عاصم البغدادي
الحوار المتمدن-العدد: 5577 - 2017 / 7 / 10 - 15:21
المحور:
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
كاتب الوحي ابن ابي السرح
(من مطلوب لمحمد الى فاتح افريقيا )
بقلم : عاصم البغدادي
شكل الوحي القرآني منذ لحظة انبثاقه مرتكزا اساسيا لدعوة محمد ومسيرا لاتجاهها .
ولهذه الاعتبارات ثابر المسلمون بجهود حثيثة في التصدي بالحق او الباطل لاي شبهة تحوم حول مصداقية الوحي وسد كل ثلمة تلوح في جداره . وعلى هذا السبيل - مثلا - صرفت اعتراضات عبدالله بن مسعود ابرز كتاب الوحي على الحاق سورتي (الفلق ) و (الناس ) بالوحي حين تم تدوينه , مفيدا بان تلكم السورتين ليستا اكثر من رقى وادعية يلهج بها محمد حين يطأ بقاعا مقفرة او اماكن خلاء . تم صرف اقوال ابن مسعود باعتبار انها محض اجتهاد اخطأ فيه بالنتيجة . وعلى الرغم ان اعتراضات ابن مسعود انطلقت من داخل اطار مصداقية الوحي فانها من جهة اخرى اطاحت بخرافة اللوح المحفوظ وادعاءات
(( انا انزلنا الذكر وانا له لحافظون )).
تعد حكاية ابن ابي السرح من خلال دلالتها الوافية كشافا اضاء جوانب خافية في موضوعة
الوحي القرآني .هو عبدالله بن سعد بن ابي السرح . جده الاعلى عامر بن لؤي بن فهر بن مالك بن النضر.ويعد الاخير محط انساب قريش . توجه عبدالله بن ابي السرح قبل صلح
الحديبية الى يثرب مهاجرا اثر اقتناعه بدعوة محمد ـ كما يبدو ـ واعلن اسلامه , واضحى
محل ثقة , فالحقه محمد بزمرة كتاب الوحى القرآني. تشير الروايات بان محمد تلى عليه في احدى المرات مما اوحي اليه " السميع العليم" فكتبها ابن ابي السرح "العليم الحكيم" فقال له محمد : ((لابأس فأن الله كذلك )). وتكررت مثل تلك الحالة اكثر من مرة مما أشكل على عبدالله .وبدأت تداخله الظنون بمصداقية هكذا وحي! , حتى حلت اللحظة الفاصلة حين راح محمد يملي عليه من "سورة المؤمنون" :
(( ولقد خلقنا الانسان من سلالة من طين ، ثم جعلناه نطفة في قرار مكين ، ثم خلقنا النطفة علقة , فخلقنا العلقة مضغة , فخلقنا المضغة عظاما , فكسونا العظام لحما، ثم انشأناه خلقا آخر)) . وعند نهايته إملاء الاية الاخيرة ابتدر ابن ابي الســــرح بالقول:
"تبارك الله أحسن الخالقين"
فأثارت المبادرة إعجاب محمد وطلب من ابن ابي السرح ان يكتبها بمثل ما نطقها وعقب : [انها هكذا انزلت علي] ! !...
لم يعد حينها في وسع ابن ابي السرح مزيدا من المكوث في منطقة التدليس ،فعاد ليلتها صوب موطنه مكة مرتدا عن اعتقاده بدعوة محمد ونوه حال وصوله مكة :
"لئن كان محمد صادقا لقد اوحي الي ، وان كان كاذبا لقد قلت كما قال" .
في عام8 من الهجرة قاد محمد حملة لفتح مكة، واصدر قائمة تتضمن مجموعة اشخاص
يأمر بقتلهم ولو وجدوا متعلقين باستار الكعبة، كان ابن ابي السرح احد هؤلاء الاشخاص
فأختبأ عند اخيه بالرضاعة عثمان بن عفان , فأخذه عثمان ودخل به على محمد وقال :
"يارسول الله ان أمه كانت تحملني وتمشيه وترضعني وتقطعه وتلطفني وتتركه فهبه
لي"
فصمت محمد طويلا ثم قال "نعم" وبايعه على الاسلام، وبعد انصرافهما التفـــت
محمد لاصحابه وقال لهم: "مامنعكم ان يقوم احدكم الى هذا فيقتله؟" فرد احدهـــم"الا
أومأت الي يارسول الله؟" فأجابه " ان النبي لاينبغي ان تكون له خائنة الاعين".
مات محمد فتولى ابوبكر خلافته ولم يلبث ابوبكر ان لحق بصاحبه فتولى عمــر بــن الخطاب الامر حيث توسع محيط العالم الاسلامي وباتت الحاجة ملحة للاستعانــة
بالكفاءات الادارية والعسكرية فكان ابن ابي السرح احد تلك الكفاءات التـي أضــحت
معنية بتفاصيل العالم الجديد حيث تولى قيادة ميمنة حملة عمرو بن العاص لفتح مصر
. وبأثر نجاح الحملة ولاه عمر صعيد مصر . ومن هناك قاد حملات فتـح بــلاد النوبـــة
والسودان . وفي خلافة عثمان تولى قيادة جيوش فتح افريقيا . وولاه عثمان مصر ومن
هناك قاد الاسطول الاسلامي في الانتصار على الاسطول البيــزنطي في معركة ذات
الصواري .
عند اشتداد الازمة التي احاطت بعثمان والتي عرفت في مصادرالتاريخ الاسلامي
باحداث الفتنة دعا عثمان ولاة الامصار لغرض الاستشارة واتخاذ التدابير اللازمة
للحد من تنامي غضب مسلمي الامصار. وباعتباره والي مصر كان ابن ابي السرح
احد الحضور , وابدى حينها رأيا سديدا جديرا بالاعتبارولربما كان كفيلا باطفاء الازمة
لوجرى اعتماده... ولنتصفح اراء الولاة الاخرين قبل ذكر رأي ابن ابي الســرح فقــد
رأى معاوية ان يضبط كل وال أمر ولايته فقال : "أرى لك ياامير المؤمنين ان ترد عمالك
على الكفاية لما قبلهم ، وانا ضامن لك قبلي". أما عامر بن عبدالله والي البصرة فإشــار ب
"ان تأمر الناس بجهاد يشغلهم عنك وان تجمرهم* في المغازي حتى يذلوا لك فلا يكون همة احدهم إلا نفسه وماهو فيه من دبرة دابته وقمل فروته".
وأما ســعيد بن العاص والي الكوفة فكان رأيه : "ان لكل قوم قادة متى تهلك يتفرقوا ولا يجتمع لم أمر".
.وبقدر الانفعـالات الباديـة فـي آراء الولاة كان رأي ابن ابي السرح متوازنا ينم عن ادراك في تلمسس الازمة واســـبابهــا فنصح عثمان : " اشـــير عليك ان تنظر ما أســخطهم فترضيهم، ثم تخــرج لهم المال فيقســم بينهم".
ومع عصف احداث الفتنة تلك ، اعتزل ابن ابي السرح ونأى بنفسه بعيدا عن تلك الاحداث.
...................
عاصم البغدادي
باحث تاريخي عراقي مقيم في هولندا
[email protected]
#عاصم_البغدادي (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
اليوتيوب
لينكدإن
تيلكرام
تمبلر
بلوكر
الموبايل
