أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - حسام الدين مصطفى - كائن افتراضي















المزيد.....

كائن افتراضي


حسام الدين مصطفى

الحوار المتمدن-العدد: 5515 - 2017 / 5 / 9 - 03:59
المحور: الادب والفن
    


بحث في كل أركان المطبخ عن كوب نظيف فلم يجد.
لم يدر ماذا يفعل، أمام تلك الكومة الضخمة من أدوات الطعام المتسخة التي تملأ الحوض. فعلا كلها تحتاج إلى تنظيف، ولكنه لايجد الوقت لهذا. فالقضية التي طرحها على صفحته الرسمية على فيس بوك لاتزال محل جدل.
حمل حسن إبريق الشاي الساخن في يده، وانطلق إلى سريره حيث يستقر اللاب توب. وضع الإبريق أرضاً وتمدد على السرير مستنداً إلى الجدار واضعا اللاب توب على فخذيه، رافعا إبريق الشاي إلى فمه، ليرتشف من بوز الإبريق رشفة ألهبت شفتيه.
لم ينتبه لهذا أصلا، بعد وصل عدد التعليقات على البوست اﻷخير إلى عشرين شخصا في غضون نصف ساعة.
كان حسن قد طرح سؤالا ينفي فيه وجود الإسلام الوسطي. مستدلا على حديثه بأن متطرفي داعش يقومون بإلقاء من يمارسون المثلية الجنسية من أعلى البنايات، بينما يقف المسلمون المعتدلون-من وجهة نظره- يشاهدون التنفيذ دونما اعتراض. و اختتم البوست بالقول أنه لا فرق بين متطرف ومعتدل، ﻷن الأسلام دين يحض على العنف.
لم تكن هناك مناسبة لطرح القضية، ولكنه شعر خلال اﻷيام الماضية أن حضوره بين أصدقاءه الافتراضيين كان أقل مما يجب.
رد عليه أحد الافتراضيين أن الطرح لمثل هذا الموضوع يجب أن يضاف إليه أيضا عامل القانون المطبق في البلد. فرد حسن مستنكرا: "وماذا عن القوانين الإلهية؟ هل تنكرها؟ أم أنك تشكك فيها؟".
مثل لعبة البينج بونج، دارت التعليقات بين الاصدقاء المجهولين. حسن يتلقى التعليق ثم يجيب بسرعة، محافظا على درجة الاستفزاز في الرد، حتى يضمن التفاعل المستمر.
لم يكن يسعى ﻹثبات أو نفي أي وجهة نظر. فمنذ فرض على نفسه عزلته الاختيارية، تاركا دراسته في بلاده قادما إلى بلاد المهجر، لم يرتبط بصداقة حقيقة مع بشرٍ يشبهونه. لديه مئات من أصدقاء لايعرف عنهم أكثر من أسمائهم. يعتمد في تقييم شخصية كل منهم، على البيانات التي يضعها على بروفايله الشخصي والصورة التي يختارها لنفسه.
فكر مرة أن يختبر تقدير نفسه في عالمه الافتراضي. فكتب:
"يشعر الإنسان بأحاسيس مختلفة عندما ترتفع درجة حرارته، وتتزامن معها غياب القدرة على البلع من شدة الألم".
هو لم يكتب فعليا أنه مريض، ولكن سيلا من الرسائل والتعليقات التي تتمنى له السلامة والعافية، أتخم صندوق رسائله. وقتها شعر أمام نفسه بأهمية خاصة، قام على إثرها بمكافأه نفسه على نجاحه بشطيرة فلافل من مطعم شامي قريب.

