أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - هرمس مثلث العظمة - ثلاثية الانسان العربي والتاريخ المدنس عندما تتحدث الطبيعة وتصمت الآلهة (الجزء الاول )















المزيد.....



ثلاثية الانسان العربي والتاريخ المدنس عندما تتحدث الطبيعة وتصمت الآلهة (الجزء الاول )


هرمس مثلث العظمة

الحوار المتمدن-العدد: 5561 - 2017 / 6 / 24 - 13:13
المحور: العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
    


عندما تصادفنا دراسة للمجتمعات العربية من الناحية الدينية أو التاريخية نجد بأن هنالك عقبة تقف في طريق دراستنا لها وهي رفض الزمن الحسي التاريخي من قبلها فهي تحتجز نفسها داخل الفقاعة الميطيقية لدياناتها ، بحيث تربط نفسها بزمن الاصول فتجب تاريخ ما قبلها باعتباره وثنية أو جاهلية محضة وهذه سمة المجتعمات المسيحية والاسلامية في محيطنا العام ونصبح على مقربة من الهرطقة والكفر في حال تدخلنا في الزمن الحسي لحالة هذه المجتمعات فالمسيحيون توقفوا عند زمن صفر ميلادي والمسلمون لازالوا يقاوموا كل محاولة تاريخية مستقلة يراد منها الدخول في تاريخ لايحكمه النظام الاسلامي فيما قبل 1400 عام ، فهذا الازدراء للتاريخ له ما يبرره في مجتعمات اليوم وهو ما تستغله النخب السياسية الماكرة ورجال الدين الذين يحكمون عالمنا العربي بمنطق العقول القذرة وتتجلى هذه الظاهرة تحت إطار الحفاظ على الهوية وعدم الانجرار إلى دعوات التطبيع مع العالم الحديث ، فالأصل الاعمق للأوهام الدينية ، كما للأوهام السياسية ، هو البؤس والجهل ، ولذلك فإن الرفض للزمن التاريخي له قيمة معينة تتجذر في قيمتها الميتافيزيقية التي تؤسس لجعل الاوهام الدينية هي السبب والمعنى الحقيقي للوجود للبشري ولذلك فإن صعوبة إزالة هذه الاوهام قد تكون أصعب من إزالة الالغام .فظاهرة الاقطاع الديني – السياسي التي تعم العالم العربي ، حتى الآن ، مصدرها ديني ، بقدر ما يكون الدين ممارسة سياسية .فالدين في البلاد العربية وبين ثنايا مجتمعاتها هو صورة انعكاس لتخدير هاته الجماهير عن صراعتها الاجتماعية الاقتصادية السياسية . فإن الوظيفية الاستراتيجية للدين في مجتمعاتنا هو وضع الجهل تحت ابطه والاستمتاع برؤية الحمقى يقتلون بعضهم البعض تحت راية الله أكبر وحبس الجمهور العربي في إيكاريات(أ) ووضع اشكاليات مجتمعنا على عاتق بعدنا عن الدين والله وبذلك حدث التزاوج بين النخب السياسية ورجال الدين الذين لعبوا دورا في تبرير فشل دولنا في حروب خاضتها وهزائمها المتتالية على يد إسرائيل فقد حُمل الجمهور العربي مسؤولياتها ، واعفيت الجمهوريات والملكيات من المعاقبة والدور التي تلعبه السياسة في وعي هاته المجتمعات هو تزين وهم الديموقراطية وتبرير قهرهم السياسي من قبل ذوي البسطار العسكري ومن ثم قمع هاته الجماهير والقاء العاتق بعبئ فشل السياسات الاقتصادية والاجتماعية على أكتاف الجمهور بتحصين انفسهم وذلك بإطلاق أذرع ماكيناتهم الاعلامية القذرة فـ التحفت الدولة بفشلها عبر غطاء الدين – السياسة اللذان عاقبا الجماهير بسجن اعتقادي ، توهيمي . فإن لم يكن الجمهور ديموقراطيا ، مسيسا واعيا لأهدافه التاريخية فلن يحظى سوى بأنظمة استبدادية ولن يشكل كتلته التاريخية الجديدة من أجل تحديث مجتمعه وتغير وظيفة دولته .ولذلك ما كان على الدين إلا حبس الانسان في الزمن المقدس ( الانبياء- المعجزات – الصالحين – الكرامات – الطقوس – المهدي المنتظر – عودة يسوع –أساطير نهاية الزمان- الذي يحدث هو من علامات يوم القيامة) لكي لا يتنبه بوجود الانسان التاريخي الذي يخلق نفسه في قلب التاريخ ويواجه مشكلاته بعقلانية ووعي انسان القرن الواحد والعشرين ولكن للأسف ما يحدث هو هروب الجمهور من بؤسه السياسي إلى رجائه الديني " فيعالج واقعه بالخيال . لماذا ذلك ؟ لأن فكر الجمهور العربي في ظل النظام الاستبدادي البطريركي والبيروقراطي العسكري ما زال يعيش في بيئة قروسطوية ، ولذلك لايجب على الملحد أو اللاديني العربي الواعي أن ينزعج من كره مجتمعهم لهم لأنه قام بخرق القاعدة الايكارية التي بُني عليها المجتمع العربي " فإن تحول الجمهور الايكاري إلى قوة تاريخية لايتحقق في تظاهرة مدبرة أو مدبلجة ، بل في نقد الدين ووضعه في مساق الزمن الحسي التاريخي ونقد الدولة فنقد الدين هو الشرط الاساسي لكل نقد اجتماعي في مجتمعنا الزائف والمتهالك .نقد الاغتراب الديني التي تصدح بها حناجر الافاعي من شيوخ المسلمين ولعب دور الضحية وبأن الاسلام مُحارب ومستهدف في كل مكان من القوى الامبريالية الصهوينة الامريكية العميلة تمهيدا لنقد الدولة ووضعنا الاقتصادي والاجتماعي الذي أصبح من الميؤوس التعامل معه أو معالجته بمنطق عقليات ديناصورات ماتت قبل 1400 عام. وبهذه المقالة نعمل على مخاطبة عقل كلا من الفيلسوف ، القارئ المثقف والعادي الغير مختص ، كلٌ على حد السواء في معرفة أهمية فصل التاريخ المقدس عن التاريخ الدنيوي فهي ستعطي زخما وفائدة عظيمة لمعرفة الانسان العربي للتاريخ و بشرية الاديان التي حاولت إقصاء التاريخ لتختلق تاريخا خاصا بها لتداري سوئتها وخلجها من التاريخ الطبيعي. فلو كلفنا انفسنا عناء الغوص والبحث في المعنى الاصلي الذي تنطوي عليه الاسطورة القديمة او الرمز القديم لوجدنا أنه معنى يتكشف عن وعي معين لموقف معين من الكون وبالتالي وجدنا تبريره الميتافيزيقي ،بعيدا عن احتجازنا في زمن البدايات والله والانبياء والمعجزات ، وارجعناها إلى زمنها الحسي التاريخي الصحيح .فالتاريخ الذي صنعه البشر هو ملك لكل البشر ولايجب أن نخفيه لأنه قد لايتفق مع المذهب او الدين الذي نحن عليه .
إن الناس العادين في مواقعهم العادية من سير خطة الحياة لايعرفون شيئا وهذا علامة على جهلهم بأصول دياناتهم وهذا مايتميز به أتباع كافة الديانات اليوم ومن فترة ليست بعيدة ظهرت شعارات استهزاء بالمسلمين كونهم أميين بديانتهم وذلك إشارة إلى داعش حدى إلى البعض القول بأنه هنالك ديانة جديدة اسمها لايمثل الاسلام .لجهلهم بأن أفعال داعش قد أنجبت من رحم الاسلام ، وذلك إلى ركونهم إلى سماع القصص الوردية والزهرية عن الاسلام في مدارسهم ومساجدهم وبذلك تزيف وعيهم .
ولذلك يجب علينا فهم العلاقة ما بين الطبيعة بما تحتويه من صفات جوهرية وخصائص مع النظم الدينية التي قامت على الخصائص الجوهرية لهذه الطبيعة . دافعين بنفسنا إلى ذلك الايقاع الذي يقف خلف رموز ودلالات الاديان في ظل اكتشاف الآثار والمخطوطات القديمة فنزيح الغطاء الثقيل عن التفاعل الحاصل ما بين التاريخ الطبيعي الحسي والدين من ناحية امبريقية لاروحانية ، فمع ظهور علم الآثار في ذلك الوقت غلب الطابع التطوري لمسألة الجدال حول الدين وتسير أدوات أخرى في خدمة هذه الموضوعات وهو ما لم يتسنى لنا كمجتمعات عربية الوصول لها في القرن الواحد والعشرين وربما إن بقينا هكذا لن يتسنى لنا ذلك إلى الابد وذلك طبقا لإشكالية طبيعة العلاقة الحساسة في مجتمعنا التي تنسج معا المسار الشخصي للإنسان مع الطابع الديني وكأنهما جزء لايتجزء بل مكون اساسي في شخصية الانسان العربي فأي محاولة إصلاحية ستسبب الاضطرابات لهذه العلاقة مصيرها الوأد الفاشي . فثنائية السنة – الشيعة في مجتمعنا تمثل الثنائية نفسها التي يطلق عليها ينغر ثنائية الكنيسة – المذهب أي الصراع بين الواقعية والمثالية . صحيح انه كلما زاد الفارق بين المثالية والواقعية كلما إزداد حجم المشكلة ففي مجتمعاتنا هذا الفارق قد جعل الدين ينتقل من عامل له دور في الحياة الروحية للإنسان ليلقي بظلاله على الحياة الاجتماعية ولكي يفعل ذلك لابد له من الحصول على قوة سياسية تتوافق مع المصالح الدنيوية المتنوعة للنظام في مجتمعاتنا .فهذه المسيرة تتداخل زمنيا مع حياتنا الحالية لتفرض هوية جمعية ميلادها بدأ وتوقف مع أول ثلاثة قرون من الاسلام نازعةً الهوية الفردية بل مُحَرّمة فرديتنا ، فالوضع المتعلق بالهوية الدينية أصبح خاضعا لجماعات دينية معينية مما خلق حالة من الاستعباد وقبول العبودية وعدم التقدم خطوة واحدة إلى الامام ، استعباد نزع عنا ذاكرتنا التي تقبع خارج التاريخ المقدس وشرط هويتنا الحقيقي إن لم يكن إنسانيتنا ، فمجتمعنا قد نسي ماضيه منذ وقوعه في اوهامه الدينية وبالتالي قد فقد هويته الانسانية إن لم يكن التاريخية أيضا فهو بنفس الوقت قد أصبح غير قادر على تحديد ومواجهة مستقبله الخاص فلقد أدى فشلنا في ملاحقة التاريخ إلى تدينيه وبالتالي إلى الاخفاق في استيعاب قيمته الكبيرة ، ونعني بذلك حريتنا في مناقشة التاريخ الحسي عوضا عن الاسار المفروض عليه وجعل تاريخنا مقدس وسري ومغلق ومن الممنوع نقاشه لكي لانصل إلى بشريته وإلى ماديته ورموزه وأدواته التاريخية التي صنع منها . فالقوى التي ينحني أمامها المؤمن على حد تعبير دوركهايم ، ليست مجرد طاقات فيزيائية ، مثل تلك التي خلعت على الحواس والخيال ، إنها عبارة عن قوى اجتماعية . إنها النتاج المباشر للمشاعر الجمعية التي دفعت إلى مستوى أن تكتسي ثوبا ماديا . ماهي هذه المشاعر ماهي الاسباب الاجتماعية التي أيقظتها والتي حتمت أن تعبر عن نفسها تحت هذا الشكل أو ذاك ، نحو أي غايات اجتماعية يستجيب التنظيم الذي يولد بهذا الشكل ؟ هذه هي الاسئلة التي يجب أن يتناولها علم الاديان وهذا ما سنتاوله نحن فالدين يجب أن يوضع في مركز أداة تحليل المجتمع ومن ثم إعادة تنظيمه بشكل مكثف لتظهر الصورة الاساسية بشكل لايدعو لـ لبس فسنحاول إعادة اكتشاف المنظورات الجديدة التي يفتحها امامنا التاريخ – الرموز – الآثار لنعالج المقدس في ظل إطار المدنس لنساهم بشكل أو بآخر في فهم الطبيعة البشرية ومجتمعها في آن واحد ونحاول إزالة المتناقضات فيما بين المقدسات لنصل إلى إقامة قاعدة اتصال مشتركة فيما بينهن فنخضع تاريخنا الديني إلى عملية تطهير من أجل فهم أنقى ونبين حقيقة الوسيلة الدنيوية التي أتخذها أسلافنا للاتصال مع المقدس ( قرابين – طقوس – شعائر – انبياء – صلاة ) إلخ .محاولين رسم سياسة واعية للوقوف على ارضية صلبة للحوار مع الآخرين بطريقة علمية ، فالمعتقدات الجديدة بشكل عام تتسم بالميل إلى السرية والاختفاء لأنها ببساطة لازالت فتية في طور النشء كما أنها غير متماسكة وهشة اجتماعيا . هذه المعتقدات الجديدة أو الايدولوجية الجديدة المضامين الوجودية الجديدة تبحث عن حماية نفسها من السلطة القائمة عن طريق السرية والاختفاء وهذا ما مرت به كل الاديان من بينها الاسلام والمسيحية وأيضا ما يجب أن نمر به كــ لادينين عرب لأن بحركتنا نكون قد ضمنا تهديدا لطموحات رجال الدين والسياسية والقوى الاجتماعية فلا ضير من اللجوء إلى السرية في وقتنا الراهن حتى يصبح لدينا رؤيا واضحة متماسكة فلسفة قوية وأرضية صلبة للوقوف عليها وأشخاص قادرين للخروج والدفاع بشكل علمي ورصين عن آرائهم لا أن نكون مجرد مهرجين أمام الشاشات.فالازمة التي نمر بها كمضطهدين حاليا ستشكل لاحقا عاملا مهما للتماسك الاجتماعي في محيطنا.
تمهيد لابد منه:
من الواجب علينا حاليا التمسك وابتكار أساليب نقدية علمية تاريخية ومناقشة تاريخية وآثرية بل ومراجعة عصرية لجوهر الفكر الديني السائد حاليا في العالم الاسلامي بشكل عام والعالم العربي بشكل خاص فالدين بصورة أساسية هو المحرك والمسيطرعلى الحياة العقلية والشعورية لصورة الانسان العربي في مجتمعه ولذلك لابد لنا من عرض وتفنيد الايدولوجية الدينية وسلخها عن تاريها المقدس لنعرضها في تاريخها الطبيعي عرضا يبدو عليه مظهر الانتظام والتناسق والعقلانية بعيدا عن الفوضى والسطحية والبساطة الساذجة في الطرح .
فالاصوليون المسيحيون يرفضون مكتشفات علم البيولوجيا والفيزياء بشأن أصل الحياة ونشأتها ، ويصرون على ان سفر التكوين يتميز بالصحة العلمية في جميع تفاصيله . وبينما نرى الكثيرين يطرحون أغلال الماضي ويكسرونها ، ينزع الاصوليون اليهود إلى مراعاة قانونهم المنزل بصرامة أكبر مما شهده أي عصر قد مضى ، وترفض المرأة المسلمة الحريات التي تتمع بها المرأة في الغرب ، فتلبس ما يسمى بالحجاب والشادور . ويشترك الاصوليون من المسلمين واليهود في تفسير الصراع العربي الاسرائيلي في إطار ديني محض ، وهو الذي نشأ نشأة علمانية صارخة . وإلى جانب ذلك فليست الاصولية مقصورة على أديان التوحيد الكبرى ، فهنالك نزعات أصولية بوذية ، هندوسية ، كنفوشيوسية .وهي ترفض كذلك كثيرا من النظرات المعيقة التي توصلت إليها الثقافة الحديثة بعد جهد جهيد ، وهي تحارب وتقتل باسم الدين ، بل وتكافح حتى تدخل المقدس إلى عالم السياسة والنضال الوطني.ولا بد لأي ديانة تريد أن تبسط سطوتها إلى ربط نفسها بالارض كما نرى باليهودية أو تحفظ تاريخها كما رأينا في المسيحية أو كـ صك لحفظ وتثبيت وجودها كما حصل فيما يخص مكة بالنسبة للمسلمين. فالقدس كمدينة ينظر إليها كرمز لموت اليهودية ونشوء المسيحية وتبعية الاسلام لمن سلفوه بعدما وضعها كأول قبلة له .
فلقد عمدت الاديان إلى الزراعة في نفس الانسان بوجودية سماء مرئية وسماء اخرى غير مرئية . وارضنا الحالية تتطابق مع أرض أخرى سماوية . فكل فضيلة نتحلى بها في هذه الدنيا ،لها نظير سماوي يمثل الحقيقة الصحيحة وكل ما يتجلى في الدنيا هو في الوقت نفسه كون .وما الخلق إلا انقسام وحدة إلى شطرين . فمن وجهة نظر كوسموغونية ولادة الكون تسبق المرحلة الجيتيقية (ب).و هذا ما ينطبق على المدن المقدسة المنتشرة في بقاع الارض ويتوجه إليها أتباع دياناتها ، فالمسيحيون في إيليا (القدس ) يزورون كهفين بصفة خاصة ، الأول في بيت لحم ، مسقط رأس يسوع المزعوم والثاني في جبل الزيتون ، حيث قيل إن المسيح قد ظهر بعد بعثه من الموت للرسول يوحنا فالمسيحيون أنذاك لم يذهبوا إلى هذه الكهوف ليذكروا يسوع الانسان ، فلم يكن يبدي الكثيرون اهتماما كبيرا حتى تلك اللحظة ، بحياة يسوع على الارض ، ولكن أهميتها كانت ترجع إلى أنها شهدت تجليات إلهية ، فعلى حد اعتقادهم فقد ظهرت في كل منها الكلمة المجسدة للعالم . فبـ الطبع لم يكن أي شخص يتوقع من زيارة هذه المواقع الجغرافية أن يحصل على تجربة روحية مهما كانت حافلة بالدلالات التاريخية والايحاءات المهيبة فالاعتقاد السائد بسكن هذه الجغرافية المقدسة من قبل الالهة لم يكن إلا من قبل الوثنين ومع ذلك نرى حجيجا من أتباع الديانات للجغرافية المقدسة الخاصة بهم ولقد طلب أوريجين الافلاطوني من المسيحين أن يحرروا أنفسهم من العالم المادي ويطلبوا الله الروحي الكامل ، وأن عليهم ألا يتعلقوا بالاماكن الارضية بل أن يسعوا إلى المدينة السماوية بدلا من المدنية الارضية .
نحن كائنات تبحث عن المعنى .فالكلاب مثلا ، بحسب ما نعلم ، لا تتألم لحال أفراد فصيلتها ، ولاتقلق من مصير الكلاب في الجزء الآخر من العالم ، ولاتحاول أن ترى حياتها بمنظور مختلف .في حين أن البشر يقعون في اليأس بسهولة ، الأمر الذي دفعهم ، منذ البدايات لوجودهم الاول ، إلى اختراع قصص تعينهم على موضعة حياته داخل محيط كوني أوسع ، وتكشف لهم انتظاما كامنا فيه ، وتعطيهم شعورا مضادا ومعاكسا للشواهد الباعثة على الاكتئاب والعبث ، وبأن الحياة لها قيمة ومعنى .وبالتالي يمكننا ذلك من توليد مفاهيم ومعاني جديدة للأشياء بل وللطبيعة من حولنا لايمكن أن نفسرها تفسيرا علميا أو أن العلم الحديث يقف عاجزا عن فهم الافكار والتجارب تلك التي قد تنبع من ذهن الانسان لتصور له أشياء غير شاخصة أمامه فبـ المحصلة امتزاخ العالم المادي مع الخيال هما الملكة المنتجة للدين والمثيلوجيا وهذا ما سيكون عليه إطار حديثنا في الصفحات القادمة من خلال تفسير العديد من الاساطير المنتشرة في الاديان السماوية داخل إطارها التاريخي بل و أصلها و نشوء فكرتها الاول تزامنا مع فهم العالم المادي الذي تم تبيئها داخل التاريخ المقدس واختزل معانيها داخل صفحات تاريخه .

