أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - محمود الشامي - لا ضحية بدون مجرم: -يموتو بستين حفض , المهم تزبط البلد-















المزيد.....

لا ضحية بدون مجرم: -يموتو بستين حفض , المهم تزبط البلد-


محمود الشامي

الحوار المتمدن-العدد: 5503 - 2017 / 4 / 26 - 23:14
المحور: الادب والفن
    


في بداية أحداث الثورة في سورية , طلب مني صاحب الشركة التي أعمل فيها الذهاب إلى إيكاردا في حلب وزيارة مخبر الوراثة هناك لتركيب مجهر ضوئي خاص بالأبحاث.. في المخبر كان هناك دكتورة تنتظرني , ونظرا لأني "كثير غلبة ", لاسيما بعد انتبهت للهجة الدكتورة بدأت في الحديث عما يدور في "البلد" , وقد كانت أحداث بانياس هي الطاغية ... المهم كان رأي الدكتورة يقول "مش مهم لو يموت 100 ألف سوري .مقابل أنه تزبط البلد" .. أذهلني ما قالت و لكنه لم يفاجئني . أذهلتني تلك القدرة الهائلة التي يتحلى بها بعضنا في استسهال الموت , موت الغير , وتسطيح فهمنا لمشروعية الجريمة من الناحية الأخلاقية ، وكيف يمكن تبرير القتل مهما بدت الأسباب منطقية... المهم , قلت للدكتورة " سأكون معك , وسأفترض ان هذه الـ 100 ألف بحاجة لواحد صحيح لتكتمل و تزبط البلد , هل تقبلي أن تكوني أنت أو أحد افراد عائلتك هذا الواحد؟؟" رمقتني بنظرة "نص كم" و قالت هذا المجهر ياباني أم صيني ؟؟؟!
تذكرت هذا الحوار اليوم بسبب اقتحام الكاتب الأمريكي "إدغار آلان بو" ذهني هكذا دون استئذان وهو كاتب و شاعر أمريكي رقيق و ربما يعرف معظمنا قصيدته الشهيرة "أنابيل لي" . لكنه على صعيد آخر هو كاتب "معت" سوداوي , مقيت .لهذا الكاتب رواية عنوانها:حكاية آرثر غوردن بيم من نانتاكيت The Narrative of Arthur Gordon Pym of Nantucket.وقد صدرت طبعتها الكاملة بعد وفاته وهي الرواية الوحيدة الكاملة له و التي يقول هو نفسه عنها أنها "سخيفة للغاية". تتحدث الرواية عن شاب يدعى آرثر غوردن بيم، الذي يركب على متن سفينة صيد حيتان تدعى غرامبوس. يواجه آثر في رحلته مغامرات عديدة مثيرة فالسفينة تغرق و يواجه قبائل أكلة لحوم البشر قبل أن تنقذه سفينة أخرى ليتابع مغامراته مع طاقم السفينة التي يقودها جين غاي, وهناك يلتقي مع بحار يدعى ديرك بيترز. وعندما يترسو غرامبوس على اليابسة، يواجه بحارتها قبيلة بدائية متوحشة قبل أن يلوذوا بالفرار إلى المحيط... يبدو أن لاشيء مهم حتى الآن في القصة وتبدو كأنها رواية تقليدية عن المغامرات وتعامل معها النقاد بسلبية واضحة إذ اعتبروها تحمل الكثير من العنف وتتخللها اقتباسات كثيرة من أعمال أخرى ... لندع كل هذا ولنر أحد المشاهد المهمة في الرواية ..لنتخيل مجموعة من البحارة في عرض المحيط نجوا بعد تحطم سفينتهم وامتص الجوع و العطش و التعب كل جهدهم ..ترى ماذا سيفعلون؟ اتفقوا بكل بساطة على قتل واحد منهم وأكله كي يستمر البقية على قيد الحياة , والضحية اسمها ريتشارد باركر ....يطرح "بو" قضية على غاية في الأهمية: قصة أو جريمة قتل ذات مبررات قوية و متماسكة منطقيا سننقسم نحن حيالها إلى قسمين بين مؤيد للقتل الاضطراري وبين رافض له مهما كانت الأسباب و الدوافع .
