أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - عرير الهلالي - مميزات جماعة العدل والإحسان من خلال - المهاج النبوي-















المزيد.....


مميزات جماعة العدل والإحسان من خلال - المهاج النبوي-


عرير الهلالي

الحوار المتمدن-العدد: 1446 - 2006 / 1 / 30 - 09:26
المحور: العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
    


يشكل ( المنهاج النبوي) الأساس الإيديولوجي لجماعة العدل والإحسان, والعضو داخل الجماعة مدعوة, في إطار التكوين التربوي والنفسي, للإ طلاع عليه. وهي دعوة ملزمة ما فتئ يشدد عليها مرشد الجماعة. ولقد اجتهد بعض أعضاء الجماعة في تفسير المعالم الأساسية للكتاب على شكل كراسات ومقالات وملتقيات داخلية لتقريب تصور المرشد في جوانبه التربوية الإيمانية إلى الأذهان. وهي منطلقات ضرورية لضمان إعادة إنتاج الفرد ودمجه داخل محيط الجماعة مع حرصه على الانضباط الصارم وفق تراتبية هرمية تسمح للفرد بتحسين وضعه التنظيمي متدرجا بذلك في المرتب الإيمانية عبر المرور من صفة نصير إلى مهاجر إلى نقيب...
تكاد الهيكلة التنظيمية لجماعة العدل والإحسان تنفرد بخصوصيتها داخل المشهد السياسي, لكونها تنتقل من الواحد المرشد كأعلى سلطة حائزة على صلاحيات هامة تمكنها من ضبط مسار الجماعة من أي انفلا تات تخرج عن دائرة المرشد (الأمير هو الذي يمضي ويرفض خطط التربية, وبرامج الدعوة أو يعدلها ويعين اختصاصات الأجهزة 1). كما أن( الأمير هو صاحب الأمر والنهي في كل صغيرة وكبيرة2 ).وإذا نظرنا إلى الهيكل التنظيمي بصورة عكسية, فإنه يمتد إلى أبسط الأجزاء وهي الأسرة والتي لا تتعدى عشرة أعضاء لتظل دوائر التنظيم بقدر ما هي ممتدة بقدر ماهي تحت مراقبة المرشد العام.
وقد نشر (المنهاج النبوي ) على شكل حلقات في مجلة( الجماعة )وفي سنة 1989ثم نشر الطبعة الثانية ولم يشملها أية مراجعة أو تعديل سواء من حيث مضمون الفصول الخمسة أو مقدمات الكتاب. وهو أمر يدعو إلى التساؤل : هل قناعة منظر الجماعة كما ثم تجسيدها في الطبعة الأولى 1981لم تتأثر بالمعطيات المتغيرة في السلم الخريطة السياسية والإقتصادية والاجتماعية...خصوصا وأن الكتاب يتطلع إلى بناء استراتيجية التغيير أي بلغة الشيخ :القومة؟!!!
استراتيجية تشكل العقيدة
تستمد العقيدة الإيديولوجية في (المنهاج النبوي ) أساسا من الكتاب المقدس والحديث النبوي. فخطاب المرشد مشد ود إلى دعائم أساسية تضفي عليه سحر القبول والتمثل العاطفي. فعلى مساحة 459 صفحة دون ذكر خاتمة الكتاب والتي هي عبارة عن دعاء, تتوزع الآيات القرآنية بنسبة 190آية, تليها في المقام الثاني أحاديث نبوية بنسبة 171 حديث.
