أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - سحر شُبّر - نَسْخُ الوقائع بالوعيّ الجماليّ















المزيد.....

نَسْخُ الوقائع بالوعيّ الجماليّ


سحر شُبّر

الحوار المتمدن-العدد: 5660 - 2017 / 10 / 5 - 01:51
المحور: العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
    


الإنسانُ شغوفٌ بالتأريخ ومتبرمٌ بالزمن، لأنه لا يبزُّ ما تحررهُ نفسه ولا يلقي ما صنعتْ يداهُ، ولا يألف غير ما اهتدى إليه عقله. ثم إنَّ التأريخ متى طُرِدَ من حياة مَن خَطَّهُ أو من يفيء عند دهاليزه يصبحُ مطرقةً قد صَدِئت بفعل انتظارها ذلك الذي سيدقُّ بها غاية ما. وأيُّ طَرْقٍ سيكونُ إذا واتت صروفُ المرحلة وأهواءُ الناس وسفهُ العقول وغشى البصائر وقائعَ عليها من دَبقِ الخبث والحقد والشر مالم تسطع مياه البحر أن تُزيلَه؟ أجل، وقائع داميةٌ سالت على مسرح البشرية التأريخي. ويخالُ المرءُ أن الدين والعلمَ والفن والطب والفلسفة والتكنولوجيا والماكنة السياسية ستسدُّ عيون المسيل في زمنٍ ما. قلتُ عيون ومن طبيعة العيون تتفجرُ وتهطل وتسيل، كما المطرقة من نشأتها تدكُ وتهدم وتقوِّض. من هنا كان على البشريةِ أن تحوِّل جهات الطَّرق وتعطف طُرقَ المسيل مهما أجهدت عملية التحويل والعطف كاهلَ الإنسان. فالنتيجة ستروي ظمأه لإصلاح مصيره ومن يليه. إذن، تعاهدُ البشرية بعملية تحويل الوقائع من القبح إلى الجمال ومُسخ الشر إلى الخير ودَرْء الوهم بالحق يستلزم عقولاً ونظماً وأنساقاً ومؤسسات تصهر العوامَ وتتَّبعها الخواص كي يعمُّ الخير جميع العالم. عقولٌ تحسنُ رصد الجمال وراء كلّ قبيح قد تلفعتَ به أية حوادث وسجالات أسرتنا للشغف بها بوصفها مرسم هويتنا ومَجْلَى قوميتنا ومكتنف أمميتنا؛ ونظم وأعراف مُسَخَّرةٌ لهذا الأمرِ فحسب، ومؤسسات أرسى قوائمها هدفُ الصلاح. وما هذا بالعسير والمحال تحققه لو أردنا. الآيةُ تنسخُ ببديلها فقط والصورة نفسها تنقلب، فنمنعُها ومثيلاتها من الوقوع ثانية وثالثة، ونقصف ظلالها الوارفة في وجداننا ومخيالنا الاجتماعي والسياسي. خذ صورة الشهادة المُتَأسطِرة التي تضارعُ نسختُها الغربية متمثلةً بالقديس فالنتينو* النسخةَ الشرقيةَ مُتجسّدةً بالإمام الحسين بن علي أبي طالب**، ولعلني كُفيتُ المؤاخذةَ على الزعم بأن المثالين المضروبين قد جُرَّا إلى الوعي بفعل التفجر التاريخي واعتماد البشرية على إرواء ظمئها منه. وكلاهما ساقَ موقفه إلى راهنية الحاضر وماثلية المستقبل لما يناهزه أناسُ كلّ زمن: محاربة الظلم والانتصار للحب؛ ويقتات منه كلّ مجتمع إن تقديساً وتحريماً وإن أسطرةً وتخريفاً. بينّا الوعي بالنسختين قد اختلف، فأحدهما يقرّ معاني القاتم التراجيدي والمازوخي الانتهاكي والنوستالوجي الدموي والآخروي العدمي حالما تُستدعى شخصيته ويشدو الاكفهرار وينغّم الاكتئاب، وفي الاثنين ضمان للعنف عندما تُحيا شعائر بعثه. أمّا الآخر فيرسّخ أمارات الناصع الكوميدي والتصالحي البيذاتي والتماهي السلمي والدنيوي الأُنسي، يرجو الإمتاع وينشد الالتذاذ، وفي الاثنين كفلان للسلام حال استعادة الجمهور للمثال.
لم يفتأ العقل الغربي أن يطرحَ قضاياه الشائكة في صيغة ممارسات مُعاشة، إذ تُلفى الوقائع التاريخية والمقولات الفلسفية والمفاهيم المفكّرة في الشارع والبيتِ والمؤسسة. قد روّجَ لها كُتاب الصحافة البيضاء، وأدباء النخبة ومنتجو الأفلام السينمائية، وحبّبَ الجماهير بها فنانو إخراجها المسرحي الهائل. وكأنَّها موضة العصر الثقافية والاجتماعية التي ينبغي أن يتزيّا بأزيائها الفرد الأوروبي وأن يمالِئ حياته ببشائرها. ولتتمثل حياة ذلك الفرد إبان تصاعد ريح القلق الوجودي إزاء الكنيسة. الفرد الفريد بمقدرته على الاستجابة لما هو جديد وصادم يرضُّ البليد الموروث؛ الفرد المدرك اللبيب بتغيير ما قد مَضَت روحه بحيث لو بقيت أسماله على عقل ذلك الفرد وكيانه أصبح متوحِشاً في مجتمعه؛ الفرد الآبق عن ميدان المطلق الذي تطاحنت عليه رجالات اللاهوت وهامات الامبراطورية؛ والبار باليومي المتدفق أمناً وسعادةً. ولتعتبروا ذلك الفرد قاطعَ رحمه التاريخي المخلِّق لأجنة التعذيب والترهيب وواصل بخلفٍ أخصبتْهُ نزعة أنسنة الفكر والتاريخ والعقيدة. وهل يشكُّ أحدٌ في تنصيل القديس فالنتينو من فصيلته الدينية الكنسية وتجييره ضدها في يوم عيد الحب يوم 14 من شباط؟ اليوم المعروف بتحوّل وعي الأوروبيين بمقتل رجل الدين من لدن أضرابه ورصفائه إلى وعي ملهوي احتفالي تُبْسَطُ البهجةُ فيه على قلوب الناس، وتترعُ نفوسهم من نبيذ الهوى بحيث تغسل رشفاته ثغور الكره الفاغرة لدى البشرية، وتقبسُ لعيونهم ألوان الهدايا المتبادلة بين المتحابين.
بينّا العقل العربي يطرح إشكالياته التاريخية في صيغة سرديات نائمة متى شاء النَّصل الأسود لرجل الدين أو السياسة أو المتأدلج المفكّر انغرسَ فيها، فيستنزفُها ليأزمَ بها المجتمع ويستعصبُ الأحلاف للاحتراب على هَدْيِ معطياتها. وهنا يتعوّد أفراد ذلك المجتمع هذه الحالة ويألفونها فلا تكون ظاهرة ضارية يجب إماتتها، ولن تستعمل كرأي ماثل للنقاش والدرس والتشذيب العلمي، والبلية أشدُّ عندما تتناقلها الإذاعات وتتراسلها الصحف وتتبناها المؤسسات. وكأن الواقعة التاريخية الإشكالية تشعركَ بدورها: دورها أن تتغلغل في الوعي الجمعي الذي يقبعُها في حجراته المظلمة بهالتها التقديسية وشررها السحري. وماذا يصنع هذا الوعي غير استقبالها بهذه الشاكلة حتى وإن التفَتَ مِنْ حوله فلن يجدَ زاجراً لنقمتها الخفية على العُوّام، ولم يكن له من غيرها قائدٌ إلى الحاضر؟! إن الواقعة الإشكالية في مثل هذه الحالة ستقهر كلّ محاولة لتفكيكها ومحاورتها وإذابتها في حيز نقدي، وستنتصر على إرادة تعديلها أو تبديلها، وستمتدُ جذورها عميقاً في تربة الخرافة وأرض الأسطورة، مادامت استعادتُها منوطةً بعقول محدودة مغلقة مغلَّفة بطبقات الهوية والعنصرية، وتحريرها مفيد لسلطة الواعظ الديني، ونافع للرفيد السياسي... . وما يدلُّك على تمثّل هذه الحالة بجلاء كواقعة عاشوراء! الواقعة المُتَأَبِيِّة على التحوّل الجمالي؟؟ أجل، تلك الفِعال التي قامَ بها يزيدُ بن معاوية وأعوانه في حركاتٍ معدودةٍ، ثم فِعال أنصار الحسين بن علي بن أبي طالب ومحبيه ما فَتِئ الوعي الجمعي بها الإفاقةَ من نومٍ بارحَتْهُ أحلام الجمال. وكأنَّ أصحاب هذا الوعي تستمرؤوا القبحَ اللجوجَ في تلك الواقعة حتى رأيتهم بين حالين قد تموَّجوا حينما يطرقُ شهر مُحرَّمُ أذهانَهم. حالُ من تبجَّحوا باستفاضة الصواب في عَزْمِ الحاكم على قتلِ النفس المُصلِحة، فكفّروا ولَعَنوا وشتموا، وأَلبَّوا، وحال من شَكَوا ثِقَلَ الظلم الذي اغتمر المظلوم، فلبسوا السواد وأشهروا السيوف وأوقدوا مشاعل الثأر وضربوا سرادق العزاء. كلاهما يَعجِزُ عن إطلاق الحادثة إلى فضاء العيش السلمي، ويجهَلُ مَبْلَغَ الخير لو تآلفا في طقوسٍ جمالية تنتشر يوم عاشوراء، فتنشر وشاحَ الــأمن والسعادة على البيئة والمجتمع. لكن ذلك المنشود لن يكونَ؟! إنَّ كلَّ فئة منهما تستوصي بالتزام الحقِّ لها في ما استلمتْهُ من الموروث، وتستحفظُ الثأرَ المأخوذ من أهل هذا العصر بينّا الظالمُ والمظلوم في الواقعة قد طوتهما المجلدات ُالصُفْر، واحتوتهما تُربة الماضي، فاعتبِروا يا بني الظالم وبني المظلوم، تأمَّلُوا حالَ مزايلتكم صباحات الراحة وليالي الطمأنينة، أو تأمَّلوا قَدْرَ الرفاهية والانتشاء حين تُنسخُ علّةُ التأريخ بقرارةِ النسيان، وتُمسخُ آفتُه إلى حدثٍ فتّانٍ. هيهات أن تفعلوا ذلك لحقيقة عليكم أن تروها في المرآة العربية الإسلامية: إنَّها جفاء نفوسكم للجمال الحاضرِ في الأشياء، والتماسكم القبح بطلول الدماء، واغتراركم بوعود التراث الهباء. كلُّ ذلك استُفِزَ فيكم بمطرقةِ السياسة وضربها العنيد على رؤوسكم.