لنقل أن هذا أيضا أمر عادي و قد يحدث , ولكن هل تخيلت نفسك ذات يوم طرفا في الجريمة ؟ طيب بلاش الجريمة هل تستطيع أن تتخيل نفسك شاهد على جريمة ؟ماذا لو اضطرت أن تكون شاهد إثبات في محكمة على تلك الجريمة؟ ما هي الخطوات التي ستتبعها لسرد روايتك عن الجريمة؟ هل ستكون روايتك محايدة , باردة مثل تقرير جنائي ؟ أم ملتهبة منفعلة متعاطفة مع الضحية وضد المجرم بصرف النظر عن دوافع الجريمة ؟ هل أنت مع الضحية بشكل عام فقط لكونها ضحية ؟ هل سيتغير موقفك لو عرفت أن هناك علاقة ما تربط الضحية بالمجرم؟ هل ستجد نفسك متورطا في مثل هذا الشكل المعقد من العلاقات التي قد تربطك بالضحية و المجرم لتواجه معضلة أخلاقية قد تدفعك لاتخاذ قرار ما لم تكن تتوقع أن تتخذه من قبل وقد يصل بك الأمر إلى الحد الذي يجعلك تعيد النظر بتلك المبادئ برمتها؟ ,أم ستنظر للأمر بنفعية على قاعدة "الخير الأعم للعدد الأكبر" باعتبار أن الفعل الصائب -حسب بينثام- هو الفعل الذي بقيامه نحصل على الحد الأقصى من المنفعة ,و يقصد بالمنفعة هنا ما يدعوه التوازن بين الألم و الرضى و السعادة و الأسى كثنائيات تحكم وجودنا البشري, بمعنى أننا كبشر تتحكم بنا نزعتين وجوديتين جوهريتين هما الألم و المتعة ,ومن الواضح أننا نفضل المتعة على الألم "كسلوك طبيعي بواقع الحال" ومن هذا المنطلق نبني نزعتنا الأخلاقية التي ستكون العامل الأساسي لاحقا للتشريع "الديني و المدني" و القانون
لنبتعد عن هوس وسوداوية آلان بو قليلا. في العام 1884 غرقت سفينة اسمها ميغنونيت Mignonette غرقت, ونجى من طاقمها ثلاث أشخاص اتفقوا -لاحقا-فيما بينهم على قتل واحد منهم ليأكلوه , وكان اسمه أيضا ريتشارد باركر .. لنعد قليلا ,فالسفينة ميغنونيت تعرضت لعاصفة قوية أدى إلى غرقها , وكان أفراد طاقمها مكون من الكابتن «دادلي» والمساعد «ستيفنز» والبحار «بروكز»، وقد وصف هؤلاء الرجال بكونهم من أصحاب السمعة الطيبة و الأخلاق العالية .الشخص الرابع الناجي "باركر" كان يعمل خادم السفينة و يبلغ من العمر 17 عاما وهو يتيم بلا عائلة، وكانت تلك رحلته الأولى.. ركب الرجال الأربعة قارب النجاة بعد غرق الميغنونيت ولم يكن ماء ولا طعام سوى علبتي لفت . لم يأكل الرجال أي شيء في الأيام الثلاثة الأولى,ثم وحسب الرواية أكل الرجال في اليوم الرابع إحدى علبتي اللفت .و في اليوم التالي تمكنوا من اصطياد سلحفاة وقد مكنتهم مع علبة اللفت الثانية من الصمود عدة أيام أخرى .وباتوا هكذا لمدة ثمانية أيام بلا طعام أو ماء.وفي اليوم التاسع اقترح الكابتن «دادلي» أن يقوموا بعمل قرعة ومن يقع عليه الاختيار «يُقتل» حتى ينقذ الآخرين، رفض الجميع الفكرة في البداية ,ونحن في الحقيقة لانعرف ما إذا كان الرفض سببه خوف كل واحد من أن تقع عليه القرعة أم أن المبدأ الأخلاقي للرجال الآخرين كان هو الموجه لرفض هذا العمل الوحشي ...