هكذا يتحلل خطاب المرشد في شبكة من القدسية والتعظيم والمشروعية. وبما أن المرشد يسعى إلى بناء أهداف الجماعة عبر سلسلة من العتبات : تربية-تنظيم- زحف. فإنه غير ملزم باستحضار السياقات التاريخية للوحي ولا بالتفحص الدقيق للرواية, طالما أن الغرض يخدم مبدأ الجماعة. ففي شرحه للآية(ولتكن منكم أمة يدعون إلى الخير, ويأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر أولئك هم المفلحون).آل العمران الآية 104. لا يتردد في اعتبار (أمة منكم أمة خاصة من الأمة العامة, جماعة ملتئمة متضامنة ملتحمة3 ). فهذا المكون الخاص المنبثق عن دائرة العام ليس سوى جماعة (العدل والإحسان).وهي جماعة تنفرد بخصائص متميزة تؤهلها إلى أعلى مراتب التقرب من الله (إن الله أمر أن تكون منا أمة (أي جماعة) خاصة منظمة4). وتذهب تأويلا ت الشيخ لآيات قرآنية أبعد من ذلك. ففي تفسيره ل(يا أيها الذين آمنوا ) إنما المقصود منها (خطاب لنا نحن جند الله 5 ).
هذا التفرد الذي تحظى به الجماعة يزج بها خارج التاريخ, ذلك أن الحدود بين العقل واللاعقل , المنطق والأسطورة... تصبح حدودا وهمية, ومن ثم تصبح العلا قة بين المرسل والمتلقي لا تحكمها ضوابط عقلا نية, إذ يتم تعطيل ملكة العقل لتشتغل بفعالية آلية المخيال الاجتماعي, وهي آلية منفلتة عن كل مراقبة نقدية. إنها تركيبية معقدة من المسلمات تراكمت مفعولاتها عبر طبقات تاريخية.(الخيال إذن يتلقى كل التصورات والدلالات الشغالة ذهنيا على الرغم من أنها ليست محسوسة أو واقعية وليست من نمط عقلي منتظم, أقول إذ يتلقى ذلك يبدو أكثر واقعية من الواقع لأنه يحرك الممارسات الفردية والجماعية الحاسمة.6 ).
إذا كان النص القرآني يخلع صيغة القدسية والمثالية على مسار الجماعة ويعتبر بمثابة دعامة الأساس لمبدأ عقيدتها, باعتبارها جماعة مختارة (جند الله) فإن الحديث النبوي كإطار روحي يعمد على تفكيك دائرة (جند الله) لتنبثق من داخلها دائرة الواحد المتجدد. روى أبو داوود والبيهقي والحاكم بسند صحيح عن أي هريرة أن الرسول الله صلى الله عليه وسلم قال : (إن الله يبعث لهذه الأمة على رأس كل مئة سنة من يجدد لها دينها ).المجدد الأول عمر بن عبد العزيز يليه- حسب تأويل الشيخ ياسين- الإمام البنا (بنورانيته الخاصة) أما مجدد هذا القرن (نرجو جلت عظمته أن يستعملنا لنكون من هذا المن الذي يجدد به الله دين الأمة 7 ).
فالشيخ ينتج خطابا خالصا بالمفهوم الميتافيزيقي يستمد تعاليه من سلطة عليا ويضع نفسه خارج النقد ليتسلل كمسلمات عبر المخيال الاجتماعي بهدوء وتساكن. والجماعة من هذا المنظور تنبثق كظاهرة اجتماعية من محددات ثقافية طالما تتغذى من الحكاية الشعبية والقصص وكتب السير...كلها عناصر تتغذى من المقدس والبطل الخارق (المرشد) لتخلع عليه صورة المنقذ والمخلص من المظالم والجور, ذلك أن رهانات المخيال تتطلع دوما إلى من ينقد هذه الأمة, ونلمس من المأثور الشعبي أمثلة تعكس هذا الانتظار,( الله يجيب اللي يداوي هاذ الأمة )... وقد يكون الشيخ ياسين هو الإجابة عن هذا الانتظار الطويل, خصوصا وأن قنوات تصريف خطابه تمر عبر الموروث الخام. قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ( ليأتين على أمتي ما أتى على بني إسرائيل, تفرق بنو إسرائيل على اثنتين وسبعين ملة. وستفرق أمتي على ثلا ث وسبعين ملة إلا واحدة, الجماعة ) بغض النظر عن صحة هذا الحديث أم لا, ذلك أن رؤية العلماء ظلت تتجاذبها ثلا ثة مواقف متعارضة( انظر الفرق بين الفرق لعبد القاهر البغدادي) فالمنهاج النبوي على هذا الأساس هو استعادة للحظات القوية من الذاكرة الجماعية مدعمة بذلك حقيقة كفاحها ووجودها وشرعية تأسيسها.
