|
-موت صغير- سيرة إمام الصوفية ابن عربي
منير ابراهيم تاية
الحوار المتمدن-العدد: 5638 - 2017 / 9 / 13 - 20:37
المحور:
الادب والفن
"لا رواية يمكن ان تغير العالم" جورج اورويل التصوف عالم قائم بذاته، له تاريخ طويل، والتصوف منهج، أو طريق يسلكه العبد للوصول إلى الله، أي الوصول إلى معرفته والعلم به، كما عبر عنه ابن عطاء الله السكندري في الحكم العطائية، والفلسفة الصوفية ، بحيثياتها الروحانية واسترسالها بالحديث عن الكرامات والكشف عن الغيبيات والسعي خلف أولياء الله الصالحين ، بيئة خصبة لكتابة رواية، وارتياد الخطاب الروائي عالم التصوف جاء لفتح باب جديد في طريقه، وهذا الباب يتكون من ضفتين اثنتين، الضفة الاولى التي يدخل من خلالها الحديث عن الاخر، الحديث عن علم من اعلام الصوفية، تسحبه من عالم التصوف "كواقع معاش" الى عالم الرواية التخييلي، فيكون العنوان الذي يمكن ان نطلقه على مثل هذه الروايات هو "الرواية والتصوف"، كرواية" موت صغير" مثلا، التي جعل الراوي من ابن عربي مادة اساسية لحكايته، ورواية "قواعد العشق الاربعون" عن جلال الدين الرومي، وكذلك رواية "بنت مولانا" للفرنسية مورل مفري، والرواية تناولت شخصية كيما سلطان، الفتاة التي أرسلها أبوها إلى الرومي للتعلُّم الصوفية برزت كلحظة روحية وفلسفية وفكرية بامتياز في التراث العربي الإسلامي، حيث بدأ فعل الصوفية في الحداثة الشعرية، قبل أن يمتد ذلك الفعل في الحداثة الروائية، ويمثل اللجوء إلى التجربة الصوفية، كممارسة إبداعية أو فلسفة لرؤية الكون، مظهرا من مظاهر الحداثة الروائية الجديدة، تلجأ فيها إلى الاغتراف من الصوفي، مما يطبعها بطابع شعري ملحوظ وجلي، كون الصوفية منبع ثري لتوليد "الشعري" فمعظم رجالات الصوفية هم شعراء، مارسوا الكتابة الشعرية واتخذوها وسيلة للتعبير عن فلسفاتهم ورؤاهم المتفردة للوجود والكون. ولأن الرواية الجديدة تلتجأ إلى الشعري، وبعد نجاح رواية "قواعد العشق الاربعون" للتركية اليف شافاق صار ثمة هوس بالرواية الصوفية، أقصد ثمة هوس عربي لايمكن لنا ان نتجاهله، فبرز ميل لدى عدد كبير من الكتاب نحو الصوفية فلماذا يلجأ الروائيون إلى استحضار شخصيات من التاريخ ليكتبوا عنها؟ وهل هذا الهوس التأملي حول كون الصوفية هي وسيلة لمحاربة التشدد والتطرف بالحديث عن الصوفية بوجهها الناعم المرغوب معرفته بما تتيحه من تأويلات ورؤى للأشياء تأخذ بعدا أكثر رحابة من التفسير الحرفي للنص المقدس؟. الشخصية هي اهم محور في صناعة الرواية، وفي موت صغير يتوارى ابن عربي بثقله الفكري والفلسفي، فشخصية فكرية صوفية فلسفية عميقة يعرفها القاصي والداني بحجم ابن عربي يجب تقديمها بما يليق بها، والشخصية هنا جاءت بشكل ضعيف وباهت لا لون له ولا طعم ولا رائحة، فقد ركز الكاتب على الاحداث التي شكلت بيئة ابن عربي واحتضنته ولم يتعرض فعليا لهذا الفكر، فجل الحديث عن ابن عربي الطفل والمراهق والزوج دون الحديث عن ابن عربي الشخصية