اليهودية :
استطراد :
لأكن صريحا في البداية إن الموضوع الذي نحن بصدد التكلم عنه ليس عن مقدار ما أعرفه ولايختزل الحقيقة قد نصيب باستنتاجات وتظهر لنا بضعا من خيوط الحقيقة في رحلتنا البحثية ومغامراتنا العقلية اللامحدودة بعيدا عن الحد الذي رسمه أو قيده بنا مجتمعنا . وقد نخطئ أحيانا ونرتكب ذنب أعظم من أن يحتمل ولكن هذه طبيعة البحث والباحث بين سطور التاريخ المتفرقة والشواهد الأثرية سيعرف معنى ذلك . ولذلك إن الموضوع هنا هو حول ما أفكر به والذي من المفترض بديهيا أو من المسلمات أن نعرفه أو على الاقل معرفته ،وبعد الاطلاع على أساسه نترك الحكم للقارئ ليقرر صحة ، أو عبثية ما نطرحه في ظل قلة البيانات الخام التي نحصل عليها للخروج بمعلومات جيدة فنحن سنضع كافة المراجع التي ارتكزنا في بحثنا عليها ومع ذلك إعتمادنا على الآخرين في نقل البيانات لايجب أن يقلل من أهمية صقلنا لهاته البيانات ودورنا في صناعة المعلومة صحيح أننا لم نخض تجربة البحث الميداني ولكننا خضنا تجربة البحث المكتبي للحصول على كم لا بأس به من مدخلات لتحويلها إلى مخرجات . ومرة أخرى نترك للقارئ حرية التقييم لما سنطرحه فهو ليس ملزما بآرانا حتى ولو وثقناها فالقارئ العربي تتغلب على نفسه العاطفية في تكوينه الشخصي فهنالك دوما الانفعالات القوية والغرائز المؤثرة في مجرى الحوادث من الامور التي تترك آثرا في كل لحظة من لحظاتنا في الحياة مثل سرعة سرعة الانفعال والنزق والعجز عن المحاكاة العقلية وانعدام الرأي الشخصي والروح النقدية والمبالغة في العواطف والمشاعر وغيرها كلها نلحظها متجسدة في الانسان العربي وكأنها متجذرة في روحه فأعماله واقعة تحت تأثير النخاع الشوكي أكثر مما هي واقعة تحت تأثير المخ أو العقل وبما أنها ليست صادرة عن المخ فيمكن للانسان العربي أن ينجرف تحت موجات الانكار والقصور عن معنى ما كتبناه لأنه ببساطة مختلف عن هويته وتراثه الدينيان أو الانجرار تحت موجات التحريض فهو يمثل لعبة واقعة تحت تأثير كل المحرضات الخارجية ، يعكس متغيراتها التي لاتتوقف فهو يمثل تطورا للأحداث في مجتمعه لا في نفسه الداخلية وعلى هذا جرى الواقع ،ولذلك نحن سنخاطب عقله الحيادي فسنزوده بمعلومات ووثائق بل وحقائق تُفعل من قدرة العقل لديه لتكون مؤهلة و قادرة على الحصول على معرفة يبني على أساسها تكوينه السليم في الحكم والمحاكاة المنطقية على مجهودنا البحثي .

الفلوكلور في العهد القديم :
نجد أن بعض معتقدات الاسرائيلين القدماء وأنماط سلوكهم الفكرية والعملية في المراحل الاكثر قدما وفجاجة ، تشبه تلك التي نجد عليها القبائل البدائية التي تعيش حتى يومنا هذا من معتقدات وعادات ، فديانة اسرائيل هي ديانة الكتاب بامتياز .فتلك المدونة المختصة بالكتاب المقدس هي مشكلة من نصوص العصر والتوجهات المختلفة بالتأكيد ، لتقاليد شفهية قديمة جدا ، ولكن مُعاد تفسيرها ، ومصححة ومسجلة خلال عدة قرون وفي أوساط مختلفة .ولذلك يمكننا النظر إلى إسرائيل في ضوء أكثر صدقا وأقل رومانسية بوصفهم شعبا لايميزه الوحي الالهي عن غيره من الشعوب الأخرى.فتاريخ ديانة اسرائيل يبتدأ بابراهيم فهو المختار ليأخذ ملك فلسطين والواقع الديني لديهم قد بني على محاكاة الله كمقولة أساسية في الايمان اليهودي ففي المعتقد الديني نجد أن الله قد خلق الانسان على صورته ، ذكرا وأنثى . وفي الواقع التاريخي نجد أن أسلافنا من شتى الديانات قد أجهدوا نفسهم طويلا كي يبلغوا كمال ألهتهم أو على الأقل كصورة لهم .فـ ذلك التمييز العجيب بوصفهم شعب الله المختار يسقط في مجرى التاريخ لنجد أنه شعب قد تطور كبقية الشعوب الآخرى من مرحلة بدائية يسودها الجهل والهمجية ، وذلك عن طريق انتخاب طبيعي بطيء .فنجد أن المفاهيم المماثلة تؤكد في تقاليد أخرى . فإن أسطورة الخنثى تبرز معتقدا منتشرا : كمال البشرية المتماهية مع الجد الاسطوري تستوجب وحدة وهي في ذات الوقت جماعية فالقصة التي رويت في سفر التكوين والتي استحدثت في القرآن أيضا نجد أصلها في أقدم الكتب اليوبانشاد والتي تتكلم عن الشخص البشري الوحيد الذي ينقسم نصفين ليصبح ذكرا وأنثى . حتى حدى إلى بعض المختصين بالاديان الباطنية بالادعاء بأننا انحدرنا من الزنمردة (ت ) فتقول هلينا بلافاتيسكي التالي :
"سوف نكشف عن التطورات للعقل البشري ونري كيف أن الطبيعه كانت عبارة عن منهاج تعليمي للتفكير . أصبحت تسمى الرمز القضيبي وتعرضت للهجوم فقط بسبب عنصر المادية والحيوانية " الغريزة " فيهن . كما أنشأت مع الاجناس القديمة وبالتالي انبثقت معرفتها الشخصية من سلفنا الزنمردة وكانت اول المظاهر المحسوسة في أبصارهم عن طريق فصل الجنسين واتباع الطقوس الغامضة للخلق بدورهم هذه الرموز بأنهم أوجدوها بأنفسهم ، ولكن بالحقيقة كانت في الطبيعة .
فاوقع الرب الاله سباتا على ادم فنام فاخذ واحدة من اضلاعه و ملا مكانها لحما، و بنى الرب الاله الضلع التي اخذها من ادم امراة و احضرها الى ادم ،فانفتحت اعينهما و علما انهما عريانان فخاطا اوراق تين و صنعا لانفسهما مازر ،و قال للمراة تكثيرا اكثر اتعاب حبلك بالوجع تلدين اولادا و الى رجلك يكون اشتياقك و هو يسود عليك.
إذا كانت الاجناس اللاحقة قد فسدت خصوصا ما يسمى " الشعب المختار " فهذا لايؤثر على اصل ومنشأ هذه الرموز ." انتهى
بل ونجد أنه في الاسطورة الكبالية القديمة ان الجانب المؤنث من الاله العبري(ث) هو القمر شيكيناه وفقا لسفر زوهار:
" لقد وضع ميتاترون كل جيشه وفق حركة بواسطة قوة الحرف شين "ש" وهكذا وضعوا كلمة الإله المنطوقة من قبله والتي خلقت النور وأنشئت على وجه الماء من قبل يهوه "المرآة المضيئة" انبثقت "ياه - أور" بقيمة عددية تساوي "222" عندما لم يكن نور قال يهوه فليكن نور و أصبح نور الإضاءة هي ياه وأعلن في خضم ذلك عن مجد الحضرة الإلهية مؤنث ياه الإلهة شكينا وخرج من يهوه أربع أحرف وتمثل هذه الأحرف الوجود المادي من خلال الماء الهواء التراب النار ،وجعلها يهوه صاحب الحضرة الإلهية مرئية .هذا التحول لــ يهوه أي أزال عنهن حجاب الرؤية وحرمهن النفوذ الروحي وجعلهن مواد."
فـ يهوه أيضا يمثل جانبين فهو يحوي جانب مذكر وجانب مؤنث وهذا ما انعكس في القصص الدينة ليصبح أدم وحواء فكلمة يهوه Jehovah הוהי مكونة مقطعين الاول" י " يود وهو يمثل أدم أو القضيب " فاليوس " הוה هي فاف هيه " هيفاه " الام ، الانثى ، يوترس او الرحم، حواء فإسم يهوه أيضا يحوي على كلا القوتين ذكر و أنثى ، ولا ننسى أن أدم نفسه في أغلب الديانات الكبيرة قد جُعل رمزا جعله يحوي كلا الجانبين أيضا ذكر وانثى . وذلك من قصة أخذ الضلع من أدم فكان بذلك كان أدم البدائي رمزا للخنثى . فالخنثى أدم كان على صورة الله ذكر- أنثى و إن ادم وحواء يُرمز لهما بالشمس والقمر . زيادة على ذلك بالعودة إلى خطيئة أدم وجعل الجانب الانثوي شيكينا " الذي قلنا بأنه القمر " ينفصل عن الرب . أي أن شيكنا تمثل القمر أيضا ولذلك يقول دانيال مات بأن خطئية أدم جعلته يقف خارجا تحت القمر ، حتى وقوف بني إسرائيل على جبل سيناء .وعلى اثر تم محو خطيئته . في الحقيقة إن الافعى التي ذكرت في الكتاب المقدس ليست سوى حواء نفسها .( مما يجدر ذكره بأنه في أسطورة المعصية الكبالية المذكورة في سفر زوهار أدم قام بطرد الرب من الجنة ، وهو عكس ماحدث في الكتب المقدسة وفقا للرواية اليهودية في الكتاب المقدس أو الرواية الاسلامية بالقرآن) .
وتعقيبا على ذلك نستشهد ب كليمنت السكندري الذي يصف لنا طقوس العربدة الباخوسية على الشكل التالي :
"فتكريما لباخوس يقومون باكل اللحم النيء ويوزعون أجزاء من الضحية ، ويكونوا متوجين بالافاعي ، ويصيحون حواء حواء Eve Eve
والتي بخطأها قدمنا لهذا العالم . ويكون رمز ذلك الطقس الماجن هو الافعى . ووفقا للترجمة الدقيقة لكلمة حواء العبرية הוה هيفاه تشير إلى الافعى – الانثى . وفي اللغة العربية نجد أن اسم الافعى حية مشتقا من الحياة والذي أصبح حواء. ونجد أن العرب القدماء اطلقوا على كوكبة الحية اسم حواء الصغرى .
وفي الاساطير المكسيكية نجد أن الام مانحة الحياة (أي حواء ) يمثل دوما بصحبتها ذكر أفعى ضخم. وهذا يعود بنا إلى الاسطورة الغنوصية القديمة حيث عرف الغنوصيون لدى الاغريق بــ أورفيتس ، والتي ترجمتها تكون عبدة الافاعي . إنهم يعبدون حكمة الافاعي ألم يقل المسيح كونوا حكماء كالحيات .
فثنائية الجنس الالهي واحدة من صيغ متعددة من الكلية التي تنعي باتحاد أزاوج ، متعارفة : نسوي – ذكوري ، مرأي –غير مرأي ، سماء -أرض ، ضوء –ظلام ، طيبة – خبث ، خلق –تدمير إلخ .. فالتأمل لهذه الازواج المتضادة ، قاد في اديان مختلفة إلى نتائج جريئة تتعلق أيضا بالشروط الظاهرة التناقض للألوهة أكثر مما يتعلق بإعادة التقييم للشرط البشري .
فالانسان وهو يدون كيف اتت الالهة الى الوجود لم ينسى ان يدون كيف خلقته هاته الالهة فنجد أن خلق الانسان في الانموذج السومري قد جاء تلبية لتوجهات الالهة بجعل عبيد يخدمونهم فنقرأ الاسطورة التالية عن لسان الالهة ناممو إلى ابنها انكي :
" يا بني قم من فراشك ومن ... واعمل ما هو لائق
اصنع عبيدا للآلهة وعساهم أن يضاعفون من عددهم "
وقام بذلك انكي بعد صناعة قالب من طين وقد علم والدته كيفية استخدامه وقال لها
" يا أماه ان المخلوق الذي نطقت باسمه موجود
فاربطي عليه صورة الالهة " وبذلك نرى أن الالهة السومرية قد خلقت الانسان على صورتها وهذا ما وجدنا عليه سفر التكوين في بداية حديثنا .
وتتابع الاسطورة
واعجني لب الطين الموجود فوق مياه العمق
واجعلي الصانعين المهرة يكثفون الطين
وعليك أنتِ أن توجدي له الاعضاء والجوارح
وستعمل نينماخ الام الالهة من فوق يدكِ
وستقوم بجانبك الهة (الولادة ) في أثناء صنعك ِ
يا أماه قدري مصيره
وستربط نينماخ عليه صورة الالهة
انه الانسان "
فالاسطورة تشير إلى أن ناممو ستأخذ التراب الذي يعلو أبسو ووفقا لـجاكسون هو عبارة عما تحت الارض ولكنه فوق البحر الواقع تحت الارض والذي تتمثل فيه على الاغلب ناممو نفسها. وكان على التراب أن يُفصل عن ناممو كما يُفصل الوليد عن أمه وكان على الارض نينماخ أن تقف فوقها والارض بالطبع هي فوق المياه الجوفية وتساعدها على الولادة وتعينها على ذلك ثماني ألهات أخرى . وتشير المعتقدات الكنعانية بأن الانسان قد جُبل على صورة الاله .وبذلك قد نرى في الاسطورة تفسيرا للانفصال الذي حدث للانسان القديم وتحوله إلى ذكر وأنثى فهو انفصال الوليد عن رحم أمه فـ ناممو هي الام الاولية .ففي الحالة التوراتية نجد الصلة بنص أسطوري قديم أعيد تفسيره من المنظور اليهوي –الذكوري (ج).إنه تقليد يتعلق بسلخ الاسطورة المطريركية واصباغها على الاسطورة البطريركية .فالفكرة الاساسية تبدو نفسها الانسان تشكل من مادة أولية (أرض – خشب – عظم ) وانه أعطي الحياة بنَفس الخالق ، وفي العديد من الحالات هو صور عن خالقه أو شكله هو ذات شكل خالقه .فإن خلق المرأة من ضلع استل من آدم يمكن تفسيره كما ناقشنا سابقا كدليل على خنثوية الرجل الاول.فإن الخنثى البشرية هي كمثال الثنائية الجنسية الالهية .ونجد بأن العقل الاعلى وفقا لهرمس مثلث العظمة في رسالته البوامندريس كان خنثى وهو الذي أنشأ في البدء خالقا (ديموجريس ) الذي بدروه أنشأ العالم ، وبعدئذ الشكل البشري (الانسان السماوي ) ، الذي نزل في المحيط الادنى مخدوعا بالحب اقترن مع الطبيعة "فيزس" وولد الانسان الارضي .وبذلك الخنثوية تتبدى بمعنى آخر فلقد انقطع الشكل البشري الالهي عن الوجود لشخص متميز لأنه أحيا الانسان : حياته تحولت للروح البشرية ونوره للنوس (النفس ) ومن أجل هذا ، فالانسان وحده بين الكائنات الارضية هو في آن واحد فان وخالد ، مع ذلك بسماعدة المعرفة ، يستطيع الانسان أن يصبح الها .وهذه الثنائية ، التي تبخس العالم والجسد ، تشير إلى الهوية بين الالهي والعنصر الروحي للانسان ، وتماما كالالوهة تتميز النفس البشرية (نوس) بالحياة والنور .
و معنى فخلق الله الانسان على صورته لدى الغنوصين أي على صورة الله خلقه ذكرا و انثى ، ذلك معناها بأن صورة الاله مكونة من ذكر وأنثى فـ المعنى القديم للديانة التوحيدية أي أن التوحيد في الحقيقة هو عملية الاتحاد فيما بين الذكر والانثى ونقرأ في تفسيرات الغنوصين أن الاله خاصتهم عندما أنتهى يلدابوث من خلق الكون نظر من الاعلى فـ انعكست صورته على الماء فلما رأها الاركنة قالوا لنخلق الانسان على تلك الصورة الجميلة .والغنوصين أيضا يعبدون الافعى ويطلقون عليها إله الحكمة فهي كانت السبب في اطلاق أدم وحواء من الجهل في سفر التكوين . وشجرة الحياة ليست سوى شجرة الكابالا ، ولهم معتقدات دينية معقدة وتختلف عن باقي المعتقدات .فـ يهوه إله العهد القديم وفقا لهم هو خالق الكون المادي وهو أدنى مرتبة من الغير مخلوق والغير مسمى مصدر النور . يؤمنون بالنوس والمسيح مخلصاً ويقولون أن الانسان القديم نزل على يسوع الجليلي أو الفينيقي وقت العماد وتخلص ولم يصلب وقبل الصليب تشبه بسمعان لأن ابن الانسان لايجب أن يعاني . فهم لايعترفون باله العهد القديم ويسمونه " يلدابوث " وهو شيطان الغنوصية.
و لنتكمن أكثر من فهم العلاقة فيما بين حواء وأدم لدى الغنوصين لا بد لنا من التعرف على رؤيا أدم فـ رؤيا ادم هي سرد قصيدة اسطورية نسبت الى ادم والذي نقلها بدوره الى ابنه شيث والتي ظهرت اما في القرن الاول او الثاني قبل الميلاد أي قبل رؤيا يوحنا اللاهوتي بزمن طويل .
وهذه كانت كشف الغطاء عند اليهود الغنوصيين "أي على ما يبدو لاوجود لاي عنصر مسيحي في الموضوع " .
ومعترف بها كمرحلة انتقالية من كشف الغطاء عند اليهود الى كشف الغطاء عند الغنوصين .
في كشف الغطاء هذه يكشف ادم لابنه شيث عن تاريخ خلق البشرية قبل وبعد السقوط ، وطريقها الى الخلاص من خلال المعارف السرية .
ويحدث الوحي كرؤية في منام مر بها أدم في عامه السبع مائة ، وايضا على فراش الموت ليشيث ونسله .
على هيئة شهادة أو ثيقة او دليل تاريخي ، وهو ينتقل من فترة عندما كان ادم وزوجته حواء ملائكة خالدين ، والموجودة قبل الاله الخالق للكون .
لقد تم نقل المعرفة من حواء السماوية عن طريق الاله الازلي إلى أدم ، لكن المعرفة والحالة او الوضع الفردوسي ضاع عندما أخذ المعرفة خالق الكون المادي منهم وأمرهم فقط بالتزام الحدود في " الامور الفانية ".
ثم لايقاظ ادم وحواء من جهل الظلام والعبودية ، ثلاثة أشخاص " رسل سماوية " تأتي لادم و حواء وتقول " اصعد يا ادم من رقاد او غفوة الموت .
انها تكشف لادم تلميحات عن النسل العظيم السماوي الذي سيأتي من شيث .
وبــ العودة إلى الاساطير النشكوية التي يبتدأ العهد القديم بها نجد بأنها وصلت إليه أيضا عبر تناقلها بين البشر وفي مختلف الاديان فافتتاحية سفر التكوين بالشكل التالي :
" و كانت الارض خربة و خالية و على وجه الغمر ظلمة و روح الله يرف على وجه المياه "
تكشف لنا عن المصادر التي انحدرت منها اسطورة الخلق الاسرائيلية ففي الواقع إن الصورة للمحيط الاولي الذي يرفرف فوقه إله خالق ، هي صورة قديمة جدا .في العديد من القصص الشعبية نجد أن الاله الخالق يتم تخيله على شكل طائر . فتبرز عن القدسية درجات ولذلك يبدو من المنطقي وجود درجة من القدسية أعلى من غيرها ، فمع اسقاطنا الصبغة القدسية على الطبيعة فهو في نهاية المطاف يعبر عن قانون تحول قيم الانسانية العام ، فتجلي القداسة شيء يغاير الشيء العادي تماما . إن تاريخ الاديان ، من الديانات الابتدائية حتى الديانات الحالية ، يفرض كما جما من مظاهر تجلي القداسة ، يتألف من تجليات الوقائع أو الحوداث المقدسة ، يتألف من أكثر تجليات القداسة اتصافا بالصفة الاولية وبالتالي يمكننا أن نخلص إلى أن المواضع المقدسة هي المناطق التي تسكنها القوى الالهية فتتجلى القداسة مثلا بحجر أو شجرة أو رمز مائي كـ بئر ماء /بركة /بحيرة إلخ .. فإن حرم الاله بقعة يكون فيها حاضرا باستمرار متجسدا في رمز مائي ما .فالماء كان قبل ان توجد الارض حتى وفقا للسياق الميثلوجي في الاديان الحديثة والقديمة فأتوم خرج من عماء المياه البدائي الذي يسمى نون ثم ظهر فوق تل. ومع ذلك يجب أن يتم تصليب الرمز الاصلي كما قرأنا في سفر التكوين روح الله ذلك لأن الروح الالهي تفارق الكتلة المائية ، إنه حر لأن يتحرك ، وبالنتيجة يطير كطائر . ولاننسى أن الـ با المصرية وهي جزء من أجزاء الروح تغادر الانسان على شكل طائر له وجه أدامي . وقصة موسى لها نماذجها البدائية التي تتشارك بها مع الاساطير المائية حيث تبدأ قصة البطل بالقاء في سلة عبر نهر ومن ثم انقاذ اعجازي ومثال على ذلك " سيرجون الاكادي ، بيرسيوس بن زيوس ، تيسيه ، روميلوس ، سيروس " .فلقد افترض بعض الباحثين بأن الحكايات المتشابهة بحكاية ابعاد موسى الطفل وطرحه في الماء تتضمن بقايا عادة قديمة كانت تتبع بقصد اختبار بنوة الاطفال الشرعية لآبائهم . فإما أن يطفو أو يستقروا في قاع الماء ، والطفل الذي يطفو يعد طفلا شرعيا ، أما الطفل الذي يستقر في الماء فإن المجتمع يرفضه بوصفه ابنا غير شرعي ، وبالطبع نجد أن والد موسى غائب عن مسرح الاحداث تماما في كلا القصتين التوراتية في سفر الخروج أو القرآنية والسير تخص والدته بشكل كبير بل أن بعضا من الباحثين أطلق فرضيات تتعلق بكون موسى ذو نسب مصري وسرجون في القصة البابلية اعترف بأنه يجهل أباه ولو تتبعنا قصة موسى أيضا لوجدنا اعترافا ضمنيا بذلك مع ذلك لايجب ان نغفل الخبر الذي يذكر(سفر الخروج 26:6) بأن عمران /عمرام والد موسى كان متزوجا من عمته ، وبأن موسى كان ثمرة هذا التزواج ، وقد تناول القانون العبري المتأخر هذا الزواج وابطله باعتباره زنى ، ولذلك لابد أن تكون والدة موسى في ابعاد وطرحه في النهر كان يدفعها سبب ما بعدم شرعية بنوة موسى ولذلك تم اختلاق القصة المزورة فيما يخص صدور أمر من الفرعون بقتل المواليد الذكور من بني اسرائيل فإن طرح الطفل في النهر كانت عادة قديمة لدى الشعوب القديمة لتقرر ما إن كان الطفل شرعيا أم لا ولذلك نجد بأنه في الملحمة الهندية المهابهاراتا تتحدث عن حمل غير شرعي والقاء الطفل الناتج عن هذه العملية بسلة في النهر فتقول القصة :
"أن اله الشمس كان قد وقع في غرام ابنة الملك التي كانت تدعى "كونتي" وولدت منه ابنا جميلا كالافلاك السماوية ، وقد ولد هذا الابن متمنطقا بالسلاح ، ولابسا قرطا ذهبيا وضاء ، وله عينا أسد وكتفا بقر . ولما خشيت الابنة من أن يفتضح امرها ، ومن غضب أمها وابيها منها ، وضعت ابنها ، بناء على نصيحة خادمتها ، في سلة لاتتسرب اليها الماء ، وغطته بملاءات ناعمة مصنوعة من خيوط الاماليد المجدولة ، ووضعت تحت رأسه وسادة جميلة ، ثم أسلمت السلة لنهر " آسفا" والدموع تترقرق في عينيها ".
وفي عودتنا للطائر المرفرف على الماء فقد تم اعادة إحياء صورة ذلك الطائر في قصة هدهد سليمان . إن الهدهد في أسطورة سليمان وبلقيس من المرجح أن يكون الطوطم الخاص بها (وذلك الاحتمال مرده في التشابه بين اسم والداها الهدهاد مع الطير الهدهد حلول روح سلف القبيلة في حيوان يعتبر مقدس لدى الجماعات البشرية البدائية فيصبح حيوان طموطمي مقدس لتلك الجماعة ) وذلك أن الهدهد على الصعيد الرمزي مرتبط بالماء والشمس معا . فهو في الاساطير رسول سليمان ودليله على الماء ، فنجد في أحد الاحاديث " أنهاكم عن قتل الهدهد فإنه كان دليل سليمان على الماء ". فإن عبادة بلقيس للشمس قد تجعل من الهدهد حيوانا مائيا شمسيا يدل على منابع المياه .
ولا يجب أن نغفل على كون الغراب (رمزية الطائر) قد لعب دور دليل لعبد المطلب ليعثر على بئر زمزم ، فحفر البئر كان أشبه بوحي يوحى إليه :
" يا أيها المدلج احفر زمزم .................. إنك إن حفرتها لم تندم
وهي تراث من أبيك الاعظم ................تسقي الحجيج حافلا لم ينقم "
فلما سمع ذلك الصوت عبد المطلب قال : وأين موضع زمزم ؟
فقيل له : عند قرية النمل حيث ينقر الغراب الاعصم .
فغدا عبد المطلب ومعه ابنه الحارث فوجد قرية النمل ووجد الغراب ينقر عند الوثنين آساف ونائلة اللذين كانت قريش تعبدهما وتنحر عندهما.
فيفسر ذلك المقطع الدكتور محمد عجينة على النحو التالي :
" إن هذا المقطع من قصة حفر بئر زمزم قبل الاسلام ليبين وظيفة الغراب الاعصم وأنه أشبه بالكاهن فهو الدليل والمعلم إنه محمل برسالة من وراء حجب الغيب كلف عبد المطلب بمقتضاها بحفر البئر(ح) . ولا شك أن للخبر سمة اسلامية لاتصاله بجد النبي ولكن المسحة الجاهلية كامنة في صبغة الكلام ، هو سجع أوضح من سجع الكهان ذي الكلام المبهم المستغلق وإن خلا من الالغاز . كما ان المسحة الاسطورية المتمثلة بالايمان بالكهانة مصدرا من مصادر معرفة الغيب الكثيرة ، قد بقيت في الخطاب الاسلامي من خلال احتكام عبد المطلب بشأن احقيته في البئر إلى كاهنة سعد بن هذيم لما نازعته قريش زمزم وصدت تمنعه لأن موضعها هو منحرها (أي قريش ) عند صنمها آساف ونائلة . " انتهى
ولاننسى بأن اسم سليمان يمكننا أن نعبر عنه بثلاث لغات تحت معنى الشمس SOL في السومرية و اللاتينية ايضا و OM في الهندية و ON بالمصرية وتدعى العاصمة القديمة لمدينة الشمس في مصر القديمة ب ON" " وأعيد تسميتها لاحقا بالاغريقية هيلوبوليس وبالطبع لانغفل الاساطير الشمس –مائية نتلقفها من احدث مصادرها وهو الانجيل وهو يسجلها من خلال حادثة مهمة وهي مشي يسوع على الماء تؤكد ما نرنوا إليه وذلك من خلال عودة الشمس في الصباح.

