أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - ابحاث يسارية واشتراكية وشيوعية - دافيد هارفي - ملاحظات حول مؤلّف رأس المال لتوماس بيكيتي















المزيد.....

ملاحظات حول مؤلّف رأس المال لتوماس بيكيتي


دافيد هارفي

الحوار المتمدن-العدد: 5506 - 2017 / 4 / 29 - 22:37
المحور: ابحاث يسارية واشتراكية وشيوعية
    




ترجمة مايا جلّول


ترك كتاب توماس بيكيتي "رأس المال ــ في القرن الواحد والعشرين" الذي صدر بنسخته الفرنسية عام 2013 والذي تُرجم لاحقاً إلى الانكليزية ولغاتٍ أخرى ضمنها العربية، صدىً واسعًا. نقدم فيما يلي ترجمةً لمقال نقدي لبروفيسور الجغرافيا والانتروبولوجيا الماركسي "دايفيد هارفي" يتناول فيه الكتاب من زاوية نقديّة.

كتب توماس بيكيتي كتاباً بعنوان "رأس المال" أثار ضجةً كبيرةً، إذ يدعو فيه إلى فرض ضرائب تصاعدية وضريبة على الثروة الشاملة (Global wealth tax) كطريقٍ وحيد لمجابهة الاتجاه نحو شكل تقليدي للرأسمالية يتميز بعدم مساواة "مرعبة" في الثروة والدخل. كما يوثق بتفاصيل يصعب دحضها كيفية تطور اللامساواة في الدخل وفي الثروة خلال القرنين الماضيين، مع تركيز خاص على دور الثروة. يهدم بيكيتي الرأي السائد على نطاق واسع بأن رأسمالية السوق الحرة تنشر الثروة على الجميع، وأنها حصنٌ عظيم للدفاع عن الحريات العامة والفردية. كما يبيّن أنّه في غياب تدخلات رئيسية لإعادة التوزيع من قبل الدولة، تنتج رأسمالية السوق الحرة أوليغارشيات مناهضة للديمقراطية. هذا ما غذّى غضب الليبراليين وأثار جنون صحيفة "الوول ستيت جورنال".

تم مراراً تقديم هذا الكتاب على أنه نسخة القرن الواحد والعشرين لعمل كارل ماركس الذي حمل الإسم نفسه في القرن التاسع عشر. فعليًا، ينفي بيكيتي أن تكون هذه نيته، وهذا صحيح، كون كتابه لا يتمحور مطلقاً حول رأس المال. لا يخبرنا عن انهيار الأسواق عام 2008، ولماذا يصعب ويطول خروج الناس من تحت الأعباء المزدوجة للبطالة المزمنة وخسارة الملايين لمنازلهم المرهونة. كما أنه لا يساعدنا في فهم خمول النمو في الولايات المتحدة بعكس الصين فيما أوروبا عالقة في سياسات تقشف واقتصاد راكد. ما يبينه بيكيتي إحصائيًا (وعلينا أن نكون مدينين له ولزملائه بذلك) هو ميل رأس المال خلال التاريخ إلى إنتاج مستويات عدم مساواة متصاعدة. هذا، بالنسبة للكثيرين منا، ليس بالجديد. لا بل، علاوة على ذلك، كان هذا بالتحديد استنتاج ماركس النظري في الجزء الأول من نسخة رأس المال خاصته. لا يذكر بيكيتي ذلك، وهو أمرٌ ليس مفاجئاً كونه صرّح منذ حين، في مواجهة اتهامات الصحافة اليمينية له بكونه ماركسي متنكر، بأنه لم يقرأ حتى كتاب ماركس رأس المال.

يجمع بيكيتي الكثير من "الداتا" لدعم حججه إذ أن استنتاجاته بخصوص الفروقات بين المدخول والثروة مقنعة ومفيدة. وهو يقدم دفاعا مدروسا عن الضرائب على التركات والضريبة التصاعدية والضريبة على الثروة الشاملة (رغم أنها من شبه المؤكد غير قابلة للتحقق سياسيًا) كترياق لتركز الثروة والسلطة المتزايد.

