017 / 10 / 6 - 14:18
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
تاريخ نشأة وتطور وازدهار ودمار حديقة الأزبكية يعبر بوضوح شديد عن تطور عادات وتقاليد المصريين في الترفيه والترويح عن انفسهم وعن تطور ذوقهم ومزاجهم العام، وكذلك طريقة تعامل الحكام مع عمارة البلاد وحقوق العباد. وقد بدأت قصتنا في منتصف القرن الخامس عشر حيث تملك الأمير المملوكي سيف الدين أزبك قطعة أرض جرداء تتوسطها بركة مياه صغيرة ضحلة، بناحية تسمى بطن البقرة. عمل "أزبك" على تعميرها بتقوية جسورها و تسوية وتمهيد شواطئها، كما قام بحفر قناة لتوصيل المياه إليها، فصارت مساحة مسطح المياه نحو 50 فدان وقت الفيضان وتحولت البركة الى خزان مياه عذبة وعمل "أزبك" على زراعة الأشجار حولها وإنشاء بعض الحمامات العامة، وشق طريق حجري يربطها بوسط القاهرة، وجعل منها متنزها ، فكانت تلك بذرة حديقة الأزبكية التي حملت اسمه. وظل الناس يتريضون على ضفافها، حتى جاء "رضوان كتخدا" أحد أمراء المماليك وشيد على ضفاف البركة قصره الذي أطلق عليه الناس اسم العتبة الزرقاء. وتحول نطاق البحيرة وشواطئها إلى ضاحية راقية تتميز بحدائقها الممتدة التي امتلأت بقصور أمراء المماليك ورجال الدولة وكبار التجار. منهم على بك الكبير و مراد بك و زوجته نفيسة المرادية الملقبة بأم المماليك و محمد بك الالفى و نابليون بونابرت ومحمد علي. وغيرهم من اسماء كثيره فى عصور مختلفة . وكانت شواطئ البحيرة تبلغ أقصى زينتها في الاحتفال بوفاء النيل، إذ كان حين يتم الفيضان يقام بها احتفال كبير فتقاد الفوانيس وتقام زينة من الأنوار وتطلق الألعاب النارية وتتراقص القوارب على صفحة البركة اتي يتقاطر إليها جموع غفيرة من الناس، يحتشدون على جوانبها يلتمسون ما يتاح من اللهو، ويتفرجون على الراقصين ومدربى القرود وعلى مبارزات رجال فوق ظهور الخيل، ومحترفي الألعاب و يرتادون أماكن اللهو التي تعج بالمحظيات والمغاني. ولم تقتصر هذه المظاهر على احتفالات وفاء النيل فقط، فقد كانت جموع الناس ترتاد شواطئ البحيرة للسهر بالملاهي ومشاهدة فرق التشخيص و المطربين و عازفي الموسيقى طوال العام. إلا انه عندما أنشأت محطات تنقية وشبكات المياه النقية في عهد محمد علي، لم تعد هناك حاجة إلى تخزين المياه، تقرر ردم البرك والمستنقعات داخل القاهرة، وردمت الأزبكية فعلا فى ولايه ابراهيم باشا. واصبحت مجرد حى قديم مهمل، حتى تولى على باشا مبارك نظارة الأشغال، كلف الخديوى اسماعيل عام 1872 المهندس الفرنسى باريل ديشان مسئول حدائق باريس بتخطيط وإنشاء حديقة على أنقاض بحيرة الأزبكية على مساحة 20 فدان محاطة بأسوار من الحديد المشغول و فتحت بها أبواب من الجهات الأربع و تم تزويدها ب 2500 مصباح غاز و غرس بها ما يقارب من 150 نوع من انواع الاشجار النادرة جلبت خصيصا من الهند و اوروبا و افريقيا و البرازيل وكوبا . و تم حفر بحيرة صناعية فى قلب الحديقة مع بحيرات اخرى اصغر فى اماكن متفرقه و خصصت مراكب بالبدال للتنزه فى البحيرات كما أنشأت قنوات تجري بها المياه تمر من تحت جسور شيدت بمنتهى الاناقه . هذا بخلاف جبلاية صناعيه و كشك للموسيقى تعزف فيها الفرقة الخديويه الموسيقية (النحاسية ) الموسيقى مرتين اسبوعيا . وأقيم المسرح الذي عرف بـ تياترو الأزبكية، الذي قدمت عليه أوائل العروض المسرحية التى قدمها يعقوب صنوع و ما تلاه من فرق مثل فرقة فاطمة رشدى و عكاشه و غنى عليه أشهر المطربين كالشيخ يوسف المنيلاوي و عبده الحامولى و محمد عثمان و ايضا ام كلثوم التى كانت تقدم منه حفلتها الشهرية حتى الستينات. وفى عام 1869 أنشئت دار الأوبرا الخديوية وأقيم تمثال إبراهيم باشا بن محمد على صنعه المثال الشهير كوردية ، كما أنشئت صالة للعب الباتيناج. و صار يطل عليها فنادق كثيره منها شبرد و الكونتيننتال بالإضافة إلى وندسور و إيدن بالاس .