أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - اليسار , الديمقراطية والعلمانية في المغرب العربي - محمد حربي - فرنسا الجزائر، ذهابا وايابا















المزيد.....

فرنسا الجزائر، ذهابا وايابا


محمد حربي

الحوار المتمدن-العدد: 1437 - 2006 / 1 / 21 - 08:22
المحور: اليسار , الديمقراطية والعلمانية في المغرب العربي
    


في السنوات الماضية احتلّت المشاكل الاثنية والسياسية، المُرتبطة بحرب استقلال الجزائر، النقاش العام في فرنسا. فقد ارتفعت اصوات تستنكر محو الذاكرات والتلاعب بالمعلومات، وتشجب دمج الماضي الاستعماري مع امتداداته في معالجة مسألة الهجرة [1]. أيّ صدى كان لهذا النقاش في الجزائر؟ وفي ما يتجاوز ذلك، أيّ نظرة يفترض القاؤها على الاستعمار كفعل اجتماعي وتاريخي؟

من حيل التاريخ أنّ حشرجات النظام الجزائري هي التي أيقظت المشاعر الفرنسية حول "جوهرة" الامبراطورية. ثلاث حقبات ميّزت استرجاع الماضي الاستعماري: الاعتراض على الاساطير التأسيسية للقومية الجزائرية خلال الربيع البربري (1980)، التمرّد الشعبي في تشرين الاول/اكتوبر والذي أنهى احتكار جبهة التحرير الوطني، وأخيراً المواجهة بين الجيش ـ الدولة والاسلاميين، لا سيّما بعد ابطال العملية الانتخابية (كانون الثاني/يناير 1992). وفي هذه النزاعات جميعها، تحوّلت فرنسا الى رجع صدى متميّز. وكما أشار السيد غي برفييه حول الصدام بين الدولة ـ الجيش والتمرّد الديني، فإنّ الافرقاء يعرّفون عن نضالهم على "أنّه تكرار لحرب التحرير يدّعي كلا المعسكريْن فيها دور الجهاد في الاتجاه الصحيح [2]".

ضمن هذه الظروف، قام المغلوبون في حرب الاستقلال في فرنسا (العائدون الى الوطن، المُلتحِقون السابقون بالجيش الفرنسي، الضبّاط المناهضون لديغول) والحركات المُعادية للهجرة، كما حزب "الجبهة الوطنية"، بإعادة إحياء التصوّرات الاستعمارية للجزائر. وفي سياق التطوّرات العالمية، وصل الامر الى تصنيف "جبهة التحرير الوطني" ظلماً في عداد الحركات الارهابية. كان ذلك بمثابة ثأر لحزب الجزائر الفرنسية.

لكن انبعاث هذا الماضي في الحاضر يتّخذ منعطفاً غير متوقّع، عندما اتّهمت احدى المشاركات في التمرّد الاستقلالي، لويزيت ايغيلهريز (الى فلورنس بوجه، صحيفة "لوموند"، 20 حزيران/يونيو 2000) قادة المظليين الفرنسيين بتعذيبها في الجزائر العاصمة عام 1957. لكن الجنرال ماسو أقرّ بحقيقة الاستجوابات المُرفقة بالتعذيب، فبدأت حينها محاكمة هذه الممارسات. وبينما كانت الرغبة في معرفة الحقيقة واسعة في فرنسا، فإنّ الارتباك ساد في الجزائر. ويعود السبب الى الظرف المحلّي، حيث أنّ الإنهيار السياسي والاخلاقي، المُفضي الى صعود العنف، قد حلّ محلّ نشوة الستّينات الوطنية.

بين جيش ـ دولة لا تُعير القانون أهمّية في ممارساتها القمعية وحركة دينية دون عمود فقري حقيقي ومُنفتحة على كافة التجاوزات واشكال التلاعب بها، راح الوضع يتداعى بسرعة. المذابح والتصفيات وعمليات الاختطاف باتت تشكّل النصيب اليوميّ للجزائريين. الرئيس السابق (1962 ـ 1965) أحمد بن بلاّ يصف المشهد القاتم: "يتحدّثون عن التمشيط وعن الارهابيين (...) انها لذكريات غريبة تعود الينا نحن الذين عشنا قبل ثلاثين عاماً هذا الوضع، اذ نشهد اعادة انتاج مفردات الجنرال ماسو او الجنرال سالان" [3].

هكذا ينكسف الموقف الذي جعل من الجزائر الضحية قناعاً لتفكير يدور على ذاته، مُعادٍ للأجانب وسلبيّ. فالأجيال الجديدة، التي تعاني مصاعب الحياة ولم تشهد زمن الاستعمار، ترى لفرنسا وجهاً آخر. أمّا النخب السياسية فإنها تجرّب طرائق أخرى لاستحضار الماضي، لا يكون المطلوب فيها ابراز الذنب الفرنسي، بينما تطمس مسؤوليتهم الخاصة في ما وصل اليه بلدهم.

