أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - عبد الرزاق عودة الغالبي - وهل للشجاعة ذيل.....!؟














المزيد.....

وهل للشجاعة ذيل.....!؟


عبد الرزاق عودة الغالبي

الحوار المتمدن-العدد: 5471 - 2017 / 3 / 25 - 00:05
المحور: الادب والفن
    


وهل للشجاعة ذيل....!؟



يزعجني عقلي كثيراً، لدرجة أني أتمنى التخلّص من هذا الرأس المزعج ، تتصارع فوق حلباته أفكار مستهترة، تسخر مني و تضحك بصوت مفضوح، مدن وبلدان وصحار قفار، بحار ومحيطات، أشرعة تتمزق، سفنٌ ترسو وتغرق ، شوارع وأزقّة وتناقضات، هوس وحروب، جمال وقبح، خير و شر، دنيا ، حدودها جبروت ، أفضل ما في الأمر، أشعر أني إنسان سجين داخل هذا الصندوق الأشيب، محيطات من إفك، عوالم وصراعات، عجائب وغرائب ملساء، خيط يفصل بين التعقل والجنون، يطارد الخير، الشر، قط وفأر، والقباحة ، الجمال ، والقوة، الضعف، تمسك المقارباتِ مقودُ الديمومة لتسخير استمرارية الوجود، ما بقيَ لي منه، نفخةٌ من رماد، أقسم أني أكبرُ حاسدِ للحيوان، فهو مرتاح، منحسرعن التفكير، والشجر ثابت يغفو تحت ظلاله الخيرَ، فالحركة ترخي سدولها عند بوابات مدن الضمير، و تحمل المخلوق على الإتيان بالأفك....

سعفُ نخلتنا مبهر ، يحدثني بهموم الظلم، وأنا ارتشف قدح الشاي، أنشر نفحات الحياة فوق سعفاتها بنثر من مزن خفيف، تتحرّش بأنفي نسمات ربيعية مارقة، تنثّ علينا بخبث من برد لذيذ، يعطّر الجو برائحة التراب، حين يعانقه الماء، فينتشر العبق جميلاً ليداعب الأنوف، عبق التراب، خلقنا منه، وإليه نعود، يحنّ إلينا ويدعونا، سماداً للقادمين، رائحته الزكية تزهر أنوفنا فرحاً، فنحن لحم و دم و تراب، هو أصلنا، ننبت فيه أشجاراً، غصونها أذرع تنهش، و أسنان تلوك... تفكيري المزعج هذا، يتطوّح نحو الشارع، من خلف سياج يحرس شارعنا المقهور، فتمسّ مسامعي شفاه الهامس، و سماع بنات الأفواه الطائرة بوضوح، استدرجني صوت مواء، صدمتني! شوارب وذقن ووجه محفوف بخيط الأنثى ، وبوشم فوق ذراع مكشوف، اتجه هذا المشهد سريعاً، يتحدّى صندوق العقل الأسود، ويشير نحوي بأصبع من فولاذ، من خلف جدران ذاكرتي لحكاية وشم، مرّ فيها بشكل عفوي، وصاح بصوت حانق :

- "اسمع يا هذا....!؟"

مدعّعٍ بالشجاعة كصاحبنا، ذهب لوشّام ، وطلب أن يرسم له وشم أسد، فوق الصدر، يظن ّ أنّه بالوشم يغدو شبيهاً لليث، طلب منه الوشّام أن يتسطّح بعموم جسده، فوق بساط الوشم، بدأ الوشّام العمل، يرسم رأس الليث فوق الصدر، أخذ الألم منه منالاً، من أول وخزة من إبر الوشم، احتلّ الوجع عموم الصّدر، فسأل الرجلُ الوشّامَ :


-" من أين بدأت ، يا أخي...؟"

رد الوشّام :

-" أحاول أن استهل عملي برأس الليث، يا سيدي ...!"

قال الرجل بمواء موجوع، وهو يتأفف من شدة الألم:

-" ارسم ليثاً، من غير الرأس، يبدو أن الرأس مؤلم جداً....!"

تعجب الوشّام ببادئ الأمر، لكنه نفّذ أمر زبونه، مخاطباً نفسه:"الزبون دوماً على حق" ، وعاد الوشام يعمل من جديد ، فاستوقفه الرجل عند أول وخزة ، مستوضحاً:

-" أين تعمل الآن ، يا أخي ....!؟"

ردّ الوشام بعجلة و حيرة :

-" بأرجل الليث الأربعة ...!"

قال الرجل، وهو يتأفف من ألم أول وخزة :

-" ارسم ليثاً، من غير رأس وأرجل، من فضلك....!"

ابتسم الوشام، وصمت قليلاً، ونفّذ الأمر، وبدأ يعمل، الوخزة الأولى، عدّت بخير، والثانية أيضاً، وعند الثالثة، لم يتحمّل الرجل وخز إبر الوشم، وصاح بغضب، متسائلاً:

-" أين تعمل الآن ، يا أخي الوشام العزيز ....!؟"

رد الوشام ضاحكاً :

-" إني الآن، أعمل في جسد الليث، الذي يشبه جسدك تماماً ....!"




