أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - القضية الكردية - عصام الخفاجي - صقر الجبل الكردي















المزيد.....

صقر الجبل الكردي


عصام الخفاجي

الحوار المتمدن-العدد: 5618 - 2017 / 8 / 23 - 11:51
المحور: القضية الكردية
    




خلال إسبوع واحد تحوّلتُ في أعين معلّقين أكراد من "صديق وفيّ للشعب الكردي" مدافع عن حقه في تقرير مصيره ومؤيد لقيام دولة كردستان المستقلة، "مفكّر موضوعي مرموق" و"محلّل دقيق لأوضاع كردستان والعراق" إلى "عربي يدس السم في العسل"، "شوفيني يريد إبقاء كردستان خاضعة تحت هيمنتهم" و"متظاهر بالحياد وهو يفرغ حقده على كردستان"، وتحوّلت في أعين عراقيين عرب من "مدافع عن المخططات الأمريكية لتقسيم العراق" إلى "ديمقراطي شجاع". وبين هذا وذاك تعرّض موقع إلكتروني ينشر مقالاتي وله شعبية بين الأكراد إلى التخريب بعد أن انهالت الشتائم فيه عليّ أنا الذي "أفتخر بجرائم صدام حسين ضد الأكراد" وعلى المشرف الكردي على الموقع الذي "جلب الخزي على نفسه" و"كشف عن نواياه الشريرة" بنشره مقالات تعرّض بشعبه.
والقضية، باختصار، تعود إلى نشري لمقالين متتاليين رأيت في الأول منهما أن بقاء كردستان إقليما تابعا للعراق، وإن شكليا، بات أمرا مدمّرا للعلاقة بين الشعبين الكردي والعراقي وأن من مصلحتهما التعجيل في فتح مفاوضات لاتدور حول حل مشاكل بين إقليم وسلطة اتّحادية يخضع لها بل بين العراق وبين دولة كردستان الجارة التي تمنيت أن يقابل العراقيون ولادتها لا بالقبول على مضض بل بالترحاب. وأثرت في المقال الثاني أسئلة افترضت أن من حق المواطن الكردي أن يطرحها وهو يشرع في التصويت على الإستفتاء على استقلال كردستان بعد أسابيع قليلة خالصا إلى استنتاج مفاده أنني لو كنت كرديا لصوتّ على سؤال هل تؤيد استقلال كردستان ب"لا".
لاتثير الفجوة الهائلة التي تفصل العراقيين عن الأكراد الدهشة فهي باتت في عداد البدهيات، لكنها تكشف أن العصبيات القومية لاتزال، حتى في ظل طغيان العصبيات الطائفية والدينية، ذات قدرة هائلة على استحضار أسوأ مافي ثقافتنا السائدة من اختزال للفرد إلى جزء من قطيع يُسلخ عنه عقله وقدرته وتُعزى آراؤه لا إلى اجتهاداته بل إلى قطيعه القومي أو الطائفي فلا يعود ثمة نقاش بين أفراد بل عراك بين أقوام ولا يعود ثمة تأمل في مضمون الفكرة بل تساؤل عن نوايا مطلقها. وسؤال "لمصلحة من؟" يجسّد الخصي الذي أصاب الإبداع والإجتهاد في منطقتنا ويفسّر اسباب العجز عن إيجاد حلول لكوارثها المتزايدة. ولعلّي أنتجت، عن دون قصد، حالة مختبرية لقدرة العصبية الغريزية على انتقاء ما يتساوق مع ميولها فتلتقط العصبية الكردية فكرة الإستقلال الضروري لكردستان فيما تلتقط العصبية العربية حجج الإجابة الرافضة له.
لن أكرر الحجج، بل أحاول أن أبّين أن تصويت الكردي ب"نعم" على الإستفتاء في هذا التوقيت وبهذه التخريجة سيكون تصويتا ب"نعم" لإطلاق يد السيد مسعود البارزاني للقضاء على تجربة أملَ كثيرون أن ترسّخ نظاما ديمقراطيا في كردستان و"نعم" لتكريسه دكتاتورا يؤسس لدولة لاتحمل من الشكل الجمهوري للحكم غير الإسم كما كوريا الشمالية وسوريا.
من الصعب الموافقة على تفسير القيادة الكردية أو تبريرها للتوقيت الدرامي للإستفتاء كضرورة لبدء المفاوضات مع بغداد وهي تحمل تفويضا شعبيا مطالبا بالإستقلال لأن كل سياسيي بغداد بلا استثناء يدركون بأن غالبية الكرد تطالب به. وهذا هو السبب الرئيس الذي يوجب تأييد قيام جمهورية كردستان المستقلة. والأقرب إلى الدقة هو أن البارزاني عازم على التفاوض وهو يحمل تفويضا من الشعب بوصفه قائده الأوحد في المعركة الفاصلة لإنجاز التحرر الوطني. هي محاولة لفرض شرعية قيادته للإقليم/ الدولة التي تمر بأضعف حالاتها. فالرجل قرّر تمديد فترة حكمه بعد أن استنفد كل الذرائع التي تمكّنه من ذلك. حكم كردستان منذ عام 2003، وكان قبلها يتنازع السلطة مع السيد جلال الطالباني. نجح في إقناع البرلمان بأن يعتبر أن فترة الدورتين القصوتين للرئاسة تبدأ منذ إقرار الدستور. أنهى الدورتين فأقنع الأحزاب السياسية بالتمديد له لعامين بسبب الظروف الإستثنائية وما أكثرها حين يستمتع القائد بالعرش. انتهت السنتان فجاءت داعش بظرف استثنائي قرر بسببه التمديد لنفسه من دون الرجوع إلى البرلمان هذه المرة لأنه قرر تعطيله قبل سنتين. وها أن كردستان قد تحررت من داعش ويوشك العراق أن يتحرر منها.
