يوسف الاشيقر
الحوار المتمدن-العدد: 5486 - 2017 / 4 / 9 - 05:19
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
بالواجهة يبدو ان القوات الامريكية هي من اسقطت نظام صدام وزمرته. ولكن بالحقيقة هذا كان عملا عراقيا مدبرا شارك به كل اطياف ومكونات الشعب العراقي بلا استثناء وحتى اقرباء الطاغية وبعض رموزه وحماياته. وهنا ساكشف بعض المستور الذي ربما يقال لاول مرة. فكيف حصل ذلك؟ ساناقش الموضوع من اربعة اطراف.
1- معارضة الخارج: وهذه دورها معروف للجميع ومؤشر ونوقش باسهاب عبر السنوات. وتم مغلوطا الترويج بانها هي الفئة العراقية الوحيدة التي وقفت مع المحتل - المحرر الامريكي وساندته وركبت دبابته. ويمكن ان اضيف ان كل تيارات واحزاب وكتل المعارضة العراقية حينها, باستثناء الدعوة والشيوعي ربما, وقفت بالفعل وباقصى طاقاتها مع القوات الامريكية والدعاية المرافقة اثناء الحرب وقبلها. وساهمت في تزويد الامريكان بتقارير صحيحة وملفقة عن اسلحة الدمار الشامل والصواريخ والتهويل لها, وفي فضح جرائم النظام والتطبيل لها, وفي نقل استغاثات من مواطنين داخل العراق ومن ضباط كبار بالجيش سواء صحيحة ام مفبركة الى استخبارات العالم وقنواته الاعلامية المختلفة, تطالب بسرعة التدخل وضرورته وان هناك استعداد مطلق للتعاون مع الجيوش القادمة والترحيب بها وتسهيل مهمتها. وكان على رأس المعارضة حينها واكثرهم فاعلية وحضورا وتاثيرا الدكتور احمد الجلبي والدكتور اياد علاوي, يليهم مئات او الاف اخرين لايسع المجال لذكر جميعهم.
2- شعب الداخل: كان الشعور الداخلي العارم قبيل انطلاق العمليات في 20 اذار هو الغيض والغضب الشديد من نظام صدام, وعدم تصديق انه فعلا لم يتعلم الدرس بعد ويقودنا الى حرب حتمية جديدة يدرك الجميع انها ستكون كسر عظم وحاسمة ولن يفلت منها صدام واولاده والمقربين منه هذه المرة. وكانت الشتائم تكال لشخص الرئيس ونظام حكمه بصورة شبه علنية في معظم المدن العراقية خاصة مع تردي الوضع الاقتصادي الى الحضيض وسقوط الدينار العراقي (الورقي المطبوع محليا بنوعية رديئة) وتفاقم الطبقية الفاضحة والاستعراضية والاستعلائية لاركان النظام وعلى راسهم عدي وقصي. لكن هذا الامتعاض الواضح تحول الى كتم مقصود للانفاس وترقب. فهناك خوف داخلي ايضا من ان يتراجع صدام باخر اللحظات عن عناده الصلف لو احس برائحة معارضة داخلية. وحتى اخر يوم من المعركة لم تخرج اية انتفاضة مناوئة للحكومة بكل مدن الجنوب الشيعية مع ان القوات الامريكية والحليفة كانت قد اكتسحت مدنهم بالكامل. وكل ما نقلته كاميرات الحلفاء والى قرب انتهاء المعركة هي اشارات لعلامات نصر خجولة يرفعها افراد معدودين بمدن كبرى تحررت للتو من طاغية حكمها دكتاتوريا ل 24 سنة. وكان يبدو جليا ان شيعة الجنوب قد تعلموا درسا بليغا من انتفاضتهم السابقة عام 1991 التي ساهمت في كبح جموح شوارسكوف حينها من اكتساح بغداد. المدن السنية العراقية كانت مترقبة ايضا ولم يصدر منها اي تحرك سواء سلبي ام ايجابي يذكر حول ما يدور. اما الاكراد فمارسوا اقصى درجات ضبط للنفس ولم يتعمدوا مهاجمة او استفزاز قوات صدام المحاذية لمدنهم ونقاط العبور مع مناطقهم. هذا الدور الشعبي الموحد الذي وقف الكل به متفرجا ويضمر خداع حكومته لتمضي بمسلسل انتحارها الى النهاية, لم يناقش سابقا بجدية مطلوبة, وهو يعكس وحدة موقف عراقية حينها من نظام صدام.
