أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - محمود الصباغ - تسمية المشهد المكاني: تشكيل الخارطة العبرية لإسرائيل 1949-1960 الجزء الأول















المزيد.....



تسمية المشهد المكاني: تشكيل الخارطة العبرية لإسرائيل 1949-1960 الجزء الأول


محمود الصباغ
كاتب ومترجم

(Mahmoud Al Sabbagh)


الحوار المتمدن-العدد: 5576 - 2017 / 7 / 9 - 09:40
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
    


(إعادة) تسمية المشهد المكاني: تشكيل الخارطة العبرية لإسرائيل 1949-1960
الجزء الأول
العنوان الأصلي : (Re)naming the landscape: The formation of the Hebrew map of Israel 1949–1960
الناشر: Journal of Historical Geography, 27, 2 (2001) 178–195
المؤلف: Maoz Azaryahu and Arnon Golan جامعة حيفا
ترجمة: محمود الصباغ
سعت الحركة الصهيونية عقب قيام إسرائيل إلى تشكيل الخارطة العبرية لها, و مثل هذا السعي تدبيرا مؤسساتيا يعبر عن أسلوب و ملمح ثقافي صهيوني لبناء الأمة من أجل استعادة الطبوغرافيا العبرية للأرض, وكان لعملية إحياء اللغة العبرية ,التي هيمنت على الإيديولوجية والمخيلة الصهيونيتين , دور تمثل في عبرنة المشهد المكاني الذي اتخذ مظهرا جغرافيا , فحلت الأسماء العبرية الملحقة بمعالم هذا المشهد - على الأقل للناطقين بالعبرية- محل الأسماء العربية التي اعتبرت من منظور صهيوني أسماء أجنبية . ومن ثم أتى تشكيل الخارطة القومية العبرية لإسرائيل ليؤكد على الهوية اليهودية لدولة إسرائيل من خلال مزج الجوانب الثقافية والإقليمية للسيادة اليهودية. ويستكشف الجزء الرئيس من هذه المادة طريقة وإعدادات العمل لهذه العملية في خمسينيات "القرن الماضي" التي قامت بها الهيئة الحكومية للأسماء التي كانت مسؤولة عن عبرنة الخريطة القومية. كما ينصب الاهتمام الأساسي هنا على الجوانب الإيديولوجية التي شرعنت وسهلت عمل اللجنة بآن معا. في حين أن الجزء الأخير من هذه المادة يقوّم مدى نجاح هذا المشروع وانعكاساته في سياق الصراع الدائر بين العرب واليهود على الوطن المشترك والمتنازع عليه
مقدمة
تشير مقولة "عبرنة إسرائيل" في العادة إلى عملية إحياء اللغة العبرية, كمنجز عظيم للقومية اليهودية الحديثة, وجزء من مشروع تجديدي اضطلعت وساهمت به الصهيونية في بناء الدولة (1) . و عبرنة الخارطة ,عموما هو الجانب الأقل شهرة "لعبرنة إسرائيل “،باعتبارها أي )العبرنة)مشروعا قوميا هدفه " تهويد" (كذا) خارطة إسرائيل وإضافة الأسماء العبرية لجميع المعالم الجغرافية في خارطة إسرائيل ".وبطبيعة الحال كان للأماكن الرسمية لفلسطين الانتدابية في الخارطة الرسمية المعتمدة بمقياس 100000 : 1 التي أعدتها سلطات الانتداب البريطاني في بداية الأربعينيات أسماء عربية أو أسماء تكرس تقاليد مسيحية .وعلى هذا النحو ,اعتبرت هذه الأسماء أسماء أجنبية و غريبة من منظور القومية اليهودية ومن منظور التزامها الأساس باللغة العبرية و بالجغرافيا التاريخية اليهودية للأرض. وقد اعتبر أن تحقيق أسماء عبرية مميزة للمواقع الجغرافية إنما هو طور مهم في تصور التاريخ المكاني لإسرائيل الحديثة و شرعنة للخارطة العبرية كإجراء تجديدي . وقد ابتدأت عبرنة الخارطة العبرية كنشاط مؤسساتي في العام 1949,من خلال القيام بعبرنة صحراء النقب .كما عبرت صياغة الخارطة العبرية لإسرائيل كمشروع قومي عن تقارب اثنين من أبرز الانشغالات الصهيونية بوصفها إيديولوجية الإحياء القومي اليهودي: تمثل الاهتمام الأول في أرض إسرائيل ( Eretz Israel),كوطن للأمة اليهودية المستعادة التي قدمت القاعدة الإقليمية للإحياء القومي اليهودي من خلال إعادة استيطانها . بينما انصب الاهتمام الثاني على الإعلاء من شأن الثقافة العبرية, و اللغة على وجه الخصوص, كجوهر لعملية النهضة الثقافية اليهودي.
يتناول هذا المقال بالدراسة العملية التي أدت إلى إضفاء الطابع المؤسساتي على طريقة عبرنة خارطة إسرائيل كتوجيه لغوي و تدبير بناء الأمة ضمن سياق الإطار العام "لعبرنة إسرائيل". و في حين ركزت دراسات أخرى حول أسماء المواقع الجغرافية الإسرائيلية على الخصائص الإيديولوجية والتصنيفات المتعلقة بموضوع أسماء المستوطنات اليهودية (2) .فإن ما تحاول هذه الدراسة قوله هو يتعلق باللغة العبرية كميزة جوهرية و مشتركة لأسماء الأماكن في إسرائيل. كما تتناول بصورة خاصة إعادة اختلاق الخارطة القومية و المشهد المكاني الإسرائيلي كنص عبري مسموح به.
