أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - تيسير الفارس العفيشات - نيوزلندا-- زيارتي إلى جبل ألكوك














المزيد.....

نيوزلندا-- زيارتي إلى جبل ألكوك


تيسير الفارس العفيشات

الحوار المتمدن-العدد: 5524 - 2017 / 5 / 18 - 09:40
المحور: الادب والفن
    


كم من وقت أحتاج كي أرتقي قمتك أيها الباذخ في أعاليك، ضلالك البهية تتكاسر على خجل يا ( الكوك ) أيها الجبل الذي يجلس منذ آباد التاريخ متكأ على حافة واديه ورأسه فوق الغيم، يرقب الكائنات الحية من وحش وطير وإنسان، دون إكتراث، الطريق الى قمتك وعرة وصخورك الشاهقة الحادة الملساء تتراص هنا وتنفرج هناك، لا تترك إلا فسحة ضيئلة إتخذها الناس دربا يصعدون منه إليك، كم من الوقت مضى وانت أيها الجبل الأشم معلق بين السماء والأرض؟.
( الكوك ) واحد من سلسلة جبال الالب التي تمتد على شكل قوس من غرب الجزيرة الجنوبية الى شرقها، وهي جبال تغطي قممها الثلوج على مدار العام، وتتناثر الغابات الكثيفة على سفوحها على إمتداد البصر.
يرتفع ( الكوك ) عموديا، وفي إرتفاعه إنحناءة إلى الخلف قليلا، حتى ليخيل للناظر إليه، أنه أشبه بسلطان جالس على عرشه، تكثر في هذا الجبل الأخاديد والجروف والمهاوي العميقة، وقد هيأ القوم هنا، ذلك الإفريز الذي يمتد عبر فسحة ضيقة، على شكل درب بسلالم خشبية، تصعد بتؤدة أحيانا، وبحدة أحيانا أخر، إضافة إلى بناءهم العديد من جسور الحديد التي علقت في الهواء الطلق فوق الجروف والمهاوي والوديان بعيدة الغور.
أنا ذَا على سفح الجبل الباذخ ، يلهو بي الوهم ويقظة الهوى، فتنال مني الطبيعة كلما أوغلت في صمتي الكثيف بين هذه الأقاصي، وذكرى عاصفة مدوية لا تزال ماثلة أمامي فيما يشبه هذا المكان من العام الفائت، ورحلة تشبه هذه الرحلة .
من شرفة عيني رحت أفتحُ السوأل على حدود المعنى :
كم هو الوقت الذي سوف يحتاجه ترميمُ روحي بعدما هشمتها نيازك تناثرت من بقايا الشمس في أزمنة غابرة ؟
أين هم الاحباء يستقبلون معي غدهم في الذرى البعيدة عند عتبات هذا الجبل الأشم ؟
أسند ظلي المرتعش الى صخرة، إلى صدرها الواجف مثل قطرة طلّ، فيتناهى لي وجيبها يتراقص في قلبي حينا، وحينا يطلق تنهيدة عميقة تتناثر مثل العبير الاتي على أكف الريح، لحظات ترش أهداب عيني بالدمع وأنا أغذُ السير صعدا، لحظاتُ آنئذ.. يختلج المعنى في قلبها كي يولد من جديد، وتتوالد معه أخيلةً تفضح يقينها بالشك، ترتاب في الشك ذاته عندما تخوض شراك المعنى من أمر هذه الرحلة، الى جبل يقصده الناس من كافة أنحاء الدنيا، ولكل زائر منهم غاية ومعنى، فما هي غايتي ؟ ورحت أحدث نفسي أن لا تتوقف كثيرا عند المعنى، ربما تجده هنا وهناك، وربما هو كامن في نفسي ، ففي داخلي محض استدراج لاءثق بأن الذخيرة الكامنة أكثر غنىىً وجمالا من خيالي الكسيح ،وما عليّ إلا أن أترك نفسي لهذا التيه الفاتن ، تيهٌ يقود خطاي الى لذة الغيبوبة ..
ما أن بلغت ثلثي المسافة الى القمة، حتى وجدت نفسي في بحر من الضباب يلفُ الجانب الغربي للجبل المواجه تماما للبحر، ضباب لشدة كثافته تكاد تقطعه بسكين، أظلم كل شيء وبالكاد أرى موطىء قدمي ، وآن ..أن وصلت إلى مشارف السفح الجنوبي حتى راح الضباب يخف الى أن تلاشى تماما، ووقفت أتأمل بحر الضباب الذي تسوقه الريح وهو يتماوج ويصطخب، يرتفع وينخفض، بحر من الظلمة ألفيت نفس خارج منه كمن يخرج من الظلمة الى النور ... وَيَا ليت لي ألف لسان لاءصف للقارىء الإحساس الذي إكتنفني في هذه اللحظات..
أدركت القمة بعد أربع ساعات من السير المضني، ويالها من نشوة أن تراك وليس على إمتداد بصرك ما هو أعلى منك، إلا القبة الزرقاء الصافية، العبرة كل العبرة فيما تقوله لك عينك، وتنقله لك أُذنك حيث أنت هنا.. والذي تقوله عينك أنه ما من شيء يحول بينها وبين الافق البعيد لا ستار ولا حاجز..والذي تنقله إليك أُذنك هو أنه ما من أصوات على الإطلاق غير هفهفة النسيم، وهدير السكينة الرهيب، وتتجه شمالا و تبصر إذ تبصر ما تحتك سفوحا ناتئة هنا ومخددة هناك، وغابات كثيفة من شجر الصنوبر تتراكض نُزلاً لينتهي بها المقام الى جوار نهر ( الباتون ) الذي يتلوى مثل حية رقطاء في سهل أخظر فسيح وعلى جانبية ترعى قطعان من الغنم والبقر والأيائل لاتعد ولا تحصى، وفي الغابات الممتدة على الهضاب البعيدة لا تكاد تميز شجرة عن شجرة، ولا تكاد تعرف أنواع الكائنات التي تروح وتجيء في قلب هذا الطوفان الاخظر من أنواع الطيور والحشرات والهوام والدواب... من هذا العلو الشاهق تختفي التفاصيل وتمحى الصور، وتخرس الأصوات وتتلاشى الروائح.. ولولا ذكريات تحملها معك لما صدقت أن في الارض بشراً يولدون ويموتون، وحيوانات تتكاثر ويغدو بعضها فوق بعض، ونباتات تصعد من التراب لتنعم بالشمس فترة ثم تعود من حيث جاءت إما سمادا وإما حطباً، ولما صدقت أن البشر ما بين ولادتهم وموتهم يتعبدون لاءغرب الآلهة والأصنام والاوهام، ويتمسكون بأعجب العادات وأسوأ التقاليد، ويمشون الى غايتهم في سراديب كسراديب النمل، يقتل بعضهم بعضا ويقتات بعضهم على جيف بعضهم الاخر..ولولا خبرة لك بشؤون الناس لما صدقت وأنت في هذا العلو أنهم منهمكون في أعمال لا حصر لاصنافها وألوانها،كلهم يختال كلهم فصحيحهم مريض، او في سبيله الى المرض، ومريضهم يفتك به الوجع والموت، والكل تراب يكتال تراب.. لا لن تصدق حيث أنت هنا في الأعالي أن دنياك ودنيا الناس واحدة، فحقيقة النسر في السماء هي غير حقيقة الخلد في جحور الارض، فكيف بمن كانت أعاليه هي الكون كله منظوره وغير منظوره...
أمضيت سحابة يومي هناك حيث المسرة والنعيم المقيم ، وقبل مغيب الشمس إنحدرت من قمة الدنيا الى قاعها المستعرُ بالمخازي والملذات والهموم ...



