أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - عمر البوغانمي - محمد شكري في درس الجغرافيا














المزيد.....

محمد شكري في درس الجغرافيا


عمر البوغانمي

الحوار المتمدن-العدد: 5567 - 2017 / 6 / 30 - 17:02
المحور: الادب والفن
    


عندما ذهبت للمغرب, أقصد عندما سأذهب , أعرف سلفا أني لن أبالي كثيرا بسحرتها و ملاعبي أفاعيها أو بجامعه الكبير أوبكل مزاراته, أعرف سلفا أني سأقصد رأسا , مع أول فرصة سانحة , مدينة طنجة. سأبحث عن المقهى المقابل لجبل طارق وأتمتع بمنظر ذلك الفاصل المكون من ذرات الهيدروجين و الأوكسيجين و التاريخ و العقد و الثارات الإيديولوجية و بقايا سفن المغامرين والقراصنة و المهاجرين و و و...... المسمى مضيق جبل طارق ( لماذا ليس مضيق طنجة مثلا). أعرف أيضا أني سأتذكر بعد برهة أني أنتظره سدى و أنه من الغباء أن أثق في دقة مواعيد كاتب صعلوك لم يمح أميته إلا بعد أن تجاوز سن العشرين, خصوصا إذا كان ميتا. لكن هذا لن يمنعني من منحه عشر دقائق إضافية ثم مغادرة المقهى متذمرا :" محمد شكري.... أينك يا إبن .....". أعرف أيضا ـني سأتسكع بخطوات كسولة و حواس مرهفة في أزقة طنجة القديمة أرصد خطواته وأعقاب سجائره و أخمن أين كان يبيع السلع المهربة. سيتهيأ لي أني أرى كتابة باهتة على جدار , مقابل حانة بذيئة تعود السكارى على القيء و التبول تحته, جملته الأروع " لقد فاتني أن أكون ملاكا". أعرف أني سأتجه إلى الميناء وأشاهد مياهه حيث تطفو بقع الزيت و أعقاب السجائر و الخراء الذي سبح وسطه لإلتقاط قطعة "خبزحاف". أعرف أن القحاب سيعترضنني ( القحاب جمع قحبة و هي الكائن من لحم ومنيِّ و عرق و ما تيسّر من كحول و ضحكات نلمسه, نأوي إليه ليلا و نرجمه نهارا و نتعامل معه واقعيا ويوميا و هي كائن مختلف عن العاهرة أو المومس تلك الكائنات التي تسكن مقالات ركن الجرائم و مخيال الخطب الدينية ومحاضر شرطة الأخلاق سواء المعممة أو المرتدية لزي رسمي) و أعرف أني سأبحث في وجوههن عن "ّمريم المراكشية" و "عيشة البوالة" وكل صديقات ذلك الصعلوك.
أعرف طنجة و أحفظها عن ظهر كتاب, لقد سكنت حدائقها و ألفت عالمها السفلي و خبرت أمعاءها مع محمد شكري. أعرف المغرب, لا مغرب وكالات الأسفار المتصنّعة المداهنة أو مغرب إعلامها الرسمي الأبله, بل مغرب محمد شكري الذي بطريقة ما ورثته عنه.
ليس المغرب فقط، بل إني أعرف جيدا برد صباح سان بترسبورغ وكآبة نهرها الآسن وأستطيع تمييز شوارعها المتشابهة التي تنتهي جميعا ب"سفكا" أو ب"كايا". ربما نسيت إسم جسرها الأطول، لم أنتبه له بل لأنف يرتدي معطفا مر مسرعا بجانبي وكاد يسقطني في الماء وغوغول يركض وراءه بائسا و مولولا.
و رغما عن إدارة الحدود و الجمارك و مكاتب تأشيرات السفر و "الوضع الإقليمي" و جواز سفري ذي الصفحات البيضاء الكثيرة إلا أنني سافرت أيضا إلى أورشليم. أورشليم، لا قدس الشهداء الذين تمتلئ جدران غزة بصورهم، لا قدس الهيكل حيث أبرم يهوه أول صفقة بيع في وكالته العقارية مع رجل عراقي غريب، بل أورشليم يوسف زيدان حيث يتساكن الشيطان و الإنسان و يتبادلان الأماكن و الأقنعة و الوجوه و الوجود.
لا حاجة لي للعودة مرة أخرى إلى السودان، لازلت إلى الآن مجذوبا ومنتشيا بذكر متصوّفيه ودراويشه. صديقي الطيب صالح كيميائي ماهر، يحول بدربة مزيج الصوفية و الشبق وعقدة المستعمر و تناقضات السودان إلى كلمات ملساء و ساحرة كالكهرمان الأسود. لقد ضربنا في صحراءه و سبحنا في نيله عراة كما ولدتنا أمهاتنا و سمرنا في ساحات قراه و ضحكت ملئ شدقي من نكتة بذيئة وشوشها "ود حامد" في أذني.
هل أسترسل؟ أخشى أن أصبح مملا لطول حديثي عن قاهرة نجيب محفوظ بمقاهيها و غواياتها وفتيانها و حاراتها و عن قرى كريت حيث لا يتورع زوربا عن مراودة فتاة أو الرقص حد الإغماء أو الشرب حد الثمالة أو فعل ذلك كله في آن واحد إن سنحت له الفرصة و عن وهران كامي و عن أمريكا يوسا وماركيز و عن دبلن جويس و عن بندقية شكسبير وعن جنوب ستاينبيك بفئرانه و رجاله و عن طروادة هوميروس و عن جسر أندريتش و عن حجاز لورنس وعن مدن عبد الرحمان منيف المالحة شرق المتوسط و عن قرطاج فلوبير وعن صحراء إبراهيم الكوني و عن سمرقند معلوف و عن سويسرا دوستويفسكي و عن أناضول أورهان باموق وعن و عن و عن و........
أتساءل دائما كيف يمكن لرواية أن تحتوي قارة كاملة بكل هدوء وتستكين على رف كأن شيئا لم يكن؟



#عمر_البوغانمي (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- الفيلسوف و البكتيريا


المزيد.....




- -كائناتٌ مسكينة-: فيلم نسوي أم عمل خاضع لـ-النظرة الذكورية-؟ ...
- مصر.. الفنان بيومي فؤاد يدخل في نوبة بكاء ويوجه رسالة للفنان ...
- الذكاء الاصطناعي يعيد إحياء صورة فنان راحل شهير في أحد الأفل ...
- فعالية بمشاركة أوباما وكلينتون تجمع 25 مليون دولار لصالح حمل ...
- -سينما من أجل غزة- تنظم مزادا لجمع المساعدات الطبية للشعب ال ...
- مشهور سعودي يوضح سبب رفضه التصوير مع الفنانة ياسمين صبري.. م ...
- NOW.. مسلسل قيامة عثمان الحلقة 154 مترجمة عبر فيديو لاروزا
- لماذا تجعلنا بعض أنواع الموسيقى نرغب في الرقص؟
- فنان سعودي شهير يعلق على مشهد قديم له في مسلسل باللهجة المصر ...
- هاجس البقاء.. المؤسسة العلمية الإسرائيلية تئن من المقاطعة وا ...


المزيد.....

- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو
- الهجرة إلى الجحيم. رواية / محمود شاهين


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - عمر البوغانمي - محمد شكري في درس الجغرافيا