المهم كان الصبي باركر مستلقياً في مؤخرة قارب النجاة مصابا بالإعياء لشربه من مياه البحر وقد بدت عليه علامات الاحتضار و الموت . عموما لم يقم الرجال في القرعة ,ولم تظهر أي سفينة في الأفق.وهنا لم تتأخر ردة فعل الكابتن دادلي كثيرا فنظر نحو ستيفنز وهو يوميء باتجاه الصبي باركر و اقترح على باركر أن يقوم بصلاته الأخيرة فالوقت قد حان ليموت من أجل يعيش البقية وطعنه بسكين في رقبته, الأمر الذي شجع بروكز ومن ثم شارك البقية في القتل .. عاش الرجال الثلاثة لمدة أربعة أيام أخرى يقتاتون على باركر ... في آخر يوم لهم قبل انقاذهم يصف دادلي التهامه لباركر على أنه "إفطار" ..وهنا ربما يتجلى الانهيار الكامل للمنظومة الأخلاقية وتتلاشى الحدود المقدسة لحياة الغير عندما تحل الضرورة كمعيار أساسي لتستبيح كل المحظورات , يقول دادلي " في اليوم الرابع والعشرين بعد أن تناولنا طعام الفطور ظهرت سفينة في الأفق ". فتم إنقاذ الرجال الثلاثة وإعادتهم إلى إنجلترا، حيث ألقي القبض عليهم ومحاكمتهم. عند استجوابهم لم يجادلوا في الحقائق أو ينكروها، وادّعوا أن تصّرفهم كان بداعي الضرورة القصوى، واستندوا إلى فرضية أن موت شخص كان ضرورة ليعيش الباقون، تلك الحجو لم تقنع القاضي الذي أصر على القول أن "القتل هو القتل مهما كانت الأسباب..."
لقد كانوا هناك ثلاثة ضد واحد .ولكن ماذا لو كانت المعادلة مختلفة : 30 ضد 300 أو 300 ضد 3000 ماذا لو كان طرفي المعادلة أكبر .ماذا لو كانت المعادلة تحتاج إل رقم واحد فقط لإتمامها , من منا سيقبل أن يكون هو الرقم لإتمام المعادلة و يرتاح الجميع .. من؟؟؟ هل 3 ضد 1 معادلة بسيطة . هل العدد مهم لتحديد موقفنا الأخلاقي؟ هل هو ما يعنينا لتحديد موقفنا؟هل هذه جريمة أم ضرورة فرضتها الظروف الخارجية التي لاشأن لمرتكبيها بها ؟ثم هل الإجماع على جريمة يشرعن هذه الجريمة ؟ وهل قبول أو موافقة الفرد تغير معطيات القضية اذ يصبح قتل فرد بمعرفته و موافقته أمر مبرر أخلاقياً؟؟
آه نسيت أن أقول لكم أن غرق الميغنونيت حصل بعد نشر رواية إدغار آلان بو بـ 46 سنة



#محمود_الشامي (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295





- اللوحة -المفقودة- لغوستاف كليمت تباع بـ 30 مليون يورو
- نجم مسلسل -فريندز- يهاجم احتجاجات مؤيدة لفلسطين في جامعات أم ...
- هل يشكل الحراك الطلابي الداعم لغزة تحولا في الثقافة السياسية ...
- بالإحداثيات.. تردد قناة بطوط الجديد 2024 Batoot Kids على الن ...
- العلاقة الوثيقة بين مهرجان كان السينمائي وعالم الموضة
- -من داخل غزة-.. يشارك في السوق الدولية للفيلم الوثائقي
- فوز -بنات ألفة- بجائزة مهرجان أسوان الدولي لأفلام المرأة
- باريس تعلق على حكم الإعدام ضد مغني الراب الإيراني توماج صالح ...
- مش هتقدر تغمض عينيك.. تردد قناة روتانا سينما الجديد على نايل ...
- لواء اسرائيلي: ثقافة الكذب تطورت بأعلى المستويات داخل الجيش ...


المزيد.....

- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - محمود الشامي - لا ضحية بدون مجرم: -يموتو بستين حفض , المهم تزبط البلد-