* فالنتينو كان كاهنًا قديسًا في روما صُحبةَ القديس ماريوس Marius وعائلته، يساعدُ المعترفين على تحمّل العذابات ويشجعهم وسطَ اضطهاد الإمبراطور كلوديوس الثاني لهم. اُعتقل وأُرسِل بأمر من هذا الإمبراطور إلى حاكم روما، الذي حاولَ فالنتينو أن يحوّله عن إيمانه لكنه فشلَ، فأَمَرَ بضربه ضربًا مبرحًا بالهراوات والحجارة، ثم قطع رأسه في الرابع عشر من فبراير حوالي سنة 270 م بسبب قيامه بتزويج الرجال والنساء المسيحيين المرتبطين بعاطفة الحب إضافة إلى مساعدتهم. ويقال أن الأسقف يوليوس الأول Julius I بنى كنيسة قرب Ponte Mole تذكارًا للقديس فالنتينو. ويبدو أن اعتياد الغربيين على الاحتفال بعيد استدعائه في الرابع عشر من فبراير تعود إلى محاولة الكهنة الغيورين لمقاومة عادة وثنية كانت موجودة في تلك الأيام يتبادلون فيها في عيد الإلهة Februata Juno في الخامس عشر من الشهر بطاقات عليها أسماء للبنات. إلا أنَّ الكهنة عَملوا على تبديل تلك العادة بتبادل بطاقات عليها أسماء للقديسين في الرابع عشر من الشهر. وهناك تفسير آخر لتلك العادة دُوِّن في كتابات شوسيه Chaucr يقول ببداية تزاوج الطيور في يوم عيد القديس فالنتينو.
**الحسين بن علي بن أبي طالب: سبطُ رسول الله، وابن الخليفة الرابع علي، والإمام الثالث لدى الشيعة الإمامية. ثار على يزيد بن معاوية وهو خليفة المسلمين يومئذٍ طالباً الإصلاح في أمة جدِّه، ورافضاً مبايعته، لكن يزيد أرسلَ له جيشاً جراراً بقيادة عمر بن سعد بن أبي وقاص، فقتلَهُ وأبناءهُ وأصحابَه أبشع قِتْلَة سنة إحدى وستين يوم العاشر من شهر مُحرم في كربلاء بالعراق، وسبا أهله ونساءه إلى الشام. وقد اعتاد محبوه وشيعتُه أن يقيموا مراسم العزاء ويحيوا طقوس اللطم والبكاء لابسين السواد وناشرين رايات المطالبة بثأره كلما حلّ شهرُ محرم عليهم في العام.