الاشكالية في التاريخ بكل ما حملته معها من جدالات وكأن الكاتب تهيب ان يطرق هذا الباب،... فترك العمل بلا روح، او انه اراد ان ينزع هالة الاسطورة عن ابن عربي، مجرد احداث سطحية لا تقدم اي قيمة تثقيفية، فحين تقرأ رواية كتبت عن حياة شخصية تاريخية، يتبادر الى الذهن بانك ستلتقي بهذه الشخصية وكأنها ولدت في عصرنا لتنقل لنا احداثا معاصرة، ام ان الكاتب اراد ان يتجنب حقول الالغام المزروعة في مسيرة ابن عربي التاريخية والفكرية، فالمغامرة معقدة والدرب شائك، ان محاولة تجريد شخصية ابن عربي من قدسيتها، ومحاولة أنسنته، وهذا يبدو واضحا في مشاهد فترة صباه، عندما كان يحب المغنى والسكر ويبررهما، وفق قواعد ومناهج لها علاقة بالتصوف أيضا وفي علاقة زواجه ومسيرته الوظيفية؛ هذا الوعي التجريدي مكرر أيضا، فربما يكون اقترب منه كزانتزاكس في روايته "الإغواء الأخير للسيد المسيح"، لست متصوفا ولكنني بعدما انهيت قراءة الرواية لم أجد إبن عربي ولم تضف لي الرواية أي شيء حتى أدنى قدر من فكره الصوفي والفكري، ان مفهوم الكتابة الروائية والأدبية لدى كثيرمن الروائيين العرب ما زال مبهما وغير مفهوم. تقودنا الاحداث في "موت صغير" عبر مسارين الاول يحكي تاريخ انتقال مخطوطة تقص سيرة بن عربي منذ عام 610 هجرية وحتى اكتشافها العام 1433 هجرية، وبحسب الكاتب، فإن سيرة المخطوط عمل متخيل تماما ولا وجود له، والثاني سيرة ابن عربي من المهد الى اللحد، مستعرضا الصعاب التي لاقاها منذ ولادته في الأندلس وحتى وصوله الى مكة. يستعرض الكاتب كيف استقر ابن عربي في مكة المكرمة وأنجز مؤلفه الأهم "الفتوحات المكية"، وظن أنه سيهدأ وتقر عينه بما أنجز، لكنه يلتقي نظام ابنة شيخه زاهر الأصفهاني فيغرم بها ويكتب ديوانه "ترجمان الأشواق"، غير انه يٌفاجئ برفضها، ليكتشف أنها كانت وتدا من أوتاد الأرض الأربعة، طبقا للفهم الصوفي، وبالتالي فدورها تثبيت الإيمان والدين فى قلوب من يهديهم الله، وفق المتصوفة، فالمتصوفة يعتقدون بوجود القطب الأكبر أو الغوث لإدارة شؤون الأرض وتحته أربعة أوتاد يساعدونه، ما جعله على يقين باستحالة ارتباطهما، لتنتهي حياة "الشيخ الأكبر" عجوزا متهالكا يعمل أجيرا في بستان باحثا عن قوت يومه... ربما سيصيب القارئ بعضا من الملل؛ ويشعر أن الرواية على مدار صفحاتها، التي اقتربت من الـ600 صفحة، طويلة للغاية، ويمكن اختزالها إلى 200 صفحة وتستمر معك الرواية، أي أن هناك ما يقاب الـ 400 صفحة لا لزوم لها سوى وجاهة الحجم او ما يسمى بـ "البدانة الروائية"، ويمكن حذفها بسهولة دون ان يتأثر النص ومسار الاحداث، فالكثير من الأحداث الثانوية الزائدة عن حاجة الرواية كما في الأجزاء المتعلقة بكشف مصير الخليفة الموحدي "يعقوب بن يوسف" الذي اختفى فجأة ولم يعرف مصيره وعد ميتا وخلفه في الحكم ابنه محمد. وفي فصول ذلك السفر، وبعد أن أبلغته "نظام ابنة زاهر الأصفهاني" بأنها وتده الثالث وعليه أن يسافر إلى "ملطية" لأن فيها وتده