أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - اليسار , الديمقراطية والعلمانية في المشرق العربي - ياسين الحاج صالح - تطييف، لا طوائف ولا طائفية















المزيد.....

تطييف، لا طوائف ولا طائفية


ياسين الحاج صالح

الحوار المتمدن-العدد: 5549 - 2017 / 6 / 12 - 00:57
المحور: اليسار , الديمقراطية والعلمانية في المشرق العربي
    


يتحدى كتاب "تطييف: رسم خرائط السياسات الجديدة في الشرق الأوسط"، أطروحات سائدة في فهم الصراعات الجارية في منطقتنا، تردها إلى صراع سني شيعي ينبع من واقعة وجود السنة والشيعة، أو بصورة أوسع إلى صراعات طائفية، تنبثق من تكوين مجتمعات الإقليم. الكتاب الذي حرره نادر هاشمي وداني بوستل من مركز دراسات الشرق الأوسط في جامعة دنفر الأميركية، يتألف من مقدمة للمحررين، ومن 14 عشر بحثاً، توزعت على قسمين. يعتني القسم الأول بالتطييف من منظور تاريخي وجيوسياسي ونظري، تتصدره مقالة مهمة لأسامة مقدسي عن بدايات ظهور الطائفية الحديثة في القرن التاسع عشر العثماني، فيما تختبر تسعة أبحاث في القسم الثاني أطرحة التطييف في بلدان مثل باكستان والعراق وسورية والسعوية وإيران واليمن والبحرين ولبنان والكويت، وتهتم خاتمة الكتاب ببناء السلام في صراعات مطيفة.
هذا العرض التعريفي الوجيز يقتصر على تناول مقدمة المحرريْن، وعلى البحث المخصص لسورية في االمتن.
عنوان الكتاب، Sectarianization، أي تطييف، يكثف بكلمة واحدة أطروحة المحررين: يجري تطييف صراعات اجتماعية وسياسية راهنة، بمبادرة من نخب نافذة، بخاصة نخب السلطة في بلدان المنطقة، وليست تلك الصراعات نتاجاً طبيعياً لوجود طوائف على ما يفضل الاعتقاد أمثال باراك أوباما الذي تكلم غير مرة على "اختلافات طائفية قديمة" أو على "انقسامات قديمة" كتفسير للصراع السوري، وأعاد جذور هذه الصراعات إلى "ألوف السنين"؛ أو مثل السناتور تِد كروز الذي رأى أن "السنة والشيعة منخرطون في صراع أهلي طائفي منذ العام 632" (يعني منذ لحظة وفاة الرسول)؛ وتفوق عليهما معاً المعلق التلفزيوني الأميركي بيل أورايلي الذي يبدو متيقناً مما يقول: "السنة والشيعة يريدون قتل بعضهم. يريدون تفجير بعضهم. يريد الواحد منهم تعذيب الآخر. يستمتعون بذلك... هذا ما قال لهم الله أن يفعلوا، وهذا ما يفعلون"؛ الله حاضر أيضا فيما اقترحته سارة بالين، حاكمة ألاسكا، على السياسة الأميركية من وجوب "ترك تصريف هذا الشأن لله".
لكن خلافاً نظرية المؤسسة الأميركية هذه، الطوائف أقرب إلى نتاج للصراع منها إلى ذواته المستنفرة دوماً للانقضاض على أعناق بعضها. "التطييف" يقول هاشمي وبوستل، هو "عملية يرتبها فاعلون سياسيون يعملون في سياقات محددة، بغرض تحقيق أهداف سياسية تقتضي تعبئة شعبية حول سمات هوياتية معينة، دينية تحديداً". وللتسلطية السياسية موقع مركزي في أطروحة التطييف. التسلطية، وليس اللاهوت، هي العامل الحاسم الذي يشكل عملية التطييف". وقد "تعمدت النظم التسلطية في الشرق الأوسط استغلال الهويات الطائفية بصور متنوعة كاستراتيجية لحرف مطالب التغيير السياسي بعيداً عنها ولإدامة سلطتها". وبعبارة أخرى، فإن "الصراع الطائفي في الشرق الأوسط اليوم هو استمرار لنظم الحكم القائمة، وذلك عن طريق التعبئة الهوياتية".
ويميز المحرران بين ثلاث مدارس عرفتها العلوم الاجتماعية فيما يخص التعبئة القومية الإثنية، أو الدينية الإثنية: المدرسة الدائمية (primordial) التي ترى أن "حس الهوية عضوي" عند الجماعات، وأنه "مترسخ بعمق في العلاقات الاجتماعية وفي السيكولوجية البشرية". وتنزع هذه المدرسة التي صدر عنها الاستشراق في عمومه وعمل على ترسيخها إلى ترويج تفسيرات من صنف ما سبق ذكره على ألسنة مسؤولين وإعلاميين أميركيين، أي اشتقاق الصراعات الإثنية والدينية من تكوينات قديمة ودائمة للجماعات. وفي فصل نظري تاريخي كتبه أسامة مقدسي في بداية القسم ألأول من الكتاب، يذكر اسمي كل من المستشرق الأميركي برنارد لويس والشاعر السوري أدونيس كمثالين على هذه المقاربة. المدرسة الثانية هي الأداتية، وهي تقترح أن الروابط الدينية الإثنية "مطواعة"، وميسرة لـ"التلاعب" بها في العمليات السياسية. "التعبئة الدينية الإثنية هي أداة في خدمة الفاعلين القادرين على تقديم مصالحهم السياسية والاقتصادية من خلال القيام بدور رواد مشاريع سياسية". وعليه، تعتبر المدرسة الأداتية الطوائف أدوات في الصراع السياسي تستخدمها النخب لمصالحها. المدرسة الثالثة هي البنائية، و"يرى مناصرو هذه النظرية أن الهوية الدينية أو الإثنية ليست ثابتة، وإنما هي بناء سياسي قائم على شبكة كثيفة من العلاقات الاجتماعية المشكلة لسياق الحداثة". ولا يؤمن البنائيون بأن النزاع متأصل في الإثنية أو الدين، بل هو ينبع من "نظم اجتماعية مريضة" ومن "بنى للفرص السياسية" مولدة للنزاع عبر "تشققات اجتماعية متعددة تتجاوز قدرة الأفراد على التحكم".
