مسعود عكو
الحوار المتمدن-العدد: 1443 - 2006 / 1 / 27 - 09:12
المحور:
اليسار , الديمقراطية والعلمانية في المشرق العربي
القامشلي هذه المدينة الوديعة, التي تشكل فسيفسائاً قومياً, ودينياً, وطائفياً جميلاً من خلال اختلاف القوميات الموجودة فيها بكردها, وعربها, بأرمنها, وآشورييها بمسلميها, ومسيحييها, وحتى بيهودييها, وطوائف, وعرقيات أخرى كالمردلية, والمحلمية, وحتى الشاشانية. هذه المدينة التي تشكل لوحة جميلة من خلال لغاتها المختلفة, ولهجاتها المتنوعة وطيبة سكانها, وجمال فتياتها الملفت للنظر تمر دائماً بظروف معقدة, ومشاكل متنوعة سرعان ما تأخذ طابعاً سياسياً من قبل أجهزة مختلفة, وقد تكون المسألة أبسط من ذلك بكثير.
القامشلي هذه المدينة البائسة, الظاهر قد كتب عليها الشقاء, والتعب. فمن قضية سياسية للكرد اللذين يشكلون غالبيتها المطلقة, إلى قضية اقتصادية للفقر الذي يعم أرجاءها, إلى قضية بيئية لعدم وجود الاعتناء اللازم بها, ويبرز خلال نهر جقجق الذي يمر من وسطها, إلى أزمة رياضية لناديها التاريخي "الجهاد".
الجهاد الذي شكل, ومن خلال مسيرته الكروية على مدى أكثر من خمسة عقود منذ تأسيسه في بداية الخمسينات من القرن المنصرم منذ أن كان اسمه "الرافدين" إلى "الرميلان", وإلى يومنا هذا شكل لوحة رياضية خلابة, أتم بها الرياضة السورية من خلال العشرات من اللاعبين الذين أنتجهم هذا النادي, فمنهم من وصل حتى عضوية منتخب الجمهورية كعبود اسكندر, مروان طاهر, قذافي عصمت, ماهر ملكي, موفق حسين, ومنهم من تولى قيادة هذا المنتخب, وتدريبه كالكابتين المخضرم موسى شماس, ومنهم من قدم نفسه تضحية للرياضة كالهداف الراحل هيثم كجو, والذي قضى نحبه في حادث مروري مقدماً نفسه قرباناً للنادي الفقير, والذي لا يستطيع أن يملك بولماناً لنقل لاعبيه فكانت حياته ثمناً لسرفيس قطعت السرعة أوصاله من هذه الحياة, وإذا لم يظفر رجال الفريق ببطولة الدوري فإن أشباله وناشئينه وشبابه كان لهم قرص في كل موسم فهل لأزمة نادي الجهاد الرياضية أية قضية سياسية في خضم الأزمات السياسية المتلاحقة؟ أم أنها مسألة رياضية بحتة؟ الخطوط اللاحقة لهذه المادة قد تبين ذلك.
كان من المقرر في 16/11/2005 عقد المؤتمر العام لنادي الجهاد, ولكن بقدرة قادر تم إلغاؤه, وبدون أي سابق إنذار, وتم تعين مجلس إدارة برئاسة أديب إلياس من قبل اللجنة التنفيذية بالحسكة, والذي قدم استقالته بعدما رأى أنه من المستحيل أن يلعب الفريق على أرضه, وبين جمهوره, وتم تقديم طلبات استقالة فردية, وجماعية من قبل ثلاثة من أعضاء مجلس الإدارة وهم: ( المحامي وليد محمود, د.أحمد خلو إبراهيم, ومحمد حفيظ حاج موسى ) وبهذه الحالة كان من المنطقي حل إدارة النادي, وتعيين, أو انتخاب إدارة جديدة له, وللأسف, وبعد قدوم اللجنة التنفيذية بالحسكة للتأكد من استقالات الأعضاء تراجع المحامي الكردي وليد محمود عن استقالته بخلفية ضغط حزبي كونه بعثي, وعضو عامل في الحزب حيث تبين ذلك من خلال عملية سحب الاستقالة.
قرر المكتب التنفيذي للاتحاد الرياضي العام, وبموجب كتاب رسمي منه برقم /83/ تاريخ 18/1/2006 تم تحديد موعد 24/1/2006 لعقد المؤتمر العام للنادي لانتخاب رئيس, وأعضاء الإدارة, وتم طرح اسم الأستاذ فؤاد القس, والمعروف باسم ( شوقي ) والذي له باع طويل في الإدارة, وفي مسائل نادي الجهاد كونه عضو قديم, وله تاريخ في النادي, ومقبول حتى على المستوى الرياضي, والجماهيري لكنه رفض كسلفه أديب إلياس لأنه يستحيل أن يلعب الجهاد على أرضه, وبين جمهوره, وتدخل الأعضاء مستفسرين هل من الضروري أن يكون رئيس النادي بعثياً كان الجواب بالنفي فتم طرح اسم أي عضو أخر غير بعثي من المرشحين, وكان كردياً لكن تم رفض المرشحين كما أبدت ذلك شعبة حزب البعث في القامشلي والتي يترأسها قمر محمد, واستحالة أن يترأس كردي إدارة نادي الجهاد مهما كانت كفاءته وامتيازاته.