الأ نا الخالص
الأطروحة المركزية التي تشد نسيج المتن تكمن في بنائه لشبكة من المفاهيم المتعارضة كدلالة الفرز بين الطهارة والنقاء (المشروعية العليا) في مقابل الأرضي الذي يقبع في سلم الكون والفساد. تلك هي الازدواجية التي تحكم بؤرة النص : الكافر# المؤمن, الجاهلية# الإسلام. الجبر # الحق. التضليل # الدعوة... ومن هنا تصبح حركية التاريخ تحركها ثنائيات ملتبسة تجسد مبدأ الإقصاء والحذف ما يتعارض مع أهداف الجماعة من فلسفة وعلوم, وديمقراطية, ومؤسسات حزبية... لكونها تنتمي إلى دائرة الكفر والطاغوت. وإبقاء ما يخدم أهداف وتصورات الجماعة, باعتباره يشكل حقيقة العقيدة واستمراريتها. فخطاب( ياسين) حين يحصر في دائرة إحالاته المرجعية نمط خاص من المصنفات. ( انظر ص 48 – 46 – 47 – من الكتاب ) يوصي أتباعه بالإطلاع عليها, فإنه يرسم خريطة تشكل الذهن ليتجسد كخطاب خالص متفرد بمميزاته المتعالية عن الحقول المعرفية الأخرى, منسجما مع تقسيمه المبدئي للكون والأشياء.
فعلى مدار( المنهاج النبوي ) يكثف ياسين من الإستشهادات, الإمام البنا خمسة عشر استشهادا ( ويبدو هذا الأخير النموذج الأفضل للشيخ ) يليه عبد القادر الجيلا ني بأربعة اشتشهادات, ثم الإمام الغزالي باستشهادين, وتتوزع عملية الإحالة باستشهاد واحد لكل من السيد قطب, الإمام ألموردي, ابن القيم الجوزي, محمد عبده... وبذلك يؤسس قارته الخاصة من الفكر والمعرفة مطبوعة بالإجلال والتعظيم, محصنة من التسيب النقدي للمناهج العلمية, متفردة بخصائصها الذاتية, حارسة على تفاعلها مع محيطها العلمي, متظاهرة بالطهارة والنقاء... ويظهر الشيخ في لغة تهكمية تبتعد عن الانفتاح في إعمال الفكر, مواقفه من المفاهيم التي تنتمي إلى الحقول السياسية والمعرفية للمنظومة الماركسية والليبرالية والقومية... باعتبارها منبوذة وتقع في مرتبة الجاهلية والكفر. وليبادر إلى ( نحت) مفاهيم جديدة تتجاوز المسار المتوتر في تشكيلها, وهي مسارات محفوفة بالتناقضات والفوارق والاختلافات والقطائع... مختزلا بذلك البعد التاريخي في قدرته العقلية ذات سيادة مطلقة ومهيمنة. فالثورة لديه قائمة على العنف والغضب, أنها ببساطة تامة تقليد مستورد من الكفار. في حين أن القومة - وهذا هو المفهوم المستحدث- قوامها القوة وشريعة الله. إنها بألف التعريف المنوال النبوي. وقس على ذلك الصراع في مقابل التدافع, الطبقية في مقابل الاستكبار..فالجهاز المفاهيمي للشيخ يعلو على التاريخ ليختزل الأحداث والأزمنة بكل التواءاتها ومنعرجاتها وتوتراتها...في أبعاد متسامية ليخلعها على واقع مركب لا يستقيم-بالتأكيد- تحت وقع رعشة قلبية. لعل قدرة الفكر تكمن في مدى إنتاجه لمفاهيم تحت سيادة نقدية وتخريبية أحيانا, من أجل خلق دينامية الفكر واللغة في التاريخ, وتبقى المفاهيم حاملة لأنساقها الفكرية تستعيد جدتها من خلال المراكمة والنقد.