#سحر_شُبّر (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295


المزيد.....




- إسرائيل تغتال قياديًا في الجماعة الإسلامية وحزب الله ينشر صو ...
- الجماعة الإسلامية في لبنان تزف شهيدين في البقاع
- شاهد: الأقلية المسلمة تنتقد ازدواج معايير الشرطة الأسترالية ...
- أكسيوس: واشنطن تعلق العقوبات على كتيبة -نيتسح يهودا-
- آلام المسيح: كيف حافظ أقباط مصر لقرون على عادات وطقوس أقدس أ ...
- -الجماعة الإسلامية- في لبنان تنعي قياديين في صفوفها قتلا بغا ...
- الجيش الإسرائيلي يعلن اغتيال قيادي كبير في -الجماعة الإسلامي ...
- صابرين الروح جودة.. وفاة الطفلة المعجزة بعد 4 أيام من ولادته ...
- سفير إيران بأنقرة يلتقي مدير عام مركز أبحاث اقتصاد واجتماع ا ...
- بالفصح اليهودي.. المستوطنون يستبيحون الينابيع والمواقع الأثر ...


المزيد.....

- الكراس كتاب ما بعد القرآن / محمد علي صاحبُ الكراس
- المسيحية بين الرومان والعرب / عيسى بن ضيف الله حداد
- ( ماهية الدولة الاسلامية ) الكتاب كاملا / أحمد صبحى منصور
- كتاب الحداثة و القرآن للباحث سعيد ناشيد / جدو دبريل
- الأبحاث الحديثة تحرج السردية والموروث الإسلاميين كراس 5 / جدو جبريل
- جمل أم حبل وثقب إبرة أم باب / جدو جبريل
- سورة الكهف كلب أم ملاك / جدو دبريل
- تقاطعات بين الأديان 26 إشكاليات الرسل والأنبياء 11 موسى الحل ... / عبد المجيد حمدان
- جيوسياسة الانقسامات الدينية / مرزوق الحلالي
- خطة الله / ضو ابو السعود


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - سحر شُبّر - نَسْخُ الوقائع بالوعيّ الجماليّ