رحيم العراقي
الحوار المتمدن-العدد: 1436 - 2006 / 1 / 20 - 07:26
المحور:
حقوق الانسان
..إبان العام الدراسي 72_1973 إشتدت ممارسات الطلبة الأعضاء في الإتحاد الوطني ضراوةً رغم طرح ميثاق العمل الوطني والتفاهم حول الجبهة الوطنية مما جعلنا نحن أعضاء إتحاد الطلبة المكشوفين في متوسطة أبي عبيدة الجراح نبحث عن مدارس أخرى تأوينا ..وأعياني البحث الى أن وجد شقيقي كريم العراقي حلاً لمشكلتي :
_ أعرف مطرباً شاباً لم يصور سوى أغنيتين كتبهما عريان وكاظم الكَاطع يدرس في ثانوية مسائية ويحبه الجميع ويحترمه المدرسون في الثانوية ..إسمه قحطان العطار ..إنه غاية في الطيبة
فيضحك قحطان من الأعماق..ضحكته الطفولية الحميمة ..
..طلب قحطان من مهدي سمين رئيس الأتحاد الوطني في الثانوية عدم التعرض لي فأجاب الطلب ..ومضت
الأيام والليالي هانئةً وجميلة نلتقي خلالها بإستمرار ..نذهب الى البتاوين سيراً على الأقدام ونعود الى كمب الكيلاني كذلك لنجد شقيقته المرحومه مهديه قد وضعت لنا العشاء في صينية مغطاة في غرفة الضيوف التي إتخذناها غرفة لنا..بدأ قحطان يحي الحفلات بل وأصبح مطلوباً جداً في الحفلات العامة والعائلية لكنه سرعان ما أخذ يتهرب منها لخجله الشديد من إستلام الأجور..كنت أراه يحمر خجلا و هو يمد يده المرتجفة لإستلام النقود رغم إنهم كانوا يحترمون رغبته في وضع النقود في مظروف وكأنه هدية رمزية..
كان إيجار بيتهم 12 دينار فقط ومع ذلك بدا هذا المبلغ فاحشاً في ظل ظروفه العائلية بعد عزوفه عن الحفلات ..ما عدا المجانية ..فقد رفض مرة إحياء حفلة عرض عليه أصحابها أضعاف أجره وذهب تلبية لدعوة شقيقي كريم العراقي لإحياء عرس الصديق الشاعر فالح حسون الدراجي في الثورة..وكان أن طرده أهل العريس شر طردة كونهم طلبوا فنانة أو فناناً ريفياً.. وظلت هذه الحادثة تؤلم قحطان لسنوات طويلة..
..إكتشف قحطان بي موهبة الشعر الغنائي الشعبي تحت وطأة حاجته الى شاعر غنائي بعد ان كانت محاولاتي في الكتابة مقتصرة على المسرحيات والشعر الفصيح .. فقد قرر ذات يوم إعادة غناء ((على الميعاد )) للفنان الراحل رضا علي بعد أن يقوم أحد الشعراء الثلاثة :عريان وكاظم وكريم بتغيير جميع المقاطع _ الكوبليهات_ لكنهم غابوا عنه في تلك الأيام ..ففاجئني ذات مساء بان أعطاني دفتراً وقلماً وقال بلهجته الحانية:
_ رحيم ..حاول تكتب المقاطع وسأعمل لك شاي بالهيل يخّبل ..
.. ذهب لإعداد الشاي ..وعاد بعد ربع ساعة ووجدني قد كتبت:
..ناسي وعدي دومك
هـاجـرني مـن يومك
أبـــداً مـــا ألـــومك آنا العـــّـوديتك..
..يا عـمـري و مـراده
يا تعــبي وحصــاده
أنا بعت الســـعاده من يوم إشتريتك..
.. أنا تحّـمـلت يامـــه
مـن عـندك مـلامه
وتظل روحي حمامه ترفرف على بيتك..
على الميعاد إجيتك..
..قرأت لقحطان ما كتبته فصرخ: الله..تعالوا مهديه ..جبار ..كريمه..هاشم..لميعه..طارق..عدنان.إسمعوا..
ولم يدعني قحطان أذهب الى بيتنا حتى كتبت موالاً يلائم معاني الأُغنية ..فكتبت :
..تنسى المواعيد يلما خالفتلك وعد (موعد)
وأنتظر وصلك سنين بكل حنيني وعد ( أحسب)
ما فرحتني وأكَولن هاي قسمه ووعد (نصيب )
شدعي على اللي عن إمحبتي داره ( أداره ..قام بتغييره )
وروحي حمامة وفه ترفرف على داره ( بيته )
من المغفره يا ترف راسم علي داره ( دائرة )
كل ما تجيني بعذر أغفر وأكَولن وعد ( وعاد بالهجة الجنوبية تعني لابأس )
..كتبت لقحطان بعدها : يمه يا يمه إشجرالي ،ولفي وأريده من هله وعشرات الأغاني والمواويل ..