وقد اكتسبت فنادقها شهرة عالمية خاصة في أوساط ملوك و رؤساء و اثرياء العالم. كان حريق القاهرة في 26 يناير عام 1952م بمثابة بداية العد التنازلي لتدهور أحوال الأزبكية وتدميرها، فزحفت على أنقاض الحريق بعد ثورة 1952 المباني الحكومية ذات التصميمات البشعة كمبنى البنك المركزي الجديد، ومحطة البنزين وجراج الجمهورية والمباني التابعة للوزارات المختلفة، وشيد على جزء منها سنترال الأوبرا، ومسرح العرائس ومسرح 26 يوليو والمسرح القومى واخترقها شارع 26 يوليو. كما تم هدم سورها الحديدى البديع التي اشتهرت به، و استبدل بسور حجري بشع، وكان الاستثناء من البشاعة تحول جزء منه إلى معرض دائم ومفتوح للكتب المستعملة، و سارت الحديقه من بعد حريق القاهرة و ثورة يوليو وحريق دار الأوبرا سنة 1971 من سيىء الى اسوأ وعصف بها الإهمال والسرقة و النهب والعشوائية فأختفت الأشجار والنباتات النادرة واستولى علي أجزاء واسعة منها الباعة الجائلين والبلطجية والخارجين على القانون .ثم أتى مشروع مترو الأنفاق ليقتطع بدوره جزء آخر من الحديقة و الميدان. ووقف ماتبقى من آثارها مثل المسرح و نافوره الخديوى اسماعيل و الجبلايه وبقايا النباتات النادرة وغيرها، شاهدة على البيئة العشوائية الجاثمة على صدر مصر.
#محفوظ_ابوكيلة (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
المزيد.....
-
مصدر يوضح لـCNN موقف إسرائيل بشأن الرد الإيراني المحتمل
-
من 7 دولارات إلى قبعة موقّعة.. حرب الرسائل النصية تستعر بين
...
-
بلينكن يتحدث عن تقدم في كيفية تنفيذ القرار 1701
-
بيان مصري ثالث للرد على مزاعم التعاون مع الجيش الإسرائيلي..
...
-
داعية مصري يتحدث حول فريضة يعتقد أنها غائبة عن معظم المسلمين
...
-
الهجوم السابع.. -المقاومة في العراق- تعلن ضرب هدف حيوي جنوب
...
-
استنفار واسع بعد حريق هائل في كسب السورية (فيديو)
-
لامي: ما يحدث في غزة ليس إبادة جماعية
-
روسيا تطور طائرة مسيّرة حاملة للدرونات
-
-حزب الله- يكشف خسائر الجيش الإسرائيلي منذ بداية -المناورة ا
...
المزيد.....
-
المجلد السادس عشر " دراسات ومقالات" منشورة بين عامي 2015 و
...
/ غازي الصوراني
-
دراسات ومقالات في الفكر والسياسة والاقتصاد والمجتمع - المجلد
...
/ غازي الصوراني
-
تداخل الاجناس الأدبية في رواية قهوة سادة للكاتب السيد حافظ
/ غنية ولهي- - - سمية حملاوي
-
دراسة تحليلية نقدية لأزمة منظمة التحرير الفلسطينية
/ سعيد الوجاني
-
، كتاب مذكرات السيد حافظ بين عبقرية الإبداع وتهميش الواقع ال
...
/ ياسر جابر الجمَّال
-
الجماعة السياسية- في بناء أو تأسيس جماعة سياسية
/ خالد فارس
-
دفاعاً عن النظرية الماركسية - الجزء الثاني
/ فلاح أمين الرهيمي
-
.سياسة الأزمة : حوارات وتأملات في سياسات تونسية .
/ فريد العليبي .
-
الخطاب السياسي في مسرحية "بوابةالميناء" للسيد حافظ
/ ليندة زهير
-
لا تُعارضْ
/ ياسر يونس
المزيد.....
|