أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - عباس علي العلي - فصل أخر من روايتي (حين يحزن القمر)















المزيد.....

فصل أخر من روايتي (حين يحزن القمر)


عباس علي العلي
باحث في علم الأديان ومفكر يساري علماني

(Abbas Ali Al Ali)


الحوار المتمدن-العدد: 5660 - 2017 / 10 / 5 - 08:22
المحور: الادب والفن
    


الصدمة
لا أصدق أبدا إنها هي ..... ترسم بالفحم على الجدرن، ها هي أمام عيني مرة أخرى، ما كنت أتمنى أن أراك حلما رماديا بلج علي أن أفر من المكان.... رباه من أين لي عقل يقنعني أنها ليست هي... ماذا دهاك أيها الجميل لتكون في مهب ريح عاصفة... ويحك وألف ويحك أيها القدر.... لملمت حزن كله ورميته في قلبي في لحظة ضعف، سألعن كل من كسر فيك طينة الله وجعلك خاوية من الروح... لكن لا بأس هناك أمل طالما هناك فرصة لأن نتكلم.... قولي لست أنا من تبحث عنها أو لربما أعتذر أنا عن سوء الظن الذي يعتريني هنا.. بين الحقيقة المرة والخيال الأهوج... تعالي أيها الإنسان المكسور لألملم جراحاتك ففي نفسي كثيرا من بلسم يداويك.
أقترب منها وهي ما زالت ترسم بقطعة فحم على جدار متسخ صورة جسد مسجى وفوقه نخله محنية الرأس كأنها تبكي لحظة وداع لعزيز لم يعد أكثر من ذكرى جارحة، وقف يتأمل حركة يديها الناعمتين على سطح الجدار، إنها تغرق في لحظة تأمل حزين، همس قريبا منها.... سميرة أنا هنا أبحث عنك كعشبة خلود وهمية تعيد لي ما مضى.... لم تلتفت ولم تعر الصوت القادم من خلفها أي أهتمام، كانت كما عرفها برغم الكارثة شبه أنيقة بثوبها الذي يكاد أن يتهرى من شدة ما أستهلك...
_سميرة هل أنت بخير ... أنا كريم...
_ فقط أنظري بعيني لأتأكد أن ذلك الشعر الأسود الذي شح في رسم جلاله على محياك هو ما ترسمينه على الجدار...
_ساعديني أيتها النخلة التي لا أظن أن ريحا ما تكسرها كما أراك الآن.... فقط تكلمي
لم يسمع منها كلاما ولا حتى ألتفاته تنبئ أنها تسمعه أو يمكن أن ترد، مسكها من كتفها بلمسة حنين لعلها تنتبه أن أحدا ما يكلمها، جفلت وأرتعدت وكأن نارا أحرقتها فجأة لتلتف للوراء بقوة تنتزع يدا قد مدت عليها... هي... هي، رباه ما هذا الوجه الذي تغير وكأنني أتعرف عليه أول مرة، ما هذه الوحشة التي غطت ذلك الوجه الأليف كأنه وجه ملكة سومرية جاءت من ماض سحيق لتعيد للوجود عنوان خالد...
وقفت له وجها لوجه ترسم علامات تحدي ورفض بكبرياء ثم تمضي بسرعة نحو زاوية بعيدة من الكراج حيث أتخذت منه مسكنا من صفائح الكرتون.... تعقبها بهدوء كي لا يلفت نظر من حوله وهو يحاول أن يستفسر منها عن هذا الصد الذي كسر أخر أماله في أن يحدثها عن رحلة أغترابها الطويل....
وهو يمر يتفحص المكان كان مملوأ بلوحاتها السوداء في كل مكان، على الجدران وحتى على أرض المعبدة بالأسفلت رسمت ظلامتها بصمت الناطقين، كأنه يقرأ منها قصة مأساة عنوانها الموت ثم الموت ثم شيء تريد أن تقوله للناس.... قصة مكتوبة بلون الحزن على أرض لا تهتم وعلى جدران صامته من وحشية القدر.
في جانب بعيد كان أبو رزاق يبكي بصمت... كأنها يعاتب الله على هذه النهاية وعينيه تطارد المشهد كما تطارد عدسات الصحفين فنانا مشهورا ليحظى بلقطة تمنحه تميزا وتفرد، كا المشهد مأساويا وهو يردد بينه وبين نفسه (جابر يجابر ما دريت بكربلاء أشصار)... كربلاء هي البداية وهي النهاية وهي المظلومة دوما.. (جابر يجابر أكعد وشوف تاليها..... سميرة الحرة شعامل هذا الوكت بيها)..
جلست في مكانها وكأنها تعرفت على أن الشخص الذي يلاحقها شخص مسالم لا يريد أذيتها... قدمت له كارتونه صغيره ليجلس عليها، فقط كانت عيناها شاردتان كأنهما يبحثان عن نقطة ما في السماء أو في أفق ممتد يذكرها به، كلمها كثيرا وبلا إنقطاع حدثها عن البصرة وعن حمدان وعن العشار والتنومة .... حكى لها ذكرياته في القطار الصاعد والنازل ... عن حجي حميد النجار وأم سامر... عن المراكب التي تصنع على ضفة النهر.... عن النوارس وشجرة الحناء... عن الشط والبحر... حدثها كثيرا لكنها لم تنبس ببنت شفه وكأنها ترفض كل هذا العالم الذي يدور من حولها....
سألها عن الحجية رزيقة وأين هي... طلب منها أن ترد عليه بكلمة واحدة.... أخيرا أنتبه أنها لم تعد تسمع أبدا... جرب أن يرفع صوته قليلا كي تسمعه، أخيرا أخرج ورقة من جيبه من ذاك الدفتر الصغير الذي فيه الكثير من الذكريات المشتركة وكتب لها... سميرة أرجوك ردي أنا كريم ... عرفت للتو أنك لا تستطيعي أن تسمعيني.... أرجوك لنترك هذا المكان ونعود إلى كربلاء.... الكل هناك ينتظر عودتك أمي وأبي وأبو رزاق الذي ينظر لك من بعيد ... ذاك هو الذي يبكيك قرب محل المرطبات... أرجوك ردي ... أين والدتك؟.