يريد الوشام بذلك استنهاض شجاعة الزبون، حتى يكمل عمله فهو إلى الآن لم يفعل شيئاً.... فقال الرجل، وهو يتأفف من الألم، ويكاد يبكي :

-" أرجوك ...ارسم أسداً من غير رأس وجسد وأرجل ....!!؟"

ضحك الوشام وقال :

-" لم يبقَ ، سوى الذيل ....!!؟"

رد الرجل بمواء مؤلم :

-" أظنّك وشاماً ذكياً، ارسم يا أخي ، ذيلاً فقط، وليس كل الذيل،
طرفه فقط، إن سألوني عنه، أقول: خاف الأسد مني واختبأ تحت
قميصي....وهذا ذيله.....هل أنتم عميان.....؟

تناصّ كلام هذا المخنث ‘ بعقال أبي ، كان يفرد مسماراً خاصاً يعلقه فيه ، أمام أعيننا الصغيرة ، يتقصّد أن يكون مرئياً للكل، وتأتي الشكوى من والدتي، يكون هذا السلاح فعالاً، يقوم بواجبه على أكمل وجه، و بشكل جدّي قطعياً ، حين يطلق والدي جملته المخيفة في إطلاق سلاحه النووي، كإطلاق مخرج عصبي استهلال التصوير لمشهدٍ في ساحات حرب ضروس ، بعبارة المشهورة ( ستاند باي، أكشن) ، ولا أظن أن تلك العبارة توازي مستوى عبارة أبي حينما يغضب منا و يطلقها بعصبية ( جيبو العقال ) ....

عند تلك العبارة، تسكب العبارات، ويتوقف الزمن، ينقطع الصوت وتخمد الحركة، وينتشر الهدوء والسكينة، فيسمع صوت رنين الإبرة، إن وقعت على الأرض، أو صوت نملة تنادي زميلتها في الضفة الثانية من نهر الفرات، ويهدأ البيت تماماً، والكل يندلق كراتٍ من زجاج في كل الاتجاهات، منهم نحو فراشه، والآخر نحو واجبه المدرسي، الذي أهمله طوال النهار، لإكماله بعد نطق تلك العبارة، حتى اعتقدت- وأنا ابن السابعة- أن الكون يهدمه عقال أبي، والغريب أنني لم أشاهده يوماً، يستخدم تلك التقنية بشكل فعلي .... وكبرت تربوياً، أدركت أن الهيبة والوقار، أشد تأثيراً من العقاب البدني، وكانت استراتيجيتي في عملي التربوي... و تمنيت اليوم أن تحيا تلك الاستراتيجية، بشكل فعلي ليعمل سلاح أبي فوق ظهر هذا المخنث، ليعود ذكراً.....










ترجم الموضوع إلى لغات أخرى - Translate the topic into other languages



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- وهل تعاقب البراءة....!؟
- وكلاء الشيطان
- الوهم


المزيد.....




- التشكيلية ريم طه محمد تعرض -ذكرياتها- مرة أخرى
- “رابط رسمي” نتيجة الدبلومات الفنية جميع التخصصات برقم الجلوس ...
- الكشف رسميًا عن سبب وفاة الممثل جوليان مكماهون
- أفريقيا تُعزّز حضورها في قائمة التراث العالمي بموقعين جديدين ...
- 75 مجلدا من يافا إلى عمان.. إعادة نشر أرشيف -جريدة فلسطين- ا ...
- قوى الرعب لجوليا كريستيفا.. الأدب السردي على أريكة التحليل ا ...
- نتنياهو يتوقع صفقة قريبة لوقف الحرب في غزة وسط ضغوط في الائت ...
- بعد زلة لسانه حول اللغة الرسمية.. ليبيريا ترد على ترامب: ما ...
- الروائية السودانية ليلى أبو العلا تفوز بجائزة -بن بينتر- الب ...
- مليون مبروك على النجاح .. اعتماد نتيجة الدبلومات الفنية 2025 ...


المزيد.....

- . السيد حافظيوميات رجل مهزوم عما يشبه الشعر رواية شعرية مك ... / السيد حافظ
- ملامح أدب الحداثة في ديوان - أكون لك سنونوة- / ريتا عودة
- رواية الخروبة في ندوة اليوم السابع / رشيد عبد الرحمن النجاب
- الصمت كفضاء وجودي: دراسة ذرائعية في البنية النفسية والجمالية ... / عبير خالد يحيي
- قراءة تفكيكية لرواية -أرض النفاق- للكاتب بشير الحامدي. / رياض الشرايطي
- خرائط التشظي في رواية الحرب السورية دراسة ذرائعية في رواية ( ... / عبير خالد يحيي
- البنية الديناميكية والتمثّلات الوجودية في ديوان ( الموت أنيق ... / عبير خالد يحيي
- منتصر السعيد المنسي / بشير الحامدي
- دفاتر خضراء / بشير الحامدي
- طرائق السرد وتداخل الأجناس الأدبية في روايات السيد حافظ - 11 ... / ريم يحيى عبد العظيم حسانين


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - عبد الرزاق عودة الغالبي - وهل للشجاعة ذيل.....!؟