أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - بريهان قمق - مفارقة بين معلمتين .!














المزيد.....

مفارقة بين معلمتين .!


بريهان قمق

الحوار المتمدن-العدد: 5634 - 2017 / 9 / 8 - 09:24
المحور: الادب والفن
    


مفارقةٌ عشتها وأستذكرها مع كل بداية عامٍ دراسيٍ جديد ...
لم تعلق بذاكرتي بعمق من بين كل من تتلمذت على أيديهن، في مرحلتي الدراسية طوال اثنتي عشرة سنة، سوى معلمتين بمفارقة غريبة، الأولى عرفتها وقد كنت في حوالي الثامنة من العمر أي في الصف الثالث الابتدائي.. نسيت اسمها ولكنّ صفعتها التي هوت على خدي ما زالت ترن في أعماقي، ولغاية اللحظة لا أعرف سببا لهذه الصفعة وما حماقتي، انما أذكر أنني كنت مع بقية الصغيرات كالببغاوات نردد خلفها نشيدا ما غير ممتع ، وعلى ما يبدو نشزت بكلمة ما ، صدقا لغاية اللحظة لا أعرف حتى الكلمة التي لم أتقنها مع الجمع وما حقيقة ما جرى.. لقد نسيت اسم هذه المعلمة ولكنني لغاية اللحظة لم أنسى صفعتها التي علقت عميقا في بئري العميق، وكانت سببا في كراهيتي لكلَّ مواد اللغة العربية ، وما من ضرورة لأحدثكم حول تداعيات الأمر وتدخلات أسرتي وما إلى ذلك من متابعات مع الإدارة لرفض عائلتي منطق الضرب، إنما ظلت هذه المعلمة ظلا للصفعة التي لم تبهت من حيث المعنى ..!!
وبسبب تلك الخبرة المؤلمة التي لاحقتني لسنوات أدّت لكراهيتي لمواد اللغة والأدب ، فاخترت دون تردد الإلتحاق بالقسم العلمي وقد كان مجموع علاماتي يؤهلني لذلك فانتقلت الى مدرسة زين الشرف..
وعلى الرغم من المواد العلمية المكثفة، انما كان لابد من دراسة مواد الأدب واللغة، رغم بساطتها قياسا بالقسم الأدبي.. انما كان القدر يرسم لي دربا للقاء مع معلمةٍ عظيمة تغلغلت كياني ، وهي السيدة الفاضلة "فردوس زعيتر" التي درستني اللغة العربية لسنتين، وتمكنت بما تتمتع به من كاريزما وثقافة واسعة وأسلوبية حكيمة بأن تسحرني وتجذبني بسلاسة إلى عوالم الأدب والشعر واللغة بشغف...
تمكنت بطريقتها الحكيمة التغلغل إلى أعماق المراهقة المتمردة ، التي ترتدي الجينز الممزق الأطراف وممتليء برسوم وشعارات تحت مريول المدرسة الأخضرالقصير وبشعرها الفوضوي الغجري بما توحيه من لا أبالية .. لا أدري ما الذي فعلته تلك السيدة تدريجيا بي وبصديقاتي بطريقة ساحرة، حملتنا على أجنحتها وقد تقبلت جنوننا ومراهقتنا وتمردنا غير آبهة بما نفعله وباختياراتنا في التعبيرعن أنفسنا، انما استطاعت وضعنا بمواجهة الذات كي ندرك معنى السؤال مع الذات .. بت أفكر واسال وانتقد وأحلل كل ما أقوم به وما ارتديه واسلوبيتي وافكاري وتمردي وحتى كسلي حتى انها الهمتنا أنا وصديقاتي للذهاب يوميا الى المدرسة سيرا على الأقدام لممارسة رياضة المشي عوضا عن الذهاب بسيارة كمرفهات مدللات ..مما كان له الأثر العميق بإحداث التغيير في أسلوبية تفكيرنا وبجريان الدم في عروقنا مع كل صباح باكر والانتباه لتفاصيل الأدراج العمّانية والياسمين المتفتح والتواءات الطرق ، والحجارة وملامح الناس ....
كانت تتحدث بحيوية وترمي الاشارات كما لو كانت غيمة تهطل براذاذ حكمتها الهوينا تلامس الخد الذي بعد لم ينسى صفعة ما ، إنما ثمة رذاذ ما من نوع آخرمدهش بات يعيد الرؤية ...
سحرتني بجديثتها وثقافتها الموسوعية وقدرتها على التفهم ....
هذه السيدة المعلمة الحكيمة "فردوس زعيتر" أعادتني بسلاسة وتدريجيا الى مرحلة الشغف إلى عالم الشعر والأدب وتذوقه .. وزاد منسوب النهم ، حتى كنت أواظب بعد الظهر لزيارة مكتبة أمانة العاصمة في وسط البلد قرب المدرج الروماني، للنبش في عالم الشعراء والأدباء العرب والغربيين وكشف مكنونات العوالم الأدبية والإبداعية ، وعلقت بعشق طرفة بن العبد وامرؤ القيس وجبران وبدوي الجبل وعرار، بل دفعتني أبعد من ذلك كي اكتشف عوالم الصعاليك من الشعراء والصوفيين الكباركالحلاج وابن العربي وغيرهما . وبنهم أروح لنجيب محفوظ ويحي حقي وتوفيق الحكيم والى عالم سحري لكازانتزاكيس وأتغلغل عوالم الإلياذة والأوديسة ومن ثم اقفز لشكسبير و غوته وانتقل لموليير ورامبو و فاليري و هاينريتش، الى ليو تولستوي و دوستويفسكي وتشيخوف و اتنقل من بين الثقافات المختلفة اتلمس ما يمكنني استيعابه بجدية مفرطة ورومانسية الى تمرد من نوع آخر ... من ثقافة الى أخرى حتى ان المكتبة لم تعد تكفي النهم ، فصرت ألجأ أيضا لبائع الكتب كشك أبو علي الشهير ، الذي يعرض كتبه على الرصيف وسط البلد لما يتمتع به من سمعة كبيرة وتنوع هائل بعناوين المؤلفات...
وما أن انتبه لشغفي بالقراءة حتى بات يُعيرني الكتب مجانا فأعيدها له حال الإنتهاء منها...واعترف أنني تمكنت من الحصول حتى على الكتب الممنوعة كالسياسية والفكرية والتي لعبت دورا كبيرا في تشكيل وعيٍ مُستجد على صُعدٍ أخرى ..
كانت الحكيمة المعلمة "فردوس زعيتر" مفتاحا سحريا لمعنى القراءة وعبور المعرفة الإنسانية عبر أسلوبيتها وانسانيتها وثقافتها الواسعة والكاريزما التي تمتع بها، كما لو كان قادمة الينا من كوكب آخر بمهمة منح مفاتيح تفتح الوعي للمراهقات المتمردات ..
تحولت تدريجيا لأيقونة روحية وشعلة لا ينضب ضوءهاـ حتى لما انتهت دراستنا الثانوية ، انما ضوئها ظل مشتعلا بالعروق، مساهمة بتشكيل الوعي الذاتي لكائن محموم بالنبش بين جمرالأسئلة التي لا تنفك عن التوالد بالمزيد.....
ومع كل بداية سنة دراسية سأظل ما حييت أستذكر بامتنان ومحبة للسيدة " فردوس زعيتر" المثقفة الحازمة النبيلة والحكيمة والجميلة الروح ، التي أنارت للمراهقات مفتاح الدرب وبحرية التلقي...
في كل سنة دراسية أتلمس خدي ويزداد ايماني وتترسخ قناعتي بان مقولة "من علمني حرفا صرت له عبدا " مقولة مدمرة .. بل إنّ من علمني حرفا صرت له ممتنة بالحرية والانعتاق.....