تبدو مفاهيم الشيخ تفتقر لهذه الدلالات لتنحصر قدرتها في قدح شرارة زند المخيال والتجييش والتبجيل العاطفي واستنهاض طاقة مختبئة من الانفعالات إزاء الواقع وتمظهراته. فاستحداث مفاهيم مفصولة عن سياقات متوترة في تركيبتها التاريخية, كالتعارض الذي يحدثه بين المنهجية والمنهاج باعتبار هذه الأخيرة ممتلئة بالحق و( مقترنة في موعود رسول الله صلى الله عليه وسلم وبشارته لنا بكلمة نبوة 8 ). يعكس المسار الفكري للشيخ باعتباره يلتقط اللحظات القوية في أزمة العقل الإسلامي وإجاباته المموهة, ذلك أن سيكولوجية المتشبع بإيديولوجية الكفاح, هي نتيجة خط نعزل ومحافظ هيمن وانتصر لفائدة الوضع السياسي القائم, وما تحديد الشيخ موقفه من إشكالية خلق القرآن ( كعقيدة محرفة ) سوى موقف يجعله قابع في صميم دائرة الأطروحة الأشعرية ضدا على خط الانفتاح والتحرر والاجتهاد التي تجسده أطروحة المعتزلة من خلال إحساسها ( بالحاجة إلى دمج كلام الله في نسيج التاريخ 9).
على هذا الأساس, يعد فكر ياسين من خلال كتابه استمرارا لمنظومة فكرية متشبعة بالانغلاق والعزلة والاختباء وراء هوية ملاذها الوحيد خلق آلية دفاعية اجتماعية منفعلة إزاء أحداث ووقائع لتتشكل كماهيات مفارقة ثابتة ذات أصل إلهي, متمظهرة كذات ظاهرة تندرج ممارستها في إنتاج الخالص على عكس ممارسة الكون والفساد التي كانت وراء ضياع ( هوية المسلمين في متاهات القومية والحزبية والإيديولوجيا والعصيان والو لاءات الأرضية 10 ).
عود على بدء
روى الإمام أحمد أن رسول الله صلى الله عليه وسلم, قال : (تكون النبوة فيكم ما شاء الله أن تكون ثم يرفعها الله ما شاء أن يرفعها, ثم يكون ملكا عاضا فتكون ما شاء الله أن تكون, ثم يرفعها إذا شاء أن يرفعها, ثم تكون الخلافة على منهاج النبوة ) حديث الخلافة يورده الشيخ للمرة الثالثة داخل النص(لأن عليه عليه تقوم أفكارنا11 ). إنها الحلقة الأساسية في ربط الماضي بالحاضر, إنه الجسر أو عبارة المرور. العودة إلى اللحظة المفقودة من التاريخ الإسلامي, لحظة الخلافة, تجد سندها في الحديث أعلاه وفي تكثيف الإستشهادات بمأثور الخلفاء الأربعة بما مجموعه عشرين استشهادا.
وتعد فترة الخلافة النموذج المكتمل لاستلهام الإجابات عن الإشكالات الكبرى للعصر ( الشورى / الحاكمية/ الحق الإلهي/ الطاعة...) ولما لا وقد( تجسد في تاريخنا النموذج الأقرب للكمال في مجتمع الصحابة رضي الله عنهم مع رسول الله صلى الله عليه وسلم ومع خلفائه الراشدين بعده.. وما طرأ من تظالم إنما هو تردي تاريخي مره إلى ابتعاد المسلمين عن النموذج 12 ).