كما تسعى هذه المقالة أيضا لتوضيح ,تفصيلا, مشروع عبرنة خارطة إسرائيل كإجراء للملمح الثقافي الذي يهدف إلى ترسيخ اللغة العبرية كلغة للمشهد المكاني الإسرائيلي. و تتحرى هذه المقالة على وجه التحديد هذا المشروع وتطوره في مرحلة تكوينه في الخمسينيات من القرن العشرين عندما كانت عملية العبرنة تتم بصورة مكثفة على قدم وساق سواء من حيث تنسيق الأنشطة أو من حيث تأثير هذه الأنشطة على تشكيل الخارطة العبرية. كما توضح هذه المقالة بالاستناد للمادة الأرشيفية بالدرجة الاولى ,السياق التاريخي و الثقافي لهذا المشروع من أجل إلقاء الضوء على معالمه الديناميكية كمجموعة من المبادئ المنهجية والإجراءات الإدارية, وتقويم مدى نجاحه بين المتكلمين بالعبرية فضلا عن آثاره في سياق الصراع اليهودي الإسرائيلي /العربي الفلسطيني.
النزعة القومية واللغة وسياسة أسماء الأماكن
يشرح جوشوا فيشمان الأهمية التي توليها القومية للغة ودورها في تعزيز الوحدة و الأصالة بشكليهما الأوسع و الأعظم (3) من خلال التأكيد على أن القومية هي "إيديولوجيا تعنى بالوحدة والأصالة",.و عندما يتم تفسير اللغة القومية بمصطلحات التراث التاريخي و الهوية الثقافية فإن عامل الأصالة يشكل هنا على وجه الخصوص أداة قوية في توجيه البناء القومي كإجراء إحيائي ثقافي ، و تتغلغل مسألة اللغة في النزعات القومية ما بعد الكولونيالية على الصعيدين الإثني و الإقليمي . و غالبا ما يأخذ شكل تكوين لغة قومية ما نوعا من أشكال التوجيه اللغوي , والذي يعرفه فيشمان بأنه "السعي المنظم لحل مشاكل اللغة "(4). و يكون الهدف, لاحقا ,من التخطيط القومي اللغوي هو الاعتناء بهذه اللغة كـأداة للوحدة و الاصالة .كما يركز تعزيز الاصالة أيضا على "تنقية" اللغة القومية من التأثيرات الخارجية ،التي ينظر لها "كشوائب" غير مرغوب فيها(5).إن إعادة تشكيل أسماء المواقع الجغرافية في سياق قومي هو مثال هام على إجراء التوجيه اللغوي .و في سياق تعريف قاموس ويبستر لكلمة toponymy على أنها " اسم مكان لموقع أو لغة " فإن مثل هذا التعريف يسلط الضوء على المدى الذي تلتحم فيه أسماء المكان باللغة و بالجغرافيا . فلأسماء الأماكن مكان بارز في البناء الثقافي للمشهد المكاني, فهي أسماء لا يعثر عليها في القواميس ,بل في الخرائط و الموسوعات, التي تدل على أماكن محددة يجدر ذكرها . وتشكل أسماء المواقع الجغرافية بوصفها تسميات نوعية فرعا من فروع معرفة العالم. و تنتمي أسماء الأماكن إلى مجال الجغرافيا الشعبية المتأصلة في لغة عادية مألوفة وذلك بخلاف التسميات النباتية و الحيوانية و الفلكية وغيرها من هذه التسميات " المتخصصة" ,.
تعمل أسماء المواقع باعتبارها مجموعة شاملة على إنتاج نص ثقافي مشترك يظهر أكثر ما يظهر واضحا في الخرائط , حيث يفهم من وراء التكوين المكاني للأسماء أنه يقوم بإعادة إنتاج التوزيع الجغرافي لهذه الأماكن. و ترمي الخرائط إلى أن تكون تمثيلا موضوعيا ونهائيا للمشهد المكاني , و تتجلى هيمنتها من خلال صلتها بإضفاء الطابع المادي على أسماء الأماكن كأحد مظاهر المشهد المكاني و استدعاء لشرعية أسماء مواقع محددة . و باقتباس من أمبرتو إيكو, يمكن القول بأن أسماء المواقع عبارة عن دلالة على أماكن ما ,وتنطوي على دلالة إيديولوجية معينة حول استخدام هذه الأسماء وطبيعة هذه الأماكن.(6) و بهذا سوف تعبر هذه الأسماء عن نظام مزدوج الدلالة حين ينظر لها كنص , فعلى المستوى الأول المباشر و السطحي: يدل كل اسم على موقع جغرافي. أما على المستوى الثاني فتشير الأسماء إلى الإيديولوجيا التي تجيز و تشرعن استخدامها كتسميات اصطلاحية .