ولكن لماذا يحدث هذا الاتجاه نحو المزيد من اللامساواة مع مرور الوقت؟ يستمد بيكيتي من الداتا (مع تزيينها ببعض التلميحات الأدبية الأنيقة لجين أوستن وبلزاك) قانونا رياضيا لشرح ما يحدث: تراكم الثروة المستمر بالتصاعد عند طبقة الـ 1 % الشهيرة (وهو مصطلح اكتسب شعبية بفضل حركة Occupy) يعود إلى حقيقة بسيطة هي أن معدل العائد على رأس المال (r) يتجاوز دائماً معدل نمو الدخل (g). هذا، يقول بيكيتي، كان دائماً ولا يزال "التناقض المركزي" لرأس المال.

لكن انتظاما إحصائيا من هذا النوع لا يكاد يشكل تفسيرًا وافيًا فكيف له أن يكون قانوناً. أيّة قوى تنتج وتحافظ على هكذا تناقض؟ لا يجيب بيكيتي. القانون هو القانون. كان ماركس بالتأكيد ليعزي وجود هكذا قانون إلى اختلال بتوازن القوى بين رأس المال والعمل، وهذا التفسير لا يزال سارياً. هذا الإنخفاض المنتظم في حصة العمل من الدخل القومي منذ سنوات الـ 1970، مستمد من تراجع قوة العمل سياسياً واقتصادياً حيث جيّر رأس المال التكنولوجيا والبطالة والـ offshoring، والسياسات المعادية للعمال (كسياسات مارغريت تاتشر ورونالد ريغان) لسحق كل معارضة. اعترف ألان باد، أحد مستشاري مارغريت تاتشر الاقتصاديين، في تصريح غير رسمي أن سياسات مكافحة التضخم في الثمانينيات شكلت "وسيلة جيدة جدًا لرفع معدل البطالة، وكان رفع معدل البطالة أمرا مستحبا للغاية من أجل الحد من قوة الطبقة العاملة... ما تم ترتيبه حينها، بتعبير ماركسي، هو أزمة رأسمالية أعادت خلق جيش احتياطي من العمال وأتاحت للرأسماليين تحقيق أرباح طائلة منذ ذلك الحين". بلغ التفاوت في الأجور بين المدير التنفيذي (CEO) لشركة ما والعمال العاديين حوالي الثلاثين ضعفاً في العام 1970 وهو الآن يفوق الثلاثمائة ضعفاً كمعدل عام وفي حالة ماكدونالدز يصل إلى نحو 1200ضعفاً.

إلاّ أن في الجزء الثاني من كتاب ماركس "رأس المال" (الذي لم يقرأه بيكيتي حتى أنه يصرف النظر عنه بمرح)، يشير ماركس أن ميل رأس المال لجر الأجور للانخفاض سوف يحد في مرحلة ما من قدرة السوق على استيعاب انتاج رأس المال. أدرك هنري فورد هذه المعضلة قبل فترة طويلة عندما قام بتخصيص أجر 5$ مقابل يوم العمل من ثماني ساعات للعاملين لديه من أجل رفع الطلب على السلع الاستهلاكية كما قال. ظن الكثيرون أن غياب طلب فعال شكل جزءًا أساسيًا في الكساد العظيم في الثلاثينيات وهذا ما ألهم سياسات كينزية توسعية بعد الحرب العالمية الثانية ونتج عنه بعض الإنخفاض في عدم المساواة في الدخل (ولكن ليس الكثير لناحية عدم المساواة في الثروة) وسط نمو قوي يقوده الطلب. لكن هذا الحل استند إلى التمكين النسبي للعمال وبناء "الدولة الاجتماعية" (مصطلح بيكيتي) الممول من الضرائب التصاعدية. "بالإجمال"، يكتب، "خلال الفترة ما بين 1932 و1980، أي نصف قرن تقريبًا، بلغ متوسط أعلى ضريبة دخل 81 في المئة". وهذا لم يخمد النمو بأي حال من الأحوال (دليل آخر يستعمله بيكيتي ليفنّد معتقدات يمينية).

