علي فائز الحاج
الحوار المتمدن-العدد: 5633 - 2017 / 9 / 7 - 08:54
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
الادراك المفقود
يقف المواطن العربي اليوم امام مفترق طرق , في حالة برزخية منفصلا عن المكان والزمان غبر مدرك لذاته في محاولة لإدراك ذاته , وهو بنفس الوقت يحاول تعريف نفسه وسط حالة الفوضى وعدم الانتماء غير قادر على قطع روابط الماضي المتعلقة به منذ قرون لينظر الى المستقبل .
هذا الانسان والذي يطلق عليه الفلاسفة (( الفاعل الاجتماعي )) يفتقد معنى الفعل فهو فارغ من أدوات الحركة وغير قادر على الانجاز محروم من فاعلية الفعل ليناله الاسم فقط .
هذا الانسان يقف على عتبة المستقبل وهو مجرد من كل الادوات اللازمة للدخول وهو بنفس الوقت مكبل بنيرين , النير الذاتي الذي فرضه على نفسه نتيجة عوامل المجتمع والدين والاخلاق , ونير مجبر على وضعه لتبقى لهذا الانسان صفته الاجتماعي اللاحقة للفاعل .
أمام هذا الواقع المؤلم يقف الانسان العربي خارج نطاق التاريخ مرغماً وهو يحاول ادراك ما فاته عبر محاولات خجولة تصطدم دائما بعامل الاقتصاد المنهار والمجتمع الضائع بين رأسه ومعدته وبالتالي تنتهي محاولات التنوير تلك بسلسلة من الفشل تبدأ من ضرورة تغيير المجتمع لتحسين الاقتصاد وتنتهي بلزوم تحسين الاقتصاد لتطوير المجتمع . هذا الفشل يعود لكون الانسان العربي المثقف غير مدرك بعد لكون التنوير المنشود يبدأ أولاً في فهم مصطلح التنوير , فالتنوير لم يكن تنوير المظلم بل البحث عن النور وإدراكه , هذا الادراك هو الادراك المفقود .
حتى هذه اللحظة يستمر المثقفون باعتبار أن الضرورة للدخول في نطاق التاريخ هو المواكبة العلمية التكنلوجية للدول المتقدمة صناعيا متناسين أن العبور من حالة الركود الاجتماعي في عصر ماقبل الحداثة والوصول الى مابعد الحداثة مرورا بالحداثة نفسها يتطلب وقبل كل شيء إحداث صدمة في الآلية المتبعة في التفكير وثورة على النظم المعرفية المكونة للعقل العربي والشرق أوسطي , هذه الضرورة تستلزم وقبل كل شيء القيام بعملية نقد واسعة لكافة الآليات والنظم تلك ومن أهمها الموروث الديني والاخلاقي والاجتماعي , للأسف هذه الضرورة أيضاً غير مدركة في الوسط الثقافي العربي وهي من يجب أن يقع فعل التنوير عليها , فليس التنوير أن نكتشف الحل بل أن تكون لديك المعرفة بآليات وخطوات الحل .
النقد هي الخطوة الاولى في طريق التنوير فمالم نصل الى نقد شامل وكامل لكافة الموروث لن ننجح في دخول عتبة التاريخ , ويبدا النقد بإدراك العقم من هذا الموروث وفشله كأداة معرفية تمكن الانسان من إنجاز الحضارة , عملية إدراك العقم هذه ليست بالأمر السهل ولذلك لابد للمثقف العربي أن يقوم بالعمليتين معاً أي لابد من نقد الموروث لاكتشاف عقمه وأدراك أن المشكلة بالموروث لإجراء عملية النقد عليه بعلاقة شرطية لابد منها علماً أنه لابد من الوصول بنتيجة عملية النقد تلك الى قطيعة كاملة مع الموروث بشكل نهائي , فلا يمكن لأي عملية تنوير أن تنجح بدون إعادة صياغة وفهم لتراث وتاريخ أمة بأكملها خاصة وأن معظم عوائق التنوير العربي تعود الى حالة التماهي مع الموروث بدون التجريب والتجديد فيكفي أن يكون الموضوع تراثاً أو تاريخاً حتى ينال صفة المقدس وهذا التقديس هو مايجب على عملية النقد أن تلغيه وتنهي حالة الجمود في العقل العربي المعروف بتقديسه للأسطورة وتلغي من قاموس أدبياته كل ماهو ممنوع التفكير فيه , فهذا المصطلح الذي كان الاداة التي تمنع العقل العربي من الانجاز والتوسع يجمع بين دفتيه المقدس الديني والاجتماعي , فالمقدس الديني بدأ بتقديس شخص النبي و كتاب الشريعة (القرآن) وانتهى بكل إمام وعالم ورجل دين جاء بعده , أي أن هذا المقدس الديني يمتد على أكثر من ألف عام .
لابد من الاشارة الى أن عملية النقد لا تعني الالغاء بل إعادة فهم وصياغة للتراث وإجراء عملية مواءمة بين هذا الموروث وضرورة التغيير تفرضها حتمية شرطية للدخول التاريخ فمن المستحيل على أي أمة أن تدخل الى الحضارة ويكون لها موطئ قدم تحت الشمس وهي تسير بقوانين وضعت قبل ألف عام , المشكلة أن هذه الضرورة هي الغائبة ولابد للحركة الثقافية العربية التنويرية من تركيز الضوء على هذه العلاقة الشرطية
دخول التاريخ نقد الموروث
فلا يمكن إجراء أي تغيير وحل شامل لكافة مشكلات المنطقة بدون العملية النقدية تلك وبدونها ستستمر حالة الفوضى والانهيار في البنية الاجتماعية للمجتمع العربي وتفسخ وانحلال لكافة الروابط بين مكوناته واستمرارا لكافة مشكلاته السياسية والاجتماعية والاقتصادية .
#علي_فائز_الحاج (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