إن جزء من قراءة الخرائط والمشاهد المكانية يتضمن قراءة أسماء الأماكن كممارسة اجتماعية وكإجراء سيميائي في سياقات ثقافية محددة. وقد لاحظ جيمس ونانسي دنكان بأن قراءة المشاهد المكانية تتم بصورة مغفلة ضمن إطار تأويل محدد ذو طابع إيديولوجي / ثقافي يساعد في تطبيع العلاقات الاجتماعية المدرج فيها (7) نظرا لأن المواقع هي مشاهد مكانية "ملموسة ، مألوفة. . . و لا جدال فيها". وفي سياق مماثل, تحدد القراءة المغفلة لأسماء الأماكن الأفكار الإيديولوجية /الثقافية التي تنتمي للنص الفرعي لأي اسم طبوغرافي مفترض. و تكون الإشارة بأسماء معينة لهذه الأماكن ,و في سياق قومي, ليس إقرارا فقط بأنها جزء مكونا من العالم المادي والواقع الاجتماعي ولكنها أيضا كإثبات للافتراضات والحجج القومية . فأسماء الأماكن تنتمي أيضا إلى لغة القومية, لاسيما عندما تتنافس التسميات القائمة المتعايشة على الاعتراف بها كتسميات شرعية و نهائية , كما هو الحال في مناطق النزاع حول الهوية القومية أو الإثنية ,حيث يكون استخدام تسميات معينة (ورفض أخرى) سمة من سمات الصراع. فعلى سبيل المثال, تعيين اسم مكان مثل يارزوم Yarzum (في اللغة الإسبانية) أو أويارتزون Oiartzun (بلغة إقليم الباسك) يعبر عن حالة سياسية لا لبس فيها في سياق النضال الباسكي من أجل الاستقلال (8).ويظهر أحد التجليات الواضحة في تسمية وإعادة تسمية المشهد المكاني ومعالمه المادية في مسألة قراءة أسماء هذه الأماكن و فك رموزها لثقافية و رسائلها الإيديولجية ,أما المسألة الأخرى فتتمثل في كتابة و إعادة كتابة الأسماء الطبوغرافية. إن فعل التسمية ,و بعيدا عن كونه مقياس تصنيفي, غالبا ما يعبر عن سلطة تنطوي على معنى الاستيلاء و المصادرة. فالتسمية ليست مجرد إيماءة ألسنية أو تلميح أو لفتة لغوية, بل هي في كثير من الأحيان تأكيد لعلاقات قوة محددة. فتسمية الأماكن فضلا عن كونها مظهر استكشاف(9) فهي أيضا تشير إلى الأنشطة المتعلقة بإعادة التوطن و الاستيطان. وهذا ما تشي له بعض الأمثلة مثل تسمية مونتانا بعد بناء السكك الحديدية في العام 1908 ,"فالسكة الحديدية في مونتانا تنطلق بحرية في الأرض التي تحتلها و تجري فيها مثل مسيرة يوليوس قيصر في بلاد الغال, وتمت تسمية هذا الجزء من مونتانا منذ فترة طويلة -تماما مثل بلاد الغال-من قبل الهنود و الجيش الأمريكي و مربي الماشية [....].و لكن ,السكة الحديدية تجاهلت الأسماء الموجودة, مفضلة زخرفة المشهد المكاني بكلمة جديدة مستحدثة مشرقة تخصها وحدها , لقد طافت على المدراء و كبار الموظفين للتعرف على الأسماء التي أعطوها لبناتهم ..."(10). وكما هو الحال ,غالبا ما يصل فعل التسمية إلى حد إعادة التسمية في كثير من الأحيان . ويقدم لنا تشكيل وإعادة تشكيل الأسماء الطبوغرافية مثالا على العلاقة بين العمليات السياسية والثقافية التي تؤثر بشكل مباشر على الإجراءات السيميائية. كما هو الحال في إعادة تسمية الشوارع إثر حدوث تغيرات جذرية راديكالية في النظام السياسي(11).
كان ينظر للبناء المنهجي للأسماء الطبوغرافية "القومية" في القرن التاسع عشر و القرن العشرين على أنه جانبا من جوانب بناء الأمة وتكوين الدولة. و كان الاستخدام الحصري للغة القومية يعد مطلبا من متطلبات مرحلة القومية الحديثة ،حيث كان موضوع " النهضة القومية" عنوانا بارزا لإعادة تسمية المشهد المكاني الذي ترافق مع حالات تشكيل الدولة . فكان هذا هو الحال في اليونان بعد 1830 ، حيث تمت "هلينة" الأسماء التركية ، والإيطالية والسلافية ؛ و الامر ذاته حصل في هنغاريا بعد العام 1867 , و في الدول التي تأسست في وسط و شرق أوروبا بعد العام 1918 .وبعد احتلال الرايخ الألماني لبولونيا في العام 1939, تمت "جرمنة " الأسماء البولونية في المناطق التي ضمتها ألمانيا .في حين أنه ترافق طرد السكان الألمان بعد العام 1945 مع استبدال التسميات الطبوغرافية التقليدية الألمانية بأسماء روسية أو بولندية أو تشيكية في المناطق التي خضعت للتطهير العرقي .وكمثال على ذلك ، وبغية اقتراح منظور مقارن, نورد مناقشة موجزة عن " التسمية البولونية" للمناطق الألمانية في شرق أودر – نيسي بعد الحرب العالمية الثانية.لقد تم اختيار أسماء بولونية بديلة للأسماء الألمانية السابقة بالتنسيق مع وكالة خاصة دعيت ياسم " لجنة تحديد أسماء الأماكن و الموضوعات الطبوغرافية"التي تأسست في العام 1946(12) لقد كان التخطيط اللغوي و إضفاء الأسماء البولندية على الخارطة يسير وفقا لمبادئ توجيهية واضحة المعالم. وكان الخيار المفضل هو منح الصفة الرسمية لأسماء بولونية موجودة بالفعل أو إحياء أسماء بولونية كانت موجودة في العصور الوسطى. و عندما لا توجد مثل هذه البدائل المتاحة, فقد كان هناك أربع خيارات (أ) اعتماد التسمية الألمانية بتهجئة بولونية .(ب)ترجمة الاسم الألماني إلى البولونية.(ج)وضع اسم بولوني على غرار الاسم الألماني .(د) إنشاء اسم بولوني جديد تماما .
إحياء اللغة العبرية : السياق العام
هيمن الارتباط بأرض إسرائيل Eretz Israel المحفوظ في الكتب المقدسة والشعائر و الطقوس الدينية على المخيلة اليهودية وقدم لليهود في الشتات وطنا رمزيا لم يكن متطابقا مع الأنماط الفعلية لاماكن الاستقرار اليهودي. وكان الفصل بين الموطن اليهودي الفعلي وأرض إسرائيل مصدرا لشحنة مسيانية تشكلت ,قبل مرحلة الصهيونية السياسية ,بعبارات دينية و أفكار ميسيانية . لقد كان الجانب التجديدي للصهيونية الحديثة يحمل مغزى ذو مكانة عالية بوصفه إيديولوجية الإحياء القومي للوطن القديم. .وبرز إحياء اللغة العبرية كعلامة مميزة في هذه العملية .و قد ذكر في العام 1931 أن " إعادة تكريس اللغة العبرية كلغة حية ومحكية كحقيقة لا جدال فيها ,كان أمرا استثنائيا و غير عادي كما يبدو "(13),وقد مثلت العبرية ,بوصفها لغة العهد القديم, اختيارا تاريخيا ثقافيا أصيلا يقدم علاوة على ذلك قدرا كبيرا من الوحدة ,آخذين بعين الاعتبار التنوع اللغوي الذي ميز الحياة اليهودية في الشتات. و قد سعى مشروع إحياء اللغة العبرية إلى خلق هوية عبرية من خلال تركيزه على اللغة . ويتوضح هذا بأن مصطلح " عبري" لم يكن يدل على اللغة بحد ذاتها فقط بل أيضا على المتكلمين بها , الأمر الذي من شأنه أن يعزز تمايز المجتمع الصهيوني في فلسطين الانتدابية كمجتمع ثقافي واضح المعالم : فمن خلال التفكير في اللغة العبرية و بها أصبح كل شيء تم إنشاؤه أو يمكن القيام به عبريا : المستوطنات "العبرية" و الاقتصاد" العبري" و المواصلات "العبرية" و الأدب"العبري" و التعليم" العبري" (14).