بحلول نهاية الستينيات، أصبح جليًّا للعديد من الرأسماليين أنهم يحتاجون لفعل شيءٍ ما بخصوص فائض القوة لدى العمال. لذلك، تم إنزال كينز من رتبة الآلهة الاقتصاديين المحترمين، والتحول إلى مقاربة ميلتون فريدمان في التفكير من جهة العرض، وبدء حملة "مقدسة" من أجل تثبيت أو حتى خفض الضرائب، ومن أجل تفكيك الدولة الإجتماعية وتأديب قوى العمال. بعد عام 1980، انخفضت أعلى معدلات الضرائب، وأصبح معدل الضريبة على أرباح رأس المال ــ وهو مصدر دخل رئيسي للأثرياء جدًا (ultra-wealthy) ــ أقل بكثير في الولايات المتحدة، ما عزز بشكل هائل تدفق الثروة إلى الواحد في المئة الأثرى. لكنّ بيكيتي يبيّن أن التأثير على النمو كان هامشياً. لذا فإن مبدأ الانتشار الانسيابي للمنافع من الأغنياء إلى باقي الطبقات (اعتقاد آخر مفضل لدى اليمين) لا يعمل. إنّ أي من ذلك كله لم يتقرر في أي قانون رياضي، بل إن الأمر كله متعلق بالسياسة.

لكن بعد ذلك انقلب مسار الأمور وأصبح السؤال الأكثر إلحاحًا: أين هو الطلب؟ يتجاهل بيكيتي هذا السؤال بشكلً ممنهج. سنوات التسعينيات قدمت الإجابة عن طريق توسع هائل في القروض الائتمانية، بما في ذلك تمديد تمويل الرهن العقاري إلى اسواق فرعية. غير أنه كان من الطبيعي أن تنفجر فقاعة الأصول الناتجة عن ذلك كما حدث عام 2007-2008 مسقِطة مصرف ليمان براذرز (Lehman Brothers) ومعه نظام الائتمان. مع ذلك، فإن معدلات الربح وزيادة تركيز الثروة تعافت بسرعة كبيرة بعد عام 2009 في حين أن كل الأمور الأخرى وكل الناس كانوا في وضعٍ سيء. معدلات ربح الشركات في الولايات المتحدة الآن عالية أكثر من أي وقتٍ مضى فيما تنام الشركات على كميات من المال دون إنفاقها لأن ظروف السوق ليست قوية.

صياغة بيكيتي للقانون الرياضي تخفي أكثر مما تكشف حول السياسات الطبقية المعنية. كما قال وارن بافت "بالتأكيد هناك حرب طبقية، والطبقة التي أنتمي إليها، الأغنياء، نحن الذين نقوم بها ونحن ننتصر". أحد المقاييس الرئيسية لانتصارهم هو التفاوت المتزايد في الثروة وفي الدخل بين أعلى واحد بالمئة وكل الآخرين.

هناك صعوبة مركزية في محاججة بيكيتي، فهي تستند إلى تعريف خاطئ لرأس المال إذ أن رأس المال هو مسار وليس شيئاً ثابتاً. هو مسار دائري يستخدم فيه المال من أجل كسب المزيد من المال في كثير من الأحيان، وليس حصراً عبر استغلال القوة العاملة. يعرّف بيكيتي رأس المال بأنه مخزون جميع الأصول المملوكة من قبل الأفراد والشركات والحكومات، والذي يمكن تداوله في السوق بغض النظر عما إذا كانت هذه الأصول تستخدم أم لا. هذا يشمل الأراضي والعقارات وحقوق الملكية الفكرية وكذلك الفن والمجوهرات. كيفية تحديد قيمة كل هذه الأشياء هي مسألة تقنية صعبة لا يوجد لها حل متفق عليه. من أجل حساب هادف لمعدل العائد، r، يجب أن يكون لدينا طريقة لتقييم رأس المال الأولي. للأسف لا توجد طريقة لتقييمه بشكلٍ مستقل عن قيمة السلع والخدمات الذي يستخدم من أجل إنتاجها أو عن قيمتها السوقيّة. كل الفكر الاقتصادي النيو ــ كلاسيكي (الذي هو أساس تفكير بيكيتي) يقوم على الحشو والتكرار. يعتمد معدل العائد على رأس المال على معدل النمو لأن رأس المال يتم تقييمه عن طريق ما ينتجه وليس ما استنزف من أجل إنتاجه. تتأثر قيمته بشكل كبير بظروف المضاربة ويمكن تشويهه على نحو خطير من قبل "الاندفاع غير العقلاني" الذائع الصيت الذي رصده "غرينسبان" باعتباره سمة من سمات أسواق الأوراق المالية والإسكان. إذا طرحنا السكن والعقارات ــ دون أن نشير أيضاً إلى قيمة المجموعات الفنية لممولي صناديق التحوط hedge funds ــ من تعريف رأس المال (حيث الأساس المنطقي لإدراجها ضعيف نوعاً ما) فإن تفسير بيكيتي حول تزايد الفوارق في الثروة والدخل يخفق، رغم أن وصفه لحالة التفاوتات السابقة والحالية سيظل قائماً.