أمسكت الورقة وقرأت المكتوب وأعادتها له بكل هدوء ثم قامت متجهة نحو أبو رزاق....بقى متمسمرا مكانه يراقب ما سيجري عند بعد.... أستعدل الرجل وأخرج منديلا من جيبه ليمسح دموعه مستبشرا بقدوم سميرة إليه، المسافة التي قطعتها حتى تصل له كأنها ذات المسافة التي كنا نقيس بها البعد اللا متناهي أيام زمان حين كنا أطفالا لا نفقه شيئا بالقياس والمقياس (منــــــــــــــــــــــا لمكة)، لم تفعل شيئا وهي تقابل الرجل الذي منحها عاطفة الأبوة سوى أنها قبلت يده.... ورحلت لتختلط بحشد الناس وتزوغ عن الأنظار.
أي صبر لديك أيها الرب
لتبقى صامتا هكذا
دون حراك
قتلوها وتركوها تمشي وحيده
جثة تحترق كل دقيقة
روح أنتزع الموت منها كل الحقيقة
كيف ترضى
أيها الجالس فوق عرش الأقدار
أن تبقى سميرة
أسيرة........
نهض من مكانه سريعا متجها صوب تلك الحشود من الناس التي تتدافع كل جاء باص ليمتلئ سريعا بالأجساد المتصارعة على مقعد، أو مكان في زحمة غير طبيعية.... تذكر أنه يوم الخميس كالمعتاد نرى المشهد متكرر حتى تهدأ الحركة أخر النها وكل يمضي إلى هدف.... نادى أبو رزاق كريم وقال له ... لا تذهب ستعود ... أنا متأكد سوف تعود ... إنها في مكان ما هنا قد ترقبنا أو تراقبنا ... فقط عليك أن تصبر عليها، فما جرى لها ليس بالقليل دعها قليلا سوف تعود وتتذكر .... إنها مصدومة وخائفة من كل شيء يجري حولها.
عرف صاحب الكشك الذي يبيع المرطبات في مدخل الكراج وهو يتابع ما يجري بأهتمام أن الشخص الذي قبلت يده هذه المجنونة أما أباها أو قريب لها، فتح قنينة بيبسي وقدمها له....
_عفوا منك أنا لا أشرب البيبسي ممتن منك أيها الطيب.
_لا بضر يا عم ولكن أحببت أن اسألك ولو هذا تطفلا مني..
_ لا عليك إسأل..
_هذه المرأة المجنونة هل هي بنتك أو قريبتك؟ منذ أن حلت هنا منذ شهر أو أكثر لم تكلم أي شخص ولم تقترب من أحد ما.
_الحقيقة يا ولدي إنها بنتي وقد فقدناها منذ فترة طويلة وها هي أمامنا ولكن ليس باليد حيلة أن نتصرف معها بشيء...
_وكيف فقدت يا عمي وكيف سكتم كل هذه المدة؟ الظاهر من تصرفاتها أنها من عائلة محترمة رغم أن البعض حاول الإساءة لها أو ضربها....
_القصة طويلة ولكن المهم أننا عثرنا عليها الآن...
_تعال يا عم أيها الطيب بعيدا عن الناس سأحكي لك كيف جاءت هنا..
أنفرجت أسارير أبو رزاق وهو يسمع القصة من الرجل الذي كان شاهدا على تواجدها لأول مرة هنا، في صباح أحد الأيام وأنا من عادتي أن أفتح محلي مع أذان الفجر شاهدت سيار (فيات GL) بيضاء اللون توقف أمام الجامع المجاور وأنزلوا منها هذه البنت وكانت معصوبة الأعين ورموها أمام الجامع بعد أن رفع أحدهم العصبة عن عينها).
ضلت جالسة في المكان ذاته لأكثر من ساعتين تنظر في الوجوه وتتفحص ما حاولها، في الأول حسبت أنها من بنات الليل ولكن ما تنبهت عليه أن السيارة لها خصوصية لا يمكن أن تكون لأحد، فقررت أن أمتنع عن تقديم أي مساعدة لها وعرفت أن القضية كبيرة ومن خلفها مصائب.... هكذا قضت كل الفترة السابقة أما أن ترسم على الجدران بالفحم الذي تأخذه من المطعم المجاور أو تمشي بين الناس تتأملهم بصورة مستفزة أحيانا.... هكذا كل ما أعرفه عن هذه المرأة....
كريم وهو معير أذنه تماما للحديث كانت عيناه تتفحص المشهد أمامه لعله يلمح لها أثر أو يعرف أين هي بالضبط، سأل بائع المرطبات عنها أسئلة تبحث عن جواب محدد، هل غابت فترة ما كيوم أو يوميتن، هل غادرت المكان أو بدلته؟ كيف لها أن تأكل وتشرب ومن أين لها بالمال؟ أكد له الرجل أنها لا تستعطي أحد ولم تشحذ ولكنها تتردد يوميا إلى الجامع فهناك رجل كبير يخدم في الجامع أظنه هو من يساعدها ويجلب لها حتى بعض الملابس...
مرت أكثر من ساعتين ولم يظهر لسميرة أثر مما زاد في حنق كريم وأستأذن أبو رزاق في البحث عنها، كان ما يخشاه هو أنها هربت من المكان بعد أن عرفتهم كردة فعل أو كتعذيب شخصي، المهم حاول الرجل أن يثنية لكنه ذهب ليختفي هو الأخر في الزحام الذي بدا يتضخم مع قدوم ساعات أنتهاء الدوام الرسمي، طلاب جامعات على الغالب وعساكر شباب، والبعض من النسوة التي يتجمعن على شكل جموعات منفردة على أمل أن يحصلن على مساعدة من أحد، خاصة تلك العجائز أو البنات التي يظهر من قيافتهن الخارجية أنهم طالبات جامعيات أو موظفات يتنقلن من بغدا إلى مدهن الجنوبية والوسطى... زحام غير عادي وهرج كبير كيف له أن يجدها بين تلك الأجساد البشرية المتلاطمة.
مرت دقائق قليلة حتى لمح أبو رزاق وجو سميرة في مكانها المعتاد تنظر له وكأنها تدعوه ليجالسها هنا في مملكتها الجديدة، تبدو أنها قد غيرت ملابسها وأغتسلت من أثر السخام الذي كان على وجهها ويديها، جلس قريبا منها في نفس المكان الذي كان كريم قد جلسه من قبل، أقترب هي منه ووضعن رأسها على كتفه كمرتحل أشتد به التعب فسكن على جدار ليسند ظهره، أنفاسها التي أخبرته عن شعورها بالسعادة أن وجدت أخيرا ظلا لتأمن له فقد غفت قليلا والرجل لا يمكنه الحراك خوفا أن يقطع عليها تلك الرحلة من الراحة النفسيه وعينه ما زالت تصب الدموع... (جابر يجابر ما دريت بكربلا أشصار).