هذه الصورة الكلية كما تسوقها القراءات اللا تاريخية, تتخللها مظاهر التبعثر والإختلا ف. فالحركية التاريخية هي حصيلة سلسلة من الاختلافات والتنوع. والعود الأبدي (المثال) مظهر يخفي داخله حقيقة الأشياء كيف تنفلت من أسر الوحدة والتطابق ( إنما الهوية والتشابه أوهام يولدها العود الأبدي 11 ).كما يقول جيل دو لوز, فالبحث عن الأصل بحركية خطية متصلة, إقصاء ونبد وحذف للتعبيرات الإجنماعية المختلفة والمتنافسة, مظهر يكرس مركزية الذات في محاولة للقبض على سلة المعنى المفارق والمتعالي. ( إن التاريخ المتصل هو الرديف الملا زم للدور التأسيسي للذات : فهو الذي يضمن لها أن تستعيد كل ما ضاع منها ويؤكد أن الزمان لا يفرق بين الأشياء إلا لكي يعيد وحدتها13).
العودة إلى استنساخ نموذج تاريخي مصفى من كل الانتكاسات والإنكسارات والمآسي والمطامح والاغتيالات والمكر والخداع... لصهره من جديد داخل بوتقة تتعالى عن الحس التاريخي, يفضي إلى تركيب اللحظة التاريخية فوق الصراعات الاجتماعية والمصالح المتنافسة... أليس النموذج أو النسخة الأصلية زعم خادع ؟؟
الرؤيا والكرامة :النخبة الغيبية
إن أقوى لحظة اختراق للفضاء الميتافيزيقي في فكر الشيخ, هي بالتأكيد لحظة الرؤيا, تتداخل عناصر متشابكة من المفاهيم المتعالية لرسم الخط السياسي للجماعة سواء في باب الاقتصاد أو في باب القضايا المجتمعية... ويظل الغيب كقوة اقتراحية المصدر الأساسي لتزويد الجماعة بالبرامج التنفيذية. » نعرف أن باب الغيب الذي بقي لنا مفتوحا هو باب (الرؤيا14). والرؤيا, حسب الشيخ, تعد من المراتب العليا في سلم الإيمان, وليلة القدر كليلة منفلتة من مجال الضبط داخل العشرية الأخيرة من شهر رمضان, إنما يتولى أمر تحديدها أعضاء تشبعوا بخصال الإيمان, وفي حلقات الاعتكاف بالمساجد تتكاثف الاتصالات من مختلف المناطق للتبشير بالرؤيا, ويظل الغيب كواجهة لحل إحدى المعضلات ت الكبرى للعصر ألا وهو الاقتصاد. فالنظرية الاقتصادية التي يبشر بها الشيخ للخلاص من الأزمات المتعلقة بالشغل والصحة والتعليم.. تندرج تحت اسم »المعجزة الاقتصادية « ما طبيعة هذه النظريةالإقتصادية / المعجزة, ما هي أسسها النظرية؟ فالإجابة نجدها كالتالي : ( نحن بحاجة إلى معجزة اقتصادية ستكون لنا الكرامة إن شاء الله 15 ). نعتقد أن هذا التكثيف القوي للأمور الغيبية يصب في اتجاه توسيع المجال الدنيوي, إذ بقدر إحكام السيطرة على الأجهزة التنظيمية وعلى رسم خط الجماعة ووضع استراتيجية القومة والاستيلاء على السلطة السياسية, بقدر إغراق الجماعة في مفاهيم متعالية :البركة/الأولياء/الرؤيا/الكرامة... وهنا توضع بالفعل حقيقة العلاقة بين السياسي والديني في فكر الجماعة, ذلك أن ( السيادة العليا والسلطة السياسية تتفاعلان وتتداخلان باستمرار في كل الحقول وتعكسان في النهاية الحركية الكلية للمجتمعات البشرية التي اخترقتها الظاهرة الإسلامي16).
صحيح أن الشيخ يستبق ردود الأفعال إزاء فكرة (الكرامة الثابتة لأولياء الله )... ولكي يضع حدا لكل تسيب يمكن أن يفسد حقيقة السياسي وأهدافه, فإنه ينتج نصا قاطعا بموجبه يضمن الالتباس في تصور الأبعاد الديني والسياسي. ( ومن كذب أن لله أولياء يصطفيهم في كل عصره ويهبهم من فضله ويفتح لهم, ويزكيهم, ويقربهم, فحظه من ذلك تكذيب الحرمان17 ).