ولأنه واحد من حكام منطقتنا، لم تثر كل تلك الإجراءات سخطا واسعا في أوساط جمهرة الكرد التي تطحنها الأزمات الإقتصادية والتخويف من العدو الخارجي. فحزب الإتحاد الوطني الكردستاني، غريمه سياسيا ونظيره في التمتع بسلطة العائلة، تنازل عن مطلبه بتولي أحد قادته منصب الرئيس واكتفى بتوريث ابن قائده التاريخي جلال الطالباني منصب نائب رئيس الوزراء. وبقيت حركة كوران (التغيير) تناطح لوحدها وتطالب بعودة الحياة السياسية التعددية وبتأجيل الإستفتاء بوصفه قرارا يجب أن يتّخذه ممثلو الشعب المنتخبون، وهي التي لاتقل حماسا للإستقلال عن غيرها.
نحن، إذن، أمام منظور للإصرار على إجراء الإستفتاء بعد شهر ومنظورين للدعوة إلى تأجيله: منظور سياسيي بغداد الآملين في أن يؤدي عامل الزمن والضغط الإقليمي والدولي وتقديم التنازلات للإقليم إلى تمييع المطالبة بالإستقلال وركنه جانبا ومنظور لا أوهام فيه بأن تتجاوز كردستان أزماتها السياسية الداخلية والإقتصادية التي أضيفت لها الآن أزمتها الجدية في التعاطي مع العالم ودول الإقليم، بل ينطوي على محاولة للتنفيس عن اختناقات تقود كردستان إلى طريق مسدود وعلى مسعى لترصين موقع الأكراد في مفاوضات هي في واقعها معركة سياسية قد تتعسكر إن أصر البارزاني على قراره الإمبراطوري.
في مغامرته هذه، يراهن البارزاني وربما كان على حق، على إلهاب حماس الشعب القومي الذي سيسانده إن قرر سحق مؤسسات الحكم وتحويلها إلى منابر للحزب القائد. سيتكرّس زعيما لا يأبه بالشكليات القانونية ولا بتنظيرات المثقفين التي ليس من شأنها إلا إضاعة الزمن في الثرثرة والنقاشات فيما يريد الشعب قرارات حاسمة يتخّذها قائد حازم أعرف بمصالح شعبه من الشعب نفسه. وأكاد أجزم أن الخطوة اللاحقة ل"نعم" ستكون الدعوة إلى انتخابات يحصل فيها حزب الرئيس على أغلبية كبيرة في برلمان يقرر تحويل نظام الحكم في كردستان إلى نظام رئاسي يسحب السلطات من البرلمان ويضعها في يد الحاكم. وقد يستعيض القائد عن ذلك، وقد أغوته الإستفتاءات، باستفتاء آخر ل"نعم" أخرى لنظام سياسي أكثر فردية. وستكون "الأخطار المحدقة بالوطن، والأعداء الذين يتربّصون بدولتنا الفتيّة" حجة أثيرة بالطبع. حكمة يعرفها كل دكتاتور ناجح بالفطرة: عمّق الإحساس بالخطر الخارجي وستجد الجمهرة طوع بنانك.
وماذا إن اضطر البارزاني إلى التراجع عن قرار إجراء الإستفتاء في اللحظة الأخيرة، وهو أمر لا أستبعده إن صدقت الإشارات الأمريكية عن إيقاف المساعدات للبيشمركة إـن لم يتراجع؟ قد لا يتغير شئ، وقد يتغيّر كل شئ. قد يوجه البارزاني خطابا إلى الشعب، وهو متهدّج الصوت، يشرح فيه الجهود التي بذلها من أجل حرية كردستان وصموده بوجه الضغوط والمؤامرات الداخلية والخارجية. وقد يذكّرهم بالعذابات التي تحمّلها الشعب الكردي وهو يكافح من أجل نيل حرّيته. وقد يعلن تنازله عن السلطة إن تأكد أن الكرد سيزحفون إلى قصره، كما زحف المصريون ليعيدوا عبد الناصر إلى السلطة إثر هزيمة 1967. عند ذاك سيعلن البارزاني: "خسرنا معركة ولم نخسر الحرب".
كرّست شغلي النظري طوال العقود الثلاثة الأخيرة لدراسة تكون الدول والأمم والهويات القومية وأدرك تماما الهياج المصاحب لتبلور تلك الهويات، بل ضرورته لسوء الحظ. وأعرف كيف يؤدي هذا الهياج إلى صعود الإستبداد وتعمّقه. وأدرك بالتالي أن كل ما كتبت وكتبه غيري لن يدفع الجمهرة الغالبة إلى التفكير العقلاني. يتوهّم من يقول أن الشعوب تتعلم من تجارب غيرها أو من التاريخ. ربما يصح هذا في حالة نخب من المثقفين لكن البشر الذين يمرون بظروف تاريخية متشابهة ينزعون إلى التفكير والتصرف بطرق متشابهة. والشعب الكردي يعيش اليوم عرس خمسينات وستينات العرب في القرن الماضي: الأولوية المطلقة للتحرر الوطني، أما المشاكل الأخرى فستتولى قيادتنا حلّها.
ملاحظة ختامية: أستمع الآن إلى أغنية تقول "هلا ياصكر (صقر) الجبل". قبل 2003، كان العراقيون يستمعون إلى أغنية "هلا ياصكر البيدا" (صقر البيداء).