#عباس_علي_العلي (هاشتاغ)       Abbas_Ali_Al_Ali#          



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- فوبيا الظلم والمظلومية
- فصل جديد من روايتي (حين يحزن القمر)
- فصل من روايتي (حين يحزن القمر)
- لعبة القتل الحميد.......!
- فصل من روايتي (أيام الفردوس)
- تحديات الواقع للعقل الإسلامي ومجتمعه في ظل عالم متطور
- الحوار المفتوح........ ج22
- ترهات عربي ملحد
- العراق بين مطرقة الأستفتاء وسندان عجز الحكومة
- الحوار المفتوح........ ج21
- الحوار المفتوح........ ج20
- الحوار المفتوح........ 19
- الحوار المفتوح........ ج18
- الحرية الدينية وميزان المنطق العقلي فيها
- الحوار المفتوح........ ج17
- الحوار المفتوح........ ج16
- الحوار المفتوح........ ج15
- الحوار المفتوح........ ج14
- الدولة وشروط ولادتها
- الحوار المفتوح........ ج13


المزيد.....




- الوثائقي المغربي -كذب أبيض- يتوج بجائزة مهرجان مالمو للسينما ...
- لا تشمل الآثار العربية.. المتاحف الفرنسية تبحث إعادة قطع أثر ...
- بوغدانوف للبرهان: -مجلس السيادة السوداني- هو السلطة الشرعية ...
- مارسيل خليفة في بيت الفلسفة.. أوبرا لـ-جدارية درويش-
- أدونيس: الابداع يوحد البشر والقدماء كانوا أكثر حداثة
- نيكول كيدمان تصبح أول أسترالية تُمنح جائزة -إنجاز الحياة- من ...
- روحي فتوح: منظمة التحرير الممثل الشرعي والوحيد للشعب الفلسطي ...
- طرد السفير ووزير الثقافة الإيطالي من معرض تونس الدولي للكتاب ...
- الفيلم اليمني -المرهقون- يفوز بالجائزة الخاصة لمهرجان مالمو ...
- الغاوون,قصيدة عامية مصرية بعنوان (بُكى البنفسج) الشاعرة روض ...


المزيد.....

- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - عباس علي العلي - فصل أخر من روايتي (حين يحزن القمر)