أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الارهاب, الحرب والسلام - حسين محمد العنگود - خريف منارة الحدباء















المزيد.....

خريف منارة الحدباء


حسين محمد العنگود

الحوار المتمدن-العدد: 5537 - 2017 / 5 / 31 - 22:41
المحور: الارهاب, الحرب والسلام
    


لم يكن عفويّا، اختيار البغدادي منبر الجامع النوري دون سائر جوامع الموصل ومساجدها ليعلن خلافته فيه .فعندما اعتلى البغدادي زعيم مايسمى تنظيم الدولة (داعش )منبر جامع النوري في اليوم الخامس والعشرين من استيلاءه على الموصل، أي في الجمعة الاولى من رمضان او الرابع من تموز عام 2014 ، كان محاطا بعشرات المساجد ذات الباحات الواسعة وكان بامكانه ان يعتلي اي منبر آخر من الجوامع التي ترفل بها نينوى، والاكثر سعة وجمهورا ربما.لكنه هوس الرمزية الذي غالبا مااستولي على اذهان امراء الحروب او قادة التيارات الفكرية ،كخطوة مختصرة تتيح لهم بسط نفوذهم على رغبات الناس واهوائهم ،عبر ملامسة المنطقة الرخوة من القلب او العقل او الروح ،وأعني بذلك الخضوع لفكرة الرمز السالف او الغائب المقدس ،اذا كان ثمة مقدس يعرفه اؤلئك وهؤلاء.
فالمنارة التي شيدها في النصف الثاني من القرن الميلادي الحادي عشر، نور الدين زنكي ــ الابن الثاني للملك العادل عماد الدين زنكي ،عند ما حكم الموصل بعد أن سار اليها واحتلها بلا مقاومة سنة 566 هـ . نقش على محرابها الآية 148 تحديدا من سورة البقرة والتي تذكر المسجد الأقصى كأشارة مبدئية منه لنشر "رسالة الجهاد في الموصل" لاجل" تحرير القدس" كما يزعمون .اذ يعده المؤرخون انه قد مهد لصلاح الدين الايوبي فتح القدس بعد ان توحدت مصر والشام على يديه آنذاك [1]
ثمة رمزية قائمة في الطريق الذي سلكه البغدادي في ادعائه اتبّاع خطى بعض الرموز السالفة على الاقل في نظر مريديه،وخطبة الجمعة الاولى من رمضان في الجامع النوري هي احدى هذه الرموز التي يغذي بها الفكر المسلح للتنظيم رؤوس مقاتليه حديثي التدين من شرق آسيا ،على اعتبار ان تأثير الاسطورة يشتغل بفعالية لدى الأفراد الذين يعيشون طور المراهقة في عمر فكرة او تيار معين،فيما لاتغيب الاسطورة ايضا عن ادبيات المجتمعات وفي جميع مدن العالم دون استثناء تنمو الاسطورة هنا تحديدا حول مئذنة الحدباء في الجامع النوري في الموصل،ففيما يعتقد صنف من الناس ان النبي الخضر مرّ بالمنارة فمالت خجلا منه، يعتقد صنف آخر ان الإمام عليّا جاء لزيارة حفيده علي الأصغر فانحنت احتراما له، ويستدلون باسم منطقة (دوسة علي)[2] المجاورة.لم يفلت المسيحييون من سطوة هذه الاسطرة ،فهم يعتقدون ايضا ان المنارة انحنت لمريم العذراء والتي يقال انها مدفونة قرب اربيل باتجاه ميلان المنارة[3]
كتب الرحالة الذين وصلوا الموصل عن الجامع، فقد قال ياقوت الحموي في معجمه في باب ذكر الموصل: «وسورها يشتمل على جامعين، تقام فيهما الجمعة، احدهما بناه نور الدين محمود وهو في وسط السوق، وهو طريق للذاهب والجائي، مليح كبير».[4] فيما ذكره أبو شامة المقدسي قائلا: (إليه النهاية في الحسن والاتقان) [5)
