أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - كمال عبدالله - قارئة الكف العمياء















المزيد.....

قارئة الكف العمياء


كمال عبدالله

الحوار المتمدن-العدد: 5601 - 2017 / 8 / 4 - 00:19
المحور: الادب والفن
    


قارئة الكف العمياء.....


أَغلقتُ باب الغرفة ثم جلست في مواجهتها...أحسست بأنّها قد كانت تستطيع التّحديق في وجهي بالرّغم من البياض الذي كان يملأ عينيها...كانت عمياء...وكنت محبطا جدّا...رأيتها منذ أيام تمرّ من أمام المقهى التي كنت أقضي بها مساءاتي البائسة...قال لي أحدهم بأنّها تقرأ الكفّ...أنا لا أومن بهكذا أشياء...ولكنّها كانت جميلة...وكانت ممتلئة...أعشق هذا النّوع من النساء...عندما مرّت بالقرب مني، اخترقني عطر يشبه رائحة الكهوف البدائية...كان مزيجا من الظلام الذي ينتشر في عينيها ومن رغباتي الماقبل تاريخية...أمسكتْ بكفي بين يديها ثمّ رفعت وجهها وكأنّها تنظر إلي....
- لماذا رفضت المجيء إليْ و فضلت أن تلتقي ببيتك؟
- لتقرئي كفّي..
- يدك باردة جدا...
- بماذا شعرت عندما لمست كفّي...؟
- أشياء كثيرة متداخلة...ماذا تريد منّي...؟
- لا شيء...
- أنت تكذب...
- أنا في الحقيقة أريدك أنت...
- سوف أصرخ.........
- افعلي...
سرت في كفّها ارتعاشة مزعجة ثم حاولت التحرّك إلى الوراء و لكنّني أمسكت يدها بقوة و منعتها من ذلك...كانت خائفة منّي حقا...وأعتقد أنّها كانت فعلا تشعر بالعجز...لم تكن تراني...لم تكن تستطيع تحديد الملامح على وجهي...وسوف لن ينفعها كثيرا أن تكون قارئة كف...هذا لقائي الثاني معها...عندما جئتها منذ يومين، طلبت منها أن تقرأ كفّي وقبل أن تفعل قلت لها بأنّني أكره هذا في وجود أناس آخرين و بأنّني سوف أعطيها مكافأة مجزية لو فعلت ذلك في بيتي...
- دعني أذهب أرجوك...لا أريد منك شيئا....
- لن أدعك تذهبين...واصلي قراءة كفّي...
- أرجوك...!
- اخلعي ملابسك....
زحفت على الأرض حتى التصفت بالجدار محاولة معرفة المكان الذي قد أكون موجودا به...أعرف الخوف...وأعرف ما الذي يصنعه فينا و لكنّني لم أر خوفا مثل الذي رأيته على وجهها...لقد اجتمع في وجهها الخوف من الذي سوف أصنعه بها و الخوف من هذا الشيء الذي يتهددها من دون ان تعرف عنه اي شيء غير صوته....
- لن أفعل....اتركني ارحل أرجوك...
- اذا لم تفعلي سأقتلك...
كان لوقع كلمة " اقتلك" على مسمعها وقع رصاصة انفجرت فجأة في دماغ أحدهم...انكفأت على نفسها وتكوّمت في ركن من الغرفة من دون أن تقول أي شيء...كنت أكلمها و أنا أقترب منها في صمت و كأنني أتحرك على بساط من المخمل...اختفت في لحظة من خوفها كل ملامحها...كنت أشعربأنها قد تحولت الى شيء متحجر...جامد... لا حياة فيه...لم أكن أعتقد بلأن الحياة قد تختفي فجأة من شخص وهو حي...هذا ما رأيته في وجه قارئة الكف...و لا أعتقد بأنها كانت خائفة من تهديدي لها باغتصابها...لقد كانت خائفة أكثر من فكرة أنّني قد أقتلها...لقد سلبتُ منها الحياةَ وهي حيّة...هل كنتُ سأفعل هذا..؟...لست أدري..لقد كنت أمام حالة لا أعرفها...لقد كانت حالة الخوف التي رأيتُ على وجهها شيئا مرعبا حقا...اقتربت منها وهي متكومة في الركن الأيمن من الغرفة...لقد أحسست بأنّه سيكون عليّا أن أخرجها من متاهة الخوف التي أدخلتها إياها...كنت أريد أن أتخلص من هذا الشعور بالفراغ السحيق الذي انتشر داخل رأسي...وكنت ، في نفس الوقت، أريد أن أدخل رأسها...كنت أريد أن أعيش لحظة الظلام المرعب الذي تعيشه...عندما أحسّت بوجودي قربها، التصقت أكثر بالحائط...لقد تمنّيتُ لو كانت مُبصرةً...كنت سأرى هذه الانفعالات القاتلة التي تجتاحها...ولكنّها كانت عمياء...لم تكن سوى كتلة من اللّحم المتكوم في ركن الغرفة الأيمن....