وظهرت بوضوح الأهمية الممنوحة للعبرية كلغة و ثقافة إحياء قومي من خلال التشديد على نقاء العبرية و على إجراءات العبرنة. التي شملت إدخال التسميات العبرية في مختلف مجالات المعارف العلمية مثل علم النبات أو الحيوان.كما كان لعبرنة أسماء و ألقاب المهاجرين اليهود مظهرا سياسيا خاصا و عواقب شخصية ذات أهمية قصوى .ويهدف مثل هذا التدبير لبناء هوية عبرية جديدة (15) .وقد استخدم الأب المؤسس للدولة الحديثة (دافيد)بن غوريون منذ سنوات الاستقلال الأولى , سلطته للترويج للأسماء العبرية ,و قرر كوزيرا للدفاع, بأن يعد أمرا إجباريا عبرنة أسماء و كنى الموظفين الإسرائيليين الذين يخدمون في مناصب تمثيلية كالضباط من ذوي الرتب العليا و الدبلوماسيين.
إنشاء الخريطة العبرية : فترة ما قبل الدولة
عبرت أسماء المستوطنات اليهودية التي وجدت في إطار الأنشطة الاستيطانية الصهيونية عن حالات رمزية لصدى مادي من خلال تجسيدها لخطاب تجديد قومي متجدد ,و قد كانت أسماء المستوطنات اليهودية التي تأسست حديثا إما استعادة لتسميات كتابية و تلمودية أو أداة احتفاء برموز و زعماء صهاينة و قادة سياسيين و ذلك من خلال لجنة خاصة أنشئت في تموز 1925 كان مهمتها التنظيم المركزي لهذه التسميات. وفي كلتا الحالتين,أدرجت الأسماء الجديدة في عملية الإحياء القومي و التجديد إلى الخارطة و تم دمج التاريخ اليهودي و الذاكرة الصهيونية مع جغرافية الإحياء الصهيوني . و قد حددت اللجنة ,خلال 26 سنة من عملها,415 اسما لمستوطنات تأسست حديثا , منها 215 اسما يعود إلى عصر ما قبل الدولة من بينها 108 "أسماء تاريخية" ، بمعنى أسماء قديمة تم استعادتها , و 120 اسما "ذو صفة احتفائية تذكارية" و 187 " اسما ذو طابع رمزي "(16) . ونظرا لأن اللجنة لم تعد موجودة منذ آذار 1951 ,فإن هذا العدد من الأسماء يتضمن أيضا أسماء أعطيت لمستوطنات أنشئت بعد قيام الدولة .وبينما أعلنت العبرية كلغة رسمية في فلسطين الانتدابية في العام 1922 ، إلى جانب العربية والإنجليزية(17) فإن وضعية أسماء الاماكن العبرية في فهرس المنشورات الرسمية لحكومة الانتداب كانت على درجة من عدم الاستقرار من الناحية السياسية. و قد ركزت الحساسية الصهيونية على استخدام التسميات العبرية (كلما سنحت الفرصة بوجود نسخة عبرية)جنبا إلى جنب مع اللغة العربية و / أو الإنجليزية في التسميات الرسمية للمنشورات الحكومية(18) .و كانت الصهيونية قد طالبت بالاعتراف بالتسميات العبرية بصورة أساسية عن طريق ضمها إلى الفهرس الرسمي وذلك في سعيها للحصول على اعتراف رسمي بالروابط التاريخية والثقافية لليهود بالوطن القديم . و من الجدير ملاحظته ,أن الطلب الصهيوني لم يقتصر على حصرية التسميات العبرية-اليهودية, بل تضمن الطلب بأن تكون وضعية هذه الأسماء على قدم المساواة مع التسميات العربية والانجليزية.
مثلت الخرائط ذات المقياس 1:100000التي أعدتها سلطات الانتداب البريطاني لفلسطين في أربعينيات القرن الماضي خارطة رسمية للأرض المقدسة كوحدة إدارية (وإن لم تتضمن هذه الخرائط النقب جنوب بئر السبع ).وعبرت اللغة الجغرافية لفلسطين الانتدابية ,كما تظهر من هذه الخرائط عن هيمنة اللغة العربية على الطبوغرافيا المحلية بصورة ساحقة من خلال تعيين 3700 اسما عربيا وما يزيد قليلا على 200 اسما عبريا تم تعيينها للمستوطنات اليهودية. و الملفت هنا عدم ذكر المقابل العربي لكل من ( القدس و الخليل),أو المقابل العبري( يروشالايم و عفرون ) بل تم إعادة صياغتها الكتابية في شكلها الإنجليزي: أورشليم و حبرون . (19). وكانت الأسماء العربية تعبر بوضوح ,من وجهة نظر السكان العرب المحلين, عن سمة العيش .غير أنه و من أجل أغراض البحث الحالي فإن وجهة النظر اليهودية هي التي ستؤخذ في الحسبان .لذا بالنسبة لغالبية المهاجرين اليهود وبغض النظر عن التزامهم في الدافع الصهيوني للنهضة القومية, فقد كانت أسماء الأماكن العربية سمة من سمات المشهد المكاني المحلي و بالتالي ميزة ذرائعية في البناء الذهني للأرض (الوطن) العبري .وعلاوة على ذلك ,غالبا ما كان استخدام الإحالات و المراجع العربية يؤكد على معرفة وثيقة بالمشهد المكاني المحلي وعلى العلاقة معه. وبوصفهم دوال ثقافية لشرط كونهم سكان أصليين فهم لا يتمتعون بالأصالة فبرز موقف على النقيض من هذه المفاهيم السائدة ، موقف وطني خالص مفعما بمشاعر الأسى بسبب الهيمنة العربية على لغة المشهد المكاني المحلي. و قد اعتبرت الأسماء العربية أجنبية من منظور الالتزام بالعبرية كواجب وطني ,كما أن انتشار هذه الأسماء واستخدامها يشكل تنافرا معرفيا :ولهذا السبب (عدم وجود تسميات عبرية ) فالأرض أيضا هي أرض غريبة على أبنائها الذين ولدوا وترعرعوا هناك. فهم يمشون في طول البلاد و عرضها , ويسافرون على طرقاتها , يتسلقون قمم جبالها الجميلة ويهبطون وديانه الخضراء, و ينسابون منحدرين نحو الوديان الوعرة و يعبرون الأنهار, دون أن يعرفوا أسماء هذه المعالم الجغرافية, التي بدونها لا يمكن للمرء أن يقيم رابطة روحية مع ما تراه عيناه (20).