لعل حاجة الرؤيا داخل الموروث الإسلامي هي محاصرة الإكراهات الاجتماعية بأقل خسارة ممكنة, ويظل الغيب الإجابة الممتلئة لإخراس أية انفلا تات من عقالها, إذ تحت ضغط المادي ترتفع حرارة المقدس كحقنة مهدئة ( عن عروة بن الزبير أن عمر بن الخطاب أراد أن يكتب السنن فاستفتى أصحاب النبي صلى عليه وسلم في ذلك, فأشاروا عليه أن يكتبها, طفق يستنير الله فيها شهرا, ثم أصبح وقد عزم الله له, فقال كنت أريد أن أكتب السنن, وإني والله لا أشوب كتاب الله بشيء ).
لما تتعارض رغبة الحاكم بإرادة الجماعة في إطار(الشورى ), فإن الغيب يبقى الضامن الأساسي لوحدة الجماعة, لما يضمن سلطة إضافية للحاكم. وفي إطار الصراع الإيديولوجي الذي يعكس الفوارق الطبقية والسياسية للقوى المتنافسة, فإن الأشعري حاول أن يؤسس خطا إيديولوجيا يكس تعبيرا سياسيا عن موقف طبقي مهيمن ومنتصر, ولكي يجد مخرجا للولادة القيسرية, فقد تسللت أطروحته عبر قنوات الرؤيا الغيبية لإضفاء المشروعية الدينية عليها, وذلك من شأنه أن يعزز مكاسب الإجماع. (كان الداعي عن رجوعه عن الاعتزال – يقول الشيخ أبو الحسن- وإلى النظر في أدلتهم واستخراج فسادهم أني رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم في منامي أول شهر من رمضان... ) هذه الأمثلة تبين إلى أي حد أن فكرة الرؤيا هي تعبير عن درجة قصوى في إنتاج إيديولوجيا فجة تبيح سيادة الذات المركزية وتقصي كل التعبيرات الاحتمالية من السيادة, لكونها( الوسيلة التي تتيح تحويل الحجج إلى براهين عن طريق فرضها وفرض مصداقيتها من قبل مشروعية النصوص المقدسة وسيادة 18 ).
على سبيل الختم
صحيح أن حركة( العدل والإحسان) كحركة سياسية إسلامية تنفرد على ما عداها- في شخص منظرها الأساسي الشيخ ياسين – بإنتاجات فكرية تتناول قضايا مجتمعية :المرآة, الاقتصاد, العدل... تمكنها من التعريف بخطها السياسي وبإستراتجيتها الجهادية, الشيء الذي لا نلمسه عند باقي الحركات السياسية كحزب (العدالة والتنمية) مثلا, ومن ثمة يغلب على هذه الأخيرة الارتباك في المواقف والتصريحات الإعلا مية المتناقضة بين قيادتها. وبالرغم من ذلك فإن حزب العدالة والتنمية من خلا ل انخراطه في اللعبة السياسية اتخذ منحى يقترب من الواقعية السياسية, لكنها واقعية دون خلفية نظرية تؤطرها, ذلك هو المأزق الحقيقي للحركات الإسلامية التي تتأرجح بين البرغماتية المبتذلة في الممارسات السياسية, وبين النظرية الحالمة المتعالية. فهل تستطيع (جماعة العدل والإحسان) من خلال أطرها الجديدة, أن تعيد بناء ( المنهاج النبوي ) وفق متطلبات العمل السياسي والانفتاح الفكري , بما يضن الانخراط في النسيج التاريخي؟ هل تستطيع أن تساهم في إحداث ثورة لاهوتية تخلخل بموجبها منظومة الأفكار وثوابتها, بما يخدم زحفا حقيقيا نحو العقلا نية والحداثة؟