بدأ يحس مع الوقت أن أفكاره تتبدل، حتى أن لو بشرته بدأ يشحب تدريجيا، وتتبدل ألوان أظافره لتحمل اللون الأزرق بالدرجات التي تحملها صفحات فيس بوك. أصبحت الأفكار تواتيه مصاحبة لصوت جرس صغير "تن".
نشر بعد أيام بوستاً آخر كتب فيه "على مر التاريخ قتل اليهود آلاف البشر، وتبعهم المسيحيون ثم المسلمون. كلهم فعل هذا باسم إله لم يره أحدهم مرة واحدة".
يحاول دوما تصدير المظهر العميق المتفكر لقراءه الافتراضيين، ليتماشى مع صورة نيتشه التي اختارها ليضعها صورة شخصية على البروفايل.
يوم اختار هذه الصورة لم تكن هدفه على وجه التحديد. كان يبحث عن صورة لبيتهوفن، ليثبت لمحيطه الافتراضي أنه خبير في الموسيقى، وصاحب بصمة موسيقية. اختلطت عليه الصور. وعندما نشر الصورة مع تعليق يشير أن صاحب هذه الصورة أستاذه في الموسيقى. كانت فرصة للسماء الصافية ليحرز ضده نقطة في عالمهما الافتراضي المشترك.
والسماء الصافية هو اسم حساب فيس بوك آخر، يجهل حسن اسم صاحبه الحقيقي حتى اﻵن، ولكنه يصر على تصيد اﻷخطاء لحسن. رد عليه السماء الصافية على الفور ساخرا بأن هذه صورة نيتشة وليست لبيتهوفن.
أول تقرير تعليق وصل إليه بعد بوست رؤية الإله، كان من أحد الافتراضيين، يحمل اسم مينا الكبير. هاجمه مينا بضراوة من يدافع عن قضية حياة، مؤكداً أن المسيحية دين تسامح، وكل اﻷديان التي جاءت من عند الإله لا تحض على إزهاق اﻷرواح.
كان فرصة لحسن الذي استنتج أن مينا مسيحي، ورد عليه قائلا: "أفهم من هذا أنك تتهم اﻷديان اﻷخرى مثل البوذية والهندوسية بأنها تحرض على العنف ﻷنها لم تأت من عند إلهك؟".
ثوان أعقبت نشر الرد، جاءه بعدها رد من افتراضي آخر يحمل اسم محمد حماد منتقدا إياه بشدة، ومدافعا عن منطق مينا الكبير ، قائلا: "إن المسيحية والإسلام لم يحرضا على القتل، ولكن أمثالك من المأجورين هم الذين يسعون للعبث في عقيدة البشر، ويحاولون خلق بطولات وهمية على حساب اﻷديان الربانية".
ثوان أخرى أعقبت هذا الهجوم، ليأتي رد مينا الكبير مؤيداً لحديث محمد حماد، ومعقبا بأن هذه اﻷساليب لاتنطلي على المؤمنين، والمتمسكين بجوهر العقيدة. أعقب هذا بثوان تأييد من حماد.
لم يرد حسن على كل هذا، كان مشغولا بتعديل صورة على الفوتوشوب، التقطها من مسلسل كارتون حول كرة القدم. يبدو فيها لاعبان يعتزمان تسديد كرة تجاه المرمي في نفس اللحظة. أضاف حسن على قميص أحد اللاعبين صليبا كناية عن أنه مسيحي، وأضاف هلالا على قميص اﻵخر كناية عن كونه مسلماً.
ونشر هذه الصورة مضيفاً أسفلها تعليقاً قال فيه: "حال المسلم والمسيحي عندما يقابلان شخصا يطالبهما بالتفكير". ودار سجال التعليقات بين الافتراضيين حاميا.
كان حسن يتبدل مع الوقت. لم تعد مشكلة تبدل لونه تؤرقه. هو أصلا لايحس بالناس، لايتصل بهم. حتى أشقاءه ووالديه، أصبح يفضل التواصل معهم كتابة.
ولهذا لم تكن صدمة كبيرة بالنسبة له، عندما طلبت منه شقيقته الصغرى أن يرسل لها صورته. أخبرته أنها بدأت تنسى ملامحه.
---------------
الرابعة والربع صباحاً، والمعركة الافتراضية لاتزال دائرة. عدد التعليقات وصل إلى رقم خرافي لم يحلم به من قبل. ردود أفعال من كل الطوائف، والمواقف، مؤيدون، ومعارضون. متفلسفون ومنددون. وحسن ثابت على موقفه. لايسعى لإثبات وجهة نظر أو نفيها.
الموقف الذي انعكس على باقي تصرفاته. لايحب، لايكره. لايؤيد ولا يعارض. فقط يستفز ويشعل الغضب.
نظر لنفسه في المرآة.
ربما كانت المرة اﻷولى منذ مدة طويلة.
شعر أنه يتطلع من النافذة لشخص آخر. شخص لايشبه تلك الصورة الموجودة على البروفايل.
ربما كانت هذه هي المرة الأولى التي يترك فيها كمبيوتره المحمول ويتحرك مقتربا من المرآة.
ذلك الشخص الذي يتطلع إليه أزرق اللون، جاف هلامي الملامح. غبار كثيف يعلو وجهه وشعره. رفع يده ليتحقق من أنها مرآة، ثم عاد بها ليلمس ذلك الكائن أزرق الوجه هلامي الملامح.
لمس شعره بخفة، فتطاير غبار كثيف، اختفى معه جزء من شعره. نفض الغبار بقوة، فتطاير على شكل حروف وكلمات في الهواء. نفض ونفض ونفض، ومع كل نفضة كان الكائن يتلاشى من المرآة وسط سحابة الغبار.
---------------------
المطبخ ممتلئ بأدوات الطعام.
من الواضح أن أحدا لم يلمسها منذ مدة، مع ذلك الذباب المتطاير حولها.
الغرفة ساكنة تنبعث منها رائحة القبور.
الكمبيوتر المحمول يعمل وحده،
صفحة فيس بوك معروضة طول الوقت، مع سؤالها المعتاد ماذا يدور في خاطرك؟.
المؤشر يتحرك تجاه مكان الكتابة. تتراص اﻷحرف متتابعة، دون أن يلمس أحد لوحة المفاتيح.
يضغط المؤشر على كلمة Share، وينطلق البوست متسائلاً:
"لماذا يغضب المتدينون دوما عندما تناقش دينهم بالعقل؟".
وتتلاحق التعليقات.



#حسام_الدين_مصطفى (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295





- مواجهة ايران-اسرائيل، مسرحية ام خطر حقيقي على جماهير المنطقة ...
- ”الأفلام الوثائقية في بيتك“ استقبل تردد قناة ناشيونال جيوغرا ...
- غزة.. مقتل الكاتبة والشاعرة آمنة حميد وطفليها بقصف على مخيم ...
- -كلاب نائمة-.. أبرز أفلام -ثلاثية- راسل كرو في 2024
- «بدقة عالية وجودة ممتازة»…تردد قناة ناشيونال جيوغرافيك الجدي ...
- إيران: حكم بالإعدام على مغني الراب الشهير توماج صالحي على خل ...
- “قبل أي حد الحق اعرفها” .. قائمة أفلام عيد الأضحى 2024 وفيلم ...
- روسيا تطلق مبادرة تعاون مع المغرب في مجال المسرح والموسيقا
- منح أرفع وسام جيبوتي للجزيرة الوثائقية عن فيلمها -الملا العا ...
- قيامة عثمان حلقة 157 مترجمة: تردد قناة الفجر الجزائرية الجدي ...


المزيد.....

- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - حسام الدين مصطفى - كائن افتراضي