أطروحة الكتاب، التطييف، تنحاز إلى هذه المدرسة الثالثة، لتكون الطوائف بناءات اجتماعية تتشكل في الصراع، وليكون المدخل إلى فهم الصراعات الطائفية ليس وجود "طائفة" سنية وأخرى شيعية مثلاً، أو وجود مسلمين ومسيحيين، بل الصراعات السياسية على السلطة والموارد. وكمثال داعم لأطروحتهما، يذكر المحرران أنه بعد حرب 2006 الإسرائيلية على لبنان أظهر "سبر للرأي العام أن حسن نصرالله (الشيعي) هو القائد الأكثر شعبية في المنطقة (ذات الأكثرية السنية)، وهي واقعة تظهر الهوة بين الدولة والمجتمع في العالم العربي، وكيف أن مناهضة الامبريالية تتغلب على الهوية الطائفية على المستوى الشعبي حينذاك".
أطروحة الكتاب مناسبة جداً لإضاءة الصراع السوري، لكن البحث المخصص لسورية: الأمة المحطمة: تطييف الصراع السوري، وقد كتبه باولو غابرييل حلو (أو هلو) بنتو، أضاع الأطروحة في تناول تقليدي يحاول أن يكون عادلاً دون معرفة، وعارفاً دون عدالة، فيضيع ويُضيِّع، ولا يكاد يضيف شيئا عما يمكن أن يقوله أي باحث غربي قرأ مقالات وكتباً (ليست كثيرة) عن سورية. يقرر الرجل منذ البداية تقريباً أنه "مما لا جدال فيه أن المحتجين السوريين استنفروا إحالات دينية منذ بداية الانتفاضة". بل هناك كثير من الجدال في ذلك، وكثير من الحاجة للتدقيق والاستدراك. يتكلم بنتو على "وطنية دينية" سورية يقول إن النظام رعاها لنيل الدعم من المسلمين الورعين وقت كان الضغط الدولي يشتد على سورية إثر اغتيال الحريري. يبدو لي هذا كلاماً "أجنبياً" وانطباعياً إلى أقصى حد، مبنياً على مشاهدات سطحية، تخلط بين عناصر إعلامية ورمزية يجري توظيفها سياسياً وبين البنى السياسية والمؤسسية التي ظلت كما كانت متمركزة حول النظام وشخص الرئيس. الكلام على وطنية دينية سورية بعد عام 2005 في "سورية الأسد"، وهو فكرة رئيسية في بحث بنتو، يبيح لنا التساؤل عما إذا لم يكن بنتو ضحية تلاعب إيديولوجي لم ينطل على أحد من السوريين. كنا نحتاج إلى من يزيل حجب التضليل في التفكير في الشأن السوري، لا لمن يكتب جاداً أن بشار الأسد ونظامه عملا من أجل "وطنية دينية سورية"، إسلامية فيما يبدو.
ويعطي الكاتب انطباعاً بأن المظاهرات السورية خرجت من الجوامع لأنها لم تستطع الإشغال الدائم لفضاءات عامة مدينية. هذا خلط انطباعي بدوره: خرجت مظاهرات من جوامع فعلاً، لكن مظاهرات كثيرة لم تخرج من جوامع، ومنها بخاصة تلك التي حاولت احتلال ساحات رئيسية. ويخطئ بنتو أو ربما تعرض لتضليل من مصادر معلوماته حين يقول "إن جغرافيا الاحتجاجات تتراكب جزئيا مع المناطق التي تحوز السلفية فيها حضورا أقوى، مثل حوران ووادي الفرات وإدلب وظواهر المدن الكبرى". الرجل لا يحيل إلى أي مصدر لدعم ما يقول، ولا يحيل إلى سوريين، ويكشف عن جهل مؤسف حين يعتقد أن منطقة حوض الفرات (نتكلم على ما قد يقترب من ثلث مساحة البلد) أو حوران، أو حتى إدلب، كان فيها حضور سلفي قوي قبل الثورة. الواقع أن كل ما كتبه بنتو يظهر قلة معرفة الرجل بسورية ومجتمعها، واعتماده إما على مصادر تعرف القليل بدورها، أو على مقالات في الصحف. يأسف المرء أن مادة عن التطييف في سورية لم يكتبها سوري، أو أقله باحث غربي معروف بمعرفته بسورية (ترد على البال أسماء كثيرة). إحدى مشكلات تناول الشرق الأوسط في العلوم الاجتماعية في الغرب أن المعنيين ليسوا هم من يكتبون عن بلدانهم. هذا هو مصدر الانطباعية الشائعة، وهو في رأيي يتوافق مع المدرسة الدائمية التي يتكلم عليها هاشمي وبوستل في مقدمة الكتاب. بنتو لا يبدو أنه يقرأ العربية، وهو لا يحيل إلى مصدر سوري واحد تناول قضية الطائفية أو أي جانب من جوانب الثورة السورية، أو الحياة السياسية السورية عموماً. مصادره كتابات غربية، ومقابلات بشار الأسد ووسائل إعلامه بالانكليزية. لا أقول إنه يجب كف يد غربيين عن الكتابة عن سورية مثلاً، لكن سيكون أمراُ طيباً أن يكتب سوريون أكثر.
ليس بحث بنتو خاليا من القيمة على كل حال. يتكلم محقاً على "التوزيع الطائفي للعنف" بغرض "تعميق الشروخ الطائفية بين المحتجين وتقسيمهم وعزلهم". لكن في افتقار تام إلى الحس السياسي والتاريخي، يعود بعد ذلك إلى الكلام على "طرفين" (النظام وطرف آخر غير محدد، لكمنه يبدو متجانساً) يوزعان الهويات الدينية على الأراضي التي يسيطران عليها بهدف إنتاج مناطق متجانسة، ويضيف شيئاً عن "منطق العنف والانتقام الذي يمزق النسيج الاجتماعي" الذي تزعم كل "الأطراف" الحرض عليه! أسلوباً ومضموناً، هذا كلام نفتقر غلى حس الزمن، إلى حس التفاصيل، إلى حس الموقع، إلى كل شيء تقريباً.
على أن الكتاب بالغ الأهمية رغم ذلك، يس في أطروحته الرئيسية فقط، ولكن في أكثر أبحاثه. أنوبخاصة ببحث والي نصر عن باكستان: الساسات الدولية، الإلزامات المحلية، والتعبئة الهويتية: الطائفية في باكستان 1979-1998؛ وبحث ستيسي فلبريك ناداف عن البحرين: التطييف والأمننة: سياسة الهوية والثورة المضادة في البحرين، والبحث إسكندر صادقي بروجردي عن إيران: العمق الاستراتيجي، مكافحة التمرد ومنطق التطييف: العقيدة الأمنية لجمهورية إيران الإسلامية وتضميناتها الإقليمية.