وقد استند الموقف الأصولي هذا على قناعة أنه على الرغم من أن 174 مادة فقط من مجموع أسماء المواقع الطبوغرافية هي تسميات تم ذكرها على وجه التحديد في العهد القديم و المصادر اليهودية التاريخية اللاحقة ,إلا أنه كان هناك ثمة أسماء طبوغرافية عبرية شاملة . ومنذ القرن التاسع عشر ,اتخذ تقصي أسماء الأماكن في الأرض المقدسة الشكل العلمي الحديث , لاسيما لجهة المطابقة التاريخية ,وعلى وجه الخصوص المطابقة الكتابية ,كما أصبح موضوعا للدراسات التاريخية واللغوية ، فضلا عن المسوحات الجغرافية والأثرية. وقد أنتجت دراسات الجمعيات الأوروبية المختلفة التي أجريت في إطار استكشاف فلسطين مع بدايات النصف الثاني من القرن التاسع عشر خرائطا موثوقة ووسعت المعرفة في الجغرافيا التاريخية للبلاد بصورة عامة وفي أسماء المواقع الجغرافية التاريخية بصورة خاصة . وفي هذا السياق, كانت المسألة ذات الأهمية القصوى هي في مطابقة أسماء الأماكن الكتابية مع المعالم المعاصرة للمشهد المكاني.
ومع نهاية هذا القرن ,كانت قد تشكلت النظرية التقليدية عن الديناميات التاريخية لأسماء الأماكن المحلية في فلسطين (21).و قد خلصت هذه النظرية إلى أنه على الرغم من التغيرات في أنظمة الحكم و دروات الاستيطان ,فإن الكثير من التسميات العربية المعاصرة حافظت ولو في صورة معدلة ,على أسماءها السامية الأصلية,و البعض منها يعود للأزمنة الكتابية (22) .ولم تفسر هذه النظرية من خلال شرح تحولات النطق أن العديد من تسميات الأماكن القديمة يعود لأصل عبري تم تعريبه خلال وبعد الفتح العربي لفلسطين في القرن السابع الميلادي فحسب , بل شرحت أيضا الآلية اللغوية التي حكمت هذه الإجراءات. و من وجهة النظر العلمية , فإن فكرة استمرارية التسمية المكانية كانت أداة فعالة لإعادة بناء خارطة سامية-عبرية لفلسطين القديمة .وقد أيدت هذه النظرية ,من منظور صهيوني, التسمية العبرية كمكون للجغرافيا التاريخية لفلسطين ,كما منحت أيضا الشرعية للآلية "الألسنية" ولاستخدام هذه الآلية في استعادة التسميات العبرية السابقة.
ساد الموقف الصهيوني الصارم إزاء لغة المشهد المكاني بين مجموعة قليلة من الناس ولكن و رغم قلتهم فقد عبروا عن تعلقهم والتزامهم باستكشاف الجغرافيا التاريخية لفلسطين اليهودية. فتم اقتراح ,حتى قبل تأسيس الدولة , بعض الأسماء العبرية لمعالم أخرى من المشهد المكاني خلافا للمستوطنات الصهيونية الجديدة, و قد حفز تكريس السيادة الإسرائيلية على إمكانية التوسع في إحياء اللغة العبرية في مجال الطبوغرافيا المكانية . و قد تم تصور إنشاء خارطة عبرية شاملة في رسالة أرسلت في كانون أول 1948 إلى وزير الداخلية تنص على أنه :يتوجب استعاضة الأسماء التقليدية بأخرى جديدة... يتوجب علينا أن نبدأ في عبرنة جوهرية لخارطة بلدنا نظرا لانغماسنا في استشراف تجديد أيامنا كمثل تلك الأيام القديمة وفي أن نعيش حياتنا شعبا سليما تمتد جذوره عميقا في تراب بلدنا .
نشأة وظهور هيئة الأسماء الحكومية (23)
منحت المقاربة الصارمة للغة الخارطة القومية تفويضا رسميا عندما قام بن غوريون في تموز 1949 ,باقتراح تشكيل لجنة يوكل لها مهمة محددة جغرافيا في منطقة النقب فقط ,أي النصف الجنوبي من إسرائيل من أجل " تحديد أسماء عبرية للأماكن كافة, الجبال والوديان والينابيع, والطرق وما شابه ذلك في منطقة النقب" (24) . وفي أيلول 1949 ,تم اقتراح توسيع عمل لجنة النقب لتشمل سائر البلد وأن يدرج ضمن مهامها تحديد أسماء المستوطنات.(25) استدعيت اللجنة بناء على اقتراح من رئيسها في تشرين ثاني 1950, و عهد إليها مهمة عبرنة الخارطة القومية بأكملها ,وهو ما يعني عمليا تمديد عملها السابق إلى النصف الشمالي من البلاد ذو الكثافة السكانية العالية نسبيا .و قررت الحكومة في جلستها المنعقدة في 8 آذار 1951 , إنشاء هيئة الأسماء الحكومية, التي دمجت مع اللجنة المسؤولة عن تسمية المستوطنات الجديدة.و مما له مغزى , أن الهيئة لم تكن مسؤولة عن تسمية المواقع الجغرافية القومية بأكملها ,و الاستثناء البارز كان أسماء الشوارع الذي كان من صلاحية السلطات المحلية المنتخبة .وكان واضحا أهمية الجانب الجغرافي لمشروع العبرنة من خلال اندماج هيئة الأسماء الحكومية مع أكاديمية اللغة العبرية, و كما يوحي المنطق الإداري البحت ,لم يكن الأمر مجرد أجندة بيروقراطية .فلقد كان من بين مهام أكاديمية اللغة العبرية التي تأسست في العام 1952 , تحديد البدائل العبرية للكلمات الأجنبية , بما في ذلك الأسماء الخاصة بالحيوانات و النباتات .وقد ظهر الفصل الإداري و العملياتي لكلتا الوكالتين المسؤولتين عن العبرنة بمزيد من تميز الجانب الجغرافي لمشروع العبرنة كمقياس خاص لبناء الأمة رغم أن هذا الفصل كان مرتكزا على ظروف تاريخية محددة ( هيئة الأسماء الحكومية قد أنشئت فعليا في العام 1950) .