الأساطير الشمس – مائية solar-water:
إن قداسة الماء وبنية نظريات تكون العالم والرؤى الآخروية المائية لا يمكن أن تكتشف تماما إلا عبر الرمزية المائية . فقانون كل رمزية : إن الجملة الرمزية هي التي تحدد قيم مختلف دلالات تجلي القداسة فمثلا لانكتشف المعنى الحقيقي لمياه جانجا Ganga (خ) التي تمثل التعميد والخلاص من غير التعرف على البنية الرمزية للماء .
وفي مناطق مختلفة نجد أن بئر الماء تحول إلى مهبط للوحي والكهانة يُستشف منه رضى الالهة أو غضبها، فكان لـ القرابين في الديانة القديمة منحى من المناحي التي تقود إنسان ذلك إلى العصر للتقرب من الالهة عن طريق الدعاء ، الصلاة والتضرع . فكان العابد حين يقدم قربانه يتطلع إلى دليل ملموس يشير إلى قضاء حاجته وفي عفوقة والعين المحرمة إن غاص القربان في أعماق العين كان دليلا على قبول الالهة وإن طفا يكون نذير بعدم القبول . ويروى أن تدمر في أحد اعيادها السنوية بعد عام من إلقائها لقرابينها طفت على وجه الماء فكان ذلك وفقا لفلسفتهم الخاصة دليل على قرب نهاية حضارتهم .
إن المبدأ العام الوحيد المشترك بين كل أنماط الاساطير والذي يكمن في أساس العقيدة هو أن المياه المقدسة كانت مشحونة بالروح والطاقة الالهية . وتقدم الاساطير تفسيرات شتى لذلك وتربط بين السمة الالهية للمياه والعديد من الالهة والقوى الغيبية ، لكنها جميعا تتفق على أن موضوعها الرئيس هو بيان عين الماء أو الجدول يتم تخصيصها إن صح التعبير بالطاقة الحيوية للاله الذي تستمد قدسيتها منه وفي نمط آخر من الاساطير خاصة تلك التي ترتبط بعبادة الالهة أتارجاتيس كانت الروح الالهية للماء تكمن في الاسماك المحرمة التي تعيش فيها وقد غرقت اتارجاتيس وابنها طبقا لإحدى الاساطير في الماء وتحولا إلى سمكتين ولم يكن هذا إلا نمطا آخر للفكرة التي عبر عنها النمط الاول من الاساطير حيث يموت أحد الالهة ، أي تتوقف حياته في صورته البشرية لكنها تستمر في المياه التي يدفن فيها ، وهذا مرده إلى التوفيق ما بين المياه المقدسة أو السمكة المحرمة والمفاهيم التي تضفي سمات بشرية على الالهة . ويقال بان الاله ذات الصفات البشرية يولد من الماء أو في شكل آخر من خلال بيضة وجدتها الاسماك المحرمة ودفعتها نحو الشاطئ فالناس مخيرين بين الايمان بخروج الاله من الماء أو اختفائه فيها ، وفي ديانة إلهة السورين بالحيرة كان المفهومان متلازمين في الاعياد الدينية حيث يتم النزول بصورة الاله إلى الماء ثم أعادتها إلى المعبد . وبالطبع نجد صدى مثل هذا في الاسطورة الانجيلية لقصة يسوع ومشيه على الماء فهي تحاكي الهة الشمس والالهة المائية على حد السواء وهذا ما سنوضحه . فيقول الانجيل :

"و في الهزيع الرابع من الليل مضى اليهم يسوع ماشيا على البحر، فلما ابصره التلاميذ ماشيا على البحر اضطربوا قائلين انه خيال و من الخوف صرخوا، فللوقت كلمهم يسوع قائلا تشجعوا انا هو لا تخافوا، فاجابه بطرس و قال يا سيد ان كنت انت هو فمرني ان اتي اليك على الماء،فقال تعال فنزل بطرس من السفينة و مشى على الماء لياتي الى يسوع ."
من خلال ما قدمه متى نجد أنه يصف وبكل وضوح أحد مظاهر النظام الشمسي في الطبيعة وهي المشي على الماء في أواخرالليل أو مع اقتراب فجر اليوم التالي . حيث أن الهزيع الاخير من الليل حاليا يبدأ مع الساعة الثالثة ، وينتهي تقريبا في الساعة السادسة ، ولهذا كان ذلك الوقت الصحيح لظهور الاله الشمسي وهو يمشي على الماء ، وذلك من خلال انعكاسها على الماء ، الشمس تهدئ البحر الغاضب لدى ظهورها وذلك لأن رع عند وفاته يحل الظلام تبدأ الفوضى(هذا يذكرنا بالعاصفة التي ضربت مركب يسوع وتلاميذه ) ويبدأ الصراع مع خصمه الازلي أبوب، ثعبان الموت والظلام ، و خلال الساعتين التاسعة والعاشرة يبدأ صعود رع نحو الافق ، في الساعة الحادية عشرة يبدأ الظلام يتبدد بفعل النيران الكبيرة التي يحرق بها أعداء الشمس المقتولين وفي الساعة الثانية عشر أخر الليل ، يدخل رع العجوز الشمس الميتة ذيل الافعى العملاقة ليخرج صباحا من شدقها وقد تحول إلى الجعل خيبري " شمس الصباح " و بذلك ترتاح الشمس في القارب السماوي وتهدأ العاصفة التي تمثل الفوضى الناتجة عن الظلام ( راجع رحلة الشمس او الاله رع في القارب في رحلة عبوره إلى الغرب ) اما السفينة فكانت قد صارت في وسط البحر معذبة من الامواج لان الريح كانت مضادة و لما دخلا السفينة سكنت الريح، و الذين في السفينة جاءوا و سجدوا له قائلين بالحقيقة انت ابن الله انجيل متى . sun of god أو son of god .
ولدعم رأينا نذهب إلى الادب البابلي وبالتحديد أسطورة أدابا فتقول الاسطورة :
في أحد الايام ، على الرصيف المقدس رصيف القمر الجديد
ركب سفينته الشراعية
وبريح مواتية كانت السفينة تتابع تقدمها
وبواسطة عصا العرز وحدها كان يوجه سفينته
وعندما وصل إلى عرض البحر الفسيح
بدأ يصطاد وكان البحر مثل مرآة
وبكن ريح الجنوب بدأت تهب بشدة فأغرقت
سفينته ورمتها في عالم الاسماك
يا ريح الجنوب صرخ لها لتقع اللعنة
على جميع مخازيك
لأكسرن جناحك ! ما إن تلفظ بهذه الكلمات
حين انكسر جناح ريح الجنوب
إن لعنة أدابا أدت إلى توقف هبوب الريح الجنوبية
وأدابا هوالذي تعلم من اله المياه والحكمة "أيا " الذي علم الانسان علوم الحياة ولقد أعطي أدابا اسم اوانيس من قبل الكاتب البابلي بيرسيوس وعلى إثر ذلك يُفتح لنا الطريق لنلقي الضوء على معنى اسم يوحنا حيث يقال بأن طقس العماد كان معروفا في الديانات السرية و منشأه سومري نسبة لعبادة اله الماء السومري – البابلي " إيا" الذي يعني اسمه بيت الماء وكانت تقام طقوس التعميد في معبده ، واذا عرفنا أن ايا نفسه انكي واسم انكي كان عرف لاحقا باسم " أوانيس " الذي يلفظ باليونانية إيوانيس وبالاتينية " يوحانيس " وبالعبرية " يوحنان " فنجد بأن يوحنا المعمدان هو نفسه إيا . فإن أوانيس هو اسم للــ الإله البابلي، الذي يجسد كصورة لأساطير الالهة ذات الصفات البشرية التي تخرج من الماء فلقد قيل أنه في أول سنة من تأسيس بابل قد قدم إليهم من الخليج العربي، وبذلك انتشرت عبادته من منطقة الخليج العربي (جنوب العراق )، يمكن أن نصفه على الشكل التالي، له رأس انسان وجسم سمكة يمتد من تحت السرة ليعوض قدميه بالذيل (كوصف حورية البحر ولكنه مذكر )، لقد كان يعيش بين الناس في وضح النهار ولكنه لم يأخذ أي طعام على الاطلاق، ويعود مع غروب الشمس إلى البحر، من حيث ظهر. وفقا للراهب والمؤرخ بيروسوس في كتابه أوانيس يصف لنا خروج أوانيس في أول سنة من تأسيس بابل في حكم أول ملك " ألروس " على الشكل التالي:
" لقد كان كامل جسده سمكة، ولكن رأس بشري نما خلف رأس السمكة، وأرجل بشرية بالمثل نمت خلف ذيل السمكة. لقد كان له صوت بشري " انتهى .
ولقد تم تحديد أوانيس(د) على أنه " أدبا " أول إنسان في المثيلوجيا الاشورية – البابلية ولقد علم البشر استخدام الاحرف (علمهم الكتابة ك قدموس الفينيقي الذي علم الاغريق ) وكل مبادئ العلوم والفنون من أجل قيام الحضارة.
فأداء أوانيس لدور اله الماء هو بمثابة إشارة إلى الطبيعة الشمسية التي يمثلها، وظهوره من البحر " كما رأينا مع شمس الصباح "، يحدث مع شروق الشمس يوميا. وعودته إلى البحر مع مغيب الشمس. هذه الطبيعة الشمسية مهمة بالنسبة لنا لتجميع الخيوط في كرة واحدة ومع هذه الاستعراضات لايجب أن نتركها هكذا إلا بعد أن نقوم بربطها ربطا وثيقا فيما بينها لعلنا نشق سبيلا مباشرا وفريدا من نوعه إلى آلية فهم ربط الاساطير بالطبيعة ولذلك ساستكملها بالاسطورة الشمس –قمرية .

