أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - مجدي علي السماك - الست محاسن














المزيد.....

الست محاسن


مجدي علي السماك

الحوار المتمدن-العدد: 5574 - 2017 / 7 / 7 - 02:48
المحور: الادب والفن
    


نفذت الست محاسن تعليمات زوجها أيوب.. بحذافيرها دون أي زيادة أو نقصان.. وفتحت الست محاسن باب الثلاجة.. ومدت يدها التي نشفتها الأيام إلى الفريزر.. وأخرجت قطعة لحم صغيرة بالكاد يبلغ حجمها نصف حجم علبة سجائر. ثم بدأت الست محاسن تحسب بينها وبين نفسها وتقول بحزن ومرارة وانكسار: أنا وزوجي وحماتي وخمسة أطفال.. إذا يكون نصيب كل واحد منّا شقفة لحم بحجم عقلة الأصبع. ثم أدارت محاسن نظرها باستكانة وصوبته عبر نافذة المطبخ إلى السماء.. ورفعت كفيها للأعلى.. وتمتمت بصوت منخفض مسموع ومسلسع.. موجهة كلامها إلى الله مباشرة: شكرا لك يا رب.. اللهم أدمها نعمة واحفظها من الزوال. بالكاد نزلت محاسن كفيها وأطبقت شفتيها.. حتى خطر إلى ذهنها الطلب من الله أن يزيد في حجم قطعة اللحم.. وبالفعل دون أي تفكير.. نفذت محاسن ما دار في رأسها.. وراحت على الفور تدعو الله في تضرع وخشوع: يا رب كبرها.. يا رب من أجل أولادي فأنا لا أريد اللحم.. يا رب اجعل نصيب كل ولد من أولادي قطعة لحم بحجم اصبع زوجي.. فأنا اصبعي رفيع وصغير يا الله.. زوجي اصبعه ثخين وكبير يا أرحم الراحمين.. كبرها يا رزاق يا كريم.
تناولت محاسن السكين من درج الطاولة العتيقة المخلوعة.. وقبل أن تبدأ بتقطيع اللحم.. تهيأ لها أن القطعة قد كبرت ولظلظت.. فظهر على شفتيها نطفة ابتسامة صغيرة.. راحت تنمو بسرعة وتكبر حتى ملأت فمها وانتشرت في تقاطيع وجهها كله. وبالكاد بدأت محاسن بالتقطيع.. حتى لاحظت وجود تفسخ أصاب قطعة اللحم.. فساورها شك وصار الفأر يلعب في عبها. قربت محاسن أنفها الصغير المدبب من قطعة اللحم وراحت تتشمم.. فأخبرها أنفها بأن قطعت اللحم قد فسدت.. فانطفأت ابتسامتها على الفور.. واستحالت إلى عبوس وغم.. وانقبض وجهها وانكمش.. وبدأت دموع حارة ملتاعة تسيل على خديها الغائرين.. ومن هناك واصلت الدموع تساقطها على بلاط المطبخ المليء بالحفر والأخاديد. عادت نفس محاسن تحدثها.. وتطرق رأسها أسئلة كأنها مسامير من حديد: ماذا سيأكل الأولاد؟ ماذا سأقول لزوجي أيوب؟ وما الذي سوف يفعله بي؟ يا رب تستر وتجيب العواقب سليمة.. أنت عالم بحالي يا الله.
عاد أيوب من عمله مرهقا ومهدود حيله من التعب.. يمزق جوفه الجوع الذي جعل بطنه يقرقر.. وعصافيره تصوصو.. وطلب من محاسن أن تضع له صحون الطعام على الطبلية.. مع قرن فلفل أخضر.. ريثما يغسل يديه ووجهه المليء بالأتربة والغبار.. ويلبس الجلابية. دق قلب محاسن وعلّت دقاته واضطرب.. حتى كاد يقفز من مكانه في صدرها الذي بدأ يضيق أكثر فأكثر.. وراح صدرها ينفث الأنفاس الساخنة الملهلبة كأنها منفلتة ومبثوثة من طنجرة ضغط محكمة الإغلاق.
تسللت التمتمات المتقطعة وانزلقت على شفتي محاسن المرتعشتين.. وقد راحت الكلمات تسابق دموعها المتدفقة كالسيل العارم.. تخبر زوجها أيوب بفساد قطعة اللحم. وقف أيوب الذي كان قد جلس أمام الطبلية وتربع.. وصار الشرر يتطاير من عينية الواسعتين.. وصرخ في وجه محاسن:
-أنا ميت من الجوع يا محاسن.. أنا بألف غصب دبرت ثمن اللحمة يا بنت الكلب.. خربتيها.. الله ينتقم منك بحق جاه النبي.
- إيش ذبي.. لقيتها خربانة.. أنت مش عارف أن الكهرب قاطعة من يومين.
- ليش ما طبختيها قبل ما تخرب.. تفو عليكي وعلى اللي خلفوكي.. بديش أشوف وجهك في البيت.. وجهك يقطع الرزق يا محاسن. ولسه قبل أسبوعين خربتي فرخة بكاملها وما حدا منّا ذاق طعمها.. وكلنّا كان نفسنا فيها يا بوز البوم.
- قلت لك الكهرب كانت قاطعة.. وما أجت طول اليوم.. أنا إئيش ذنبي.. الحق عليه أنا اللي قاعده بخدمك أنت وأولاد طول النهار مثل الخدامات.. لا بترحمني ولا بتخلي رحمة الله تنزل.. حسبي الله ونعم الوكيل فيك.
- ولسه بتحكي وبتبرمي يا أم وجه نحس.. أشوف فيكي يوم يا محاسن يا بنت عبد الخالق. أنتي طالق يا محاسن.. غوري من وجهي.. طالق.. طالق.. طالق.. بديش أشوف خلقتك في البيت يا حيوانة.. يا أم بوز مثل حبة الباذنجان المشوية.
بينما كانت المسبات والشتائم التي يطلقها أيوب تتواصل وتمتد.. حتى وصلت إلى جدود محاسن الأوائل من غسان وعدنان وقحطان.. راحت محاسن تجمع أغراضها القليلة.. وتلملم الأولاد.. ودموعها التي ازدادت غزارة ما زالت تلسع قلبها وكبدها وخدودها.
جرجرت محاسن جسدها النحيل جدا.. والذي بالإمكان لشدة نحوله إدخاله بسهولة في خرم إبرة.. وخرجت من البيت تسبقها آهاتها المعذبة التي ما انفكت تتردد بين السقف والحيطان.. يحيط بها الأولاد الذين راحوا يتحلقون حولها من كل جانب كأنها الكعبة.. وبعضهم تعلق بذيل ثوبها الذي بهت لونه.. وآخر رضيع ضمته إلى حضنها.. لم يكف عن الصراخ حتى وصلت محاسن إلى آخر الشارع.. المؤدي إلى موقف السيارات.
تذكر أيوب أن محاسن لا يوجد معها أي نقود.. ولا أي ثمن للمواصلات.. فخرج خلفها مسرعا كي يعيدها إلى البيت.. لكنه اصطدم بعامود النور الذي أمام باب البيت.. ووقع على الأرض.. ولما نهض تذكر أنه هو أيضا لا يوجد معه أي نقود.. وكانت محاسن في هذه اللحظة قد اختفت بين الناس والزحمة. رجع أيوب إلى البيت.. وجلس قرب النافذة المطلة على الشارع.. وهو يقول ويردد لنفسه وللشجر ولأعمدة الكهرباء وللعمارات وللطيور والقطط وللريح وللشمس التي تملأ الدنيا في الخارج: معقول أنا أطلق محاسن علشان شقفة لحمة.. الله يلعن أبو هيك عيشة.. اخص على الدنيا وعمايلها.