لكن الأعضاء تمسكوا بترشيح اثنا عشر كردياً, وهم: ( عبد السلام بيجو, طه شيخموس, د. ريبر مسوَّر, شوكت حسين, نوري مخصو, مروان طاهر, عبد العزيز خلف, حكمت سليمان, محمد حفيظ حاج موسى, د. أحمد خلو, ود. سيف الدين سليمان) وطلبين من الأخوة المسيحيين هم: ( غسان باسوس, حنا حنا ). طلبات الترشيح هذه تمت بصورة رسمية, وشخصية وقدمت إلى اللجنة التنفيذية بالحسكة لكن للأسف الشديد أخفى رئيس اللجنة السيد عبد الأحد طلبات المرشحين المسيحيين لكي يأخذ الترشيح طابعاً قومياً كون باقي طلبات الترشيح مقدمة من أعضاء كرد, في نية مبيتة لعدم إكمال نصاب الترشيح, وبالتالي رفض الترشيح علماً أنه كتبت على لوائح الترشيح بجانب الأسماء الكردية الإثني عشر المقدمة حرفي ( ع.س) في إشارة إلى أنهم عرب سوريون, كون الدولة لا تعترف بوجود قوميات أخرى, والجنسية التي يحملونها هي عربية سورية, ولم ترفع شعبة حزب البعث أي اسم عربي مقترح علماً أن هناك أربع طلبات بهذا الشأن.
في هذه الظروف الصعبة التي يعيش فيها النادي, والذي يتحمل جمهوره أعباءه المالية, ومشاكله المختلفة على الرغم من أنهم أبدوا استعدادهم للعمل, ولكن الجميع تفاجئ مرة أخرى بإلغاء المؤتمر بحجة أنه لا يوجد مرشحين لكن بعد الإصرار, وتقديم نسخ من طلبات الترشيح تحججوا بأغلبية كردية في قوائم الترشيح على الرغم من وجود أناس من أقليات أخرى, وألغوا بحج واهية, وهي عدم وجود أكفاء للإدارة على الرغم من وجود أناس أكفاء جداً في طلبات الترشيح لكن المسألة أخذت طابعاً أخر كما حصل مع العديد من الطلبات التي قدمت إلى جمعية حقوق الإنسان في سورية بحجة التخوف من أغلبية كردية في الجمعية, وإدارة النادي.
هذه السنة الثالثة, وفريق الجهاد لا يلعب على أرضه, وبين جمهوره الأمر الذي لم يحصل في تاريخ الكرة السورية, والعالمية مع العلم أنه لا يوجد أي قرار رياضي يحظر لعب الفريق على أرضه, والدليل أن جدول الاتحاد الرياضي يشير إلى لعبه في القامشلي. على الرغم من طرق كافة المهتمين الأبواب المختلفة لإنهاء هذه الأزمة, وتم تأكيد الإتحاد الرياضي بأن الجهاد غير معاقب, ولكن هناك قرار سياسي, وهذا بطبيعة الحال يخالف كافة أنظمة, وتعليمات الفيفا, والذي يوصي بعدم تدخل السياسة في الرياضة, ولكن النتيجة توحي إلى غير ذلك, وإلا لما رفضت الطلبات الكردية, والإصرار على عدم تولي كردي رئاسة النادي, مع العلم من أن المدينة ذات أغلبية كردية, ولم يأخذ الفريق مطلقاً طابعاً قومياً.
ستمر الذكرى السنوية الثانية للأحداث الدامية لملعب القامشلي, ومع العلم أنه تم عقوبة الذين اتهموا بأنهم اختلقوا هذه المشاكل كم ادعت الجهات الأمنية, وتم اعتقالهم أكثر من سنة, ومحاسبتهم, ونفى السيد الرئيس بأن أحداث القامشلي لم تكن لها أية أيادٍ خارجية إلا أن الأمن يصر على التدخل حتى في الأمور الرياضية, ويضفي طابعاً عنصرياً قوموياً عليها.
من واجب الاتحاد الرياضي العام التدخل السريع, والعاجل لطي ملف إدارة النادي, وإنهاء هذه الأزمة السياسية, وليست الرياضية, وإعادة الاعتبار لنادي الجهاد الرياضي من خلال حقه في اللعب على أرضه, وبين جمهوره, وتعويضه مادياً, ومعنوياً عن المواسم التي لم يلعبها على أرضه, وبدون جمهوره, ولتكف هذه الأجهزة عن المساس بالشاردة, والواردة, والالتفات إلى واجبها الأساسي, والحقيقي وهي حماية الوطن, وأمن المواطن. أما إذا كانت إدارة نادي الجهاد هي مسألة أمن قومي, ومحاولة سلخ جزء من أراضي سورية, وإلحاقها بدول الجوار فهذا أمر آخر قد تكون لهم الصلاحية في التدخل بشؤونه, وتعيين حاكمٍ عرفي للنادي, وليس لاعباً رياضياً.
#مسعود_عكو (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