الاسطورة الشمس- قمرية (1) solar-lunar:
لقد كان الانسان مؤلفا بارعا ولذلك لابد بأن كان يمتلك القدرة أو تخيل الاجابة على سؤال يخطر بباله فعندما يلسعه البرد يشعل النار في الحطب في محاولة منه لاستجداء الدفء وعندما يتبلل الحطب بماء المطر تصرخ زوجته لإخباره بالانتظار إلى اليوم التالي فمع اشراقة شمس الصباح سيجلب نور الحياة ودفء الجسد فلقد وجد أن معنى حياته بطريقة أوبأخرى أو معنى العيش بالنسبة له قد ارتبط بالشمس فلا وجود له من دونها وعلى هذا الاساس استمد شرط البقاء البشري بصورة ضمنية او صريحة بالشمس ، فعيشه لابد أن يكون متوافقا مع الايقاعات الكونية ، ولذلك لابد له أن يتوحد معها فإن تعاقب الليل والنهار والدورات القمرية والانقلابين الشتوي والصيفي والاعتدالين الربيعي والخريفي كانت حقيقة لايمكن إنكارها ولذلك لابد أن يتماهى مع هذه المظاهر في مثل إطار هذا الوجود فتحمله لكل هذه الاوضاع قد جعله يحول فهمه السطحي لها إلى قوى إلهية فلقد صرخ الانسان هل هنالك قوة معينة تدير هذا الكون هل هنالك خالق لهذا الكون هل هنالك سر؟ سر لا بد لي من معرفته هل يمكن أن يكون قرص الشمس هو الخالق نفسه أم القمر الذي يضيء دياجي الظلمات وقيافي الصحراء. فلقد عمد لاحقا بعد تطوره الفكري وعبر ملاحظته لسير دورة الطبيعة ، إلى إعطاء معاناته قيمة معينة ذات طابع ديني، فحول الشك من حالة سلبية إلى خبرة ذات محتوى روحي إيجابي وفيما بعد أسقط هذه الخبرات على شخصيات باعتبارها أداة ميتافيزيقية خاصة تماما ليخفف من آلامه ومعاناته .
ومثلما وجد الانسان القديم في الارض تجسيدا للأم الكبرى كذلك وجد في القمر الاثنان يشفان عن حقيقة واحدة وينتميان لمبدأ واحد وفي كل مكان نعثر على ثنائية الارض والقمر والاعتقاد بصلتهما الخفية .فالقمر هو الارض السماوية الاكثر شفافية ونقاء .فلقد عظم الانسان الشمس ، ولكنه لم يجد فيها ندا للقمر . لم تثر في نفسه من العجب والتساؤل ما أثاره القمر ، فالشمس تشرق وتغرب من نفس الموضع يوميا في حركة رتيبة مملة ولكن القمر يبدو في يومه الاول هلالا نحيلا ثم يأخذ في الامتلاء والاكتمال والتزايد حتى يستدير ويتوسط قبة السماء بدرا شعشعا جميلا مهيبا ومن ثم يبدأ بالانكماش والاضمحلال رويدا رويدا حتى يختفي تماما في آخر الشهر غائصا نحو العالم الاسفل . وفي اليوم الثالث لغيابه وبعد تسعة وعشرين يوما من شروقه السابق تظهر قرونه من جديد عند الافق مبشرا ببعثه من جديد .
فإن قصة ابتلاع يونس من قبل حوت ومن ثم قذفه خارج جوفه وموت وقيامة يسوع هي حوداث فلكية ، فالثلاثة أيام في جوف الحوت أو في قبر تأخذ معنى رمزيا في الاسطورة القمرية و الشمسية أيضا -فتمثل الشمس في جوف الارض مجازيا أي وقوع الشمس تحت سطوة الليل أو قبوعها في أحضان الظلام وهي فترة تمتد من 22- 24 كانون الاول . ففي الخامس والعشرين من كانون الاول يوم الانقلاب الشتوي تبلغ الشمس فيه حسب التقويم الجولياني آخر مدى لها في الميلان عن كبد السماء ، ويبلغ النهار أقصره . ولذلك فقد اعتبر يوم ميلاد للشمس ولآلهة الشمس لأن اليوم الذي يليه هو يوم صعود الشمس من جديد نحو كبد السماء وبالنظر إلى الانجيل نجد بعدم وجود موعد واضح او محدد لولادة يسوع ومع ذلك هنالك حادثة مهمة يجب ألا نغفلها هنالك ما يسمى بالعودة إلى الاصل والميلاد الثاني فنجد بأن يسوع المسيح قد حظي بولادة ثانية عن طريق العماد ، وهذا ما تتبعه الكنائس حاليا .ولذلك لابد أن نلقي ضوء على المعنى الدفين للماء او الاماكن الطبيعية التي تحتويه .فإن قدسية الابار وعيون الماء مستمدة من رمزية الماء باعتباره وسيلة للموت والحياة من جديد وذلك عند غمس الانسان به فيرى ترتوليان Tertullien بـ(التعميد ) : " إن الماء كان هو (محل للروح الالهي الذي كان يفضله عندئذ على سائر العناصر .. وهذا الماء الاول هو الذي أنجب الحي (ذ)حتى لايبقى مجال لدهشتنا إذ نجد المياه ظلت تنجب الحياة أيضا في التعميد ..ولذا ، فإن جميع أنواع المياه تسهم ، من جراء امتيازها ، القديم ، في سر تقديسنا ، وذلك عندما يذكر عليها اسم الله . وما أن يذكر هذا الاسم حتى يظهر (الروح القدس ) من السماء (ر) ويقف على المياه ويقدسها بحضرته .وعندما تتقدس المياه التي كانت تشفي آلام الجسد تشفي الآن آلام الروح . إنها كانت تنهض بالخلاص الزمني ، وهي الآن ترمم الحياة السرمدية .." انتهى . وكما أشرنا سابقا إلى أصل طقس العماد السومري وارتباطه بالاله السومري –البابلي للماء فكان البابليون يرمزون للاله أيا بحيوان خرافي نصفه الأعلى جدي ونصفه الاسفل سمكة ، كما كانوا يرمزون لبرج انكي السماوي بنفس الحيوان . وهذا البرج مازال معروفا إلى يومنا هذا ببرج الجدي ، وهو البرج الذي لاحظ البابليون القدماء ان الشمس تدخله في وقت الانقلاب الشتوي لتجتازه بعد ذلك صاعدة في دورتها الجديدة نحو منتصف السماء وكما قلنا سابقا إن يوحنا هو نفسه أوانيس وبالتالي تتكشف لنا العلاقة فيما بين يوحنا المعمدان الذي يعمد بالماء وبرج انكي الذي تمر فيه الشمس قبل ولادتها الجديدة في السماء وتجعل من حادثة اعتماد السيد المسيح انعكاسا للحدث الفلكي فالمسيح بعد اعتماده بماء الاردن على يد يوحنا وولادته من جديد ، يصعد من الماء ليهبط عليه الروح ويكرسه ابنا للاله وقاهرا برسالته للظلام ، تماما كما تولد الشمس في 25 كانون الأول مجتازة برج الماء في ميلادها السنوي الجديد .
ولكن في القصة معاني وعقائد وتجليات أخرى . فهي في ديانة الام الكبرى تمثل الموت والبعث القمري فالاسطورة هنا تجمع خصائص الاسطورة الشمسية والقمرية سوية ، فـ بعث السيد المسيح قد يكون بعثا قمريا وفقا للدلالات الرمزية في عالم ديانة الام الكبرى ، فتسير حادثة موته وقيامته على خطى موت وبعث الآلهة القديمة ، التي تغيب في اليوم الأول وتظهر في يومها الثالث . فيسوع وفقا للثقافة الشعبية أنذاك قد ولد في كهف(ز) فيقول القديس جيروم " إن المسيح قد ولد في المغارة التي ولد بها أدونيس " ، وقد قال القديس مارتر " بأن يسوع قد ولد باسطبل ولكنه بعد اضطهاد هيرودس العظيم لجأ أهله إلى كهف " ونجد أن كنيسة المهد (المكان المزعوم لولاد يسوع قد بُنيت على كهف) فنجد بذلك أن كل القصص المتعلقة بمكان ميلاد يسوع تدور حول اسطبل أو مغارة/كهف ونجد بأن تطهير أو تنظيف الاسطبل قد كانت المهمة السادسة لهرقل وقد كان مارتر محقا بكلامه ذلك لأن كلا من الاسطبل والكهف قد صورا في نفس العلامة فـ القصة أو الأسطورة المشوّشة بخصوص ولادة الطفل/الشمسي في كهف "Cave of Abba Uddu "كمثيرا أو إسطبلٍ " Stable of Augias " كما روي عن حورس ويسوع، ذلك يعود ببساطةٍ إلى التغير الحاصل في السماء، وذلك بالتحديد ما يحصل من خلال سبق الاعتدال ، هنا يتّضح لدينا مفهومين عن ولادة الشمس، إما تصوّر ولادتها في كهفٍ أو إسطبلٍ وهذا أيضا إشاراتٌ أو علاماتٌ تحدث في السماء، ولكن مكان ولادة الشمس أو المسيح الشمسي من العام 2410 إلى العام 255 قبل الميلاد، يجب ان يكون في كهف لكن في موعد ميلاد الشمس القادم لن يكون في كهفٍ أو إسطبلٍ (سماوي) ففي الانقلاب الشتوي القادم ستنتقل الشمس من علامة الجدي إلى القوس والمقصود بذلك التغير الحاصل في السنة العظمى/الافلاطونية كل 2160 عام(س) والعصر سيتحول من عصر الحمل إلى عصر الحوت عند حدوث سبق الاعتدال .ولايمكننا ان نجد بأن هنالك مسيح منتظر سيولد في كهف أو اسطبل مهما كان اسمه (ميثرا ، أدون ، تموز ، حورس ويسوع ) إن مارتر لم يقدم هذا الاستنتاج من العدم بل هو وفقا لتقاليد مثيراوية ليجعل من حادثة ولادة المسيح حدث تاريخي بعد 255 عام .وطبعا تركيزنا على الكهف والحديث عنه والاختلاف الحاصل على موقع ولادة يسوع لم أطرحه من فراغ فنحن نلجأ هنا للعقل التحليلي بتجزيئا للأسطورة ثم إعادة تركيبها من أجل فهمها .
فلقد جرى العرف في ديانات الخصب ،بأن الكهف (ش) الذي ينبع منه نبع يُشار بأن على بابه الباب توجد( الشجرة المقدسة ) ونجد أن الشجرة التي كانت على موعد مع طفولة يسوع وفقا لإنجيل متى المنحول "انجيل مولد مريم وميلاد المخلص أناجيل أبوكريفية " أو مع مكان ولادته كما يخبرنا القرآن هي شجرة " النخيل" . فنقرأ في انجيل متى المنحول التالي :
قال الطفل يسوع الذي كان في ذراعَي العذراء مريم، أُمه، للنخلة: "أيتها النخلة، إحني أغصانك، وأطعمي أُمي من ثمارك". فأحنت النخلة على الفور، لصوته، رأسها حتى قدمَي مريم، وجمعوا منها الثمار التي كانت تحملها، وأكلوا منها كلّهم. وظلّت النخلة منحنيةً، منتظرةً أمر الذي لصوته انخفضت، لتنهض. عندها قال لها يسوع: "أنهضي، أيتها النخلة، وكوني رفيقة أشجاري التي في فردوس أبي. وليتفجَّرْ من جذورك نبع مخبؤ في الأرض وليزودَّنا بالماء الضروري لإرواء عطشنا". وعلى الفور نهضت الشجرة، وبدأت تتفجَّر من بين جذورها ينابيع ماء صاف جدًا ومنعش جدًا وذي لطافة شديدة. وكلّهم، إذ رأَوا تلك الينابيع، امتلأوا فرحًا، وارتووَا مسبَّحين الله .
القرآن :
فأجاءها المخاض إلى جذع النخلة قالت يليتني مت قبل هذا وكنت نسيا منسيا ، فناديها من تحتها ألا تحزني قد جعل ربك تحتك سريا . و كلمة سريا معناها النهر
نجد أن كلا القصتين تشتركان بملامح ورموز محددة فنجد أن كلاهما تحدث عن وجود شجرة نخيل وتفجر ينابيع مياه من بين جذورها وهذه القصة مشابهة لحد كبير لقصة ميلاد مثيرا فتقول أسطورته الاصلية أنه ولد تحت شجرة تنمو قرب مجرى مائي ، حيث انبثق ، من صخرة على هيئة طفل عار يحمل بإحدى يديه مشعلا يمثل الاله الشمسي . اي المولود في 25 كانون الاول كما يسوع لاحقا .وبالتالي يظهر لنا تكامل الاساطير ودلالة رموزها وهذا يشير إلى فهم واضح بل ومشترك فيما يخص بعض المظاهر الطبيعية .
فالكهف بصورته الرمزية في ديانات الخصب والام الكبرى من قبلها، يقع على بابه شجرة نخيل. والنخلة تشير الى انها الوحيدة القادرة على انتاج فرع كل 28 يوم(ص) وهي عودة لمفهوم الام الكبرى القمرية وكما يختفي القمر لثلاثة آيام ثم يعود كذلك يفعل يسوع ويونس فالاسطورة وفقا لهذا المبدأ تضع القواعد والسلوكيات من اجل القيام بالعمل او معرفة اصل العمل وذلك من خلال اصباغ عليه معنى من خلال قيام الالهة به . ولقد أجمعت المصادر العربية القديمة بأن الجبل المقدس يخبئ في داخله مغارة فجر " أنجي" المخلص منها ينابيع الماء العذب ، فشكلت الانهار التي تخرج من الجنة في المغارة لتروي حقول إيل أو جنة عدن (شرقي الجبل ) وقد دعوا تلك المغارة (حوارنينا ) أي مغارة السيدة ، الماء ، الام الوالدة . ولقد عٌثر في أثار مدينة ماري السورية على عدة تماثيل أُطلق عليها " ربة الينبوع " أو أورنينا التي أسقطت الحاء منها لفظا فهي حورانينا وتعني مغارة السيدة ، كهف العذارء ، مغارة الماء . وماتزال تسمية كهف العذراء تطلق على كل كهف يتدفق منه الماء في شتى أنحاء سوريا الطبيعة إلى اليوم .
ونجد أنه في أسرار السراسنة بأنهم يحتفلون بميلاد الطفل في كهف أو مخبأ تحت أرضي وعند ميلاد الطفل يصيح كبير الكهنة " لقد ولدت العذراء طفلا ، والنور يبدأ بالتألق رويدا رويدا ".
و لذلك سوف نقوم بضرب مثال على ذلك من إحدى القصص البدائية التي تتكلم عن الخلود ولماذا أصبح الانسان فانيا في الفقرة التالية معالجين بمقتضاها قصة موت وبعث يسوع بعد ثلاثة أيام وكذلك ابتلاع يونان في جوف الحوت.