الرابع والأخير؛ أخذ السرد يتوالد خلال فصول السفر، فيحلم ابن عربي بصوت رجل مسن يصلي، وتعانده بغلته فيتركها تقوده، لإيمانه بأن "الإشارات لا تحدث عبثا والكشوفات لا تنزل سدى" (ص452). فما هو الكشف المهم في مصير الخليفة وتحول السفر نحو البقاع؟! وماذا سيضر الرواية لو ترك مصيره مفتوحا على كل الاحتمالات التي ورد ذكرها في بداية السفر الخامس؟! وعلى النقيض من تلك البدانة، نجد "نحافة" – إن جاز التعبير – وعدم اهتمام بالحرث العميق في البعد الإنساني لمعاناة بدر في جزء الرحلة المفقود سردا من البقاع وحتى ملطية بقدم أكلتها الغرغرينا. قفز عن هذا الجزء من الرحلة واكتفى فقط بذكر الفترة الزمنية "فلم نكد نصل إلى ملطية بعد شهر وأسبوع إلا وقد استحالت قدمه اليمنى قطعة سوداء هجرها الدم وصار يجرها وراءه جرا" رغم إنه يعلم مسبقا خطورة حالته “قرصته قرب كعبه فلم يشعر بما فعلت، أوجست من ذلك خيفة وحدست ما وددت أنه لم يصدق" (ص468). البوكر العربية التي باتت محط أنظار الأدباء والكتاب من مختلف بلدان العالم العربي تريد التسلل للراي العام العربي من خلال انماط كتابة مخالفة للثوابت الايمانية والاخلاقية وعلوان "برأيي" لم يوفق في سرده السيرة الذاتية لابن عربي.
#منير_ابراهيم_تاية (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
توم يورك يغادر المسرح بعد مشادة مع متظاهر مؤيد للفلسطينيين ف
...
-
كيف شكلت الأعمال الروائية رؤية خامنئي للديمقراطية الأميركية؟
...
-
شوف كل حصري.. تردد قناة روتانا سينما 2024 على القمر الصناعي
...
-
رغم حزنه لوفاة شقيقه.. حسين فهمي يواصل التحضيرات للقاهرة الس
...
-
أفلام ومسلسلات من اللي بتحبها في انتظارك.. تردد روتانا سينما
...
-
فنانة مصرية شهيرة تكشف -مؤامرة بريئة- عن زواجها العرفي 10 سن
...
-
بعد الجدل والنجاح.. مسلسل -الحشاشين- يعود للشاشة من خلال فيل
...
-
“حـــ 168 مترجمة“ مسلسل المؤسس عثمان الموسم السادس الحلقة ال
...
-
جائزة -ديسمبر- الأدبية للمغربي عبدالله الطايع
-
التلفزيون البولندي يعرض مسلسلا روسيا!
المزيد.....
-
التجريب في الرواية والمسرح عند السيد حافظ في عيون كتاب ونقا
...
/ نواف يونس وآخرون
-
دلالة المفارقات الموضوعاتية في أعمال السيد حافظ الروائية - و
...
/ نادية سعدوني
-
المرأة بين التسلط والقهر في مسرح الطفل للسيد حافظ وآخرين
/ د. راندا حلمى السعيد
-
سراب مختلف ألوانه
/ خالد علي سليفاني
-
جماليات الكتابة المسرحية الموجهة للطفل في مسرحية سندس للسيد
...
/ أمال قندوز - فاطنة بوكركب
-
السيد حافظ أيقونة دراما الطفل
/ د. أحمد محمود أحمد سعيد
-
اللغة الشعرية فى مسرح الطفل عند السيد حافظ
/ صبرينة نصري نجود نصري
-
ببليوغرافيا الكاتب السيد الحافظ وأهم أعماله في المسرح والرو
...
/ السيد حافظ
-
السيد حافظ أيقونة دراما الطفل
/ أحمد محمود أحمد سعيد
-
إيقاعات متفردة على هامش روايات الكاتب السيد حافظ
/ منى عارف
المزيد.....
|