#ياسين_الحاج_صالح (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- الهزيمة والدولة، حزيران 67 ودولة حافظ الأسد
- 11 ملاحظة لعلماني سوري على الإسلاميين السوريين
- -عبرنا جسراً، وقد اهتزّ-/ وندي بيرلمان وأنسنة القصة السورية
- الديمقراطية الليبرالية في أزمة، في العالم وعندنا
- تشومسكي في نظرة سورية
- صادق جلال العظم: الاستشراق، الاستشراق المعكوس وسياسة المثقف
- سورية بين مستحيلات ثلاثة
- داعش في العالم: الآثار الحقوقية والسياسية لظهور كائن مجنون
- السُّنّة التدمُرية: صيدنايا، التحول العنصري، الإبادة
- سميرة... العلوية!
- العار والذات
- سميرة ورزان والحجاب: استعادة كرامة السفور
- -سورية، الدولة المتوحشة-: الكتابة ضد الاختزال
- سميرة من سورية
- سورية واليسار الأنتي امبريالي الغربي
- يوم للصمت
- النظام الشرق أوسطي والسياسة المستحيلة
- تجربة الغياب: عن سميرة ورزان ووائل وناظم
- من أجل سياسة ديموقراطية جذرية في شأن المسألة الإسلامية
- حرب بالإجماع بلا قضية عامة