بطن الحوت The Belly of the Whale:
إن حائط الفردوس الذي يحجب الاله عن أعين الناس يُوصف حسب نيكولاس أف كويزا بأنه يتألف من تداعي التناقضات وأبوابه تحرسها روح الفهم العمية الجذور ، وإذا لم يتم التغلب على هذه الروح فإن الابواب لن تفتح .فرحلة البطل هي جزء هام من الحياة وأنه لايوجد ثواب دونما نكران للذات ودونما دفع للثمن فالقرآن يقول" أم حسبتم أن تدخلوا الجنة ولما يأتكم مثل الذين خلوا من قبلكم مستهم البأساء والضراء وزلزلوا حتى يقول الرسول والذين آمنوا معه متى نصر الله ألا إن نصر الله قريب" ، وكذلك يسوع قال في انجيل متى :"دخلوا من الباب الضيق، لأنه واسع الباب ورحب الطريق الذي يؤدي إلى الهلاك، وكثيرون هم الذين يدخلون منه! ما أضيق الباب وأكرب الطريق الذي يؤدي إلى الحياة، وقليلون هم الذين يجدونه!" .وبذلك يجب الولوج إلى مجال التجارب لخلق العمران في حياتنا وجعلها لغاية وسبب ولذلك أغلب القصص التي تحتوي على موت رمزي وبعث كقصة القاء يوسف في الجب ومن ثم بعثه هي بداية الطريقة لعبور العتبة المقدسة من أجل الولوج في المجال المقدس للنبع الكلي .وهي مستحوذة على غالبية الرموز والقصص في الاديان . فنكران الذات وإعطاء نفسك لنهاية عظمى أو لكائن آخر ، معنى ذلك أنك يجب أن تكون على ثقة من أن ذلك هو الاختبار النهائي . عندما يتحرر وجداننا من التفكير في أنفسنا ومن صيانة الذات ، فإننا نجتاز تحولا بطوليا حقيقيا في مجال الوعي . وكل ما على الاساطير أن تعالجه هي تحولات الوعي من مستوى إلى مستوى آخر في مجال وحدود الطبيعة التي يسعى البشر منذ الأزل للسيطرة على قواها وفهم طبيعة تلك القوى . فلقد كنت في وقت سابق تفكر بطريقة ما ، وما عليك الآن إلا أن تفكر بطريقة مختلفة .فإن التصور بأن عبور العتبة المقدسة سيؤدي بك إلى جو الولادة الجديدة موجود في العالم بأكمله ، ممثلا في صورة بطن الحوت ، التي هي في الحقيقة رمز لرحم الأم .وبدلا من الانتصار على قوى العتبة أو تحطيمها يُبتلع البطل في المجهول ويتعرض إلى الهلاك ظاهريا على الاقل .فالرموز التي تحملها الاساطير لاتخمد ولاتموت ، ولكنها تجد طريقة أخرى للتعبير عن نفسها في وسط مفردات لغة الثقافة الجديدة التي دأبت على امتصاص مكنوناتها ومفرداتها بل وحتى أيقوناتها لإبعادها عن شكلها الاصلي القديم ومع ذلك تظهر بشكل جديد مطلقة طاقتها الايحائية المتدفقة والتي تؤدي بنا إلى سلوك الطريق القديم الدال على شكلها وصيغتها الاولية أو الارتواء من النبع الاولاني من حيث جاءت.
ولذلك فالاحياء والبعث القمري استمد من أساطير قديمة أصبحت تتجلى في مضامين جديدة وشخصيات تراثية وبالعودة إلى مثالنا نجد بأنه في الاساطير القديمة يروى بأن القمر اخبر الارنب ان يذهب لمعشر بني الانسان ويخبرهم أنهم سيصبحون خالدين كما القمر يموت ويقوم من الموت بعد ثلاثة أيام فإن الانسان سيقوم بذلك( ملاحظة قارن الجملة الاخيرة بما ورد في الأناجيل) . فالقمر كان منذ فجر التاريخ ، مركزا لمعتقد وطقس الخلود والخلاص .فالقمر الذي يجدد نفسه كل شهر في حركة دائمة ، وينبعث من العالم الاسفل جديدا كما هبط إليه ، إنما يضع أمام الانسان مثالا ، ويهبه أملا غامضا في السير على منواله .فينشد الهنود الحمر في ليالي القمر : " كما يموت القمر ثم ينهض للحياة من جديد ، كذلك نحن نموت ، ولكن الحياة الجديدة بانتظارنا ".
وبالعودة لمعالجة الامر وفقا لرواية الاناجيل عبر انجيل متى :
" لانه كما كان يونان في بطن الحوت ثلاثة ايام و ثلاث ليال هكذا يكون ابن الانسان في قلب الارض ثلاثة ايام و ثلاث ليال ،قائلين يا سيد قد تذكرنا ان ذلك المضل قال و هو حي اني بعد ثلاثة ايام اقوم". وهذا ما حدث مع الصورة الاقدم لقصة يسوع عندما كانت الانثى هي المخلص فعندما هبطت إنانا لتنقذ حبيبها تموز من العالم السفلي :
من الاعلى العظيم توجهت بروحها نحو الادنى العظيم
الالهة من الاعلى العظيم توجهت بروحها نحو الادنى العظيم
إنانا الاعلى العظيم توجهت بروحها نحو الادنى العظيم
سيدتي غادرت السماء وغادرت الارض
وهبطت إلى العالم السفلي
غادرت الجلال وغادرت الالوهية
وهبطت إلى العالم السفلي
لقد تزينت بأزيائها الملكية وبجواهرها ، وثبتت سبع وصايا الهية على نطاقها ، وبذلك كانت على أتم استعداد كي تدخل الارض دونما عودة أي العالم السفلي للموتى والظلمة ، حيث تحكم عدوتها الالهة وشقيقتها أرشكيجال . ولانها خافت من أن تأمر أختها بقتلها ، طلبت من رسولها ننشوبور ، أن يهرع إلى السماء ويدعو آلهة النحيب والبكاء إلى صالة الاجتماع في حال عدم عودتها بعد ثلاثة أيام .
فإنانا وارشكيجال ، الاختان ، الاولى النور والثانية الظلام ، إنما تعنيان معا ، وطبقا لطريقة الترميز القديمة ، الالهة الواحدة في وجهيها الاثنين . وفي حال المواجهة ترمزان معا إلى المغزى الكامل لطريق الاختبارات الصعب والمجهد.
البطل سواء أكان الها أم ألهة ، رجلا أم امرأة ، شخصية مثيولوجية أما حالما إنما يكتشف ذاته ويتمثلها في نقيضه – الذات الخاصة المجهولة من حيث إنه يبتلعه أو من حيث يُبتلع من قبله فتعادل الاضداد مستنبطا من قوة الطبيعة ذاتها من أجل إعادة وحدتهم عن طريق تضامن تناقضهم .فالحدث الاخير الذي تمر به سيرة حياة البطل هو الموت أو الزوال .وفي الموت يجد المغزى الكامل لحياته .ليس من الضروري بأن يكون البطل أصغر إذا كان للموت بالنسبة إليه رهبة بشكل ما ، فالشرط هو المصالحة مع القبر فالبطل الذي يمثل الازداوجية في حياته ، يصبح بعد موته دائما صورة توحد المتناقضات ، فالبطل الظامئ للحياة يستطيع أن يتغلب لفترة محددة على الموت وأن يدفع بمصيره قدما للأمام .فالموت في الديانات المشرقية القديمة لايمثل النهاية ، وإنما البداية للبعث من جديد فبعد اجتياز طريق الآلام والاختبارات وكون الابن مجرد رسول للآب فمع قيامته يعود مع المعرفة : أنا والاب واحد . فهذه الاستنارة الثانية الاكثر سموا ، إنما هم مخلصوا العالم الذين يمكن أن نطلق عليهم صفة التجسدات في المعنى الاعلى فالاساطير حولهم تتسع لتصل إلى الابعاد الكونية .
"فلا تظنوا أنني في الشرق ، في الجنوب ، في الغرب أو في الشمال . الارض هي جسدي ، انا هناك . أنا في كل مكان . لاتظنوا أنني أبقى تحت الارض أو عاليا في السماء ، أو ربما في فصول السنة أو على الجانب الاخر من الماء . هذه كلها ليست سوى جسدي إنها الحقيقة ، ذلك أن العالم السفلي ، السماء ، فصول السنة والمياه كلها جسدي . أنا كل شيء وأنا في كل مكان . "
فيسوع لازال متذكرا ومتدبرا للعهد القديم الذي ذكره بالقمر أو الشخصية التي استبدلت به لتكون شخصية تحاكي موت وانبعاث القمر في الطبيعة تحت اسم "يونس" فكما سيموت يونس لمدة ثلاثة أيام وسيقوم بعدها فكذلك يفعل يسوع بل نجد أن فراس السواح في " لغز عشتار" قد ذكر ان موت يسوع وقيامه هو نداء وإحياء للبعث القمري عند موته كما ذكرت أسطورة القمر والوعد الذي قطعه القمر للبشر وكما كان الآلهة القمريون آلهة للخصب ودورة الزراعة أيضا ، يبعثون إلى الحياة مع الانقلاب الربيعي كذلك هو السيد المسيح يبعث في الفصح الربيعي . ونتابع ما تقدم ذكره على ضوء ماذكره جيمس فريزر ففي البلدان الناطقة باللاتينية حيث شاعت عبادة الاله أتيس ابن الام الكبرى سيبيل ، جرت العادة على الاحتفال بيوم آلام المسيح وموته في الخامس والعشرين من آذر المصادف ليوم الانقلاب الربيعي حسب التقويم الجولياني ، وبقيامه في يوم الفصح الموافق للسابع والعشرين من آذار . وهذه التواريخ مقاربة لتواريخ احتفلات آتيس ، حيث يصادف يوم الثاني والعشرين من آذار يوم الاحتفال بموت آتيس والخامس والعشرين منه يوم بعثه . وقد كان هذا التطابق بين المناسبتين مدعاة لجدل طويل بين أتباع الديانتين . فبينما اتهم أتباع أتيس المسيحين بالتقليد ، لجأ المسيحيون إلى اتهام الشيطان (ض) الذي يقلب موازين الامور ويغطي الحق بالباطل ليزيغ به القلوب . أما اليوم فيتم الاحتفال بعيد الفصح في الكنائس الشرقية في أول يوم أحد يلي القمر البدر عقب الانقلاب الربيعي مباشرة . وبذلك يجمع الفصح إلى نفسه البعثين ، بعث القمر وبعث الطبيعة. فهذه الاساطير واسماء الالهة وأبطال الاديان قد مثلت قوى طبيعية كما رأينا .فالاساطير القديمة تحمل اكثر من معنى بين طياتها والابطال الذين يكونوا شمسين قد يغدوا قمريين أو تجسيدا فلكيا آخر في الطبيعة .ونعود لنطرح رمزية اسم سليمان من ناحية الاسطورة الشمس-قمرية فنجد بأن اسم سليمان يحمل بين حروفه معنى أخر فهو يختزل رمزي القمر والشمس في اسمه Solomon ،sol-moon. فهوأيضا وفقا للعملية الخيميائة يرمزلكل من الشمس والقمر.
ولاننسى بان الحوت رمز قمري –انثوي ،فما حدث ليونان في العهد القديم وبقائه في جوف الحوت لثلاث ليالي إنما يجسد ما يسمى بالعودة إلى الخلف وهي تحتوي على طقوس المسارات التي تنطوي على الانكفاء إلى الرحم فمبتغاها هو تحويل المرشح أو المختار إلى جنين بغية توليده ثانية ، فالمسار هذا يعادل ولادة ثانية . وبواسطة هذا المسار يصبح البالغ كائنا مسؤولا اجتماعيا ويقظا ثقافيا في وقت واحد . والعودة إلى الرحم تعني إما أن يغلق على المستجد في كوخ ، وإما أن يتم ابتلاعه رمزيا عن طريق وحش بحري ، وإما ان يدفن في أرض مقدسة متواحدة مع رحم الارض –الام (السمكة الكبيرة ) . وهو ما حصل مع يوسف في القائه بالجب أولا ومن ثم صعوده منه وكذلك زجه في السجن في المرة الثانية وخروجه منه فملامح شخصية يوسف بالخط العريض توحي بأنها استحضار لروح الخصب القديمة المتمثلة بصورة الاله الابن .
فالهبوط إلى الجب وصعوده منه هو موت وانبعاث رمزي الذي تميزت به آلهة الخصب القديمة فقد كانت شعوب مصر وغربي آسيا تمثل موت الحياة وبعثها السنويين ، لاسيما حياة النبات تحت أسماء أوزيرس وتموز وأدونيس واتيس ، فشبهوا النبات باله يموت كل سنة ثم يقوم من بين الاموات .ففي مرآة الاساطير الاغريقية يظهر هذا الاله الشرقي أدونيس في شكل شاب جميل أولعت به افروديت حبا وهياما ومن هنا تستقى وسامة يوسف فدخول يوسف للسجن هروبا من فتنة زليخة وطغيانها ،تلك المرأة التي هامت بحبه حتى حاولت اقتراف الخيانة الزوجية بعد أن أغلقت الابواب السبعة في إشارة إلى الابواب السبعة للعالم السفلي هو كناية عن تخبئة أدونيس في صندوق (السجن ) تم وضعه في عهدة إلهة العالم السفلي برسيفوني.ومن ثم تعود القصة لتتجسد بالشكل الفلسطيني القديم محاكاة لدورة الطبيعة في فلسطين القديمة عن طريق بعل وعناة فلقد استسلم بعل للموت على يدي الاله "موت "اراديا كما استسلم يوسف بمحض إرادته للسجن وفيما بعد انتشلته عناة من العالم الاسفل واعادته للحياة فإله الخصوبة في المعتقد الفلسطيني القديم يجدد قواه عن طريق الموت والبعث من جديد في دورة مقدارها سبع سنوات فحياة بعل ليست دورة سنوية بل دورة تتبع نظاما خاصا يعيش بموجبه سبع سنوات ، ثم يموت ليبعث من جديد إلى سبع سنوات أخر مستندة بذلك إلى طبيعة فلسطين وهذا يعيد بذهننا إلى حلم الفرعون الذي تخلل خروج يوسف من السجن ، وهو عن السبع بقرات العجاف اللواتي يلتهمن السمان وكذلك بالنسبة للسنابل، وكذلك مفتاح الخروج من صندوق الموضوع به أدونيس يكون عبر عبوره الابواب السبعة. فهي إعادة تمثيل لدور الاله بعل الذي تتحكم حياته في إيقاع دورة الخصب المؤلفة من سبع سنوات . وثوب يوسف هو قبول للجانب الانثوي في شخصية اله الخصب بالاضافة إلى القدح الذي وضع في متاع بنيامين فالقدح هو وسيلة للتكهن عن طريق النظر في الماء وهو ما اشتهرت به عرافات أبولو (الاوراكل ) في معبد دلفي .
فالمهم هنا هو وجود طقوس مسارة تنطوي على فكرة الانكفاء إلى الرحم وهي تتجذر في ثلاثة نماذج مختلفة من مراسم الاستسرار. فهنالك أولا ال " أوياناياما " أي إدخال الغلام على مربية وهنا يعبر عن موضوعة الحمل والولادة الثانية تعبيرا صريحا إذ يقال بأن المربية تحول الفتى إلى جنين وتبقيه في بطنها مدة ثلاثة ليلال . وهنالك ال " دكا" ويطبق على هذا من يستعد للتضحية ب " سوما " أي الجسد ويتكون من العودة إلى المرحلة الجنينية ، ثم يأتي الانكفاء إلى الرحم الذي يجري وسط احتفالات تدعى ب " هيرانياكاربها " ومعناها حرفيا الجنين الذهبي . في هذه المسارة يدخلون المستلم في وعاء ذهبي في هيئة بقرة ، وبعد الخروج منه يُعتبر مولودا جديدا في جميع هذه الحالات ، يجري طقس الانكفاء إلى الرحم بهدف ولادة المستلم في نمط جيد من الوجود أو ولادته من جديد من وجهة نظر البنية ، تنطبق العودة إلى الرحم على انكفاء العالم إلى الحالة العمائية أو الجنينية . والظلمات التي تكتنف الجنين قبل الولادة تنطبق على الليل الذي كان قبل الخلق ، كما ينطبق على ظلام جوف الحوت أو قبر يسوع أو الجب الذي القي به يوسف . وبالتالي هذه طقوس بدائية بمقدار ماهي طبيعية وبالطبع نجد بأن لها نموذجا ميطيقيا .
استنتاج :
هنالك عدد كبير من الاساطير تُبرز النواحي التالية :
ابتلاع وحش بحري لبطل وخروجه ظافرا بعد أن يشق بطن الوحش كما حدث مع نحميا في سفر طوبيا: " و خرج ليغسل رجليه فاذا بحوت عظيم قد خرج ليفترسه ، فقال له الملاك امسك بخيشومه واجتذبه اليك ففعل كذلك واجتذبه الى اليبس فاخذ يختبط عند رجليه ، فقال له الملاك شق جوف الحوت واحتفظ بقلبه ومرارته وكبده فان لك بها منفعة لعلاج مفيد ، ثم ان طوبيا سال الملاك وقال له نشدتك يا اخي عزريا ان تخبرني ما العلاج الذي يؤخذ من هذه الاشياء التي امرتني ان اذخرها من الحوت " .(والمتابع لقصة نحميا في السفر سيلحظ تقاربا فيما بينهما وقصة موسى الحوت في القرآن ومجمع البحرين ) أو أن يتم الالقاء به كما حصل من أوانيس وبطلنا يونس /يونان ، فهي محفوفة بالمخاطر من حيث النزول في حفرة أو شق يمثل فيه فم الارض- الام أو رحمها كما حصل مع يوسف وفي الحقيقة تتألف جميع هذه المغامرات من امتحانات استسرارية يكتسب بعدها البطل الظافر نمطا جديدا من الوجود . فيقول ميرسا الياد " أولا إن تقويم مبدأ التعميد من حيث أنه انحدار إلى هاوية (المياه) من اجل مبارزة الوحش البحري . ولهذا الانحدار أنموذج : أنموذج السيد المسيح في نهر (الشرعة ) وقد كان الوقت نفسه انحدار إلى مياه الموت . وكما كتب سيريل المقدسي Cyrille de Jerusalem : يرى أيوب أن تنين بهيموت (ط) Behemoth كان في الماء وكان يلقى الاردن في فمه . وبما ان من الواجب قطع رؤوس التنين ، فقد هبط يسوع إلى الماء وقيد القوي لكي نكتسب نحن القدرة على السير فوق العقارب والحيات ." وبالتالي هذه المغامرات والامتحانات والاساطير والحكايات المروية تبرز الحقيقة التالية العودة إلى الاصل التي تهيء للولادة من جديد والوصول إلى نمط جديد من الوجود ينطوي على نضج جنسي ، مقاسمة للقدسي والثقافة والفكرة الاساسية هي للوصول إلى نمط أعلى من الوجود يجب تكرار الحمل والولادة طقسيا رمزيا .وإن مدة بقاء يونان في جوف الحوت لمدة ثلاثة أيام تُعزى في بعض الاحيان إلى الاسطورة القمرية ، ففي بعض الاساطير القديمة يُشار إلى الحوت على أنه سمكة – قمرية fish –moon بل وفي فكر شعوبنا إلى زمن ليس ببعيد كان يشار إلى خسوف القمر بان الحوت قد ابتلعه، فـ يذهب الرجال عادة إلى المساجد لإقامة الصلاة حسب ما ورد في الشرع، وتضرب الفرق الشعبية الموسيقية الطبول بأصوات عالية، وتهرع النساء والاطفال الى سطوح الدور وهم يدقون بقدور الطبخ النحاسية والهاونات لكي تتقيأه الحوت ويصرخون بأصوات مرتفعة:
يا حوته يا منحوته هدي قمرنا العالي ( أي أتركي)
وإن جــــان ما تهدينا لضربج بسجينه (أي أطعنك بسكين إذا لا تعيده لنا)
هدي قمرنا العالي هذا قمرنا الغالي .
فتلك القصص عن أبطال ابتلعوا من قبل وحوش بحرية هي نتاج للتمازج فيما بين الطبيعة الشمسية والقمرية في تعاقب الليل والنهار فالقصة مجازية أو محاكاة إلى ابتلاع الشمس من قبل الليل أو انقضاء النهار مع سيادة الظلام والعتمة وغياب النور، ومن ثم تخرج الشمس من جديد معلنة فجرا جديدا فالشمس دُعيت جونا/يونا ، يونان ، يونس ، هيروكليس والكثير من الشخصيات التي جسدت دورة حياة الشمس اليومية والسمكة الكبيرة جسدت الارض .
وبالتالي إن هذه الاساطير تؤكد بأن اجتياز العتبة يماثل تدمير الذات .فالبطل لم يتوجه نحو الخارج لكي يتجاوز عقبات العالم المرئي ، وإنما نحو الداخل لكي يولد من جديد ، فاختفائه يماثل اختفاء متدين في معبد تدب فيه الحياة من خلال التفكر ، من وماذا هو ، وتحديدا دونما جانبه المخلد ، مجرد غبار ورماد .فداخل المعبد مع بطن الحوت / الكهف /الجب /جوف الارض /السجن إضافة إلى المملكة السماوية في الماوراء تحت وفوق حدود العالم كلها تعني الشي ذاته فقد يموت الجسد الفيزيائي للبطل يمكن أن يقطع ويذرى فوق البحر واليابسة وهذا بالضبط ما حدث في المثيلوجيا المصرية بالنسبة للمخلص اوزيروس . فقد ألقي به في تابوت من قبل أخيه سيث في مياه النيل التي حملت جثته إلى البحر حتى استقر عند شواطئ كنعان أمام مدينة بيبلوس حيث امسكت به شجرة الطرفاء النحيلة ، وعند عودته من عالم الموت ثانية أرداه أخوه مرة أخرى ، مزق جسده إلى أربع عشرة قطعة ومن ثم وزعها في طول البلاد وعرضها والتي نستشف منها عن الرموز القمرية للاله الابن فنجد في عمل تشكيلي بأن اوزيريس يمثل القمر بوقوفه في نهاية سلم مؤلف من أربعة عشر درجة هي درجات صعود القمر وهبوطه ، وهي في الوقت نفسه أجزاء أويزرس التي تفقد ثم يتم جمعها في كل شهر. وبالطبع لايجب ان ننسى بأن القاء أوزيروس بـ تابوت ( وهو المقابل لبطن الحوت) في نهر النيل أعيد إحياء ذلك الفعل في قصة تسيلم موسى إلى نهر النيل بوضعه في سلة .وهكذا نجد بان الرجال في جميع أنحاء العالم والتي تمحورت مهمتهم بان يجعلوا السر المخصب للحياة بقتل التنين باديا للعيان على الارض ، قد حققوا الفعل الرمزي بأجسادهم الخاصة ونثروا لحمهم مثل اوزيرس من أجل تجديد العالم وكما جعل المسيح من جسده لحما ودمه شرابا فداءا للبشرية في العشاء الاخير( الأفخارستيا) :
"وفيما هم يأكلون اخذ يسوع الخبز وبارك وكسر وأعطى التلاميذ وقال خذوا كلوا هذا هو جسدي. واخذ الكأس وشكر وأعطاهم قائلا اشربوا منها كلكم. لان هذا هو دمي الذي للعهد الجديد الذي يسفك من اجل كثيرين لمغفرة الخطايا. وأقول لكم أني من الآن لا اشرب من نتاج الكرمة هذا إلى ذلك اليوم حينما اشربه معكم جديدا في ملكوت أبي. ثم سبحوا وخرجوا إلى جبل الزيتون".
وكذلك فعلت الانثى القديمة عندما كانت نبض الحضارة القديمة سيدة الدورة الزراعية ومركزا للديانة الزراعية الاولى . فالالهة التي هبطت إلى العالم الاسفل لتنزع حياة النبات من غياهب الموت فتهب البشر معاشا في هذه الحياة قد ذاقت الموت أيضا لتهب البشر خلاصا من الموت وبعثا إلى عالم أفضل .
ففي الازمنة القديمة وتحديدا العصر المطريركي من كان يقوم بدور المخلص هو الام الكبرى قبل إعتماد القصص المتداولة عن إنانا / عشتار / إيزس فهذه قصص قد تم ابتكارها في النسخة المجتمعية للنظام البطريريكي . ذلك أن الطوطم في تلك الايام يتناقل وراثيا بموجب عمود الام . بحيث أن أساس الاسرة يختلف عما نراه اليوم فهرم العائلة أنذاك هو الام وينسب الاطفال إلى الام ، و باعتبار أن الطفل يحمل دم الأم وبموجب ذلك يجب الحفاظ عليه . بل إن زواج الاخ والاخت في تلك الأيام بعيدا عن العقد النفسية التي سلكها فرويد في الخوف من زنى المحارم incestueux هو زواج غايته الحفاظ على دم الام .والطريقة انتقلت إلينا كما نعرفها اليوم هي القربان المقدس أو الأفخارستيا فالحفاظ على دم الام يتم بأكل لحم الام وهي على قيد الحياة من قبل المنحدرين من رحمها للحفاظ على دم – الام .