#بريهان_قمق (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- أزمة قطر..
- كي لا نخسر قوة المقاطعة المدنية في المجتمع المحلي
- لا تظلموا زوجة سقراط ..!!
- بَوْحٌ عِنْدَ شبّاك القلب........
- عندما يحين آوانه..
- شهوة أم قناديل الدم .....!!
- كلام في فعل الخير الرمضاني
- في النحل ثمة أسرار..!
- في العام الجديد: أمنيات صغيرة
- أيننا من ثلاثية : الحسيني، هتلر، ونتيناهو.؟؟
- دعونا نفهمهم .!
- التضامن ....
- بضائع على الرصيف العربي
- تقبيل البسطار
- بين الظلمة والنور
- ثمة أمل
- أغيثوا الدفق من العدم
- كرنفال استقلال كوسوفو
- حيفا تحاور الأديبة والشاعرة والإعلامية بريهان قمق
- أيُّها الجَاثِم


المزيد.....




- نجم مسلسل -فريندز- يهاجم احتجاجات مؤيدة لفلسطين في جامعات أم ...
- هل يشكل الحراك الطلابي الداعم لغزة تحولا في الثقافة السياسية ...
- بالإحداثيات.. تردد قناة بطوط الجديد 2024 Batoot Kids على الن ...
- العلاقة الوثيقة بين مهرجان كان السينمائي وعالم الموضة
- -من داخل غزة-.. يشارك في السوق الدولية للفيلم الوثائقي
- فوز -بنات ألفة- بجائزة مهرجان أسوان الدولي لأفلام المرأة
- باريس تعلق على حكم الإعدام ضد مغني الراب الإيراني توماج صالح ...
- مش هتقدر تغمض عينيك.. تردد قناة روتانا سينما الجديد على نايل ...
- لواء اسرائيلي: ثقافة الكذب تطورت بأعلى المستويات داخل الجيش ...
- مغنية تسقط صريعة على المسرح بعد تعثرها بفستانها!


المزيد.....

- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - بريهان قمق - مفارقة بين معلمتين .!