#مجدي_علي_السماك (هاشتاغ)      



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- العلمانية بين الكفر والإيمان
- يا لكع


المزيد.....




- مهرجان أفلام المقاومة.. منصة لتكريم أبطال محور المقاومة
- بعد أشهر من قضية -سرقة المجوهرات-.. الإفراج عن المخرج عمر زه ...
- الإمارات.. إطلاق أول نموذج ذكاء اصطناعي باللغة العربية
- 6 من أبرز خطاطي العراق يشاركون في معرض -رحلة الحرف العربي من ...
- هنا أم درمان.. عامان من الإتلاف المتعمد لصوت السودان
- من هنّ النجمات العربيّات الأكثر أناقة في مهرجان كان السينمائ ...
- كان يا ما كان في غزة- ـ فيلم يرصد الحياة وسط الدمار
- لافروف: لا يوجد ما يشير إلى أن أرمينيا تعتمد النموذج الأوكرا ...
- راندا معروفي أمام جمهور -كان-: فلسطين ستنتصر رغم كل الظلم وا ...
- جبريل سيسيه.. من نجومية الملاعب إلى عالم الموسيقى


المزيد.....

- البنية الديناميكية والتمثّلات الوجودية في ديوان ( الموت أنيق ... / عبير خالد يحيي
- منتصر السعيد المنسي / بشير الحامدي
- دفاتر خضراء / بشير الحامدي
- طرائق السرد وتداخل الأجناس الأدبية في روايات السيد حافظ - 11 ... / ريم يحيى عبد العظيم حسانين
- فرحات افتخار الدين: سياسة الجسد: الديناميكيات الأنثوية في مج ... / محمد نجيب السعد
- أوراق عائلة عراقية / عقيل الخضري
- إعدام عبد الله عاشور / عقيل الخضري
- عشاء حمص الأخير / د. خالد زغريت
- أحلام تانيا / ترجمة إحسان الملائكة
- تحت الركام / الشهبي أحمد


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - مجدي علي السماك - الست محاسن