طبيعة الماء في الأساطير :
إن الماء بشكل عام يرمز إلى جملة الاحتمالات الكونية ، وهو مستقر إمكانات الوجود ونحن نعلم أن وجود بئر زمزم هو الذي أسس للحياة في مكة فكانت واد غير ذي زرع ، فوجود البئر قد سبق كافة أشكال الوجود وأيد مقومات البقاء فالماء لايستطيع تجاوز شرط الوجود الاحتمالي ووجود البذرة والمكون . فيقول طاليس الملطي " إن الاشياء جميعا جاءت من الماء " وهذا ما وافقه القرآن عليه بعد ما لايقل عن الف ومئتي عام " وجعلنا من الماء كل شيء حي ". فمن الصور الانموذجية للـ (الخلق ) صورة الجزيرة ( بئر زمزم ) التي تظهر فجأة وسط الامواج(رمال الصحراء ). وإن غوصها بالمقابل يرمز إلى التقهقر والرجوع إلى ما يسبق التشكل (إندثار البئر ) . فالقصة تُحمل بين ثنياتها رمزية الماء عبر الموت والبعث فالتمالس الماء ينطوي دوما على التجدد لأن الانحلال تتبعه ولادة جديدة ولأن الغوص يخصب قدرة الحياة ويضاعفها .
ونجد في المعابد السامية القديمة كان الرمز الذي يُمثل الحضور الالهي من خلال عناصر الطبيعة هما عين ماء أو شجرة واختيار الماء والشجرة يعزى في جزء منه إلى أن المواطن الاثيرة لدى الكائنات الحية والتي كانت تضفى عليها قدسية غيبية كانت تقع بجوار غابة أو مجرى ماء ، وذلك يعود للاعتقاد السائد بأن الشجر والماء الجاري لهم حياة تشبه حياة البشر ولكن يكتنفها الغموض وبالتالي الرهبة .فالصلة المكانية بين الماء والمقدس لها أكثر من مغزى. فالماء في عالم البداوة والترحال في فضاء ومناخ كالذي تتميز به جزيرة العرب هو أصل الحياة وسر استمرارها .وفي حالات أخرى نجد أن الماء هو التجسيد الظاهر للوجود الالهي . فنجد أن الماء هو المادة البدائية للالهة ديمتر ولذلك عد رمزا لها وأيضا في الرمزية الخيميائية نجد أن ديمتر تعني " الملح " وذلك لارتباطها بالبحر .فالالهة غير مقيدة بشكل واحد تتجسد أو تتجلى به .فكانت للالهة قدرة على التجلي في صورة شجرة أو عين ماء ، لكنه من حين لأخر يتخذ هيئة البشر أو الحيوان . فنجد أن الاله المكسيكي Apap (ظ) كان زاحف مائي ضخم والذي يمثل قوى الشر أو الفوضى . وعلى الجهة الاخرى نجد أن مانحة الحياة و الولادة هي بقرة مائية والتي تمثل الارض .
فإن الماء في المعنى الروحي يمثل المبدأ الذكوري . في العلاقة المادية في حكاية قصة الخلق ما بين الماء و العماء ، نجد أن العماء البدائي تمثل المبدأ الانثوي الذي تم تنشيطه بواسطة روح الله ، المبدأ الذكوري .في الكابالا نجد أن اسم زكر Zachar يعني الذكر وأن الاردن دعيت بزكر . إنه من المثير للاهتمام عندما نعلم أن والد يوحنا المعمدان رسول الاردن(ع) – زكر اسمه زكر-يا . وبأن أحد أسماء باخوسZagreus زاكريوس /زاجريوس. إن الاحتفال في الطقوس الاوزيرية يكون بسكب الماء على المقام فهذا الفعل اعتبر مقدس ، كما هو في البنى الموسوية . حيث تقول الميشناه :
" يجب ان تقيم في عيد الحصاد وتسكب الماء خارجا لسبع مرات ، وفي القناة لمدة ستة ايام " .
وأيضا " خذ الارض البكر ... واعمل بالتراب مع مياه الحياة " .
ولقد ورد ذكر عيون ماء أو جداول في العديد من الاقداس العربية ، ونجد ذلك في حرمة بئر زمزم التي تمتد إلى ما قبل الاسلام . من الواضح أن هذه البئر كان يلقى فيها بالعطايا في العصور القديمة وهو ما كان شائعا لدى السامين بخصوص الابار . فهنالك بئر الاخف وهي جب عميق في الكعبة كان يلقى بها ما يهدى إلى الكعبة من حلي أو ذهب او فضة أو طيب أو غيرها . ويذكر أن للبئر ثعبان يحرسه .فكان من السائد لدى عرب الجنوب أن ينابيع الاستشفاء يسكنها جان يتخذون هيئة الافاعي .
مستخلص :
قد يكون موضوعنا تشعب عن الفلوكلور في العهد القديم وابتعد عن اليهودية وديانة اسرائيل البدائية وسار مبتعدا إلى ديانات أخرى تشعبت عن اليهودية لاحقا كالمسيحية والاسلام ولكن هذا إن دل فإنه يدل على كيفية تطورالاسطورة من النص المروي عبر انتقاله إلى زمان ومكان آخرين ومع قوم آخرين لتوظيف مهارتهم في السرد الروائي والتطبيع العقائدي وتجربته مع العالم وكلاً من النهج الثقافي والاجتماعي وذلك عن طريق تبييءالاسطورة مع حضارتهم ولغتهم . ليخرجوا بأسطورة جديدة قد تكون مختلفة تماما مع النص الاصلي ولكنها اندمجت وذابت به ومع ذلك تبقى بذور الاصل موجود فبــ استخدام الادوات المناسبة يمكننا العودة إلى أصلها كما رأينا من خلال رحلة مسيرنا ، فتكمن بذلك مقدرتنا على قراءة الاسطورة الواحدة بأكثر من وجه عند توظيفنا لمفاتيحها وأبجديتها البدائية التي كُتبت بها ومحاكاة لها ومقصدي بذلك الطبيعة.ولقد رأينا كيف أعادت افتتاحية العماء البدائي في سفر التكوين تشكيل نفسها في أكثر من نص مقدس وقصة لاحقة في الاديان السماوية الثلاث وقد لعبت أدوارا مختلفة فتحولت من نظرية نشكوية تخبرنا بكيفية ميلاد الكون إلى طقوس رمزية تحاكي نمط الولادة من جديد والانكفاء بالرحم والعودة الى الاصول وهذا ما شهدته أسطورة يونس ومن ثم في بيئة الخصب انتقلت إلى أسطورة تعميد وولادة المخلص .ودور الاسطورة ينتقل ويتبدل ليعيد انتاج بنية ادبية تتماشى مع مدى فهم المجتمع للطبيعة فيختزل تجربته مع العالم و تقدمه إلى الوعي بعد ان تم تفسيره وترتيبه .
وإن الاسطورة النشكونية تتيح لنا فهم الحياة الدينية في دراستنا لأي ديانة ، فهنالك دوما أسطورة مركزية تروي بدايات العالم ، أي ماجرى قبل ان يصبح العالم على ما هو اليوم .فإن أسطورة نشاة الكون تكون كتمهيد لابد منه ، فخلق الحيوانات والنباتات وحتى الانسان يفترض وجود عالم أصلا ، ومن ثم تفترض الماهية البدائية للانسان (الأب الاول ) وكيفية تحوله إلى محدد الجنس ذكرا وأنثى ومن ثم التحول رويدا رويدا نحو الاجداد الاسطوريين ولابد لنا أن نشير أن الانسان العربي بشكل خاص والمتدينون من الاديان الاخرى بشكل عام يعتبرون أن عادات وتقاليد وما جرى مع اجدادهم الاسطورين أهم مما جرى قبل وجودهم بل ومن وجودهم في عالم اليوم ، فأغلب قصصهم لاتبارح الحديث عن ابراهيم – اسماعيل – نوح – ونبيهم محمد بل وحتى ما حدث وجرى مع الصحابة فهم يأخذون العبر منهم ويحشرونهم في انوف الغير ولازالوا يعتقدون أن ماجرى في ذلك الزمن الاسطوري لازال صالحا بل هوعين مايجب ان تجري عليه الامور ولابد من تطبيقه في الزمن الحالي ، ولذلك نجد أن هذه المعتقدات والتمسك بأفعال وأقوال من آلاف السنيين هي ما تميزهم فيبدو أن تكرار مثل هذه الامور يعطي شعورا لهم بجهر القيمة الدينية التي يسبغوها على أنفسهم من تلك التصرفات ، أو كتعويض عن افتقادهم إلى ذاتهم في عالم اليوم والحنين الى تلكم الازمان فهم ضائعون في عالم اليوم .وبالتالي يمكننا أن نقسم الزمن لدى المسلمين على الشكل التالي :
1- الاولانية : المتمثلة بالاله السماوي ، خلق الكون ، الخلود السماوي الذي سيشاركه المسلمون فيما بعد البعث .
2- العصر الاسطوري : العصر الذي عاش به الاجداد وظهرت فيه الحياة بشكل عام والحياة البشرية بشكل خاص وتلك امتداد من أدم –ابراهيم
3- الزمن الذهبي :وهو التاريخ المقدس الذي ظهر به الانبياء وصولا إلى خاتمته بمقدم النبي محمد وصحابته .
وما حنيين المسلمين على الارض سوى حنينا إلى الفردوس الارضي متمثلا بالنوع الاخير بالزمن وحنينهم إلى الفردوس السماوي متمثلا بالنوع الاول .وهذا أمر يتشاركونه مع الديانيتن الباقيتين (اليهو-مسيحية ) ولكن مع تبديل المسميات والرموز . ويمكننا ان نميز بينهما بنمطين من الاولانية :
1- أولانية سابقة على نشوء الكون وخارج التاريخ
2- أولانية مرافقة لنشأة الكون والتاريخ
ويمكننا أن نضيف على المسيحية "لاهوت موت الاله وعودته في آخر الزمان ".
فهذا الامر مشترك انحدر إلينا من الديانات البدائية الاكثر تخلفا في الزمن الغابر .
فالاولانية عند شعب الاراندا لها نوعين مختلفان من الحنين :
1- الاولانية المتمثلة بالاله السماوي الاول وبالخلود السماوي الذي لاقبل للبشرية العادية به
2- العصر الخرافي الذي هو عصر الاجداد ، وفيه ظهرت الحياة
وبالطبع حنين الاراندا يتنمي إلى النوع الثاني من الفردوس الارضي .
وبالطبع توجد مثل هذه العملية في أديان أخرى ، أكثر تعقيدا .
فنجد أولانية تيامات (راجع اسطورة الخلق البابلي )وعملية الانتقال إلى العصر الاولاني المتمثل بانتصار مرودك ، فضلا عن نشأة الكون ونشاة الانسان وتأسيس تراتب الهي جديد . وهنالك الاولانية المتعلقة بأورانوس وانتصار زيوس ، او بين تحول الاله السماوي الفيدوي ديوس – بعد أن كاد يكون منسيا تماما إلى فارونا ومن ثم إلى الالهة الكبرى المتعاقبة (إندارا –شيفا – فيشنو) فنحن في كل هاته الحالات أمام عملية خلق لعالم جديد فهي في النصوص الدينية تشكل انبثاقا لعالم ديني جديد يمهد قدوم البشر بطريقة ما .
وبعد ذلك ناقشنا قصة الخلق وتقسيم الانسان إلى ذكر وأنثى وهو التقسيم الذي تختص به البشرية اليوم ولم نقف على التناقضات في السفر وفيما بين الاصحاحات التي تعيد طرح القصة بأسلوب مختلف تماما ونذكرها هنا على عجالة .
ففي الاصحاح الاول يتم الحديث عن خلق الحيوانات قبل الانسان وان الانسان قد تم خلقه على هيئة ذكر وأنثى دون اقتطاع جزء من الذكر مع الاشارة إلى عظمة أصلهما الالهي .وعندما ننتقل إلى الاصحاح الثاني ، نجد رواية مختلفة تماما أن لم يكن تتناقض معها ، فلقد خلق الله الانسان أولا ثم خلق الحيوانات ، وبعد شعور أدم الذكر بالملل قد سلخ حواء من ضلعه .على هيئة فكرة قد خطرت له فيما بعد أثناء نوم أدم .وربما في ذلك إشارة إلى ان خلق الانثى من أدنى أعمال الصنعة الالهية فهو انتقل من خلق الذكر أولا ثم إلى الحيوانات ثانيا وفي المرتبة الثالثة والاخيرة تأتي منزلة الانثى .
والتناقض الواضح في القصتين مرده إلى أنهما أخذتا من مصدرين مختلفين ثم تم الجمع بينهما دون أن يجهدوا أنفسهم في التخفيف من حدة التناقض أو الغائه . فالقصة في الاصحاح الاول مستمدة مما يسمى بالمصدر الكهنوتي الذي أؤلف على أيدي كتاب كهنوتيون أثناء فترة السبي البابلي او فيما بعده .
وقصة الخلق في الاصحاح الثاني منسوبة إلى ما يسمى بالمصدر اليهوي الذي ألف قبل المصدر الكهنوتي بمئات السنين .واختلاف وجهات النظر نحو الاله مختلف فالاصحاح الاول يصور الله في صورة مجردة متسامية ، أما الاصحاح الثاني فيصورها على نحو ما يصور البشر في أعمالهم .فالبساطة الجميلة والبدائية في قصة الاصحاح الثاني تتعارض مع الصورة الجدية في القصة المتأخرة ففي الاولى استطاع الاله أن يخلق جميع الكائنات في منتهى السهولة أما الثانية فقد حولت الله إلى صورة حسية وكانها مأخوذة عن صانع بشري في إحدى الاسواق القديمة المنتشرة انذاك عن قيامه بصناعة الاشياء من قالب طيني على نحو ما يفعل صانع الفخار . .وبالطبع لايخفى احتقار المرأة من قبل كاتب الاصحاح الثاني .
فمثل هذه الافكار الساذجة والبسيطة عن أصل الانسان من طين كانت مألوفة لدى الاغريق والبابلين والمصرين القدماء ، وقد انتقلت إلى الشعوب المتحضرة القديمة عن طريق أجدادهم الهمجين أو البدائين وكذلك انتقلت إلى العبرانين ومن ثم إلى العرب المسلمين عن طريق اليهود الذي بلور نفس الصورة في القرآن .
وفي انتقالا إلى الاساطير الشمسية والقمرية والمائية على حد السواء ناقشنا محنة البطل التي يجب أن يجتازها أو تعدي العتبة المقدسة من أجل الحصول على بعث وولادة جديدة مستمدة من رموز ومعالم الطبيعة ، فالبطل الذي يجتاز أناه ويدمره يعبر أفق العالم جيئة وذهابا ، يدخل في جوف التنين ، بطن الحوت ، الكهف ،جوف الارض دونما مجهود كبير ، كأنه ملك يتبختر في غرف قصره ، وفي هذا الامتحان تنبعث قوته المنقذة ، إذ إن غيابه وعودته من جديد يؤكدان أن ما لم يخلق بعد ، وما هو غير قابل للزوال يضمن استمراره عبر تناقضات الظاهرات كافة ، وأنه لايوجد ما يدعو للخوف .