- ما اسمكِ....؟
- اسمي ليلى....دعني أذهب أرجوك....
- لا...انزعي ملابسك
- هل ستقتلني...؟
- إذا لن تفعلي ما أريد سوف أقتلك نعم...
لم أعد افكّر باغتصابها كما لم أكن أفكر بقتلها...لو كانت مبصرة لعرفت هذا...لو كانت تستطيع رؤية تقاسيم وجهي لعرفت بأنني لن أقتلها...لقد كان جسدها مغر جدا وكنت أفكّر بطريقة شاذة جدا أيضا...قبل أن ألتقي بها، كنت أتساءل أحيانا...كيف يستمتع رجل بامرأة لا تستطيع رؤية وجهه...لا تستطيع رؤية جسده...كيف ستتصوره وهو مجرد كتلة حيّة من اللحم الذي يتحرّك فوقها...
- هل ستقتلني...؟
لقد كانت بين مفترق طرق...كانت تعيش حالة مزرية من الأسئلة التي لا جواب لها...لم أكن أفكربقتلها...كنت فقط أفكر باغتصابها و لكنّني لن أفعل...لن أرتمي في أحضان كتلة من اللحم التي لا تعرف عنّي سوى صوت يبدو أنه يخيفها أكثر من أن يكون يغريها....وما الذي تراني عليه...؟...لقد كانت تتصوربأنّنيسوف أكافئها بمجرد أن تقول بضع كلمات بائسة وهي تتحسس كفي...ويبدو أنها اكتشفت الآن بأنّني أستطيع اغتصابها وقتلها....لقد تغير كل شيء في رأسها الآن...لم أعد ذلك الغبي الذي سوف يصدّق ما كانت ستقوله له...لقد تحولت في رأسها إلى شيء مخيف قد يسلب منها الحياة....
- منذ متى و أنت عمياء....؟
- لقد ولدت هكذا....دعني أذهب....لا أريد منك شيئا....أرجوك...
- ل تذهبي من هنا....ها هي يدي...امسكيبها واقرئي كفي...
- أنا خائفة...
- افعلي ما طلبته منك وإلا خنقتك...
- حاضر...
لم أصدّق ما كنت أراه على وجهها...فجأة تغيرت كل ملامحها...أحسست بأنها تسترجع الحياة التي سلبها منها الخوف...انفرجت أساريرها قليلا ثمّ انتشرت في وجهها الدماءالتي اختفت منه منذ قليل...
- تكلمي....
- أنت شخص ذكي جدا وسوف تحصل في المستقبل القريب على شيء يدخل البهجة على قلبك...
- واصلي...
- سوف تتعرف إلى امرأة تلأ كل حياتك....
- واصلي...
- خطوط يدك مستقيمة و توحي بأنك حاسم في مواقفك....
- يكفي...كل ما قلته هراء...سوف آخذك إلى غرفة النوم لتنزعي ملابسك....
- هل ستغتصبني حقّا....؟
- نعم...
- وكيف ستغتصبني إذا ما مكنتك من نفسي من دون أي مقاومة...كيف سيكون اغتصابا...؟
أحسست بأنها تلقي بي في بئر من الماء البارد...كيف سيكون اغتصابا عندما تستسلم لي من دون أي مقاومة...لقد كان عليّا اغتصابها قبل أن تقول هذه الجملة اللّعينة...لقد كنت أفكّر بأن اغتصابها شيء مغر...فهي عمياء و لا تعرف شيئا عما يحصل سوى أن كتلة من اللّحم و الصوت تقتحمان جسدها...ويبدو أن هذه الفكرة الشاذة قد اختفت من رأسي...كيف سأغتصبها إذا كانت ستستسلم لي من دون أي مقاومة...؟
- هل تعرفين الألوان....؟
- لا...
- هل تعرفين ما معنى شجرة....؟
- استطيع تصةرها و لكنني لا أعرفها....
- كيف تستطيعين تصورها....؟
- إنها شيء مركب من عدة أجزاء فيها أشياء متحركة و أشياء ثابتة....
- هذا شيء ينطبق على أغلب الأشياء الموجودة...قفي
- لماذا...؟
- سوف أحملك إلى غرفة النّوم....
- مازلت مصرا على اغتصابي حتى لو استسلمت لك...؟
- نعم...
- وإذا قاومتك....؟...هل ستغتصبني ثم تقتلني....؟
- نعم...
- لن أقاومك إذا...خذني إلى غرفة النوم....
