أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - إيمان مصطغي محمود - راحلون لا محالة














المزيد.....

راحلون لا محالة


إيمان مصطغي محمود

الحوار المتمدن-العدد: 5566 - 2017 / 6 / 29 - 20:50
المحور: الادب والفن
    


لا شيء هنا..
لا جديد يطرأ على هذا الروتين المقيت، هذه الأزقة الموغلة في الِقدم تبقى دائما وفية لعادتها الأزلية بالبقاء على هيأتها الجامدة التي تشبه ساحة مهملة تغص بالجثث وفضلات الحضارة .
لقد بلغت من العمر مايقرب من رُبع قرن، واقتربت من الموتِ خطوة أخرى.
في عديد السنوات الماضية، كنتُ أخاف بشكل جنوني تقدّم السنون، إقترابي من النهاية، وأقوم في كل ذكرى ولادتي عند منتصف اللّيل بكتابة صفحات بيضاء، أعلن بها بداية جديدة لي لا أخطأ بعدها. كأنني قديسة تحبِّرُ صكَّ غفران لنفسها، أو باكية على حائط المبكي تُريد الصفح وأن تبدأ من جديد.
ذات مساء ,توقفت عن هذه العادة ربما بسبب إكتشاف بسيط وهو : " أن الزمن يمكن أن يأخذ أي شكل أو إتجاه إلا أن يكون مستقيما , نحنُ لا نتقدّم في العمر، نحن أقربُ إلى الدوران من السير بخطى واثقة "
تتلاطم الأفكار والمفاهيم وتتصارعُ برأسي التساؤلات ، من أين أتيت حين ولدت بصحراء العرب؟ وإلى أين أمضي؟ أين تكمُن الحقيقة؟ أصبحت تتبيّنُ لي الذكرى هي الحقيقة .
وفي هذه الساعة تحديدا ، وفي موجة الحرّ الحالية، أفكر أن هناك من يقضي يومه في الصحاري يعمل تحت درجة حرارة تفوق الخمسون بكثير، وهناك جنود يحرسون الحدود بزي ثقيل وسلاحٌ ثقيل وهناك آخرون يقاتلون قوات الشر في بلدان تنام على إنفجار لتصحو على قصف، هناك أمهات تلدن تحت الأشجار، وأمهات ترتدين السواد حُزنا على أبنائهُن الراحلين وآخرون يقطعون عشرات الكيلومترات لجلب مياه لعائلاتهم، وهناك من يكون الإستحمام بالنسبة إليهم حلما شبه مستحيل، وهناك من يتمنون أن يمتلكوا ثلاجة، وأقصى النعيم بالنسبة إليهم أن يمتلكوا حنفية في بيوتهم وفي أوطان أخرى، هناك أيضا من يقضي يومه تحت مكيف الهواء البارد وهو يشتكي من الحر وهناك من يقصف صفحات الفايسبوك بالسخرية من اللواتي تذوب مساحيق تجميلهن تحت الشمس وهناك من يشتكي من رائحة العرق وهناك من يقضي يومه في تجربة أرقام هواتف عشوائية لقتل الوقت وقتل القلق، وإزعاج الآخرين
وهناك من يشتكي أنه لا يستطيع ممارسة عادته السرية في ظل هذا الحر ويشتكي من ذلك علنا على صفحته الشخصية لنيل الإعجاب على" جرأته "و" تحرره "من كل القيود ,وهناك من يشتكي من إجتياح الناس للشواطئ ( هم نفسهم من يجتاحون العاصمة للدراسة(هناك كثيرون منهم يجتاحون الحياة ويقطعون أنفاس الآخرين، أنانيتهم هي التي تحرق العاصمة بالقرف والعفن، وجهلهم من يجعل الشمس تشتعل غضبا، وعقولهم الميكروسكوبية تُنافس البكتيريا في الضآلة ، وأرواحهم الشقية تنافس الهمجية على عرشها العريض ، وشتان بين هنا وهناك .
الٱن فهمتُ كلّ شيء , نحن لانمتلكُ حقائق، بل مناطق إرتياح , أهوي باحثة عن الحب، عن الحقيقة والجمال، بحثا عن العدالة، أحاول أن أكتب أو أتكلّم وأن أصرخ وأن أقول : لاَ، أحاول أن أفعل شيئًا في هذا العالم ، أن أجد الله ، أن ألملِم حقيقة بائسة غير موجودة يظن الجميع أنه يملكها. وعندما ينهكني بؤس هذا العالم ،أعود للإحتماء بعزلتي في منازلي القديمة بين ملائكية فيروز , و وحي درويش وكوابيس كافكا وخيال غارسيا ماركيز وعبقرية دوستويفسكي وثورية نيرودا وأحاسيس لوركا وعبثية صمويل بيكيت وإنتظار غودو, وذاكرة واسيني الأعرج ويأس ميلان كونديرا , وجبة الحلاج وجدلية سيف الدولة ,وطفولة مكسيم غوركي وعشق جلال الدين الرومي وفلسفة زوربا , وكل تلك الأشياء الغريبة فقط عندما يُحاصرني الواقع الذي لا أجيد تفكيك مفرداته، ألجأ لهم هناك ,هم من ينيرون لي الطريق , ربما تعلمتُ الكثير في فترة قصيرة، وربما لم أتعلّم شيئًا، إلاَّ أنني صرتُ أحمل بعض الثوابت الواهنة ، كأن لا أٌناقش كثيرًا، وأن أتأكد أننا بعيدون جدًّا عن أن نُمارس نشاطا فكريا حقيقيًّا في هذا الوجود ، نحن نتخبط ، ونسعى، ثم نموت.
الثابت الأكبر في النهاية هو : "أننا راحلون لا محالة وأن الموت بدأ بالتفطن لوجودنا أحياء "

بقلم / إيمان مصطفي محمود



#إيمان_مصطغي_محمود (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295





- الفنان السعودي حسن عسيري يكشف قصة المشهد -الجريء- الذي تسبب ...
- خداع عثمان.. المؤسس عثمان الحلقة 154 لاروزا كاملة مترجمة بجو ...
- سيطرة أبناء الفنانين على مسلسلات رمضان.. -شللية- أم فرص مستح ...
- منارة العلم العالمية.. افتتاح جامع قصبة بجاية -الأعظم- بالجز ...
- فنانون روس يسجلون ألبوما من أغاني مسلم موغامايف تخليدا لضحاي ...
- سمية الخشاب تقاضي رامز جلال (فيديو)
- وزير الثقافة الإيراني: نشر أعمال لمفكرين مسيحيين عن أهل البي ...
- -كائناتٌ مسكينة-: فيلم نسوي أم عمل خاضع لـ-النظرة الذكورية-؟ ...
- ألف ليلة وليلة: الجذور التاريخية للكتاب الأكثر سحرا في الشرق ...
- رواية -سيرة الرماد- لخديجة مروازي ضمن القائمة القصيرة لجائزة ...


المزيد.....

- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو
- الهجرة إلى الجحيم. رواية / محمود شاهين


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - إيمان مصطغي محمود - راحلون لا محالة