منذ العام 1988، وما حفلت به السنوات من قتل وتعذيب، بات الملك عارياً. يجب الانتهاء من الحرب ودفع فرنسا، بالطرق الديبلوماسية، للإعتراف بمعاناة الشعب الجزائري مع استبعاد الروح الثأرية وتسهيل عمل كشف الحقائق دون مواربة، حول التجاوزات المرتكبة من الجانب الجزائري والتي نشهد تكراراً لها في ايامنا هذه. لم تعد هذه التجاوزات موضوعاً مُحرّماً في الدوائر الرسمية، لكن هل ينتقل النقاش حولها الى العلن كما حصل في فرنسا؟ الأمر ليس سهلاً طالما أنّ قدامى المُجاهدين يعترضون على ذلك.

الآراء تتباين حول سبل تصفية التركة الاستعمارية. فمؤسّسة 8 ايار/مايو 1945، التي نشأت عام 1990 بمبادرة من رئيس مجلس الشيوخ السابق والذي أطاح به من هذا المنصب الرئيس بوتفليقه، لا تنوي التساهل في مسألة الجرائم التي لم يطلْها العفو، أي تلك التي وقعت خلال مجازر ايار/مايو 1945 [4]: إنه فصل "لا يُغتفَر"، وفق ما أقرّ به في ايار/مايو 2005 سفير فرنسا في الجزائر السيد هوبير كولين دو لا فرديار. يمكن الالتفاف حول هذا العائق، بيْدَ أنّ تبنّي البرلمان الفرنسي قانون 23 شباط/فبراير 2005 [5]، الذي يؤكّد في مادّته الرابعة الدور الايجابي للنظام الاستعماري، أعطى الرئيس بوتفليقه فرصة للتدخّل من أجل إدانة تشريع "يتّسم بالعمى السلبي الى حدّ التحريف التاريخي".

لا يبدو أنّ هناك سعياً لتأجيج المشاعر، بدليل الفارق الزمني بين مداخلة الرئيس وتصريح "جبهة التحرير الوطنية" في 7 حزيران/يونيو 2005، فالمطلوب عدم تعريض معاهدة الصداقة بين فرنسا والجزائر للخطر، لا سيّما وأنّ التوقيع عليها منتظر في كانون الاول/ديسمبر 2005. فالمفاوضات تدور سرّاً، تفادياً لضغوط من لا يزالون يشعرون بالحنين الى الجزائر الفرنسية والمُكرِّرين مديح منظمة OAS الانقلابية من جهة، وضغوط من يعتبرون انفسهم قيّمين على ذاكرة المُجاهدين من جهة أخرى.

يقول كاتب الافتتاحيات عبدو ب. :"هناك مستثمرون لهذه الحقبة لا ينظرون بعين الرضى الى اتفاقية الصداقة... إنهم انفسهم الذين يشنّون حملات تحت الطلب على اللغة الفرنسية باسم القيم التي يعتبرون أنها في عهدتهم الشرعية، الامر الذي لا يمنعهم من التسلّل خارج البلاد وإنفاق المبالغ الطائلة للحصول على شهادات فرنسية" [6]. إنه افضل تعبير عن كون الفرنسية هي احدى اللغات الرسمية الى جانب العربية والامازيغية، ممّا يعيدنا الى السجال حول الاستعمار. لا تمتّ ذاكرة الشعوب الذاتية الى عمل المؤرّخ المحترف بصلة. فالتاريخ المُستعاد يبقى مستقلاً عن الأهواء والصور النمطية والاغراض الآنية. هناك معياران متعارضان ينظّمان هذه الذاكرة الجماعية، وهما من التبسيط بحيث يتيحان توظيف المشاعر المتأجّجة واستخدام الميول السياسية.

المعيار الاول يقول به الوطنيّون الفرنسيون من الورثة المتعجرفين والواثقين من "الوظيفة الحضارية للاستعمار". ولهم على ذلك دلائل: شبكة الطرق وسكك الحديد، المرافئ المفتوحة على العالم، أمن البلاد والمدارس والمستشفيات الخ... دون النظر بالطبع الى أنّ ما أُنجز كان في مصلحة المستعمر وحده، دون اعتبار لتقدّم الجزائر المنفتحة على الانوار والديموقراطية. كان، في المختصر، مشروع جزائر دون جزائريين.

المعيار الثاني هو النقيض المجرّد للاول. فالاستعمار حقبة مؤقّتة أنهاها الاستقلال عام 1962. والجزائر المستقلّة تعيد التواصل مع ما كانت عليه عام 1830. وتملك الجزائر العثمانية هذه، بميزاتها الفريدة، الإجابات على اسئلة الحاضر. كأنّ الاستعمار سجن الجزائر التي كانت منفتحة قبله على التقدّم، سجنها في جمود تخرج منه اليوم كما كانت عليه ضمن هويتها العربية الاسلامية التي لا تزول.

