محمود محمد طه (2)

سامي الذيب
(Sami Aldeeb)

الحوار المتمدن-العدد: 5467 - 2017 / 3 / 21 - 11:47
المحور: العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
    

اشرككم هنا كما فعلت في مقالي الاسبق وكما سأفعل في مقالاتي اللاحقة ببعض فقرات (غير نهائية) من كتابي الذي اعده عن المرحوم محمود محمد طه.
.
عرض فكر محمود محمد طه
ملاحظات أولية
قبل عرض فكر الأستاذ محمود (وهو اللقب الذي يلقبه به اتباعه تحببًا واجلالًا) لا بد هنا من اربع ملاحظات:
.
الملاحظة الأولى
للأستاذ محمود مواقف في كثير من القضايا الدينية والإجتماعية والسياسية عرضها في 35 كتيِّب يضاف إليها عدد من المقالات والأشرطة، باللغة العربية الفصحى واللغة السودانية الدارجة. ولا يمكن لي اختزال كل أفكاره في كتاب واحد. ولذلك سوف اختار النقاط التي اعتبرها مهمة لتوضيح نظريته الأساسية حول ترك القرآن المدني (الرسالة الأولى من الإسلام) والرجوع للقرآن المكي (الرسالة الثانية من الإسلام) وما ينتج عنها من آثار. وكما هو الأمر مع كل مؤلف، بما فيها مؤلف القرآن، نجد تطورًا في فكر الأستاذ محمود الذي امتد من عام 1945، مع كتابه الأول المعنون "السفر الأول " حتى شنقه عام 1985، وليس هنا المجال للتأريخ لهذا التطور. فما يهمنا هنا ليس كيف بدأت وتطورت فكرته ولكن ما هو مضمونها، خاصة في كتابه "الرسالة الثانية من الإسلام" والذي يعتبره هو ذاته "الكتاب الأم" ويتضمن فكرته الأساسية. فقد كتب في مقدمة طبعته الرابعة ما يلي:
هـذا الكتاب هو، بالنسبة للدعوة الجمهورية، الكتاب الأم .. ومع ذلك، فانه موجز، أشد الإيجاز، ويتطلب شرحاً، وتفصيلا، وتبيينا، ليس إليه اليوم من سبيل .. وسيطيب لذلك الوقت عما قريب إن شاء الله .. وما أريد في هذه المقدمة إلى شئ من تفصيل يتناول مواضيع الكتاب المختلفة، وإنما أريد بها إلى تقرير أمر يهمني تقريره، بادئ ذي بدء، وذلك أن الإسلام رسالتان: رسالة أولى قامت على فروع القرآن، ورسالة ثانية تقوم على أصوله .. ولقد وقع التفصيل على الرسالة الأولى .. ولا تزال الرسالة الثانية تنتظر التفصيل .. وسيتفق لها ذلك حين يجئ رجلها، وحين تجئ أمتها، وذلك مجئ ليس منه بد .. (( كان على ربك حتماً مقضياً )) .
وقد وضع موقع الفكرة الجمهورية هذا الكتاب على رأس قائمة كتب الأستاذ محمود. والكتب التي أصدرها بعد ذلك تؤكد على نظريته هذه وتزيدها تفصيلا، خاصة في كتابه "تطوير شريعة الأحوال الشخصية" و "رسالة الصلاة" ، وهذه الكتب الثلاثة تتضمن مسببات الحكم عليه بالردة وشنقه عام 1985. وقد قررنا وضع هذه الكتب في ملحق كتابنا هذا لتسيهل الرجوع إليها. واحيل لمن يريد المزيد عن فكر الأستاذ محمود إلى كتاباته واشرطته في موقع الفكرة الجمهورية http://www.alfikra.org
.
الملاحظة الثانية
للأستاذ محمود نزعة صوفية متجذرة، مع ما يصاحب التصوف من شطحات فكرية يصعب فهمها كما يصعب توصيلها للقارئ. ولذلك سوف اشير إلى تلك الشطحات في مكانها بصورة مختزلة، محيلين القارئ الذي يريد المزيد إلى ما كتبه الأستاذ محمود. وتجدر الإشارة أن كتاب بنت أخيه بتول مختار محمد طه يكاد يخلو من الإشارة إلى تلك الشطحات، ربما لأنها تريد ان توصل للقارئ زبدة حياته وكلامه دون تعقيد رغم أهمية الفكر الصوفي عند الأستاذ. ويجب هنا فهم كلمة الشطحات بالمعنى الصوفي، أو العرفاني. فالشطحات، وفقًا لما يقوله عبد الرحمن البدوي: "تعبير عما تشعر به النفس حينما تصبح لأول مرة في حضرة الألوهية، فتدرك أن الله هي وهي هو، ويقوم إذن عند عتبة الإتحاد، ويأتي نتيجة وجد عنيف لا يستطيع صاحبه كتمانه، فينطلق بالإفصاح عنه لسانه، فيتحدث على لسان الحق لأنه صار والحق شيئًا واحدًا".
.
الملاحظة الثالثة