..عرفني قحطان بكل أقاربه وبأصدقائه في كمب الكيلاني : نينوس ووديع وجاسم إبن الشرطي وكلبرت وسنحاريب وإلبيرت وألفريد ..وكنت أقول لألفريد عندنا مثل يقول:ألفريد ولا بلاك واحد..
..كذلك عرفني بعجائز المنطقة:عندك ام بطرس تموت علي تحبني أكثر من بطرس ومتي..تسوي كليجه مسيحيه تخبل..
..وأنهينا الدراسة المتوسطة ..فقُبل قحطان بمعهد الفنون الجميلة..ولم أُقبل أنا..فتهشم نصف حلمنا الجميل..
وإشتدت الحملات والمضايقات في منطقة سكناي وأُعتقل شقيقي كريم وإنقطعت أخباره تماماً مدة ثلاثة أشهر فسافرت للعمل (ناصب سقالات)في مشروع عسكري نائي من مشاريع الشركة العامة للمقاولات الإنشائية (مشروع العقد1/75) بمنطقة صحراوية مابين بيجي وسامراء ..وأضعت عاماً دراسياً هو الأول من عشرات الأعوام التي ضاعت فيما بعد.وواصلت اللقاءات بقحطان أثناء الإجازات لنكتب ونتجول بين المقاهي وبيوت كمب الكيلاني الدافئة والمُفعمة بطيبة ساكنيها ونسهر في نادي التأمين أوبيوت الأصدقاء في الثورة والحرية والكرادة والشعب أو مع أحد الأصدقاء المقربين: كاظم فاخر أو الشهيد قاسم فاخر أو اللاعب كاظم شبيب أو الملحن الذي لحن (يمه إشجرالي) المرحوم جابر محمد أو نذهب الى معهد الفنون الجميلة أو معهد الدراسات النغمية في الوزيرية --في معهد الدراسات النغمية طلبنا من الملحن الأستاذ حميد البصري التدخل لقبولي حيث قال له قحطان : رحيم أخو كريم من جماعتكم ..لكنه رفض وقال : دراسة الموسيقى للموهوبين في الموسيقى فقط ..هذا ما تعلمناه من أساتذتنا العظام..كان موقفاً مشرفاً للبصري تمنيت أن يقفه المسؤولون في قسم الدراما بمعهد الفنون الجميلة الذين رفضوني لمجرد عدم الإنتماء للحزب الحاكم--وأذكر أنه عرفني على مطرب شاب من طلاب المعهد لم يسجل للإذاعة سوى أغنية واحدة ( حلوه يلبغدادية ) إسمه صلاح عبد الغفور قال لي إنه قريبه من جهة المرحومة أمه.
بعد ذلك نقلت عملي الى مشروع العقد 74 لبناء مدارج الطائرات في الكوت ليتسنى لي مواصلة الدراسة الثانوية المسائية في ثانوية الكوت..وهناك وبمساعدة قحطان سكنت في بيت أبي زيد رحمه الله وهو إبن عم قحطان الذي إلتزمني وعرَّفني على السيد محسن الدنبوس رئيس عشيرتهم ( كنانه )وأصبحت واحداً من أفراد عائلة أبي زيد المُحبة والمتوادة :زوجته المرحومة ام زيد وإبنيهما المرحومين زيد الذي كان سجيناً سياسياً والشهيد زهير وإبنتهما أزهار التي سمعت خبر وفاتها قبل عشرة أعوام وكأن خريفاً قاسياً عصف بشجرة العائلة هذه وأسقط أوراقها وزهورها اليانعة..
..كان قحطان قد بدأ يشعر بزيف الآخرين..وعدم وجود مُثُل عليا..الكل يتزاحم بالمناكب من أجل فرصة لغيره و لايستحقها.
__ رحيم انا لاأحب المنافسة بهذا الشكل ..أنا أحب كل المطربين..وأحب كل الجيران..أحب أصعد عالسطح وآخذ خبزة حارة من جارتنا ..أحب أتريّق شوربة في كافتيريا المعهد..لكنهم يظنون أني أمثل عليهم دور المتواضع..
..كان قحطان في أوج النجاح وقمة الشهرة فبعد أغنياته الأولى جناح الفرح ويا ضوه ولاياتنه وبالكيف وآه يازماني سافر الى القاهرة بصحبة حسين نعمه وياس خضر وسجل هناك :يا فيض و متى الجيه وشكَول عليك وغيرها ثم عاد وصور للتلفزيون :يكَولون غني بفرح و لوغيمت دنياي وتنافس على عرش القمة مع سعدون جابر قٌبل أن يتدهور سعدون..رغم خوفه من المنافسات..
..وفوجئت ذات يوم بقحطان يقرر الرحيل...
#رحيم_العراقي (هاشتاغ)
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي،
انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة
في دعم هذا المشروع.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