بين المعياريْن قاسم مشترك في أنهما لا يُعيران أدنى اعتبار لتأريخ المؤرّخين الذين يشدّدون على أنّ للاستعمار منطقه الخاص يؤدّي به من العنف المجرّد والسالب للأملاك بداية الى البناء المؤسّساتي، حيث أنّ القطيعة بين النمطيْن حصلت في نهاية الثمانينات من القرن التاسع عشر. لا ننكر الطابع الامبريالي والهدّام للاستعمار، اذا ما تحدثنا عن التثاقف المتبادل، وهي نتائج "مُنحرفة" لم يردْها الاستعمار. تثاقف أدّى بالجزائريين الى تبنّي الايديولوجيات الثورية والمطالبة بديموقراطية سياسية وقيادة تحرّكات نقابية واجتماعية. في المختصر، إنّ على الجزائر، الخارجة مُنتصرة في نضالها الاستقلالي، أن تدرك ميراث التاريخ.

وبالتالي، فالتساؤل هو عن المغزى الخفيّ من الحملات التي تستخدم ماضياً يُعاد تأليفه من اجل مناورات غامضة المرامي. تفرض علينا المطالبة بالحقيقة التساؤل حول المجتمع ما قبل الاستعماري واشكال الهيمنة فيه وتراتبيّته واحتقاره الضعفاء. جاء الاستعمار على مجتمع كان خاضعاً ايضاً للسيطرة. وخلف الفارق، الكبير، بين المجتمع ما قبل الاستعماري والاستعمار، هناك شكل من اشكال الاستمرارية: مجتمع الخضوع. أما الحاضر، فيتطلّب بالطبع معرفة بماضينا، لكن المعرفة لا تعني الاندفاع الذاتي ولا تحكيم الأوهام بالعقول.






--------------------------------------------------------------------------------

* مؤرّخ، من مؤلّفاته مع بنجامين ستورا La Guerre d’Algérie, 1954-2004, la fin de l’amnésie, Robert Laffont, Paris, 2004.


--------------------------------------------------------------------------------

[1] Nicolas Bancel, Sandrine Lemaire, Pascal Blanchard (sous la direction de), La Fracture coloniale, La Découverte, Paris, 2005.

[2] Guy Pervillé, “ La guerre d’Algérie vue de France ”, Confluences Méditerranée, n° 19, Paris, automne 1996.

[3] TF1, 28 décembre 1994

[4] “ La guerre d’Algérie a commencé à Sétif ”, Le Monde diplomatique, mai 2005.

[5] Claude Liauzu, “ Une loi contre l’histoire ”, Le Monde diplomatique, avril 2005.

[6] Au nom du père ! ”, La Tribune, numéro hors-série, Alger, 3 juillet 2005



#محمد_حربي (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- ...وضرب العنف الجزائر


المزيد.....




- مقتل فلسطينية برصاص الجيش الإسرائيلي بعد مزاعم محاولتها طعن ...
- الدفاع المدني في غزة: العثور على أكثر من 300 جثة في مقبرة جم ...
- الأردن: إرادة ملكية بإجراء الانتخابات النيابية هذا العام
- التقرير السنوي لـ-لعفو الدولية-: نشهد شبه انهيار للقانون الد ...
- حملة -شريط جاورجيوس- تشمل 35 دولة هذا العام
- الصين ترسل دفعة من الرواد إلى محطتها المدارية
- ما الذي يفعله السفر جوا برئتيك؟
- بالفيديو .. اندلاع 4 توهجات شمسية في حدث نادر للغاية
- هيئات بحرية: حادث بحري جنوب غربي عدن
- وزارة الصحة في غزة تكشف عن حصيلة جديدة للقتلى والجرحى نتيجة ...


المزيد.....

- عن الجامعة والعنف الطلابي وأسبابه الحقيقية / مصطفى بن صالح
- بناء الأداة الثورية مهمة لا محيد عنها / وديع السرغيني
- غلاء الأسعار: البرجوازيون ينهبون الشعب / المناضل-ة
- دروس مصر2013 و تونس2021 : حول بعض القضايا السياسية / احمد المغربي
- الكتاب الأول - دراسات في الاقتصاد والمجتمع وحالة حقوق الإنسا ... / كاظم حبيب
- ردّا على انتقادات: -حيثما تكون الحريّة أكون-(1) / حمه الهمامي
- برنامجنا : مضمون النضال النقابي الفلاحي بالمغرب / النقابة الوطنية للفلاحين الصغار والمهنيين الغابويين
- المستعمرة المنسية: الصحراء الغربية المحتلة / سعاد الولي
- حول النموذج “التنموي” المزعوم في المغرب / عبدالله الحريف
- قراءة في الوضع السياسي الراهن في تونس / حمة الهمامي


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - اليسار , الديمقراطية والعلمانية في المغرب العربي - محمد حربي - فرنسا الجزائر، ذهابا وايابا