يستعمل الأستاذ محمود كلمات متعارف عليها بين الفقهاء ورجال السملمين والمثقفين والعامة، ولكنه يعطيها معنًا خاصًا. وهو ما يخلق سوء تفاهم بينه وبين معارضيه. فهم يفهمون كلامه كما متعارف بينهم، بينما هو لا يعني ما يعنون. من جهة أخرى، يريون ان هناك "أمور معلومة من الدين بالضرورة"، ومن انكرها يخرج عن ملة الإسلام. ونجد هذه العبارة مكررة عدة مرات في الحكم الذي اعتبره مرتدًا وعلى أساسه تم شنقه (وفي الكتاب ملحق يضم هذا الحكم). وقد جاء في فتوى: "المقصود بالمعلوم من الدين بالضرورة هو ما علمه عامة المسلمين من الدين بالأولية من دون نظر ولا تأمل وجوبا أو تحريما، مثل: وجوب الصلاة والزكاة والصوم والحج.. وتحريم الزنا والعقوق والظلم والخمر والخنزير والقتل إلى غير ذلك من المسائل التي ينتشر بين المسلمين وجوبها أو تحريمها في الاعتقاد أو العمل" . وقال شيخ الإسلام – حاكياً اتفاق الصحابة على قتل من استحل الخمر: وهذا الذي اتفق عليه الصحابة هو متفق عليه بين أئمة الإسلام لا يتنازعون في ذلك، ومن جحد وجوب بعض الواجبات الظاهرة المتواترة كالصلوات الخمس وصيام شهر رمضان وحج البيت العتيق، أو جحد تحريم بعض المحرمات الظاهرة المتواترة كالفواحش والظلم والخمر والميسر والزنا وغير ذلك، أو جحد حل بعض المباحات الظاهرة المتواترة كالخبر واللحم والنكاح، فهو كافر مرتد، يستتاب فإن تاب، وإلا قتل" . هناك اذن اختلاف في معاني الكلمات وفي مضمون المفاهيم بين الأستاذ محمود ومعارضيه. ولهذا السبب سوف نفسح مجالًا كافيًا لتوضيح الكلمات والمفاهيم في كتابات الأستاذ محمود. فشنق الأستاذ محمود سببه هذا الإختلاف.
.
الملاحظة الرابعة
اتفق مع الأستاذ محمود في نقاط واختلف معه في نقاط أخرى. فهو ينطلق من الإعتقاد بأن القرآن كلام الله، ولو كان على طريقته الخاصة التي تكمن في تقسيم القرآن إلى قرآن مدني الذي طُبِّق بعد الهجرة إلى المدينة عام 622 ولم يعد يصلح للتطبيق في عصرنا هذا يطلق عليه اسم الرسالة الأولى من الإسلام، وإلى قرآن مكي سابق له ولكنه أساس الإسلام وإليه يجب ان نعود بإعتباره الرسالة الثانية من الإسلام. بينما أنا لا اعتقد أصلا بالوحي بالمعنى التقليدي الذي يرى فيه كلام الله للبشر وإن اتفق معه بأن القرآن المدني قد اكل الدهر عليه وشرب لمخالفته لحقوق الإنسان المتعارف عليها الآن. فالوحي عندي هو قول البشر عن الله بما فيه من إيجابيات وسلبيات. وهذا ينطبق على كل الكتب التي يطلق عليها كتبًا مقدسة، بما فيها القرآن. من جهة أخرى، يريد الأستاذ محمود إقامة دولة على أساس الدين – كما يفهمه هو، بينما أنا أرى استبعاد الدين عن السياسة واحترام حرية العقيدة وإقامة دولة على أساس المواطنة. ورغم اختلافنا في هاتين النقطتين الرئيسيتين، سوف أحاول في كتابي هذا اتخاذ موقف محايد، فأعرض فكره بكل امانة، اتفقت معه أو اختلفت. وحتى لا اتجنى على فكره، سوف ألجأ إلى نقل فقرات من كتاباته على قدر الإمكان، والحقت في آخر الكتاب اهم تلك الكتابات. فكتابنا هذا يهدف إلى عرض أفكاره وليس لعرض أفكاري. وتوخيًا للحيادية، سوف اعقد في فصل منفصل مقارنة بين أفكاره وبين أفكار تيارات أخرى تحاول اصلاح الإسلام وأبدي فيه ملاحظاتي على فكره وأفكار تلك التيارات.
.
النبي د. سامي الذيب
مدير مركز القانون العربي والإسلامي http://www.sami-aldeeb.com
طبعتي العربية وترجمتي الفرنسية والإنكليزية للقرآن بالتسلسل التاريخي: https://goo.gl/72ya61
كتبي الاخرى بعدة لغات في http://goo.gl/cE1LSC
يمكنكم التبرع لدعم ابحاثي https://www.paypal.me/aldeeb

#سامي_الذيب (هاشتاغ)       Sami_Aldeeb#          

---

اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين	حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل

كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على:

الفيسبوك

التويتر

اليوتيوب

RSS

الانستغرام

لينكدإن

تيلكرام

بنترست

تمبلر

بلوكر

فليبورد

الموبايل

كيفية إشراك-إيصال مواضيعكم أو مواضيع تهمكم  إلى اكبر عدد ممكن من القراء والقارئات