اتخذت قرارات الهيئة الطابع الرسمي من خلال نشرها من طرف الحكومة. فنشرت النتائج الأولى لعملها في الكتاب السنوي للحكومة في العام 1951. وقد ارتكز الشكل الرسمي للهيئة على قرار الحكومة و من خلال انتسابها إلى مكتب رئيس الحكومة . ومن الناحية التاريخية لم تكن صلتها بمكتب رئيس الحكومة تعبيرا واضحا للاهتمام الشخصي لبن غوريون في عبرنة الخارطة القومية, بل أيضا من خلال الصبغة الرسمية التي منحت لأنشطتها وقراراتها . فضلا عن مصدر إضافي لسلطتها المتمثل في شهرة أعضائها ,حيث ضمت قائمة الأعضاء المرشحين خبراء بارزين في مجالات الجغرافيا ورسم الخرائط والتاريخ وعلم الآثار, و اللغة العبرية و الثقافة اليهودية. وتم نشر قائمة بأسماء الهيئة في الاعلان الرسمي لسكرتارية الحكومة في الثاني من أيار 1951 (26) وشملت أ. بيران (عالم آثار), م. آفي-يونا (الجغرافيا التاريخية),أ. برافر (رسم الخرائط),ز. فيلناي (جغرافيا وتاريخ أرض إسرائيل),ش . يفين (جغرافيا),ي.كلوسنر (التاريخ اليهودي والأدب العبري),ب. ميسلر (عالم آثار,و رئيس الجامعة العبرية لاحقا),ي. فايتس ( مسؤول بارز في لصندوق القومي اليهودي) و ي. بن تسفي ( زعيم صهيوني والرئيس الثاني لإسرائيل ).خبراء في ميادين متخصصة,مثل الهيدرولوجيا و الاورولوجيا كان يتم استشارتهم عند الضرورة. وكان من بين الأعضاء الذين استثمرت مشاركتهم في عمل الهيئة شخصيات مرموقة على الصعيد الأكاديمي القومي من الجامعة العبرية في القدس , في الخمسينيات و التي كانت الجامعة الوحيدة في إسرائيل [ آنذاك] لما لهم من شهرة والتزاما أكاديميا في المسعى القومي .
المرحلة الأولى : النقب ، 1949-1950
استغرق إنجاز عبرنة النقب ثمانية أشهر ,وتكمن أهمية هذه الخطوة في اعتبارها بدء الشروع في عبرنة المشهد المكاني الإسرائيلي كمشروع تم الترويج له رسميا ,والذي قدم لاحقا المخطط التفصيلي لتوسيع المشروع في ما بعد ليشمل الإقليم القومي بأكمله. ونظرا للالتزام الشخصي لبن غوريون "بعبرنة إسرائيل" كجانب من جوانب التجديد الصهيوني فقد أصبح اهتمامه بالبعد الجغرافي لهذا المشروع واضحا بعد قيام الدولة, وتجلى هذا في إطار رؤيته لصحراء النقب باعتباره عملا صهيونيا رائدا .فالأسماء العبرية لمعالم المشهد المكاني هناك لابد أن تكون ملمحا ضروريا وأساسيا ,كان هذا ما توصل إليه عقب زيارته الأولى كرئيس وزراء للنقب في حزيران 1949 ,وكان قد أشار في مذكراته أنه" من الضروري إعطاء اسما عبريا لهذه المعالم. أسماء عبرية قديمة إن وجدت , وإلا فاسم عبري جديد" (27).وكان بن غوريون قد صمم على " إيقاف التقليد القاضي بدعوة المشاهد المكانية بالأسماء العربية" كما يستذكر ذلك سكرتيره العسكري لاحقا (28) . لقد كانت عبرنة النقب بالنسبة لبن غوريون شرطا ضروريا كخطوة أولى لاندماج الإقليم في نطاق السيادة الإسرائيلية .كما ينبغي أن تفهم أيضا عملية عبرنة النقب في سياق المحاولات السياسية التي قامت فيها بريطانيا ما بين 1948-1949 لفصل النقب من حيز السيادة الإسرائيلية .ولذلك وضمن هذا السياق جاء مشروع عبرنة النقب للتأكيد على الحضور الإسرائيلي في المنطقة والسيطرة عليها ,وانصبت جهود المعنيين النشطة بتشكيل الأسماء العبرية على تحويل النقب إلى تضاريس صديقة. "كان النقب, الذي يشكل نصف مساحة بلدنا, يرزح تحت وطأة غربة تسمياته التي كانت في معظمها عربية , وكانت هذه الأسماء مشوهة ومربكة ,وبعضها لا معنى له , و البعض منها ذو دلالات سلبية بل ومهينة أو مستهجنة , لقد كانت هذه الأسماء تنضح بروح أجنبية , ومع فتح إيلات ورفع العلم الإسرائيلي فوقها أصبحت هناك حاجة ماسة لتغيير وضعه جذريا ,وتعيين أسماء عبرية له و إلغاء تلك التسميات الأجنبية و إثراء خارطة النقب بأسماء أصيلة , أسماء قريبة من قلب العبراني مدافعا عنه و مستوطنا فيه "(29). وقد توصلت الهيئة بعد ثمانية أشهر من تشكيلها إلى تحديد نحو 560 تسمية عبرية في منطقة تقارب نصف مساحة الأراضي ذات السيادة الإسرائيلية وتمتد من إيلات في الجنوب وخط غزة-عين جدي في الشمال, وفي آب 1950 طبعت خارطة عبرية للنقب بمقياس 1:250000.ونشرت قائمة الأسماء تلك في كتاب الحكومة السنوي في العام 1951 , الأمر الذي أكد على وضعها الرسمي وجعلها متاحة للجمهور .