#تيسير_الفارس_العفيشات (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)

الكاتب-ة لايسمح بالتعليق على هذا الموضوع


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- قراءة مواربة في تجربة الشاعر السوري سامي احمد ....
- نيتشه - ومفهوم العدمية
- الشاعر أحمد أبو ردن ....
- نيوزلندا ... زيارتي إلى أوكييا أقدم كنيسة في نيوزلندا
- مع قصيدة سميح وجه في المرآه
- بقايا مدينة وآثار صلاة لم تكتمل
- رحلتي الى جبل تاراناكي في الجزيرة الشمالية / نيوزلندا
- رحلتي الى دير جون سانتا في هضاب مدينة هستن ....الجزء الاول
- مايكوفسكي وصديقه يسينين


المزيد.....




- -نظرة إلى المستقبل-.. مشاركة روسية لافتة في مهرجان -بكين- ال ...
- فادي جودة شاعر فلسطيني أمريكي يفوز بجائزة جاكسون الشعرية لهذ ...
- انتهى قبل أن يبدأ.. كوينتن تارانتينو يتخلى عن فيلم -الناقد ا ...
- صورة فلسطينية تحتضن جثمان قريبتها في غزة تفوز بجائزة -مؤسسة ...
- الجزيرة للدراسات يخصص تقريره السنوي لرصد وتحليل تداعيات -طوف ...
- حصريا.. قائمة أفلام عيد الأضحى 2024 المبارك وجميع القنوات ال ...
- الجامعة الأمريكية بالقاهرة تطلق مهرجانها الثقافي الأول
- الأسبوع المقبل.. الجامعة العربية تستضيف الجلسة الافتتاحية لم ...
- الأربعاء الأحمر -عودة الروح وبث الحياة
- أرقامًا قياسية.. فيلم شباب البومب يحقق أقوى إفتتاحية لـ فيلم ...


المزيد.....

- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - تيسير الفارس العفيشات - نيوزلندا-- زيارتي إلى جبل ألكوك