الهوامش :
ياسين, عبد السلام, المنهاج النبوي, تربية وتنظيما وزحفا. ص, 64
نفس المرجع ص, 66
نفس المرجع ص, 408
نفس المرجع ص, 410
نفس المرجع ص, 231
أركون, محمد. الفكر الإسلامي, قراءة علمية.ص, 75.
ياسين, عبد السلام. المرجع نفسه, ص.31.
المرجع نفسه ص, 4.
أركون, محمد. المرجع نفسه ص, 82.
ياسين, عبد السلام. المرجع نفسه ص, 151.
المرجع نفسه ص, 367.
المرجع نفسه ص, 346.
فوكر, ميشال. حفريات المعرفة. ترجمة سالم يفوت. المركز الثقافي العربي.الطبعة الأولى ص, 13.
ياسين, عبد السلام. المرجع نفسه ص, 192.
المرجع نفسه ص, 257.
أركون, محمد. نفس المرجع ص, 171.
ياسين, عبد السلام. الرجع نفسه ص, 365.
أركون, محمد. تاريخية الفكر الإسلا مي ص, 96.



#عرير_الهلالي (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- الوحدة الإندماجية بين اليسار الإشتراكي الموحد والوفاء للديمق ...


المزيد.....




- عاجل | المقاومة الإسلامية في العراق: استهدفنا بالطيران المسي ...
- إسرائيل تغتال قياديًا في الجماعة الإسلامية وحزب الله ينشر صو ...
- الجماعة الإسلامية في لبنان تزف شهيدين في البقاع
- شاهد: الأقلية المسلمة تنتقد ازدواج معايير الشرطة الأسترالية ...
- أكسيوس: واشنطن تعلق العقوبات على كتيبة -نيتسح يهودا-
- آلام المسيح: كيف حافظ أقباط مصر لقرون على عادات وطقوس أقدس أ ...
- -الجماعة الإسلامية- في لبنان تنعي قياديين في صفوفها قتلا بغا ...
- الجيش الإسرائيلي يعلن اغتيال قيادي كبير في -الجماعة الإسلامي ...
- صابرين الروح جودة.. وفاة الطفلة المعجزة بعد 4 أيام من ولادته ...
- سفير إيران بأنقرة يلتقي مدير عام مركز أبحاث اقتصاد واجتماع ا ...


المزيد.....

- الكراس كتاب ما بعد القرآن / محمد علي صاحبُ الكراس
- المسيحية بين الرومان والعرب / عيسى بن ضيف الله حداد
- ( ماهية الدولة الاسلامية ) الكتاب كاملا / أحمد صبحى منصور
- كتاب الحداثة و القرآن للباحث سعيد ناشيد / جدو دبريل
- الأبحاث الحديثة تحرج السردية والموروث الإسلاميين كراس 5 / جدو جبريل
- جمل أم حبل وثقب إبرة أم باب / جدو جبريل
- سورة الكهف كلب أم ملاك / جدو دبريل
- تقاطعات بين الأديان 26 إشكاليات الرسل والأنبياء 11 موسى الحل ... / عبد المجيد حمدان
- جيوسياسة الانقسامات الدينية / مرزوق الحلالي
- خطة الله / ضو ابو السعود


المزيد.....

الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - عرير الهلالي - مميزات جماعة العدل والإحسان من خلال - المهاج النبوي-