تعقّدت الأشياءفي رأسي إلى درجة مستحيلة....لقد تحوّلت إلى ضحية...لقد صرت ضحية جملة قد تكون قالتها من دون أن تدري...وقد أفسدت عليا جملتها اللعينة كل ما كنت افكربه...حاولت أن أوحي لها بأنني جاد باغتصابها...دفعتها فوق السرير ثم ألقيت بجسدي فوقها فلم تتحرك...فعلت ما قالته بالحرف...لقد كانت جثة لا حياة بها...وكانت تتحرّك من دون أي مقاومة في أي اتجاه أدفعها إليه...عندما بدأت في نزع ملابسها...لم تتحرّك...
- ألا تشعرين بالخوف....؟
- لا...افعل بي كل ما تريد فعله...لن أقاومك...
- كيف ترينني...؟...كيف تشعرين بي و أنا أجردك من ملابسك....؟
- أنت لا تجردني من ملابسي...مازلت لم تفعل...
- طيب...كيف تجدينني...؟
- أنا لا أراك الآن...
- كيف...؟
- لقد كنت خائفة جدا منك....كنت أعتقد بأنك سوف تغتصبني و تقتلني...و لكنني لست خائفة الآن...
- لماذا...؟
- لأنني أمسكت يدك....
تسمّرت أصابعي فوق صدرها...ولم أعد أشعر بشيء...لقد اختفت كل تلك المشاعرالتي كانت تنتابني منذ يومين أو أكثر واختفت معها اللذة التي كنت سوف أشعر بها...هل كان عليها أن تنطق بتلك الجملة اللعينة...القيت ببصري باتجاه وجهها الذي عادت إليه حمرته...ولأول مرّة أشعربأنها تراني...لقد كانت فعلا تراني و ترى الحيرة التي صرت عليها...نزعت يدي من فوق صدرها ثم ساعدتها على الجلوس فوق السرير...كنت أشعر بالعار ينضح من كل مسام جسدي...لقد استطاعت هذه العاهرة أن تنتصر على ساديتي المتعفنة...لن استطيع فعل أي شيء معها...في لحظة واحدة، توقف كل شيء في رأسي....لقد أصبحت أعمى...كيف استطاعت فعل هذا بي...؟...كيف استطاعت تحويل كل الجنون الذي كان يسكنني إلى مستنقع من المشاعر المتبلدة....؟
- لماذا توقفت عن نزع ملابسي....؟
- لم أعد أرغب بك...
- تكذب...
- فعلا لم أعد أرغب بك....سوف أعطيك ما اتفقنا عليه من المال ثم سوف تغربين عن وجهي...
- لا أريد مالا...كم الساعة الآن...؟
- انها تقتب من التاسعة ليلا...
- لن أستطيع العودة وحدي...سترافقني....؟
- لا...
- سوف أقضيالليلة بمنزلك إذا...
- تستطيعين ذلك...
- هل هنالك أكل...؟...أشعربأنني جائعة....
- تعالي معي...سوف نذهب إلى المطبخ لأعدّ لك بعض الأكل...أنا لا أرغب بشيء....
- اتفقنا...و أين سأنام...؟...بغرفة النوم...؟
- نعم...
- ستغتصبني...؟
- أغلقي فمك...سوف تنامين بغرفة النوم و سوف أنام بغرفة الأصدقاء....


كمال عبد الله...تونس....



#كمال_عبدالله (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- فليغضب من يغضب


المزيد.....




- ثبتها أطفالك هطير من الفرحه… تردد قناة سبونج بوب الجديد 2024 ...
- -صافح شبحا-.. فيديو تصرف غريب من بايدن على المسرح يشعل تفاعل ...
- أمية جحا تكتب: يوميات فنانة تشكيلية من غزة نزحت قسرا إلى عنب ...
- خلال أول مهرجان جنسي.. نجوم الأفلام الإباحية اليابانية يثيرو ...
- في عيون النهر
- مواجهة ايران-اسرائيل، مسرحية ام خطر حقيقي على جماهير المنطقة ...
- ”الأفلام الوثائقية في بيتك“ استقبل تردد قناة ناشيونال جيوغرا ...
- غزة.. مقتل الكاتبة والشاعرة آمنة حميد وطفليها بقصف على مخيم ...
- -كلاب نائمة-.. أبرز أفلام -ثلاثية- راسل كرو في 2024
- «بدقة عالية وجودة ممتازة»…تردد قناة ناشيونال جيوغرافيك الجدي ...


المزيد.....

- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - كمال عبدالله - قارئة الكف العمياء