أبرز الرموز الدينية في اليهودية (1):
النجمة السداسية Hexagram :
فنجمة داود النجمة السداسية قد ظهرت تقريبا في الالفية السادسة قبل الميلاد كرمز للشمس في الهند ، وبعد وقت طويل استعارتها الديانات السامية في منطقة فينيقا وصولا إلى القدس كرمز للاله زحل.وإذا تتبعنا الاشارات الموجودة في الكتاب المقدس لوجدنا أن الصدى القديم باعتبار النجمة تجسيدا للشمس لازال موجودا فنجد في سفر المزامير التالي :84:11
لان الرب الله شمس و مجن الرب يعطي رحمة و مجدا لا يمنع خيرا عن السالكين بالكمال
وللأسف بما أن الترجمة العربية غير دقيقة لابد لنا من الرجوع إلى النص باللغة العبرية فنجد التالي :
שמש ומגן יהוה אלהים
"شمش ميجان يهوه الوهيم" ومعناها بالعربية "فإن الرب الاله هو الشمس والدرع" . وبالطبع الدرع المقصود هو درع داود والذي تمثله النجمة السداسية ففي القصص المنسوبة لتلك الدرع بأن النجمة قد وجدت عليها، وطبعا شمش هو الاله البابلي للشمس ، وبذلك نجد دليلا على الرابط فيما بين الشمس والنجمة السداسية .وطبعا لايمكننا أن نغفل على الاشارة بان يهوه قد ارتبط وشُبه بالاله البابلي شمش .
ونجد أن في مصر القديمة اجتماع المثلثين يشير إلى الاله حورس (الشمس ) مع سوت وإلى شمال وجنوب مصر وهو يشير بالبوذية إلى الطاقة الجنسية وهو بالتالي اعتبر رمزا للطبيعة المعطائة فالرقم 6 يتحدد مع الام الكبرى و أيام الخلق الستة في الديانات السماوية فعند جمع الاحرف العبرية لكل من النار שא (الذكر) والماء מים (الانثى ) تتشكل لدينا الكلمة التالية שאמים " أشيميم " والتي تعني السماء والتي يستعملها اليهود كلفظة تدل على يهوه فالنجمة السداسية لدى اليهود تمثل كلا من الماء والنار أي الذكر والانثى كما تفعل بالهند مع فيشنو وشيفا فهي تمثل اتحاد الاله مع الالهة وقد يمكننا الآن أن نفهم لماذا اختارت الحركة الصهيونة النجمة السداسية كشعار لها ولذلك فلا بد لنا من استحضار أسطورة التاسوع المصرية المقدسة لنعرف السبب :
" فلقد اتخذ المصريون القدماء السماء كرمز الوهي -أنثوي وأطلقوا عليه اسم نوت زوجة واخت اله الارض المذكر جيب ، وبطريقة سحرية تزوجا عن طريق اله الحكمة تحوت وانجبا أربعة أولاد هم ( سيث ، نفتيس ، أوزيرس ، إيزس ) ".
وكل من هؤلاء الاربعة قد أخذ علامة فلكية فالعقرب سيث ، الاسد أوزيرس ، الثور نفتيس ، إيزس الدلو . و تلك العلامات الفلكية تعبر عن اسم الاله العبراني يهوه .وذلك مرده للأسطورة البابلية التي تقول بأن هذه العلامات الاربعة في دائرة البروج تُدَعم الزوايا الاربع للسماء. ولذلك ففي الالفية الثالثة قبل الميلاد سُمي حكام بابل " بملوك الزوايا الاربع للعالم " وهذا تعبير شائع في الكتاب المقدس :
ارميا 49:36 " و اجلب على عيلام اربع رياح من اربعة اطراف السماء و اذريهم لكل هذه الرياح و لا تكون امة الا و ياتي اليها منفيو عيلام "
حزقيال 37:6 "فقال لي تنبا للروح تنبا يا ابن ادم و قل للروح هكذا قال السيد الرب هلم يا روح من الرياح الاربع و هب على هؤلاء القتلى ليحيوا"
الرؤيا 20: 8 " و يخرج ليضل الامم الذين في اربع زوايا الارض جوج و ماجوج ليجمعهم للحرب الذين عددهم مثل رمل البحر " الخ من امثلة كثيرة .
هنالك أربعة حروف تلفظ بالعبرية دلالة على اسم الالهة الاعظم (YHWH) فمن سيكون سيد الزوايا الاربع للسماء أو على حد تعبير الكتاب المقدس سيد الزوايا الاربع للعالم غير يهوه الاله العبراني .ويمكننا أن نلاحظ بأن كلمة صهيونSION" "قد أخذت من أول اربع حروف للمخلوقات الالهية المصرية Set, Isis, Osiris and Nephthys ولقد أشار المصريون إليها بأنها النجوم الاربع المضيئة التي شكلت الصليب العظيم في سمائهم تحت اسم " the pillars of shu" وقد اعتبروهم الداعمين الاربع للسموات وبالطبع عندما عبّر موسى عن اسم مخلص اليهود من الرق المصري فقد اختاراسم يهوه ليكون الههم المخلص وذلك ناجم عن معرفة عميقة بالرمزية الفلكية التي حصلها من المدارس المصرية .وكل من هذه المخلوقات الالهية الاربع كان يُعبد في وقت محدد وفقا للاعتدالين والانقلابين الحاصلان للشمس . ففي مصر القديمة نجد أن الانقلاب الصيفي يحدث في علامة الاسد وفي الاعتدال الخريفي تدخل الشمس علامة العقرب وفي الانقلاب الشتوي تدخل الشمس علامة الدلو ، وفي الاعتدال الربيعي تدخل علامة الثور.وبالطبع نجد أن الدورة الشمسية التي حددت الوقت أنذاك قد عرفت كــ رع أب الالهة اله الشمس وبذلك تكون صهيون اتخذت شعار النجمة السداسية وفقا للإسم الذي اشتقت منه . وتترجم هذه الكائنات الالهية الاربع في الصوفية اليهودية على انها الكروبيم (الاسد ، عجل ، النسر ومن ثم الانسان وطبعا هذه الكائنات الاربع قد نقشت على تابوت العهد الذي وضع في الهيكل المبني على جبل صهيون الذي احتله داود من اليبوسين .

وفي الاديان الباطنية تُقسم الطاقة الشمسية في الانسان إلى ثلاثة أجزاء والتي تتحدد كثلاثة أضعاف من الروح البشرية للإنسان .و قيل بأن كل من هذه الثلاث لامعة ، متسامية ، متحدة، لقد شكلن مبدأ الالوهية في الانسان . وفي طبيعة الانسان الدنيا تتكشل -أعضاء مادية ، فطبيعته العاطفية والعقلية تعكس النور الالهي وتحمل شهادة لوجودها في العالم الدنيوي. ويُرمز للأجساد الثلاثة للانسان بمثلث علوي ويرمز للثلاثة أضعاف من طبيعته الروحية بمثلث مقلوب. وحينما نصل هذان المثلثان مع بعضهما البعض ،نحصل على نجمة ذات ستة رؤوس ،يطلق اليهود عليها نجمة داود ، خاتم سليمان والامر الاكثر شيوعا في يومنا هذا نجمة صهيون . إن هذان المثلثان يرمزان إلى كونين أحدهما مادي والآخر روحي وهما مرتبطان فيما بينهما في البنية الخلقية للبشر. فيتشاركان كلا من الطبيعة والالوهة . و تتشارك طبيعة الانسان الحيوانية مع الأرض، و تتشارك طبيعته الالهية الروحية مع السماوات أما طبيعته البشرية فيتشاركها مع "المتأمل".
وبذلك نجد أن خيوط الكرة قد حُلت تماما فيما يخص العلاقة فيما بين (داود ، النجمة السداسية ، صهيون ).

ووفقا للتعاليم التلمودية فـ سفينة نوح احتوت على شكل النجمة السداسية وهذا معناها أن الالوهة المؤنثة تحمل أو كحافظة للالوهة المذكرة وهذا يذكرنا بحمل مريم بيسوع فكانت الوعاء او الرحم الحافظ للالوهة المذكرة المتجسدة بيسوع وهذا مرده لكون الارض جايا رمزا أنثويا ألوهيا قد أنجب الالوهة المذكرة وكلمة السفينة في السامية إيرك انحدرت من كلمة أرغا الهندية Arek, "ark Argha, " السفينة العظيمة " والتي تعني المهبل العظيم (Great Yoni) أي ان الانثى كمنبتة لبذور الحياة (الاطفال ) من خلال مياه الهيولى أو العماء (فترة الحمل ) والواقفة بين دمار الكون والخلق الجديد ومن خلال نفس الجذر أتت كلمة " أركان""Arkan" والتي تعني حرفيا الظلام أو شكل الهلال القمري . وكما نعلم أن شكل الهلال القمري يشبه رمزيا القارب ، القارب (الانثوي ) الذي يحمل البشرية إلى الكون الجديد فالدم المختلط بالمخاط لدى الولادة دليل على مولود جديد ونجد تأكيدا لذلك في اقدم القصص عن الطوفان في " ساتاباثا براهمانا " وهي رسالة مهمة باللغة النثرية عن الطقوس المقدسة وحيث ان الاعتقاد السائد لدى الباحثين ان هذا المؤلف قد كتب قبل ظهور البوذية بزمن غير طويل . ومن المرجح انها في القرن السادس قبل الميلاد وحيث نقتبس منها التالي :
في الصباح أحضروا الماء " لمانوا " كي يغتسل ، كما تعود الناس أن يحضروا الماء لغسل الأيدي . وبينما كان مانو يغتسل ، أمسكت يده بسمكة قالت له :
" استمع إلي فسوف أنقذك " .
فسألها مانو : من أي شيء سوف تنقذيني
فأجابته السمكة : " سوف يأتي طوفان يحمل معه كل هذه المخلوقات ، ومن هذا الطوفان سوف أنقذك "
فسألها مانو : و لكن كيف يمكنني أن أنقذك أنت من الطوفان ؟
فأجابت السمكة : " مادمنا نحن على هذا النحو من ضآلة الجسم ، فإن الهلاك يلحق بنا فلسمكة تبتلع أختها السمكة . ولهذا فعليك أن تحفظني داخل وعاء ، فإذا كبرت ولم يعد الوعاء يتسع لجسمي ، فاحفر حفرة في الارض وخبئني بداخلها .
فإذا كبرت بعد ذلك فخذني واطرحني في البحر ، وهناك أكون بعيدة عن عوامل الهلاك .
وكبرت السمكة وأصبحت " غاشا " Gasha أي سمكة كبيرة الحجم ، لأن هذه السمكة تكبر حتى يفوق حجمها أي نوع آخر من السمك وعند ذلك قالت السمكة " لمانو" :
" إن الطوفان سيحدث في سنة كذا وكذا ، وعند ذاك تحضر إلي راكبا سفينة تعدها لهذا الغرض . فإذا علا الطوفان فعليك أن تدخل إلى السفينة ، وعلي أن أنقذك منه . "
وبعد ان انقذها " مانو " على نحو ما شرحت له ، أخذها وطرحها في الماء ، ثم حدث الطوفان في السنة التي حددتها له . وعند ذاك أعد مانو السفينة وفقا لنصيحة السمكة . ولما علا الطوفان دخل في السفينة . وجاءت إليه السمكة سابحة ، فربط حبل السفينة في قرنها وأبحرت به السفينة على هذا النحو في اتجاه الجبال الشمالية .
ثم قالت له السمكة :
" هأنذا قد أنقذتك ، فاربط السفينة في شجرة ولاتدع المياه تجرفها و أنت مستقر فيها على الجبل وعندما تنحسر المياه ، يمكنك أن تهبط منها على مهل " .
فهبط مانو من السفينة وهي راسية على الجبل ، ولهذا سمي منحدر الجبل " مهبط مانو " . أما سائر المخلوقات فقد أغرقها الطوفان ولم ينج منه سوى " مانو . والسمكة في الحضارات القديمة رمز أنثوي كما ذكرنا سابقا .إن أم بوليمان كانت فينوس، رحم البحر، سُمّيت دلفينوس والتي عنت كلا المعنين دلفي، والرحم .ذلك أن كلمة سمك مردافها في الإغريقية رحم . وكلمة السمك في العبرية "داج " مأخوذة من الاله الفلسطيني داجون المقابل للاله البابلي اوانيس .وهذا دليل واضح أن معظم الاساطير والرموز الدينية الهامة في حياتنا قد انحدرت من الطبيعة أو أوحت بها طبيعة الانسان ذكرا أم أنثى .وتنسل أسطورة الانثى المنجبة للخلق جايا من جديد في إعادة تشكيل الخلق الثاني .
ففي جميع النسخ عن الطوفان العظيم حول العالم ، بسبب الفساد المنتشر ، فـ يتم تدمير جميع الكائنات الحية على إثر ذلك، ولكي تستمر الحياة يتم الحفاظ على على ماهو نقي وذلك من خلال ابقائه فوق الماء . في النسخة الهندية للقصة هذه يكون هنالك اله على شكل سمكة يرشد الارواح الطاهرة الى قمة الجبل من اجل الحفاظ على سلامتها .
و نجد لدى الهنود الحمر في البيرو أسطورة قديمة والتي نقلها كاهن اسباني بعد نصف قرن من الاحتلال التي قامت به اسبانيا لاراضي امريكيا .. الاسطورة موجودة في تياهواناكو حيث تقول ان الجنس البشري تمت استعادته بعد الطوفان العظيم من خلال رجل واحد وامرأة واحدة أما الباقي تم تدميره في الطوفان . بل حتى أننا نجد تعبيرا واضحا في احد الاساطير البابلية تشبه نسل البشر وتكاثرهم على الارض كتفريخ بيوض الاسماك قد ملئت البحر حيث نقرأ التالي :
لقد أمرت الشيطان في مجمع الألهة
لقد أمرت الشيطان في مجمع الالهة
ليدمر شعبي من البشر أنا أمرت بالقتال
ذلك أنا الذي جلبته ، حيث ما كان هو
كانوا يتكاثرون كبيض السمك الذي ملئ البحر .
ويمكننا الاجابة بشكل أولي في ظل المعطيات الحالية عن السؤال الذي يؤرق الانثروبولوجيون وهو : كيف يمكننا أن نفسر وجوه التشابهات الكثيرة والقوية بين معتقدات الاجناس المختلفة وعاداتها ، تلك الاجناس التي تسكن في بقاع متفرقة متباعدة ؟ وتأتي الاجابة عن طريق جيمس فريزر حيث يقول :
" بأن المعتقدات والموروثات قد نشأت مستقلة نتيجة لتماثل حركة التفكير في العقل البشري الذي يعد استجابة لظروف التطور المتماثلة ، أو من خلال عمليات الانتقال البسيطة من شعب لآخر وما يعتري هذه المأثورات والمعتقدات من تغيير قليل أو كثير أثناء عملية الانتقال .فالفحص الدقيق للروايات الخاصة بحكاية الطوفان يؤكد هذه النتيجة العامة التي تسلم بمبدأي الانتشار والنشوء المستقل بوصفهما مبدأين صحيحين وسليمين في حدود معينة ذلك أنه من المؤكد أن أساطير الطوفان الكبير قد عٌثر عليها منتشرة بين شعوب مختلفة تعيش في بقاع نائية على وجه الارض . ويمكننا أن نستدل – وذلك في حدود الاستدلال الممكن في مثل هذه الامور – على أن التشابه الذي لا يخطئه الباحث بين هذه الروايات ، يرجع من ناحية انتقالها المباشر من شعب إلى آخر ، ومن ناحية أخرى إلى تجارب مشابهة ، وأن تكن مستقلة تماما ونعني بها تجارب الشعوب مع حوادث الفيضانات الكبيرة التي حدثت في بقاع مختلفة من العالم ".
وبالعودة إلى ملحمة جلجامش نجد بأنها تحتوي على اثني عشر نشيدا وهي تشير إلى الاثني عشر علامة في دائرة البروج الزودياك ، بحيث أن مجرى الملحمة يسير وفق دورة الشمس في أثناء شهور السنة . وتتأكد هذه النظرية إلى حد ما بالمكان الذي يشير إلى أسطورة الطوفان في النشيد الحادي عشر . وهذا النشيد مخصص للإله " رمان " اله العواصف ، واسمه يعني (شهر المطر الملعون ) لأن الشهر الحادي عشر من السنة البابلية يتفق مع دورة موسم الامطار .وهذا بالضبط ما يتفق مع خطة سير بحثنا فقراءة العقل البشري للطبيعة وعجزه عن فهمها جعل من أحداثها والخوف من كوارثها قصصا دينية تمت على أيدي الالهة لينفس عن نفسه وليجد ملاذا آمنا لنفسه المضطربة آنذاك .
ولاستكمال ما تبقى من رموزفيما يخص اليهودية يجب أن نعيد طرح طبيعة الاساطير بمنظور آخر مختلف عما طرحناه الآن لأن الرموز تقرأ في عدة أوجه من الاسطورة فطريق البحث بهذه الامور محفوفة بالمخاطر ، لأن القراءة المجزأة والمجتمعة تكون بأكثر من طريقة .فالحبكة الدرامية لهذه الاساطير قد تحوي شخصيات عادية ورئيسية وهذه الشخصيات تتبدل مع فهم وثقافة المجتمع التي تصبح به وكذلك تبدل الطبيعة ومجريات سير فهم البشرية لذلك التغير. ولذلك سنلاحظ لاحقا صراعا ما بين الاساطير الشمسية مع الاساطير القمرية على عكس التقارب الذي لاحظناه في جزئنا هذا وتوضيحا لمفهوم الاسبقية . وإدخال أنماط ونماذج جديدة لفهم الاسطورة بعيدا عن التقارير المملة في المثيولوجيا التي نلحظها في أغلب المقالات والكتب العربية .وهذا ما سيناقشه الجزء الثاني من الملحمة الثلاثية لفهم طبيعة الدين في التاريخ الحسي وانتزاعه من تاريخه المقدس والحكم بالطبع يبقى للإنسان العربي ليحدد موقفه بشأن الحقائق التي تداولناها في هذه الثلاثية من ملحمة الصراع الفكري مع الاديان .