وذكره أيضا ابن جبير في رحلته، حيث قال «وللمدينة جامعان: أحدهما جديد، والآخر من عهد بني أمية...ويجمع في هذين الجامعين القديم والحديث، ويجمع أيضاً في جامع الربض».[6] ويقصد بالجديد الجامع النوري حيث قضى في الموصل أربعة أيام من 22 إلى 26 صفر 580 هـ (4-8 يونيو/حزيران 1184 م).[7] وفي رحلته قال ابن بطوطة «وبداخل المدينة جامعان أحدهما قديم والآخر حديث وفي صحن الحديث منهما قبة في داخلها خصة رخام مثمنة مرتفعة على سارية رخام يخرج منها الماء بقوة وانزعاج فيرتفع مقدار القامة ثم ينعكس فيكون له مرأى حسن.»[8] وقد يقصد بالحديث الجامع النوري. وذكرها أيضا الرحالة الأجانب ومنهم جيمس سلك بكنغهام والذي زار المنطقة في بداية القرن التاسع عشر وقال ان الجامع (كان سابقا كبيرا وجميلا، لكنها الان مدمرة بالكامل)[9)ويقال أيضا أن الجامع بنى على كنيسة تسمى كنيسة الأربعين شهيد والتي بنيت على أرض كانت سابقا كنيسة القديس بولس..
تدور المعارك حاليا في المربع الصغير الذي تتزاحم فيه العمارات والمنازل بشكل مكثف، والذي يقطنه ربع مليون انسان حسب الامم المتحدة ،هذا المربع الذي مساحته بضعة مئات من الامتار يقع في منتصفه الجامع النوري الذي اعلن فيه زعيم تنظيم الدولة داعش خلافته قبل 3 سنوات،وفي الركن الشمالي الغربي من حرم الجامع النوري تقف شاهقة رغم انحنائها الازلي ، المئذنة الحدباء .
ينشغل العالم كثيرا بهذا الأثر الانساني العتيق وتكتب البحوث والتحليلات عنه في دوريات وصحف ومجلات محلية واقليمية بشكل دائم،فيما لاينسى صحفيون ومراسلون ذكر المئذنة ضمن تقاريرهم الاخبارية اليومية عن معركة الموصل،القراءة الاكثر ملامسة للقلق الانساني حيال قضية مئذنة الحدباء هي التي وردت ضمن التقرير الاخباري الذي قدمه مراسل قناة العربية في العراق احمد الحمداني حين قال"ثلاثة مليون موصلّي يكتمون انفاسهم قلقا على آخر ماتبقّى من ارثهم الديني والثقافي بعد ان فجرت داعش مراقد الانبياء والصالحين في مدينتهم ،ثلاثة مليون موصلي اعينهم معلقة على المنارة الحدباء أخر ماتبقى على الارض من رموز مدينتهم) فيما قال شاعر جنوبّي عذب قبل سنوات( متتصف التسعينيات اكملت دراستي الجامعية في نينوى الحدباء ،وفي منارة الحدباء عشت اجمل حب اثناء سفرة جامعية للمنارة الحدباء،وكنا عندما نتيه في شوارع المدينة نستدل بالمنارة الحدباء،ولاأدري كيف تكون الموصل دون منارة حدباء)
المنارة الاعلى في العراق ،والمدرجة ضمن الصندوق العالمي للآثار والتراث في قائمة الأكثر مائة آثر المهدّدة في العالم والتي بلغ عمرها اكثر من ثمانية قرون، كل الدلائل تشير الى اقتراب زوالها الاخير ،فثمة وسواس يحيط بالتنظيم المتطرف داعش حيال هذا الأثر العظيم، يتعلق هذا الوسواس برمزية المكان الذي شهد اعلان دولته ،فيما لم يسلم من هذا الوسواس الكثير من الفصائل التي تحتشد لمزاحمة الجيش لبلوغ هذا الرمز لاجل نسفه! أجل نسفه وليس أي شيء آخر،فان لم يكن داعش قد عبّأ بعد،دهاليز المنارة بالديناميت لتفجيرها لاحقا ،فان الكثير من امراء الحروب ينتظرون لحظة الأنقضاض عليها لنسفها اواقتلاعها من جذروها انسياقا وراء اعتقادات خلفها الوباء الثأري الذي يتم بثه وغرسه ــ عبر اعلام حربي مقنّن ــ في صدور تلك الفصائل منذ سنوات .صمدت المنارة طيلة اكثر من ثمانية قرون ،لكنها سئمت الانحناء بعد ان انهكها الغزاة القدماء والغزاة الجدد ولاقوّة للثبات بعد الآن،أو هكذا يضمر لها الغزاة والمحررون معا، وهذا ماسيفعلونه حتما !