3- الجيش العراقي: حال الجيش كان كحال الشعب في تلك الفترة ومشاعر افراده لا تختلف عن مشاعر باقي المواطنين. يضاف الى ذلك انه كان لايزال يعاني من اثار الهزيمة المنكرة بحرب الكويت عام 91 ومن قلة احترام الحكومة والشعب والعالم له. وتهافت الرواتب والمخصصات وحتى التجهيزات العسكرية والامتيازات. وتذمر كبار الضباط كان واضحا ومميزا ومسكوتا عنه. فامكن من خلال المعارضة العراقية ومن خلال سفرات عديدة يقوم بها الضباط الى عمان وعواصم اخرى شراء ولاء اعداد كبيرة منهم. وكانت تصل الى مئات منهم رواتب شهرية ثابتة وبالدولار من الامريكان عبر قنوات المعارضة. وتقريبا كل اسرار التحركات العسكرية العراقية والتجهيزات والاستعدادات للمعركة كانت تنقل اولا باول ومن مصادر متعددة ومتطابقة بمعظم الاحيان الى قيادة الحلفاء. وبالمقابل كان يتم تغذية الاستخبارات العسكرية والقيادات العراقية ببعض المعلومات البسيطة والمفبركة احيانا عن استعدادات قوات الحلفاء وخططهم. كل ذلك لغرض تقوية معنويات صدام ودفعه للتحدي والمطاولة والعناد ليسقط الى حتفه بحرب معروفة النتيجة لكل عاقل, مع تخلي الجميع عنه عند ساعة المواجهة. وكما كان متوقعا ومحسوبا لم يبدي الجيش اية مقاومة تذكر. وباستثناء حامية بسيطة بام قصر وشبه اشتباك بالرضوانية وجنوب مطار بغداد, فان كل القيادات والافراد سلموا مواقعهم ونزعوا ملابسهم العسكرية وهربوا الى بيوتهم. وفي احد تقارير ال CNN كما اتذكر حيث كان الكل يتحدث عن الفيلق الخامس الذي لم يشارك بعد بالمعركة استطاعت مراسلة ان تكشف موقعه تحت احد الجسور؛ كان عبارة عن ركام لالاف البدلات العسكرية المنزوعة بسرعة قبل الهرب.
4- حمايات صدام ومقربيه: على العكس من ضباط الجيش الذين كانوا يتصلون بالمعارضة والامريكان من اجل رواتب لسد حاجاتهم المعيشية, فان كبار المقربين لصدام واقربائه وحماياته ادركوا خلال السنين الاخيرة وبعد قصة حسين كامل عبثية ربط انفسهم بالطاغية الهالك لا محالة وصاروا يتصلون باطراف المعارضة ويطلبون التعاون مع الامريكان مقابل حمايتهم وعدم التعرض لهم مستقبلا او بعد الحرب. وقد اطلعت بحينها واكد لي شهود عديدون موخرا ان اسماء كبيرة في الدائرة المحيطة بصدام لا اريد الافصاح عنها الان، تواصلوا شخصيا وتليفونيا باجتماعات عديدة بمدن مختلفة مع كبار قادة المعارضة ومع ضباط امريكان لمناقشة خطط الاطاحة بصدام. وكان هناك سيناريوهان متداولان (وهذا سر اخر قد يذاع لاول مرة): الاول يقول بالاطاحة بصدام بانقلاب من داخل القصر, وكان يدعمه ويخطط له ويروج له الدكتور اياد علاوي ويتعهد بانه سيكون نظيفا وحاسما ومحققا للغرض المطلوب امريكيا واقليميا. اما السيناريو الثاني فكان يشكك بنوايا الاول ويدعي ان استبدال صدام ببعثي اخر من مقربيه او من كبار معاونيه ليس هو المطلوب ولا الكافي شعبيا ودوليا, ويدعو الى الاطاحة الكاملة بكل النظام وعبر حرب شاملة وسريعة لا تبقي احدا من اركان الدكتاتور. وهذا كان برعاية الدكتور احمد الجلبي, ويبدو انه كان الاوفر حظا وتم تبنيه امريكيا وعراقيا. فتم تقديم الضمانات والتعهدات للمقربين بعدم التعرض لهم مقابل تخليهم عن صدام في الساعات الحرجة. وفي يوم 3 نيسان 2003 وصل حوالي 150 شخص من قيادات الخط الاول حول صدام وكبار مخابراته الى دمشق هاربين ومتخلين عن سيدهم السابق وفقا للخطة. ثاني او ثالث يوم بعدها, ونتيجة لهذا الهروب القاصم, اجتمع صدام بالقصر الجمهوري بافراد عائلته وبما تبقى من حماياته ومقربيه (ولاخر مرة بحياته) واعلن لهم: "ان كل شيء انتهى" وان على كل واحد منهم ومنهن ان "يدبر نفسه" من الان وطالعا. فافترق الجميع بعدها وللابد. فهرب اولاده للموصل ليقتلوا هناك بعد فترة. وهربت زوجته وبنتيه الى سوريا والاردن. اما صدام فظل يتنقل بين بيوت صغيرة هنا وهناك ببغداد الى يوم 9 نيسان قبل ان يقرر الفرار للحفرة مع شخصين خانه احدهما!
#يوسف_الاشيقر (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