هوامش وفقا للترتيب الالفبائي :
أ- جزر سياسية صغيرة ترمز إلى الاغبياء ضحايا المشاريع الواهمة
ب- Getikوهي اشارة الى الفردوس الارضي فجيتاه تعني الدنيا وجيتيق المملكة الارضية.
ت- الخنثى أو كائن خنثوي
ث- أسطورة الإله اتوم تقول : أن أتوم قد أتى من عماء المياه الذي يسمى نون ثم ظهر فوق تلة وأنجب بغير زواج الإله شو والإلهة تف نوت ولحل الأسئلة المتعلقة بالإله أتوم كيف جاء و عن كيفية انجابه كلا من الاله شو وتف نوت فقد قال المصريون القدماء بانه انجبهم عن طريق الاستمناء بيد الإله أتوم.فـ اليد في اللغة المصرية مؤنثة أي أنهم أوجدوا الهة ثنائية الجنس لحل تلك المعضلة .
ج- نسبة ليهوه (الاله العبراني )
ح – هنالك تساؤول يراودني: " قد وصل إلينا من أخبار السير والتراث أن مكة لم تقم لها قائمة إلا بوجود بئر زمزم وذلك من خلال قصة هاجر وولدها اسماعيل ، أي لاوجود للماء في تلك المنطقة ؟ فكيف إذا استمرت الحياة في مكة في غياب ذلك البئر بدثره عن طريق بني جرهم ،إلا أن تكون القصة ملفقة تماما ، وتحمل المعنى الرمزي الذي أشرنا إليه آنفا بمثالنا عن الجزيرة و ما ذكره الدكتور محمد عجينة"
خ –نهر الالهة جانجا ، ابنه أم الجبل ناندى ديفي Devi Nanda (الهة المباركة )
د – معنى"أوانيس" الذي أُعيدت ولادته من فم السمكة .كما تحوّل اوانيس أيضا إلى الاله يانوس في النسخة الرومانية القديمة، أمّأ في الحلّة المسيحيّة فقد أصبح أوانيس يوحنا.
وعلى إثر ذلك اشتقّ اسم يناير، جانيوري من اسم الاله الروماني يانوس والذي أصبح أول أشهر السنة.
تكون الاشتقاقات إذًا على النحو التالي:
أوانيس، يونان، يانوس، يوحنا، بل وحتى يسوع، جانيوري (الشهر الاول من السنة).
Oannes/ Jonah/ Janus/John/ Jesus/ January
ذ – أظن بأنها نسبة للأسطورة المصرية وخروج أتوم من عماء المياه البدائي
ر – مرد ظهور الروح القدس مع انفتاح ابواب السماء يعود لقصة قديمة قد حدثت قبل ظهور المسيحية لقد حدث ذلك مع بوذا ، بعد نجاح بوذا بالتغلب على إغواء الشيطان " مارا " أخذ حمام تنقية بعد لحظة الاستنارة ، في نهر " نيرانجيار " فــ فتحت الديفا أبواب السموات ، وغطته بحمام من عبق الورود ،ذلك يذكرنا بطريقة مشابهة لما حدث من عماد يسوع على أيدي يوحنا المعمدان في نهر الاردن ، وذلك من خلال ظهور الحمامة وانفتاح السموات والصوت المنادي له بابن الله. التقى بوذا بعد ذلك التلميذ الحكيم " براهمن رودراكا " المبشر / الواعظ القدير ، وهذا يذكرنا بلقاء يسوع مع يوحنا المعمدان ، وحصوله على تلاميذ وخصوصا تلميذين من أتباع يوحنا .
ز- السيد المسيح ولد في مغارة وفقا لكل الموتيفات الشعبية وأيضا وفقا لأبرز الآباء الاوائل في الكنيسة آمثال جاستين مارتر والقديس جيروم و افلاطونيين كـ اوريجن وهي بالطبع نابعة عن أمر رمزي وقال ريتشارد ويلسون في كتابه New Testament Manu--script-- :
"بأن المسيح ولد في كهف وفقا للغة الاغريقية في العهد الجديد فهي اللغة الاصلية للعهد الجديد والكلمة هي σπηλαίω وفقا لقراءة ابيفان يوس لانجيل لوقا ".
س- في كل سنة عندما تنهي الشمس دورتها الكاملة حول دائرة البروج وتعود للنقطة من حيث ابتدأت " الاعتدال الربيعي" . وبعد الانتقال إلى السنة الجديدة تجد نفسها متأخرة عن الدورة التي سبقتها عن الوقت المخصص لها في تلك الفترة حول كامل الدائرة في السماء . وكنتيجة لذلك فهي تعبر خط الاستواء متأخرة قليلا عن الوقت الذي عبرته من السنة الماضية .وذلك يحدث بسبب بطء الحركة المرافقة لدوران الارض حول محورها . فإن تمايل الارض أو حدوث الميل عند الدرجة 23.5
وينشأ على إثره الفصول الاربعة وذلك عند ميل محور الارض في الدرجة 23.5.ويكون دوران الارض بالكامل 360حول نفسها مقداره 25920 سنة وهو ما نطلق عليه السنة الافلاطونية أو السنة العظيمة . وذلك التراجع بالحركة ما يُطلق عليه سبق الاعتدالين أو " الحركة البدارية " . وبذلك تتحرك الشمس عكس عقارب الساعة بحركة عكسية عبر كامل الكرة السماوية .وبالتالي فـ تفقد الشمس مامقداره درجة واحدة في كل 72 عام وذلك بحركة الأرض المقدرة بدرجة واحدة كل 72 عام و 30 درجة كل 2160 عام .
فإن كل علامة من دائرة البروج مؤلفة من 30 درجة ، و هذا التراجع يترجم على إنه فقد ما مقداره برج واحد وهذا يحصل تقريبا كل 2160 عام ، وعبر دائرة البروج كاملة يحدث بحوالي 25920 عام وهذا فيما معناه أن الشمس تحتل موقعا عبر أحد البروج الاثني عشر عند الاعتدال الربيعي لمدة تقارب 2160 أو 30 درجة وفي كل 72 عام مع حركة الارض درجة واحدة وعلى مدى 2160 عام تفقد الشمس موقعها في ذلك البرج،فبالتالي تترك المكان للبرج التالي ، وبذلك تخلي موقعها للبرج الذي يسبقه وليس الذي يليه .
وبهذا قد نجد تفسيرا لاهمية كون يسوع لديه من التلاميذ اثني عشر مع عمر الثلاثين وذلك عند تعميده من قبل يوحنا المعمدان ، وبعدها يبدأ حياته التبشيرية
ش – إن باطن الارض أو الكهف هو رحم جالبة الحياة ، الرحم هو رمز الانجاب والخلق . إن الام في الميثلوجيا هي المنزل . إن مكان الولادة هو رمز أنثوي يمثل كهف ، مغارة ، باطن الارض ، أو الانبثاق من صخرة كميثرا .هو مكان لولادة الحيوانات والانسان ، ولذلك فإنه شكل لرحم الام – الارض. ولذلك الجبل ، الصخرة كانت نمطا يشير أنذاك إلى الارض – الام .ذلك أن ايزس تجلس على حجر. وهنالك العمود المخروطي لحتحور .إن الحجر أو الجبل يعتبر Mons Veneris جبل العانة . لدى المرأة ، وهو أيضا الحجر المخروطي ل Elagabalus أو تجسيد لأفردويت والتي أشير إليها وفقا للكتاب البيزنطين بالحجر الاسود في مكة . فإن اليوني أو المهبل هو مكان الدخول والخروج من جبل العانة Mons Veneris وبالتالي هو الرمز الذي تجلب الام منه الاولاد من الارض /الرحم إلى ضوء الحياة .
ص – في القصة الأخرى من بدء تبشير يسوع يُقال بأنه بدء في عمر 28 عام ، والتي تمثل 28 يوم لدورة القمر أو القمر الشهري كما هو متعارف عليه لدى المصريين القدامي . ساتطرق لحادثة البعث القمري للمسيح بالكامل اعتمادا على انجيل يوحنا لدى مناقشتي حادثة الصلب في جزئية المسيحية .
ض – المقصود بذلك القديس جاستين مارتر لقد قال :
" بان الشيطان كانت له نظرة مستقبلية ، فأتى قبل المسيح ، وخلق خصائصه وكل ما يتعلق به في العالم الوثني ".
ط– أظن أن سيريل المقدسي أخطئ بوصف أن البهموت هو تنين ومرد خطأه لإعتباره أنه وحش يسكن في الماء فالتنين في سفر أيوب هو اللوثيان ومن أسماء التنين الواردة في العهد القديم ولايرد بها ذكر البيهموت كواحد منها :
" يم ، نَهَر، لوثيان ، رهب ، تنين وهنالك من بين قوى الهيولى المائي " جليم ، اللجة او الغمر ، تهوم /اللجة او الغمر ، مايم /ماء ، تسولاه / الاعماق " . اما البهموت نجد أنه اله هندي له شكل فيل فلذلك يهوه يصف البهموت في نفس سفر ايوب على انه آكل اعشاب كالبقر : هوذا بهيموث الذي صنعته معك ياكل العشب مثل البقر .وآخرون يقولون بانه فرس النهر .
ظ – الاله الضفدع يقابله في الميثلوجيا المصرية الالهة هيكيت Heket وهي تختلف عن الاله الاغريقية Hekate الهة القمر وهذا خطأ وقع به صاحب الكتاب الذي اقتبست منه ، حيث قال أن هيكات المصرية "الضفدع " الهة القمر.
ع- في ايام رئيس الكهنة حنان و قيافا كانت كلمة الله على يوحنا بن زكريا في البرية، فجاء الى جميع الكورة المحيطة بالاردن يكرز بمعمودية التوبة لمغفرة الخطايا " انجيل يوحنا" .

المصادر والمراجع :
أولا: المصادر العربية :
-الكتاب المقدس العهد القديم
-الانجيل
- القرآن
-الاناجيل المنحولة
- خليل ، خليل أحمد ، سوسيولوجيا الجمهور السياسي الديني في الشرق الاوسط المعاصر ، المؤسسة العربية للدراسات والنشر بيروت
- إلياد ، ميرساه ، البحث عن التاريخ والمعنى في الدين ، المنظمة العربية للترجمة –الحمراء –بيروت .
- إلياد ، ميرساه ،مظاهر الاسطورة ، دار كنعان للدراسات والنشر ،دمشق ، 1991
- إلياد ، ميرساه،أسطورة العود الابدي ، دار طلاس للدراسات والترجمة والنشر ، دمشق ، 1987
-إلياد ، ميرساه، تاريخ المعتقدات والافكار الدينية ، دار دمشق ، دمشق، 1986
- سميث ، روبرتسن ، محاضرات في ديانة الساميين ، مطابع الاهرام بكورنيش النيل
-ويلام و هيرفيه ، ليجه ودانييل ، سوسيولوجيا الدين ، المجلس الأعلى للثقافة ، القاهرة ،2005
-أرمسترونج ، كارين ، مسعى البشرية الازلي الله لماذا ؟ ، الهيئة المصرية العامة للكتاب ،القاهرة ،2010
- أرمسترونج ، كارين ، تاريخ الاسطورة ، الدار العربية للعلوم ناشرون ، 2008
- أرمسترونج ، كارين، معارك في سبيل الاله الاصولية في اليهودية والمسيحية والاسلام ، مطابع لوتس ، 2000
- أرمسترونج ، كارين ، القدس مدينة واحدة عقائد ثلاث ، سطور ، 1998
-الوردي ، علي ، دراسة في سوسيولوجية الاسلام ، الوراق للنشر المحدودة ، 2013
- يحيى ، أسامة عدنان ، الآلهة في رؤية الانسان العراقي القديم دراسة الاساطير ، أشور بانبيبال ، بغداد ، 2015
-السواح ، فراس ، لغز عشتار الالوهة المؤنثة وأصل الدين والاسطورة ، دار علاء الدين ، دمشق ، 1985
- السواح ، فراس ،الوجه الاخر للمسيح :موقف يسوع من اليهودية واله العهد القديم –ومقدمة في المسيحية الغنوصية ، دار علاء الدين ، دمشق ، 2004
- داود ، أحمد ، العرب والساميون والعبرانيون وبنو اسرائيل واليهود ، دار المستقبل ، دمشق ،1991
-بريوشينكين ، س ، أسرار الفيزياء الفلكية والميثلوجيا القديمة ، دار علاء الدين ،دمشق ،2006
- عجينة ، محمد ، أساطير العرب عن الجاهلية ودلالاتها ،دار الفارابي ،بيروت ، 1994 ،المجلد الاول
- فريزر ،جيمس ،أدونيس أو تموز دراسة في الاساطير والاديان الشرقية القديمة ،المؤسسة العربية للدراسات والنشر ،بيروت ،1979 الطبعة الثانية .
- فريزر ،جيمس ،الفولكلور في العهد القديم ،الهيئة المصرية العامة للكتاب ،1972 المجلد الاول .
- فريزر ،جيمس ،الفولكلور في العهد القديم ،الهيئة المصرية العامة للكتاب ،1974 المجلد الثاني
- كامبل ،جوزيف ،البطل بألف وجه ،دار الكلمة للنشر ،دمشق ،2003

ثانيا :المصادر الاجنبية :
Moses In Ancient Egypt & The Hidden Story, Richard,Darlow-
Bible Of The
Geoffrey ,romiley- The International Standard Bible Encyclopedia,
, Volume 4

Walther, Eichrodt-, Theology of the old testament ,vol2
- Hall, Manly , the secret teaching of all ages
- Matt , Daniel c , The Zohar: Pritzker Edition, Vol. 1
- SQUIER, G American Archaeological Researches, No. 1, The Serpent Symbol and the Worship of the Reciprocal Principles of Nature in America
- Blavatsky , HP , ,vol I Secret Doctrine The
- Massey , Gerald ، Lectures
- Campbell , Joseph ، Occidental Mythology
- Neumann, Erich. Amor and Psyche
- Leet , Leonora ، The Universal Kabbalah
- Briffault , Robert ، vol3 , The Mothers
Hebrew and Babylonian Traditions: The Haskell, Morris, Jastrow-
Lectures, Delivered at Oberlin College in I913, And (Classic Re--print--)

ثالثا :مصادر الانترنت :
- http://www.ancient-origins.net/human-origins-religions/startling-similarity-between-hindu-flood-legend-manu-and-biblical-020318
- http://www.odabasham.net/مقالة/80528-الخسوف-والكسوف-في-عادات-الشعوب
- http://astrotheology.net/jonah-and-the-whale-is-an-ancient-sun-myth/




#هرمس_مثلث_العظمة (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295





- “خليهم يتعلموا ويغنوا ” نزل تردد قناة طيور الجنة للأطفال وأم ...
- فيديو خاص عيد الفصح العبري واقتحامات اليهود للمسجد الأقصى
- “ثبتها الآن” تردد قناة طيور الجنة 2024 Toyor Aljanah لمشاهدة ...
- بعد اقتحامات الأقصى بسببه.. ماذا نعرف عن عيد الفصح اليهودي ا ...
- ما جدية واشنطن في معاقبة كتيبة -نيتسح يهودا- الإسرائيلية؟
- بالفيديو.. مستوطنون يقتحمون الأقصى بثاني أيام الفصح اليهودي ...
- مصر.. شائعة تتسبب في معركة دامية وحرق منازل للأقباط والأمن ي ...
- مسئول فلسطيني: القوات الإسرائيلية تغلق الحرم الإبراهيمي بحجة ...
- بينهم طلاب يهود.. احتجاجات مؤيدة للفلسطينيين تهز جامعات أمري ...
- أسعدي ودلعي طفلك بأغاني البيبي..تردد قناة طيور الجنة بيبي عل ...


المزيد.....

- الكراس كتاب ما بعد القرآن / محمد علي صاحبُ الكراس
- المسيحية بين الرومان والعرب / عيسى بن ضيف الله حداد
- ( ماهية الدولة الاسلامية ) الكتاب كاملا / أحمد صبحى منصور
- كتاب الحداثة و القرآن للباحث سعيد ناشيد / جدو دبريل
- الأبحاث الحديثة تحرج السردية والموروث الإسلاميين كراس 5 / جدو جبريل
- جمل أم حبل وثقب إبرة أم باب / جدو جبريل
- سورة الكهف كلب أم ملاك / جدو دبريل
- تقاطعات بين الأديان 26 إشكاليات الرسل والأنبياء 11 موسى الحل ... / عبد المجيد حمدان
- جيوسياسة الانقسامات الدينية / مرزوق الحلالي
- خطة الله / ضو ابو السعود


المزيد.....


الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - هرمس مثلث العظمة - ثلاثية الانسان العربي والتاريخ المدنس عندما تتحدث الطبيعة وتصمت الآلهة (الجزء الاول )