الهوامش
ــــــــــــــــ
[1] الحروب الصليبية ،وجهات نظر اسلامية ،روتليدج ص 160-161
[2] الديوه جي، سعيد (1956). "أعلى منارة في العراق.. الجامع النوري في الموصل". مجلة اهل النفط العدد 58. اطلع عليه بتاريخ 27-05-2011.
[3] الغضنفري، واثق. "منارة الحدباء تطلب اللجوء الإنساني". المحرر. اطلع عليه بتاريخ 09-06-2011
[4] ،معجم البلدان،ياقوت الحموي ،باب الميم والواو وما يليهما
[5]ذكر مدينة الموصل رحلة ابن جبير/الرحلة إلى العراق
[6] بوسورث، كليفورد ادموند (2007)
[7] مدينة الموصل تحفة النظار في غرائب الأمصار وعجائب الأسفار (الجزء الأول)
[8] العراق،ارض النهرين،كولينز،يونغ،غافن 1980
[9] السفر الى بلاد مابين النهرين ،بكنغهام،جيمس سالك،جامعة اوكسفورد






#حسين_محمد_العنگود (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- مصانع تدوير الأزمات
- فقاعات ورم نينوى
- الموصل،المعركة الانشطارية التي أريد لها ان لاتنتهي


المزيد.....




- روسيا توقع مع نيكاراغوا على إعلان حول التصدي للعقوبات غير ال ...
- وزير الزراعة اللبناني: أضرار الزراعة في الجنوب كبيرة ولكن أض ...
- الفيضانات تتسبب بدمار كبير في منطقة كورغان الروسية
- -ذعر- أممي بعد تقارير عن مقابر جماعية في مستشفيين بغزة
- -عندما تخسر كرامتك كيف يمكنك العيش؟-... سوريون في لبنان تضيق ...
- قمة الهلال-العين.. هل ينجح النادي السعودي في تعويض هزيمة الذ ...
- تحركات في مصر بعد زيادة السكان بشكل غير مسبوق خلال 70 يوما
- أردوغان: نتنياهو -هتلر العصر- وشركاؤه في الجريمة وحلفاء إسرا ...
- شويغو: قواتنا تمسك زمام المبادرة على كل المحاور وخسائر العدو ...
- وزير الخارجية الأوكراني يؤكد توقف الخدمات القنصلية بالخارج ل ...


المزيد.....

- كراسات شيوعية( الحركة العمالية في مواجهة الحربين العالميتين) ... / عبدالرؤوف بطيخ
- علاقات قوى السلطة في روسيا اليوم / النص الكامل / رشيد غويلب
- الانتحاريون ..او كلاب النار ...المتوهمون بجنة لم يحصلوا عليه ... / عباس عبود سالم
- البيئة الفكرية الحاضنة للتطرّف والإرهاب ودور الجامعات في الت ... / عبد الحسين شعبان
- المعلومات التفصيلية ل850 ارهابي من ارهابيي الدول العربية / خالد الخالدي
- إشكالية العلاقة بين الدين والعنف / محمد عمارة تقي الدين
- سيناء حيث أنا . سنوات التيه / أشرف العناني
- الجدلية الاجتماعية لممارسة العنف المسلح والإرهاب بالتطبيق عل ... / محمد عبد الشفيع عيسى
- الأمر بالمعروف و النهي عن المنكرأوالمقولة التي تأدلجت لتصير ... / محمد الحنفي
- عالم داعش خفايا واسرار / ياسر جاسم قاسم


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الارهاب, الحرب والسلام - حسين محمد العنگود - خريف منارة الحدباء