وقد علق لاحقا رئيس الهيئة مستذكرا بأن قائمة الأسماء قدمت "باكورة جهد الهيئة , أي : خارطة عبرية للنقب , مهذبة من الأسماء الأجنبية , حيث كل موقع فيها يمتلك اسما عبريا"(30). وقد تم تقسيم عمل الهيئة بين لجنتين فرعيتين وهيئة تنسيق (عرفت باللجنة المركزية):اللجنة الفرعية الجغرافية وقد جمعت أسماء المواقع وفقا لخرائط بريطانية بمقياس 1:250000 ( المسح البريطاني بفلسطين لم ينتج خرائط بمقياس 1:100000 للمناطق التي تقع جنوب بئر السبع) وقامت هذه اللجنة الفرعية بترجمة الأسماء العربية . أما اللجنة الفرعية الأخرى و التي دعيت باللجنة الفرعية التاريخية فقد أعدت المادة المتعلقة بالمطابقة المحتملة لهذه الأسماء و ورودها في المصادر التاريخية مثل العهد القديم و التلمود والنقوش المصرية و الآشورية والنصوص الأدبية الإغريقية و الرومانية. وقد حددت الهيئة أيضا أسلوب اختيار الأسماء من خلال تحديد مجموعة من خمس أولويات(31):(أ)المطابقة التاريخية (ب)استخدام الأسماء الكتابية (العهد القديم) (ليس بالضرورة أسماء أماكن)؛ (ج)ترجمة الأسماء العربية ، (د)إعطاء شكل عبري للأسماء العربية وفقا للتشابه الصوتي ؛ (ه)أسماء رمزية جديدة .و رغم أنه تم اعتبار أن الخيار الأفضل هو استعادة و إحياء الأسماء العبرية التاريخية ,إلا أنه كان من الصعب تحقيقها نظرا للافتقار إلى وجود تقاليد تاريخية موثوقة .وهكذا فقد قدم العهد القديم 40 تحديدا , بينما قدمت المصادر التاريخية غير اليهودية بعض الاقتراحات التي كانت وفقا للهيئة " تخفي بلا ريب أسماء عبرية ". كما تم في المجمل إحياء 70 اسما عبريا من قبل الهيئة بتعيين أسماء مناطق أثرية ( خرب) و ينابيع و آبار و أنهار و مستوطنات .بالإضافة إلى ذلك ,تم استخدام أسماء أماكن عبرية لا يمكنها عادة أن تكون أسماء جغرافية لتعيين الأنهار الكبيرة الجافة في النقب. وثمة خيار آخر لتسمية المعالم الجغرافية باستخدام أسماء رموز كتابية ( كأسماء الآباء البطاركة و الملوك ) أو أسماء أبطال تم ذكرهم في التاريخ اليهودي. وهكذا ، على سبيل المثال, فالمعالم الطوبوغرافية لمحيط مسعدة سميت بأسماء الأبطال اليهود الذين ناضلوا ضد حكم الإمبراطورية الرومانية. أما بالنسبة للأسماء العربية, فقد كانت تترجم عندما تعكس شروطا طبوغرافية محلية , مثل أسماء النبتات و الحيوانات أو الظواهر الطبيعية. ويقول بن غوريون في رسالة بعثها إلى أعضاء الهيئة مشيدا بعملها "يسرني , باسم حكومة إسرائيل أن أنقل لكم شكر و عرفان و تقدير الحكومة لهذا المشروع الثقافي و التاريخي الذي اضطلعتم به لتحديد أسماء مواقع جميع مناطق النقب , جبالها , تلالها , وديانها, أنهارها , ممراتها و ينابيعها .لقد محيتم , بعملكم هذا , عار التغريب و اللغة الأجنبية عن نصف أرض إسرائيل و استكملتم المهمة التي بدأها جيش الدفاع :لتحرير النقب من الحكم الأجنبي وآمل أن تواصلوا عملكم حتى تستعيدوا المنطقة بأكملها من نفوذ اللغة الأجنبية (32)".
ملاحظات الجزء الأول
(1) E. Gellner, Encounters with Nationalism (Oxford 1994) 166.
(2) S. B. Cohen, and N. Kliot, Israel’s place-names as reflection of continuity and change in nation-building, Names 29 (1981) 227–248. See also Idem, Place-names in Israel’s ideological struggle over the administered territories, Annals of the Association of American Geographers 84 (1992) 653–680.
(3) J. A. Fishman, Language and Nationalism (Rowley, MA 1972) 62
(4) Ibid., p. 55.
(5) I. Even Zohar, Language conflict and national identity: a semiotic approach, in J. Halpher, (Ed), Nationalism and Modernity: Mediterranean Perspectives (New York and Haifa 1986) 126–135
(6) U. Eco, Einfu¨hrung in die Semiotik (Munich 1972) 310
(7) J Duncan and N Duncan, (Re)reading the landscape, Environment and Planning D: Society and Space 6 (1988) 117–126
(8) C. Stelzenmu¨ ller, Wer nicht glaubt, der lebt gefa¨hrlich, Die Zeit, 25 July 1997, 2.
(9) On Captain Cook’s naming activities in Australia, see P. Carter, The Road to Botany Bay (New York 1988).