#عصام_الخفاجي (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- أنا الكردي إذ أقرّر مصيري
- بالإستفتاء أو بدونه، كردستان جارتنا
- بيان لم يصدر عن الإئتلاف الوطني السوري
- مخيفة هذه الوحدة الوطنية
- هل ينتصر المواطن بعد النصر على داعش؟
- الأسلمة والقومية: قطيعة أم قرابة؟
- عن العقل القومي ومظلومية الأمم
- لنعترف: لسنا في وارد الديمقراطية بعد
- سلعة إسمها كردستان
- ترمب: جاذبية القومية وأوهامها
- احتضرت الثورة، فاحتضر صادق
- سوريا من تخاذل أوباما إلى خذلان ترمب
- مهمّات جديدة تنتظر الحشد الشعبي
- يمين الثورة السورية ويسارها
- السياسة كفعل تراجيدي
- عن تكوّن الدول وصناعة الأمم وتفسّخها
- الطائفة تعلن الحرب على الطائفية
- جلال الماشطة الذي غادر ولم يغادر
- إصلاح ما لايمكن إصلاحه في دولة أمراء الحرب
- في هجاء الجماهير


المزيد.....




- شاهد.. لحظة اعتقال اكاديمية بجامعة إيموري الأميركية لدعمها ق ...
- الشرطة الاميركية تقمع انتفاضة الجامعات وتدهس حرية التعبير
- صحف عالمية: خيام غزة تخنق النازحين صيفا بعدما فشلت بمنع البر ...
- اليونيسف تؤكد ارتفاع عدد القتلى في صفوف الأطفال الأوكرانيين ...
- يضم أميركا و17 دولة.. بيان مشترك يدعو للإفراج الفوري عن الأس ...
- إيران: أمريكا لا تملك صلاحية الدخول في مجال حقوق الإنسان
- التوتر سيد الموقف في جامعات أمريكية: فض اعتصامات واعتقالات
- غواتيمالا.. مداهمة مكاتب منظمة خيرية بدعوى انتهاكها حقوق الأ ...
- شاهد.. لحظة اعتقال الشرطة رئيسة قسم الفلسفة بجامعة إيموري ال ...
- الاحتلال يشن حملة دهم واعتقالات في الضفة الغربية


المزيد.....

- سعید بارودو. حیاتي الحزبیة / ابو داستان
- العنصرية في النظرية والممارسة أو حملات مذابح الأنفال في كردس ... / كاظم حبيب
- *الحياة الحزبية السرية في كوردستان – سوريا * *1898- 2008 * / حواس محمود
- افيستا _ الكتاب المقدس للزرداشتيين_ / د. خليل عبدالرحمن
- عفرين نجمة في سماء كردستان - الجزء الأول / بير رستم
- كردستان مستعمرة أم مستعبدة دولية؟ / بير رستم
- الكرد وخارطة الصراعات الإقليمية / بير رستم
- الأحزاب الكردية والصراعات القبلية / بير رستم
- المسألة الكردية ومشروع الأمة الديمقراطية / بير رستم
- الكرد في المعادلات السياسية / بير رستم


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - القضية الكردية - عصام الخفاجي - صقر الجبل الكردي