المزيد.....




- مجلس الشعب السوري يرفع الحصانة القانونية عن أحد نوابه تمهيدا ...
- تحذير عسكري إسرائيلي: إذا لم ينضم الحريديم للجيش فإن إسرائيل ...
- السفير الروسي ردا على بايدن: بوتين لم يطلق أي تصريحات مهينة ...
- بالفيديو.. صواريخ -حزب الله- اللبناني تضرب قوة عسكرية إسرائي ...
- وزير الدفاع الكندي يشكو من نفاد مخزون بلاده من الذخيرة بسبب ...
- مصر.. خطاب هام للرئيس السيسي بخصوص الفترة المقبلة يوم الثلاث ...
- -أضاف ابناً وهميا سعوديا-.. القضاء الكويتي يحكم بحبس مواطن 3 ...
- -تلغراف- تكشف وجود متطرفين يقاتلون إلى جانب قوات كييف وتفاصي ...
- إعلام سوري: سماع دوي انفجارات في سماء مدينة حلب
- البنتاغون: لم نقدم لإسرائيل جميع الأسلحة التي طلبتها


المزيد.....

- جدل ألوطنية والشيوعية في العراق / لبيب سلطان
- حل الدولتين..بحث في القوى والمصالح المانعة والممانعة / لبيب سلطان
- موقع الماركسية والماركسيين العرب اليوم حوار نقدي / لبيب سلطان
- الاغتراب في الثقافة العربية المعاصرة : قراءة في المظاهر الثق ... / علي أسعد وطفة
- في نقد العقلية العربية / علي أسعد وطفة
- نظام الانفعالات وتاريخية الأفكار / ياسين الحاج صالح
- في العنف: نظرات في أوجه العنف وأشكاله في سورية خلال عقد / ياسين الحاج صالح
- حزب العمل الشيوعي في سوريا: تاريخ سياسي حافل (1 من 2) / جوزيف ضاهر
- بوصلة الصراع في سورية السلطة- الشارع- المعارضة القسم الأول / محمد شيخ أحمد
- تشظي الهوية السورية بين ثالوث الاستبداد والفساد والعنف الهمج ... / محمد شيخ أحمد


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - اليسار , الديمقراطية والعلمانية في المشرق العربي - ياسين الحاج صالح - تطييف، لا طوائف ولا طائفية