(10) J. Raban, The unlamented west The New Yorker, 20 May, 1996 60–81. On American place names and naming patterns see also D. J. Boorstin, Names in profusion and confusion, in Idem, The Americans: The National Experience (New York 1965) 299–306
(11) M. Azaryahu, The power of commemorative street names, Environment and Planning D: Society and Space 14 (1996), especially 313–319
(12) E. Meyer, Die mittelalterichen deutschen Stadtnamen im Bereich der spa¨teren preussischen Provinz Schlesien und ihre heutige polnischen Entsprechungen, Mitteilungen des Beuthener Geschichts- und Museums-vereins 50 (1992) 197.
(13) Ten Years’ Work in The Land of Israel, an illustrated booklet, published in 1931 in Jerusalem by Keren Hayesod (Hebrew)
(14) E. Schweid, The Idea of Judaism as a Culture (Tel Aviv 1995) 300
(15) On this practice, see G. Toury, Hebraicizing family names in the land of Israel as ‘cultural translation’, in N. Gertz (Ed), Viewpoints: Culture and Society in the Land of Israel (Tel Aviv 1988).
(16) Report on the work of the Governmental Names Commission, 4 April 1952, 3, Israel State Archive [henceforth ISA] C/3788/5551.
(17) S. B. Saulson, Institutionalized Language Planning. Documents and Analysis of the Revival of Hebrew (The Hague 1979) 65.
(18) For a detailed analysis see Y. Katz, 1995, Identity, nationalism, and place names: Zionist efforts to preserve the original local Hebrew names in official publications of the mandate government of Palestine”, Names 43 (1995) 103–118
(19) In a newspaper article concerning cartography and politics, Avraham Braver, a prominent Jewish geographer and a future member of the Governmental Names Commission, criticized the seemingly inconsistent British policy concerning Biblical names in Palestine: “As if stealthily, in Palestine the British allowed themselves to call Yerushalaim Jerusalem and Yericho Jericho and Hevron Hebron as it is written in the translation of the Bible, and not ‘Al Quds’ and ‘Aricha’ and ‘Al-Halil’ as in Arabic. Yet in Shechem and Beit Shean and Ein Ganim and many other places known to us and to the Englishman familiar with the Bible in their Hebrew names—they did not allow themselves such liberty”. See A. Braver, Haaretz, 29 June, 1937, 2.
(20) Y. Press to D. Ben-Gurion, 15 December 1948, ISA C/3783/5550
(21) G. Kampffmeyer, Zeitschrift des deutschen Pala¨stina Verein 15 (1982) 1–33. Y. Aharoni, The Land of Israel in Biblical Times: A Geographical History (Jerusalem 1962). For a comprehensive survey of Arabic toponyms, see N. Kliot, The meaning of Arabic place names in Palestine and their comparison to the names of Jewish settlements, Ofakim Begeographia 30 (1989) 71–79
(22) Y. Aharoni, The Land of Israel in Biblical Times: A Geographical History (Jerusalem 1962) 97. On the continuity of names, see also Y. Ziv (1992) The war of names, Eretz Israel: Studies in the Knowledge of the Land and its Antiquities, 23 (1992) 371.
(23) For a short history of the Commission, see H. Bitan, The Governmental Names Commission, Eretz Israel: Studies in the Knowledge of the Land, 23 (1992) 367–370
(24) Report on the accomplishments of the Governmental Names Commission for the beginning of the year 5719 (1958–1959), September 1958, 1, ISA C/5551/3787
(25) Letter M. Brechman to H. Even-Tov, deputy secretary of the Government, 8 September 1949, ISA C/3783/550
(26) ISA C/3782/5550
(27) Entry for 11 June 1949, in G. Rivlin and E. Oren (Eds), The War of Independence. Ben-Gurion’s Diary III (Tel Aviv 1983) 989
(28) Letter Z. Sherf, the secretary of the government, to Sh. Yevin, Head of Antiquities Department, 22 November 1951, ISA C/5550/3782
(29) Report on the activities of the Governmental Names Commission, the Negev commission 1949–1950, 4 April 1952, ISA C/5551/3788
(30) Ibid., 3
(31) Commission for the determination of geographical names in the Negev (1949–1950) 2, in Report on the Governmental Names Commission, 4 April 1952, ISA C/5551/3788



#محمود_الصباغ (هاشتاغ)       Mahmoud_Al_Sabbagh#          



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295





- بآلاف الدولارات.. شاهد لصوصًا يقتحمون متجرًا ويسرقون دراجات ...
- الكشف عن صورة معدلة للملكة البريطانية الراحلة مع أحفادها.. م ...
- -أكسيوس-: أطراف مفاوضات هدنة غزة عرضوا بعض التنازلات
- عاصفة رعدية قوية تضرب محافظة المثنى في العراق (فيديو)
- هل للعلكة الخالية من السكر فوائد؟
- لحظات مرعبة.. تمساح يقبض بفكيه على خبير زواحف في جنوب إفريقي ...
- اشتيه: لا نقبل أي وجود أجنبي على أرض غزة
- ماسك يكشف عن مخدّر يتعاطاه لـ-تعزيز الصحة العقلية والتخلص من ...
- Lenovo تطلق حاسبا مميزا للمصممين ومحبي الألعاب الإلكترونية
- -غلوبال تايمز-: تهنئة شي لبوتين تؤكد ثقة الصين بروسيا ونهجها ...


المزيد.....

- 7 تشرين الأول وحرب الإبادة الصهيونية على مستعمًرة قطاع غزة / زهير الصباغ
- العراق وإيران: من العصر الإخميني إلى العصر الخميني / حميد الكفائي
- جريدة طريق الثورة، العدد 72، سبتمبر-أكتوبر 2022 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 73، أفريل-ماي 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 74، جوان-جويلية 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 75، أوت-سبتمبر 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 76، أكتوبر-نوفمبر 2023 / حزب الكادحين
- قصة اهل الكهف بين مصدرها الاصلي والقرآن والسردية الاسلامية / جدو جبريل
- شئ ما عن ألأخلاق / علي عبد الواحد محمد
- تحرير المرأة من منظور علم الثورة البروليتاريّة العالميّة : ا ... / شادي الشماوي


المزيد.....


الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - محمود الصباغ - تسمية المشهد المكاني: تشكيل الخارطة العبرية لإسرائيل 1949-1960 الجزء الأول