إن الأموال والأراضي والعقارات والآلات والمعدات التي لا تستخدم بشكل منتج ليست رأس مال. إذا كان معدل العائد على رأس المال المستخدم مرتفع، فذلك لأن جزءًا من رأس المال يتم سحبه من التداول وهو في الواقع يخرج من الخدمة. إنّ حصر توريد رأس المال بالاستثمار الجديد (وهي ظاهرة نشهدها الآن) يضمن ارتفاع معدل العائد على رأس المال الموجود في التداول. إن خلق مثل هذه الندرة المفتعلة ليس فقط ما تقوم به شركات النفط لضمان معدل عائدات مرتفع بل هذا ما يفعله أي رأس مال عندما تتاح له الفرصة. هذا ما يدعم ميل معدل العائد على رأس المال (كيفما عُرّف أو قيس) ليتخطى دائماً معدّل نمو الدخل. هكذا يضمن رأس المال إعادة إنتاج ذاته، مهما كانت الظروف مزعجة للآخرين. وهكذا تحيا الطبقة الرأسمالية.

هناك الكثير مما هو قيّم في مجموعة بيانات بيكيتي. إلا أن تفسيره المتعلّق بأسباب نشأة التفاوت والميول الاوليغارشية هو معيب بشكل خطير. مقترحاته حول علاجات الفروقات ساذجة إن لم نقل طوباوية. ومن المؤكد أنه لم ينتج نموذجا صالحا لرأس مال القرن الواحد والعشرين. لذلك، نحن ما زلنا بحاجة إلى ماركس أو إلى من يوازيه في العصر الحديث.



#دافيد_هارفي (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295





- بلاغ صحفي حول اجتماع المكتب السياسي لحزب التقدم والاشتراكية ...
- أصولها عربية.. من هي رئيسة جامعة كولومبيا بنيويورك التي وشت ...
- مصدر التهديد بحرب شاملة: سياسة إسرائيل الإجرامية وإفلاتها من ...
- الشرطة الفرنسية تستدعي نائبة يسارية على خلفية تحقيق بشأن -تم ...
- السيناتور ساندرز يحاول حجب مليارات عن إسرائيل بعد لقائه بايد ...
- إعادة افتتاح متحف كانط في الذكرى الـ300 لميلاد الفيلسوف في ك ...
- محكمة بجاية (الجزائر): النيابة العامة تطالب بخمسة عشر شهرا ح ...
- تركيا تعلن تحييد 19 عنصرا من حزب العمال الكردستاني ووحدات حم ...
- طقوس العالم بالاحتفال بيوم الأرض.. رقص وحملات شعبية وعروض أز ...
- اعتقال عشرات المتظاهرين المؤيدين لفلسطين في عدة جامعات أمريك ...


المزيد.....

- مساهمة في تقييم التجربة الاشتراكية السوفياتية (حوصلة كتاب صا ... / جيلاني الهمامي
- كراسات شيوعية:الفاشية منذ النشأة إلى تأسيس النظام (الذراع ال ... / عبدالرؤوف بطيخ
- lمواجهة الشيوعيّين الحقيقيّين عالميّا الإنقلاب التحريفي و إع ... / شادي الشماوي
- حول الجوهري والثانوي في دراسة الدين / مالك ابوعليا
- بيان الأممية الشيوعية الثورية / التيار الماركسي الأممي
- بمناسبة الذكرى المئوية لوفاة ف. آي. لينين (النص كاملا) / مرتضى العبيدي
- من خيمة النزوح ، حديث حول مفهوم الأخلاق وتطوره الفلسفي والتا ... / غازي الصوراني
- لينين، الشيوعية وتحرر النساء / ماري فريدريكسن
- تحديد اضطهادي: النيوليبرالية ومطالب الضحية / تشي-تشي شي
- مقالات بوب أفاكيان 2022 – الجزء الأوّل من كتاب : مقالات بوب ... / شادي الشماوي


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - ابحاث يسارية واشتراكية وشيوعية - دافيد هارفي - ملاحظات حول مؤلّف رأس المال لتوماس بيكيتي